كلما واجهت إيران تهديدا فيما يخص ملفها النووي أو سياستها الخارجية لجأت لورقتها الأخيرة وهى التهديد بإغلاق مضيق هرمز، وكان آخرها منذ أسابيع بعد فرض الولايات المتحدة لعقوبات على البنك المركزي الإيراني والتهديد الأوروبي بفرض حظر لتصدير النفط لدول الاتحاد الأوروبي، الذي تحول فيما بعد لحظر فعلى. وهذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها إيران للتهديد بإغلاق هذا المضيق الحيوي، فكلما واجهت إيران ضغوطا من الغرب هددت باللجوء لهذا البديل، وهو التهديد الذي لم ينفذ ولن يكون بمقدور إيران أيضا هذه المرة اللجوء إليه. فهناك بعض
الأسباب التي تحول دون قدرة إيران على تنفيذ تهديدها، ورغم ذلك فهي ما زالت مستمرة في التهديد.
ويأتي التهديد الإيراني بإغلاق المضيق في ضوء أهميته الإستراتيجية لدوره في التأثير على التجارة العالمية، خاصة تجارة النفط. حيث يقع في الخليج العربي فاصلاً بين مياه الخليج العربي من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، فالمضيق هو نقطة الدخول والخروج من الخليج العربي، وهو المنفذ البحري الوحيد للعراق والكويت والبحرين وقطر. تطل عليه من الشمال إيران ومن الجنوب سلطنة عمان. ويعد المضيق في نظر القانون الدولي جزءا من أعالي البحار. ويعبر المضيق 90% من نفط المنطقة، نحو 17 مليون برميل يوميا، ومن المتوقع أن تصل الكمية إلى نحو 30 مليون برميل يوميا في عام 2020. كما تصدر قطر عبر المضيق 35 مليون طن من الغاز المسال.
وتمنح معاهدة جنيف الموقّعة من قبل إيران الدول المطلة علی المضيق الحق في غلق المضيق مؤقتا أو دائماً إذا شعرت بخطر يمس سيادتها جراء عبور الناقلات البحرية التجارية أو العسكرية.
وتنظر إيران لسيطرتها على المضيق كأحد أشكال المقدرات القومية الخاصة بالدولة والتي تسعى لتوظيفها لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. حيث تُشير النظرية إلى أن الموقع الجغرافي كأحد أشكال المقدرات القومية له تأثيره على السياسة الخارجية، والمقدرات القومية هي حجم الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة للدولة مضافا إليها مستوى التحديث والتطور التكنولوجي. وتُشير نظرية المقدرات القومية إلى أن هناك تأثيرا لما تمتلكه الدول المختلفة من مقدرات قومية، على سياستها الخارجية. ففرص نجاح أو فشل السياسة الخارجية لدولة ما ترتبط بعدة عوامل من بينها المقدرات القومية المتاحة لتلك الدولة. فتوافر المقدرات القومية لدولة ما من شأنه التأثير على قدرة الأخيرة على إتباع سياسة خارجية نشطة، ولتحديد سياستها الداخلية والخارجية من خلال تحديد البدائل المتاحة أمام صانع قرار السياسة الخارجية والتي عليه الاختيار فيما بينها، وكذلك مواجهة مشكلاتها الداخلية والخارجية بطريقة أكثر فعالية. يُضاف لذلك أن المقدرات القومية هي التي تحدد الوضع النسبي للدول في إطار النظام الدولي، وتوزيع المقدرات هو الذي يحدد هيكل هذا النظام. إضافة إلى تأثير المقدرات على الصراع والتعاون الدوليين.
