ليس لأن تركيا فتحت حدودها أمام تدفّق اللاجئين السوريين الذين هربوا من مفاعيل الحلول الأمنيّة، ولا لأنّها استضافت مؤتمرين للمعارضة السوريّة على أراضيها، ولا مواقف رجب طيّب أردوغان (رئيس الوزراء التركي) التي اتّخذت مساراً قاسيّاً في بعض الأحيان فحسب وإنّما لأن تركيا جارة وقريبة جداً لسوريا (جغرافيّاً وديمغرافيّاً ) لذلك وجّهت المعارضة أعينها إلى تركيا.
ولا نستغرب أنّ بعض الاتجاهات في المعارضة وصلت إلى القناعة بأن تركيا بوسعها أن تجلب “حجر العلماء” للمعارضة بحكم أنّ تركيا هي صاحبة الهندسة التي خلّصت النظام من أزمتها مع المجتمع الدولي في مرحلة ما بعد 2005، وهي قادرة اليوم على إغراق النظام في تلك الأزمة من جديد كما يقول المثل الكردي “من بنى شيئاً يمتلك لغز هدمه”، أمّا السلطة فهي اليوم تراهن على إحداث تغيير(وهو حصل بالفعل لأنّ ما نسمعه من الأتراك ليس كما سمعناه قبل أسبوعين) في موقف تركيا لأنّها جاوزت الانتخابات ظنّاً منها أنّ موقف أردوغان ” المُنفعَل بخصوص سوريا وليس الفاعل” مردّه الاستحقاق الانتخابي، أي أنّ أردوغان كان يراد منه توظيف حركة الاحتجاجات في سوريا لصالح حزبه الذي يتقدّم على الأحزاب الأخرى لثلاث دورات متتالية ودائما بغالبيّة الأصوات هذا من جهة، ومن جهة لا يريد النظام قطع علاقته بتركيا، لذلك يسعى النظام لأن يُبقي على علاقته مع تركيا، لعلّ وعسى أن يغيّر الأوربي والأمريكي ــــــالذي قال وليد المعلم بأنه سيزيلهما على الخريطة وسيتوجهون إلى الشرق ــــــــ موقفهما من حركة الاحتجاجات ومن النظام الذي ما زال يصرّ على تغليب الخيار الأمنيّ على الخيار السياسيّ. مع أنّ الإعلام السوري ما زال مستمرّاً في تهجّمه على تركيا وأردوغان إلى درجة يطلب الموالون للنظام أن يبثّ التلفزيون السوري حلقات من مسلسل “أخوة التراب” الذي يفضح ” الاستبداد العثماني”
والحقّ ثمّة رهانٌ من قبل أنصار السلطة على تغيير الموقف التركي من الاحتجاجات في سوريا، وبدأ البعض يتحدّث عن موقف تركيا مفاده: أنّه لن تبقى على نفس الموقف الذي اتّخذته قبل الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة ، فقد تغيّر (موقف تركيا) ومعرّض للتغيير بشكل أوضح في الأيام القادمة، وما الكراّس الذي قدمتها تركيا إلى السلطة في سوريا إلا دليل على أنّ تركيا تودّ الإصلاح وليس التغيير في بنيّة النظام السوري، مع أن المعارضة تريد التغيير. تجدر الإشارة إن هذا الكرّاس هو بمثابة خارطة الطريق للنظام السوري ليخرجه من أزمته الوطنيّة الغارق فيها، ولعلّ النظام أحوج إلى هكذا الخارطة أولاً، وكون تركيا هي الوحيدة التي تمتلك العصا السحرية للتأثير على موقف بعض الاتجاهات في المعارضة ثانياً. فالنظام يريد أن يخرج من الأزمة دون المساس في أركانه وبأقلّ خسارة .
