هل يكون حزب الإخوان المسلمين نسخة مكررة من حزب الدولة التسلطية؟

عزمي عاشور29 يوليو، 20112
التحق الإخوان بالثورة في وقت لاحق من قيامها إلا أن ذلك لم يكن يميزهم عن غيرهم مع باقي فئات القوى السياسية الأخرى التي انصهرت تحت علم مصر وروح الوطنية المصرية التي طالما كانت بدورها محل جدل عند الإخوان أنفسهم...التفاصيل،

عُد منذ سنوات مجرد طرح فكرة إنشاء حزب سياسي للإخوان المسلمين  تحولا في نهج الجماعة حول قضية طالما كانت تعتبر من الأسس الفكرية التي كان يتمسك بها مؤسس الجماعة حسن البنا من رفضه لفكرة التحزب. وهو ما يفسر طول فترة الجدل حول إنشاء الحزب على مدار السنوات الماضية والتي طرحت خلالها تصورا لبرنامج الحزب المزمع إنشاؤه للمناقشة على الرأي العام والنخبة الثقافية  لتبدي رأيها فيه، والذي لاقى مضمونه  تحفظا من الكثيرين حول عدد من القضايا الأساسية من بينها شكل الدولة  هل يريدونها مدنية أم دينية… واستمرت حالة التذبذب هذه إلى أن جاءت المفاجأة التي كانت على الجميع بما فيهم جماعة الإخوان  أنفسهم بنجاح ثورة 25 يناير الشبابية في أن  تطيح  بالنظام وتسقطه بطريقة دراماتيكية، وهو الأمر الذي جعل  الكل في حالة اندهاش وعدم قدرة على الاستيعاب والتفكير، لأسباب عديدة أهمها أن هذه الثورة هم ليسوا من فجروها وإنما الشباب الجديد غير المتحزب وغير المؤدلج بالدين،  وان التحق  الإخوان بالثورة  في وقت لاحق من قيامها  إلا أن ذلك لم يكن  يميزهم عن غيرهم مع باقي فئات القوى السياسية الأخرى التي انصهرت تحت علم مصر وروح الوطنية المصرية التي طالما كانت بدورها محل جدل عند الإخوان أنفسهم . السبب الثاني أنهم على مدار العقود الماضية كانوا بالفعل رواد المظاهرات بالأخص في الجامعات وهو الأمر الذي كان يعطى الثقة لقياداتهم بكونهم موجودون ويستطيعون أن يحركوا الشارع في صالحهم عندما تسنح الفرصة ، فإذا بهم يفاجئوا بان الشارع يتحرك بدونهم وليس تحت قيادتهم…،  ثالثا: سقوط النظام الديكتاتوري في حد ذاته الذي كان يستمدون منه شرعيتهم وتعبئتهم لقطاع كبير من الشارع، باعتبار أنهم مقهورين ومكبوتين تحت سلطويته، وهم في ذلك لم يكونوا استثناء عن كل القوى وباقي الشعب المصري، إلا أن تسليط الإعلام عليهم والتوظيف السياسي من قبل النظام بتخويف المجتمع منهم جعل منهم شأن مختلف، الأمر الذي تركهم الآن في حالة من  البحث عن شرعية جديدة يعيدون تقديم أنفسهم بها، فشرعيتهم كانت قائمة في الماضي على محاربة النظام الذي سقط .. السبب الرابع يكمن في انه في تسارع نتائج الثورة الإيجابية تم الإفراج  بعد عشر سنوات عن حزب الوسط الذي يمثل صورة معتدلة  في مرجعيته الإسلامية للقضايا المعاصرة  ، حيث  أن مؤسسيه معظمهم من المنشقين عن جماعة الإخوان المسلمين  التي كانت لها رؤية عصرية للواقع السياسي  تتعارض مع الرؤية المحافظة للجماعة..
كل هذه الظروف جعلت الجماعة تسرع  بإعلان اسم حزبها   “الحرية والعدالة ” ليكون محل نقاش من قادة الجماعة  وفي الوقت نفسه مطروحا على الرأي العام، ولم يمر أكثر من شهرين  حتى حسم مجلس شورى الإخوان في اجتماعه الأخير في 30ابريل 2011  قرار إنشاء الحزب باختيار رئيس له ونائبين وأمين عام  من كوادر الجماعة، وهو بالفعل أمر جيد سوف يحسب لهم  إلا ان  طريقة ميلاد الحزب وتعاطي الجماعة معه، هذا بخلاف البرنامج الذي  كان عليه في السابق تحفظات من الرأي لعام، بات يثير الكثير من علامات الاستفهام وفقا للآتي:
