الإسلاميـون الجـدد.. مفـاجأة الربيـع العربـي

نوح الهرموزي8 يناير، 20120
بالمشاركة السياسية للحركات الإسلامية، وبوصول بعضها إلى سدة الحكم يدخل الإسلاميون مرحلة جديدة تلفها تحديات تتعلق بإدارة الدولة و تنمية المجتمع الذي ينتظر حلولاً عملية لمشاكل متفاقمة و متزامنة أحالت نسبة كبيرة من أبنائه إلى دائرة الفقر و دياجير البؤس والتخلف.....

عرفت الحركات الإسلامية المعاصرة حالة زخم سياسي منذ تهاوي المد القومي العروبي إثر نكبة 1967م، فغدت خلال أربعة عقود من الزمن أحد أهم حقائق المشهد السياسي في الدول العربية والإسلامية، كما حظيت باهتمام دولي بالغ مع انخراطها في الصراع الدولي في  ظل الحرب الباردة، لصالح المشروع الرأسمالي الغربي.

بيد أن تسييس الحركات الإسلامية وانخراطها في العمل العام وفق ما تسمح به ظروف الدول التي تنشط فيها، وإن كان قد منح الإسلاميين فرصة الولوج إلى السلطة والمشاركة في الحكم، بأقدار متفاوتة، إلا أنها كشفت فيما بعد عن  أزمة حقيقية تعيشها حركات الإسلام السياسي، تتعلق ابتداءاً بالبرنامج العام الذي يكتنفه الغموض، وتحيط به الشكوك وعلامات التعجب.

ومن المآخذ الكبرى على هذه الحركات، أنها تتعامل مع الديمقراطية من منطلق برغماتي لا يدل على التزام حقيقي بالقيم الملازمة للديمقراطية الليبرالية، وإن كانت بعضها قد قطعت خلال العشرية الأخيرة خطوات مهمة على صعيد التكيف مع الديمقراطية والقبول بآلياتها المتعلقة بطريقة الوصول إلى السلطة، وإمكانية تداولها سلمياً.

كذلك، فإن الزخم الذي رافق الإسلام السياسي، واعتباره البديل لأنظمة الحكم العربية الاستبدادية، دخل حالة من الارتباك والتراجع، إثر الحادي عشر من سبتمبر 2001، الحدث التاريخي الذي فرض على معظم الحركات الإسلامية حالة دفاعية تتبرأ فيها من الإرهاب ورفض الآخر.

طوال العقد الماضي كانت كل المؤشرات تذهب إلى تراجع الحركات الإسلامية مع تصاعد القبضة الاستبدادية لأنظمة الحكم العربية، ولم يتنبأ أحد بالربيع العربي الذي أعاد الروح للشعوب مبشراً بانتصار القيم الديمقراطية و إن تصدر الإسلاميون المشهد السياسي.

تحول إجباري

فرضت تداعيات الحادي عشر من سبتمبر، على الحركات الإسلامية خطاباً دفاعياً، يتنصل من أية علاقة لها بالإرهاب، ووفقاً للخطاب الذي يتبناه الإسلاميون، باتت الحركات المصنفة بالاعتدال أقرب إلى تفهم سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، التي نسجت بدورها علاقات منظورة وغير منظورة مع عدد من جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي.

تزامنت هذه العلاقات مع النجاح المضطرد للتجربة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية، الذي غدا ملهماً للإخوان المسلمين في دول الربيع العربي.

ففي مصر اضطرت جماعة الإخوان المسلمين العريقة إلى تجديد آليتها السياسية، بالإعلان عن حزب الحرية والعدالة المنبثق عن الجماعة و هو الحزب الذي تشير النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية أن الأخوان في مصر على موعد مع أول تجربة لهم في السلطة منذ نحو ثمانين عاماً.

الثورة العربية التي انخرط فيها الإسلاميون بزخم لافت رفعت شعار الحرية والدولة المدنية، في الوقت الذي لا يزال موقف الإسلام السياسي غامضاً و ملتبساً بشأن الحريات و حقوق المرأة وغير المسلمين، لذا سارع حزب النهضة في تونس إلى طمأنة الداخل والخارج بخصوص علمانية المجتمع التونسي، وفعل حزب العدالة والتنمية في المغرب الشيء نفسه، عندما أكد احترام الحريات الشخصية للمواطنين المغاربة، وينتظر من إخوان مصر واليمن مواقف مماثلة.

وحال نجحت الحركات الإسلامية في دول الربيع العربي، فإن تجربتها ستنعكس بسرعة على حالة دول أخرى تعيش مأزق الاختيار بين العلمانية والإسلاموية، كما في العراق وفلسطين والأردن والجزائر.