© منبر الحرية،09 يوليوز/تموز2011
أمّا المعارضة والتي تبدو قريبة جداً لأردوغان ومردّ هذه القربة ليس تماماً كما يظنّ البعض العزف على الوتر المذهبي ( تركيا الدولة السنيّة القريبة) بل تفكر بأنه يمكن استثمار العلاقة الوطيدة التي تربط أردوغان بالرئيس بشار الأسد للحؤول دون الانزلاق في الانقسامات المجتمعيّة، كما أنّ الاعتماد على أردوغان يعزّز التلاحم العربي مع نشطاء الثورة في سوريا، كونه محببّ بالنسبة للشارع العربي ، كما أنّ العلاقة مع أردوغان تسيّر التطور لا تعيقه، ولكي لا تُلام المعارضة من قبل النخبة العربيّة في الدول العربيّة التي ما انفكّت تعاني من نفس “تسونامي التغيير”. يمكن القول أنّ ما سلف يشكل اليوم أرضيّة العبور للمعارضة الخارجيّة إلى الساحة السياسيّة في سوريا من خلال تركيا.
إذا توحي في الأفق أنّ تركيا هي الوحيدة التي بإمكانها أن تلعب دوراً مهمّاً بالنسبة للمعارضة والسلطة بعد أن أصبح جليّاً بأنّهما يعوّلان عليها، الأمر الذي وضع أردوغان أمام الاستحقاق الأخلاقي لتطييب الخواطر خصوصاً أنّه ثمّة معطيّات جديدة أُقحِمَت في المسألة السوريّة، إذ أعلنت إيران بأنّها ترفض أيّ تدخّل في شأن سوريا الداخليّ، الأمر الذي عكّر المزاج التركي الذي يرفض أن يخسر سوريا (بوّابة تركيا للعالم العربيّ).
وهكذا لم يبق أمام تركيا غير خيار اتّخاذ السبُل الدبلوماسية الهادئة، وإعطاء فرصة أخرى للنظام، والانخراط معه في الحديث بشكل أعمق مع النظام.
لكن وفي ظلّ هذه الظروف ماذا سيفعل المرء للنظام؟ هناك أكثر من عشرة آلاف لاجئ سوري في تركيا والعدد يزداد لحظة بلحظة، وعلى عكس ما يقوله النظام بأنّه تجاوز الأزمة، فالمظاهرات تفعل فعلتها في حين كانت المظاهرات تقتصر على يوم الجمعة، والآن التكتيكات مغايرة، فأصبحنا نرى المظاهرات في كلّ يوم، إضافة إلى مسيرات الشموع، ومسيرات الأطفال، والنسوة، حتى في ركن الدين (الحي الدمشقي ذا الأغلبيّة الكرديّة) قامت المظاهرة ( مرّة ) بعد منتصف الليل. فضلاً عن الحراك من قبل المعارضة في الخارج ومظاهرات السوريين ومعهم بعض العرب في عواصم الدول الأجنبيّة وفي بعض الدول العربيّة، علاوة على ذلك يُطرح من هنا وهناك مبادرات للحل من قبل المثقّفين والمعارضة وكانت آخرها مبادرة منسقيّة الثورة السورية الداعيّة إلى “مؤتمر الإنقاذ الوطني” إضافة إلى خارطة الطريق للمعارض ميشيل كيلو والمبادرة الكرديّة للحلّ والتي وصفت ما يجري في سوريا ب”النهضة”، بالمقابل نلاحظ بطء النظام في تفعيل ما صدر من المراسيم والقوانين والتعاميم، وتراهن على أن الشارع سيهدأ فور تغيير الموقف الخارجي الإقليمي والدولي وبعد أن تترجم ما سينجم عن “مؤتمر الحوار الوطني” الذي يتبناه النظام.
ولا نستغرب بأنّ حكومة أردوغان ومنذ اليوم الأوّل من الاحتجاجات السورية كانت تعيش بين طرفي حجر الرّحى، طرف الشارع التركي والذي كان غالبيّته يطلب من أردوغان اتّخاذ موقف أكثر صرامة تجاه السلطات السوريّة، والطرف الآخر هو طبقة الأثرياء الأتراك التي عزّزت مواقعها في سوريا وهذه الطبقة ما فتئت ترى مصلحتها في ظلّ هذا النظام وهي بحاجة إلى بيئة اقتصاديّة مستقرّة وإن كانت فاسدة، على عكس تركيا التي تمنع توسّع ظاهرة الفساد خصوصاً في ظلّ حكومة “العدالة والتنمية” التي ما انفكت وهي ترى محاربة الفساد إحدى مصادر قوّتها.