أولا: حزب الإخوان سوف يمثل الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين على حد تعبير خيرت الشاطر في حواره في جريدة  الأهرام  في 5 مارس، 2011 ، وهو ما يعنى ان الجماعة كليةً  لن تتحول إلى حزب وإنما هي تخلق مؤسساتها السياسية ممثلة في الحزب ومؤسساتها الاقتصادية في مشاريعها  الكثيرة التي يمثل الشاطر أحد رجال أعمالها، وأيضا سوف يتم الحديث عن الجناح العسكري، وهو ما يعنى بطريق غير مباشر نفيا للأسس التي قامت عليها مدنية الدولة المصرية الحديثة.
ثانيا:  إن الشكل الذي أعلنت به الجماعة بإنشاء حزبها يذكرنا بالطريقة التي جاء بها الحزب الوطني الديمقراطي والذي أنشأه الرئيس أنور السادات في أواخر السبعينات من القرن الماضي ليكون هو حزب الدولة  ونخبة الدولة  بمستوياتها المختلفة من القمة إلى القاع ومن العاصمة إلى الأقاليم . بالمثل الإخوان يتصرفون فبدل الدولة هناك الجماعة بمرشدها  والحزب بمثابة ذراعها الذي يأتمر  ويخضع لقادتها..
هذه الطريقة في إنشاء الحزب بشكل وان بدا انه منفصل عن الجماعة وإنما هو في الواقع كما قال خيرت الشاطر الجناح السياسي للجماعة يؤكد أنهم لم يستوعبوا الظروف التي قادت إلى ثورة الشباب وحققت نتائجها بهذه السرعة  التي جاءت قيمتها أن هؤلاء كانوا في ثورتهم وفي تحركهم أكثر عقلانية من الكثير من القوى السياسية  بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، فهم انطلقوا من العالم الافتراضي وترجموا  أحلامهم وأفكارهم على ارض الواقع ولم يتكتلوا داخل إطار تنظيمي أو هيراريكي يقيدهم مثل ما هو حادث في جماعة الإخوان التي تقدس الأشخاص والأفراد ، وهي المفردة التي ضربت بها ثورة الشباب عرض الحائط عندما تحول الجميع إلى كيانات فاعلة دون تمييز في روح جماعية … فيأتي الآن الإخوان عندما يريدون أن ينشأوا حزبهم  فبدلا من تحول الجماعة إلى حزب سياسي يصرون على رؤيتهم القديمة المبنية على إنشاء دولة موازية داخل الدولة، فإذا كانوا هم ليسوا مع مرجعية الدولة المدنية فتعمل في إطار الواقع على إيجاد  دولة ذات مرجعية تأخذ شكل الدين  موازية بجناحها السياسي الممثل في الحزب وجناحها الاقتصادي الممثل في الأنشطة الاقتصادية… فضلا عن أجنحة أخرى لم يعلن عنها لعدم تلائم الواقع معها مثل الجناح العسكري .. فهم يسيرون بنفس نهج ديكتاتورية النظام السابق في طريقة بنائها لشرعيتها والتي سوف تكون عند الإخوان  تدشينها ميسورا مادامت مرتكزة على الخلفية الدينية  … على ما يبدوا لم يستوعب قادة وشيوخ الإخوان   فلسفة ثورة الشاب  التي من المفترض أنها غيرت من  عقلية الجماعات الدينية، بإعادة المراجعة حول الكثير من الأفكار والرؤى التي قد  يكون في حالة الإصرار عليها بداية النهاية لهم مثلما حدث للنظام السابق. إن إنشاء حزب سياسي أمر محمود في ظل هذا الحراك  السياسي ولكن ليس بعقلية الديكتاتورية والسخرية من الواقع المدني والمجتمعي لدولة تزخر بتراث ثقافي  وحضاري تم تدشينه عبر مائتين  سنة  من عمر المجتمع المصري الحديث .
© منبر الحرية،28 يوليوز/تموز2011

