كان إجراء الانتخابات المصرية مسار شد وجذب في نواحي كثيرة أبرزها، هل نبدأ بها أم بالدستور، ثم جاء الجدل بعد ذلك ما بين القوى السياسية حول الأسلوب الأمثل للانتخاب، هل بالقائمة الحزبية أم النظام الفردي والتي انتهى في النهاية بالموافقة على الترشح على 70 % من المقاعد للقائمة للأحزاب و30% للفردي بشرط أن تكون بدورها مفتوحة للأحزاب. وعلى ما يبدو أن سجال هذه الانتخابات لن يتوقف خاصة بعدما أجريت جولتها الأولى يومي 28 ،29 نوفمبر وصبت نتائجها بأكثرية في صالح جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين مع ضعف التمثيل للأحزاب التقليدية المعروفة .. والسؤال الذي يراود الكثيرين الآن، هل إجراء الانتخابات في سياق المرحلة الانتقالية بكل تفاعلاتها يعكس مغزى العدالة داخل المجتمع وتكون دستورية، ولن تبطل فيما بعد..؟
فقد حدث على مدار الأشهر العشرة الماضية ما يشبه التفاعل ما بين القوى السياسية التي كانت موجودة قبل الثورة والقوى التي برزت فيها وتمثلت في قوى الشباب .. وهذا الواقع افرز لنا مجموعة من الأحزاب الجديدة جزء منه ظلمته الفترة القصيرة قبل الانتخابات وهي الأحزاب التي تعبر عن شباب الثورة الذين لم يكونوا موجودين في السابق إلا في شكل نشطاء فاعلين من خلال الوسائل الحديثة ومن خلال تفاعلهم في المظاهرات وكانوا بالفعل هم المبادرين الأوائل الذين حملوا على أعناقهم الثورة المصرية بدءا من الحركات الاحتجاجية، ككفاية وغيرها من الحركات الأخرى ك 6 ابريل وحملة البرادعي.. وكان آخر ما يفكرون فيه تحولهم للعمل السياسي الحزبي، فالكثير منهم قد هرب من الأحزاب واستقل في الحركات الاجتماعية، وعندما أجبرتهم الظروف على أن ينضموا إلى الأحزاب حتى يشاركوا في انتخابات الثورة كان ذلك بالنسبة لهم أمر فيه تردد، إلا أن ظروف ضغط الوقت أجبرت بعضهم على تكوين أحزاب على الرغم من قناعتهم بفاعليتهم أكثر داخل الحركات الاجتماعية.. الشكل الثاني من الأحزاب الجديدة هي ذات المرجعية الإسلامية، وهي تختلف عن الأحزاب التي ارتبطت بشكل كبير بالثورة، لكونها جاءت لتكون انعكاسا لقوى وتجمعات دينية موجودة بالفعل في المجتمع من قبل الثورة سواء في شكل جماعة الإخوان المسلمين بحزب الحرية والعدالة أو أحزاب التيار السلفي أو حزب الجماعة الإسلامية فكل هذه الأحزاب عكست وجودا فعليا وانتشارا جغرافيا لمناصريها في كل أنحاء مصر تحت مسميات دعوية دينية.. ومن ثم فهي لم تكن في حاجة إلى الوقت لتبنى شعبيتها مثل أحزاب الثورة الجديدة ..ومن ثم فسرعة إجراء الانتخابات باتت في صالحها على عكس أحزاب الثورة التي قامت بالثورة ولم تكن مهيأة بالشكل الكافي للتواجد الجغرافي مثل الإسلاميين.. وهذه أول قاعدة مخلة بالعدالة أو بعدم دستورية الانتخابات لو دخلت بهذا الشكل الذي لا تتوفر فيه مبدأ تكافؤ الفرص بين المتنافسين من الأحزاب وفقا للاتى:
أولا: إن نظام القائمة يفترض بالفعل أن الأحزاب الموجودة في المجتمع تمثل المجتمع المصري تمثيلا صحيحا، لا كما يظهر في تفاعلات ما بعد الثورة التي لا تعكس الأحزاب فيها التمثيل المتكافئ للمجتمع المصري.. خصوصا في ظل اختفاء الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يهيمن على الحياة السياسية للمصريين وضعف الأحزاب التقليدية وتحول التيار الرئيسي للمعارضة ممثلا في الإسلاميين إلى أحزاب بسرعة ملفتة للنظر على الرغم من رفضهم في السابق لمنطق التحزب استنادا إلى الأرضية العريضة الموجودة لهم .. لذلك فمنطق السبعين في المائة قوائم لن يعكس بالأحزاب التي سوف تدخل في المجلس ولن يعبر عن واقع القوى السياسية الموجودة داخل المجتمع ….