ولذلك نلاحظ ثمّة موقف جديد يُبلور في تركيا وخصوصاً من رجب طيّب أردوغان، ومن يدري؟ ربّما يكون الموقف الجديد الذي ينتظره البعض من تركيا ملائماً جداً لرؤية أثرياء الأتراك الذين يريدون الاستقرار على عكس ما تودّه المعارضة السوريّة هو “تغيير النظام “.. !!
One comment
فؤاد انور عبد الرحمن
13 ديسمبر، 2011 at 11:36 ص
ال ان منجمي العالم اجتمعوا علي وضع نبوءاتهم للعالم العربي لعجزوا عن تصور ماحدث منذ ديسمبر2010 وحتي الان وربما يصيبهم العجز بمغادرة المهنة الي الابد والمشكلة المطبقة اننا لانضع الحالة او الحالات تحت مجهر التحليل ولدينا كل مداخل التحليل لكي نضع الاسباب المنطقية في حدوث الانفجارات في العالم العربي علي التوالي دون هوادة وباسلوب واحد وهتافات واحدة ورد فعل دولي من مجموعة دول بعينها مصنفة في خانة اعداء العالم العربي ثم رد فعل اقليمي تابع ذليل لارادة رد الفعل الدولي اياه واذا القينا نظرات فاحصة علي حالات مسبقة كانت تمهيدا لمسرح العمليات المقبل لوجدنا الصومال والعراق والسودان و مافعله التدخل الدولي للمجموعة اياها في تلك الاقطار وهو كارثة بكل المقاييس والاعتبارات
وللاسف فان كافة المحللين قفزوا فوق الظاهرة بسطحية فجة لاحدود لتصورها وامامهم عالم عربي ينهار دفعة واحدة دون اساطيل برية او جوية او بحرية الا في حالات مستعصية كالحالة الليبية ولم تكن الحملة العسكرية المعدة مسبقا لاي نظام مقاوم من قبيل المصادفة فهناك الممولين وهناك المنفذين وهناك المتفرجين علي مقاعد جثث واشلاء تتطاير ومدن تهدم علي رؤوس اصحابها وتضع كافة الاوطان في مراحل التخلخل والتحلل الخطير انك تستطيع للحظة ان تتصور مغبة ان تهدم مصنعا او مؤسسة لتعيد طرحها بشكل مغاير تمامافي النظم والتقنيات والخبرات المكتسبة والمهارات والمعدات الخ انها معضلة بكل المقاييس ولم يكن احد يتخيل كما في اذهان المحللين المتحللين من ادني عواقب المسئولية ان يحدث هذا علي مستوي دولة بهذا الاصرار القاتل دون هوادة و ليس السوريين بعيدين ابدا عن احداث ليبيا حتي ياتي من يلقي بنظره الي خارج الحدود من اجل الاستعداء باعداء العرب علي وطنه وذبحه في وضح النهار
كاننا امام مواطن اسرائيلي او اعدي اعداء العروبة وربما كان لهؤلاء منطقيات اكثر عقلانية من اساطيل محللينا السياسيين الذين يقودون الامة باكملها الي الانهيار من اجل عيون وبقاء اسرائيل الي الابد ولم لا اليس الساسة في الولايات المتحدة هم اصحاب شعار يقتلني الرب ولا اؤذي اسرائيل
اما الحالة التركية فلم تات من فراغ وهي دولة عضو في حلف الاطلنطي لازالت تستجدي الدخول في المنظمة الاوروبية وان جزء من الاذدهار الاقتصادي في تركيا يعود الي السوق الروسي وان هناك حدود حمراء لروسيا يجب الا تتجاوزها تركيا خاصة مع منظومة الدرع الصاروخي الاطلنطي واننا لم نري تغييرا في الموقف التركي الا بعد زيارة لافروف لتركيا فان تركيا لم تكن تستقبل اللاجئين فقط بل تدرب وترسل المجموعات المسلحة عبر الحدود السورية التركية
ان متطلبات الحرية والعدالة شيء نبيل لكن الاصرار علي ضرب دعائم الوطن في كل اتجاه وفي كل مكان والاستقواء باعداء العرب ودعوتهم لضرب سوريا شيء يتجاوز كل الوصف وكل الحدود فلايمكن ان يكون هذا الاصرار نوعا عفويا من الغباء لكنه نوعا مبرمجا للخيانة السافرة