إلا أن تأثير المقدرات القومية على تحقيق أهداف السياسة الخارجية ليس حتميا. فهناك بعض القيود التي قد تحول دون ترجمة المقدرات القومية إلى نفوذ في مجال السياسة الخارجية. في مقدمتها الإدراك، ويقصد بذلك إدراك الدولة لحجم قوتها الحقيقي دون مبالغة وإدراك الآخرين لتوافر النفوذ لدى تلك الدولة. وهذا العنصر يفسر عدم تأثر سوق النفط العالمي بالتهديدات الإيرانية، فالأخيرة لم تؤد إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير كما كان متوقعا. فسوق النفط هو سوق خاص لا تحكمه اعتبارات العرض والطلب في الأمد القصير بقدر ما تحكمه الاعتبارات الخاصة بالشائعات والتوترات السياسية وغيرها في حين أن العرض والطلب يكون تأثيره على سوق النفط في الأمد الطويل. لكن التهديد الإيراني لم يؤد لهذا التأثير ويرجع ذلك إلى إدراك الدول الأخرى لعدم جدية التهديدات الإيرانية وأن التهديد الإيراني مجرد شكل من أشكال استعراض القوى وأن القيادة الإيرانية لن تقدم على خطوة من شأنها تهديد مصير الثورة الإسلامية. فالتهديد الإيراني هو تهديد نفسي في ضوء إدراكها وتوقعها أن سوق النفط العالمي يتأثر بالشائعات أكثر منه العرض والطلب في الأمد القصير.
يُضاف لذلك أن القوة علاقة نسبية ومتبادلة فقد تستطيع الدولة ممارسة القوة تجاه دولة ما وقد لا يمكنها ذلك تجاه دولة أخرى. كما أن القوة ترتبط بالقضية موضع الاهتمام، إذ يمكن للدولة أن تُمارس القوة تجاه قضية معينة وقد لا تستطيع ذات الدولة ممارسة القوة تجاه قضية أخرى، كما أنه يرتبط بالوقت ففي فترة ما يمكن لدولة ما استخدام القوة وفى وقت آخر لا يمكنها ذلك. نسبية علاقة القوة تفسر عدم إقدام إيران على هذه الخطوة فإيران تدرك أن إقدامها على خطوة إغلاق المضيق ستشكل نقطة انطلاق حرب في المنطقة ستتضرر منها إيران بشكل كبير، ورغم التهديد والوعيد الإيراني طوال الوقت فهي لا ترغب في الوقت الحالي في إشعال حرب في المنطقة.
كما أن السياق المحيط يُشكل أحد المعوقات التي تعوق إيران عن تنفيذ تهديدها، فتأثير الخصائص القومية على السياسة الخارجية هو تأثير نسبى يتوقف على الخصائص القومية للدول الأخرى. فإيران تدرك جيدا أن سوق النفط العالمي لا يُعانى من نقص في الوقت الحالي وإنما يُعانى من وفرة وأن هناك قدرة فائضة لدى المملكة العربية السعودية يمكنها استخدامها لتحل محل الصادرات الإيرانية إذا ما توقفت بالكامل. مثلما حدث في الأزمة الليبية الأخيرة. فالصادرات الإيرانية من النفط تبلغ 2.2 مليون برميل يوميا، وتعلن المملكة أن لديها قدرة فائضة تبلغ 2 مليون برميل يوميا، إلا أن الولايات المتحدة تُعلن أن تلك القدرة أكبر من ذلك وقد تصل إلى 4 مليون برميل يوميا أي 80% من القدرة الفائضة عالميا والبالغة 5 مليون برميل يوميا. وعلى مدار العقود الماضية لعبت السعودية دورا محوريا في استقرار سوق الطاقة العالمي خلال دورها في موازنة العرض والطلب العالمي باستخدام قدرتها الفائضة. وإذا ما واجه سوق النفط العالمي أي نقص ستتحرك المملكة لسد العجز لضمان عدم ارتفاع الأسعار وعدم تضرر الاقتصاديات الغربية.
لكن رغم وجود عوامل عديدة تعوق إيران عن تنفيذ تهديداتها إلا أن دول المنطقة عليها التفكير جديا في البدائل الأخرى المطروحة حاليا لنقل النفط. وعدم التعويل كثيرا على عدم جدية التهديدات الإيرانية، فإيران إذا ما واجهت تهديدا خطيرا لأمنها ستلجأ بالفعل لتنفيذ تهديداتها.
© منبر الحرية،23 فبراير/شباط2012