ثانيا : إن عملية تبلور الحياة الحزبية في المرحلة الانتقالية يشوبها قدر كبير من عدم الإنصاف، فهناك ما يشبه الانفصام ما بين واقع الثورة المصرية وبين القوى والأحزاب التي كانت تفاوض المجلس العسكري على النظام الانتخابي والقضايا الأخرى المثارة حتى آخر لحظة، فهي نفسها القوى التي كان تتفاوض مع عمر سليمان قبل تنحى الرئيس السابق ليس لكونها هي التي تتزعم الثورة ولكن لتكون زراع يتم ضرب الثورة بها … باستثناء إضافات جديدة مثل السلفيين والجماعة الإسلامية ..
ثالثا: من ينظر إلى السيناريو الذي تم به إدارة الأمور بعد عملية الاستفتاء في 19 مارس الماضي يلحظ هناك ما يشبه التجني على الثورة الحقيقية وشبابها في صالح تعظيم شأن فئة في المجتمع على حساب أخرى .. فهي عظمت من شأن الإسلاميين سواء بتبنيها لنظام الانتخاب القائم في معظمه على القائمة مع السماح بالدخول لهم في النسبة المتبقية على الفردي دون مراعاة للمناخ والظروف التي تكونت فيها هذه الأحزاب في فترة ما بعد الثورة .. هذا فضلا عن عدم مراعاة هذه الانتخابات لفئة تشكل 15 % من المجتمع المصري ممثلة في الأقباط والذين باتوا يشعرون بالغبن إزاء هذا الواقع غير المعبر عن العدالة في انتخابات تشوبها عدم المشروعية منذ البداية .. نظرا لمتغيرين أساسين أولها أن الفترة التي سمحت فيها بتكوين أحزاب جديدة فضلا عن الأحزاب القديمة التي كانت بالأساس شكلية لا يمكن أن تعكس طبيعة المجتمع المصري بشكل صحي وثانيهما تبني النظام الانتخابي يشوبه كثير من عدم الدستورية لكونه لا يعكس العدالة وينحاز لقوى على حساب أخرى ممثلة في القوى الإسلامية سواء كان ذلك عن قصد أو عن جهل بطبيعة الواقع …
رابعا: من ينظر إلى فترة الدعاية والوسائل المتبعة يلاحظ عدم التكافؤ في الفرص أيضا نتيجة الخلط ما بين العمل السياسي والعمل الدعوى الديني ..فبات واضحا أن متغير الدين بات سلاحا مهما في الدعاية وبالأخص في مناسبات خطب الجمع فضلا عن المؤتمرات والندوات التي تأخذ مسميات دينية وتشتغل في العمل السياسي.. وهذا الشكل من الدعاية يحمل عدم الإنصاف بين القوى التي تستخدمه والقوى السياسية الأخرى نتيجة استغلال وسيلة يفترض فيها التنزه والحيادية، وهي ممثلة في خطب الجمعة ..فضلا على أن السلفيين والجماعة الإسلامية مجال انتشارهم وتواجدهم مبني على الشكل الدعوى. وعندما ينتقلون للعمل الحزبي والسياسي ينتقلون من نفس الأرضية التي كانوا عليها في السابق، وهو ما يجعل تحكمهم وهيمنتهم على عقول الكثير من فئات المجتمع سهلا باسم العمل الديني ومن ثم العمل السياسي وبالتالي التصويت سوف يكون ليس للبرنامج السياسي وإنما لشهرة الداعية وتأثيره على عقلية المجتمع..
فهل سوف تكون هذه الانتخابات محكومة عليها بعدم الدستورية؟ …وفي هذه الحالة إلغاؤها سوف يكون ثمنها غالى لتحفز الإسلاميين لتبني العنف وإيمانهم بأن قواعد اللعبة تسير في صالحهم بعد حصدهم أكثرية المقاعد من المرحلة الأولى للانتخابات بصرف النظر عن مصالح الوطن أو الإخلال بمنطق العدالة حتى لو كان باسم الدين…
© منبر الحرية،03 يناير/كانون الثاني2012