2 comments

  • جيهان الطاهر

    1 أكتوبر، 2011 at 11:36 م

    ! مقال جميل للغاية اساذ عزمي. يمكنكم النظر الي التجربة الاسلاموية الكارثية الدموية في السودان! الاخوان المسلمين و ان تغير لون الجلد، فالحرباء واحدة!

    Reply

  • Elsayed salamah

    12 ديسمبر، 2011 at 1:26 ص

    تعلمنا فيما مضي ان الحكم علي نتائج أي تجربة يكون بعد إقامة التجربة كاملة وتحت شروط هذه التجربة وفي نهايتها يمكن لي بتقييم النتائج ولا يمكن لأي شخص كائن من كان ان يحكم علي تجربة ما قبل أقامتها علي ارض الواقع لأنه فقد عنصر الموضوعية والمحايدةوكل تجربة لها شروطها الخاصة بها ولا يمكنني الحكم علي اي تجربة من خلال تجارب سابقة ولكن يمكن الأسترشاد فقط وفي النهاية أقول ان الأخنلاف من مقومات هذه الحياة -اختلاف الشواهد -اختلاف الظواهر – اختلاف السلوك – اختلاف الطباع – اختلاف الكون – اختلاف الخلائق – أختلاف النوع الواحدمن اخلائق – اختلاف البشر – أختلاف افراد الأسرة الواحدة -حتي داخل الأنسان الواحداختلاف الخلايا- اختلاف الأنسجة – اختلاف الغدد والأعضاء – اختلاف وظائف وفسيولوجيا كل عضو – ومع ذلك فلكل عضو أوغدة وظيفة فسيولوجيا ما يؤديها علي اكمل وجه بما يتفق في النهاية مع ما يصح به هذا الجسدوأداء الوظائف المنوطة به وما خُلق من أجله واي متأمل ولو قليلاً يجد ان الكون يدوركمنظومة واحدة وفي تناسق دقيق ومتناغم مع بعضه البعض. وفي النهاية نخلص ان جسد اي امة وأن اختلفت وجهات نظرأفراده او ارائهم او معتقداتهم فهم في النهاية يكونون جسد هذه الأمة ولابد ان يكون لكل منهم دوره الواجب عليه ان يؤديه وله مثل غيره من الحقوق في هذه الأمة لاتطغي عليه ولاتحرمه حقه اي فئة من فئات هذا المجتمع لطالما يطلبه وفق منظومة هذه الأمة السليمة لاأعوجاج ولا شذوذ علي النظام المتبع في هذه الأمة . وعلي قدر التوافق والتناسق والتناغم بين أفراد اي امة او عدمه يكون التقدم او التأخر . وأظن ان جميع فئات الأمة وعناصر المجتمع لابد من تمثيلها بكل مؤسسات وهيئات المجتمع دون إقصاء لفئة منه أو حرمانهم لأحدحقوقهم مثل هذا الحق. واظن ان البقية واضحة والطريق اصبح واضحاً.

    Reply

جيهان الطاهر اترك ردا على إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018