فالعراق الذي تحكمه الطائفية إثر الاحتلال الأمريكي، قد لا يخرج من أزمته إلا بتثبيت أسس الدولة المدنية/ العلمانية، التي تكفل الحق في الحرية الدينية، دون أن يكون الحكم دينياً مذهبياً طائفياً، تتجدد  في ظله  الحرب الأهلية والمذابح الدموية التي اكتوى العراق بنيرانها ولا يزال.

انبعاث مغاير

للإسلاموية كثير من الإيجابيات التي يمكن الاستفادة  منها و البناء عليها مستقبلاً،  ذلك أنها أعادت الاعتبار للهوية الدينية للمجتمعات العربية، وبشرت بنهوض جديد على أنقاض انتكاسة القومية العربية، وعلى هامشها بزغ فكر إسلامي تجديدي، يواكب العصر وينفض غبار التقليدية التي يعاني منها الخطاب الديني السائد، وكما أن الإسلاموية قد لامست هموم الناس من خلال الدور الاجتماعي الذي تضطلع به مؤسساتها، فإنها منحت معارضة الاستبداد في شقه السياسي بعداً شعبياً، يستند إلى رؤية دينية تناهض الظلم وتحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتلتزم الوسائل السلمية في النضال والتغيير.

فوق ذلك احتلت القضية الفلسطينية مكانة كبيرة في خطاب الإسلاموية، وبرامجها اليومية، وبفضلها استمدت المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة العنفوان الذي ظهرت عليه خلال العشرية الأخيرة.

لذا ليس غريباً أن تخشى ” إسرائيل ” من المد الثوري العربي و ما قد ينتج عنه على صعيد العلاقات مع الدول العربية، بل وبشأن مستقبل الكيان الصهيوني ذاته، وهذه النتيجة كافية في حد ذاتها لدحض ما تروج له أجهزة الأنظمة المستبدة التي تقدم الثورة الشعبية العربية و كأنها مؤامرة تدار من واشنطن وتل أبيب.

الثورة العربية التي رفعت شعار الدولة المدنية، اضطرت معها الحركات الإسلامية إلى القبول بالخيار الشعبي، والإفصاح في برامجها السياسية و الانتخابية عن أجندة تلبي طموحات المواطنين في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية و حقوق الإنسان، في انتصار ( إسلامي) للقيم الليبرالية إن جاز التعبير. هنا يمكن القول أن الليبرالية انتصرت و إن فشل الليبراليون.

ومع ملاحظة أن الحركات الإسلامية ليست وجهاً واحداً، فإن الحركات التي اقتاتت في خطابها على تعبئة عامة عنوانها محاربة التغريب و الغزو الفكري و الحفاظ على السلفية الماضوية، اضطرت هي الأخرى للتقدم نحو المربع السياسي، فانخرطت في التعددية الحزبية والانتخابات النيابية ( حزب النور السلفي المصري نموذجاً)، الأمر الذي سيلقي بظلاله على أداء الحركات الإسلامية السلفية في بقية دول الربيع العربي.

وبالمشاركة السياسية للحركات الإسلامية، وبوصول بعضها إلى سدة الحكم يدخل الإسلاميون مرحلة جديدة تلفها تحديات تتعلق بإدارة الدولة و تنمية المجتمع الذي ينتظر حلولاً عملية لمشاكل متفاقمة و متزامنة أحالت نسبة كبيرة من أبنائه إلى دائرة الفقر و دياجير البؤس والتخلف.

لن تسعف الإسلاميين الشعارات التي لامست عواطف شعوب متدينة ترى في دعمها لما هو إسلامي قارب نجاة في الدنيا والآخرة، ذلك أن “الحل الإسلامي” على المحك و الفشل هنا يعني النجاح لقوى أخرى تقدم نفسها كبديل أفضل في ظل اللعبة الديمقراطية و تداول السلطة سلمياً.

قد يجد الإسلاميون الجدد في التجربة التركية نموذجاً يحاكونه و يسيرون على ضوئه، لكن المجتمع العربي غير المجتمع التركي، ما يعني أهمية ابتكار طريق عربي جديد بالاستفادة من تجارب الذات و تجارب الآخرين، مع مراعاة أن المنطقة العربية تتعرض لحالة تجاذب إقليمي/ دولي لن تكون مجتمعاتنا بمأمن من مخاطرها، ما لم يبرز من داخلها مشروع  نهضوي جديد،  تغدو الحركات الإسلامية – بثوبها الجديد- أحد مكوناته  الفاعلة والمتفاعل

* كاتب صحفي من اليمن

© منبر الحرية،09 يناير/كانون الثاني2012

نوح الهرموزي

الدكتور نوح الهرموزي: أستاذ الاقتصاد في جامعة ابن طفيل في القنيطرة بالمغرب.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018