أكويلا ياو*
إن التبادل الحر، بما هو نظام تجاري دولي يقوم على عدم وجود حواجز جمركية وغير جمركية قي وجه تداول السلع والخدمات، يواجه معارضة من قبل كثير من الاقتصاديين ورجال السياسة الأفارقة الذين يرون أن هذا الانفتاح يودي باستقلالهم الاقتصادي. إنهم يخشون أن لا تعود لهم سيطرة تذكر على أسواقهم ، وأن يفت ذلك في عضدهم. أليس التبادل الحر، الذي ينظر إليه في أفريقيا على أنه تهديد، هو بحق حجر الزاوية في التنمية؟
فشل الحمائية
لم تتمكن البلدان الأفريقية رغم ما يزخر به جوف الأرض من ثروات ووفرة الموارد الطبيعية من الانعتاق من الفقر. ويفسَّر هذا جزئيا بعدم وجود حرية في الأسواق نظرا لتدخل شديد من قبل دول مفرطة في توجيه الاقتصاد.
إن أكثر هذه البلدان تعيش في خوف من الآخر، مع حواجز وإجراءات إدارية ثقيلة لحماية أسواقها من جهة، ما يكبح التجارة كبحا، خاصة المبادلات التي تجري داخل منطقة ما والتي سمحت بالتقدم في أماكن أخرى من العالم. وفي الوقت الذي أضعفت فيه الأزمة الأوروبية مبادلات إفريقيا باتجاه القارة العجوز، فإن منطق الإغلاق أكثر إثارة للقلق.
ومن جهة أخرى، فإن هذا الخوف من الانفتاح الهيكلي والمنافسة جعل القادة الأفارقة يذهبون إلى حماية احتكارات مقاولات صديقة أو مقرّبة من السلطة على الأقل. وهذا يؤدي إلى انخفاض في المنافسة مع نتائج سلبية على الأسعار وجودة السلع والخدمات، على حساب السكان. ولا أدل على ذلك من قطاعات الماء والكهرباء في ساحل العاج على سبيل المثال: هذه القطاعات تعاني من حمائية الدولة التي تعطي الاحتكار لشركة واحدة. وذلك يؤدي إلى انقطاعات سابقة لأوانها، وتكاليف مرتفعة وخدمة للزبناء تثير الشفقة.
ينبغي أن تقودنا هذه الجوانب المؤسفة من الحمائية دائما نحو نظام اقتصادي جديد، يقوم على التجارة الحرة. وهذه لا يمكن أن تشكل تهديدا إذ هي طبيعية في البشر، وكانت قديما وراء غنى القارة في زمن القوافل.
مزايا التجارة الحرة
التبادل مبدأ كونيّ: نحن جميعا بحاجة إلى أن نتبادل. عندما يتم ذلك في مناخ من حرية الاختيار، يولد التبادل قيمة: إنه أساس التنمية. عندما يتقدم التبادل، تتقدم الثروة بتقدمه. إنه مربح دائما لأن الجميع يستفيد مهما كان الشركاء، وهذا ينعكس أيضا على العلاقات بين البلدان. ويعلمنا التاريخ أن للتبادل الحر يدا طولى في حفظ السلام. عندما تستبعد “محاباة” الدولة تنشأ الثقة، ويكف النظر إلى الآخر بوصفه خطرا ليعتبر بدلا من ذلك شريكا. كما أن عرقلة هذا التبادل، تولد الإحباط وعدم المساواة.
لابد إذاً من قطيعة مع الحمائية التي كثيرا ما تستخدم بشكل ديماغوجي من قبل القادة الذين يعتقدون أنهم يطمئنون قومهم حين يعدونهم أَمْناً مُحكَم الإقفال في بلد مختوم.
التجارة الجيدة مشروطة بحرية المنافسة
إن أفضل تعريف للمنافسة بالنسبة لاقتصاديين مثل باسكال سالين هو أنها حرية الدخول إلى سوق ما. هذه المنافسة تنجح في إطار إعادة السلطة إلى الأفراد من خلال تدابير “التحرير” ورفع الحواجز التي تعزز التحديث والتنويع والاستثمار.
إن مثال ساحل العاج جدير بالاهتمام في مجال الهاتف النقال. فقد أدى الانفتاح على المنافسة إلى انخفاض كبير في تكاليف الاتصالات، هذه التكاليف انخفضت في ظرف عشر سنوات من 1000 فرنك في الدقيقة الواحدة (مع وجود مشغل واحد) إلى 25 فرنك إفريقي في الدقيقة (مع خمس شركات). إلى جانب انخفاض تكاليف الاتصالات، هناك الجودة، والرغبة في تحسين الشبكات والخدمات، هاتان تدلان المسؤولين عن هذه الشركات، على سعادة الناس.
إن المنافسة، كما يوضح الاقتصادي هنري لوباج، هي “التقنية التي تتيح للجماعة الاستفادة من نوعية المعلومات أو الكفايات التي تفوق تلك التي تحققت بفضل عمليات تعديل اجتماعي أخرى”. وهذا يقتضي من الطبقة السياسية الإفريقية أن تنشئ إطار حركة يطبعه تشجيع التنافسية بمؤسسات اقتصادية قوية وذات مصداقية.
إفريقيا في السلاسل
في تقريره الأخير بعنوان “تجزئة أفريقيا: تعميق اندماج التجارة الإقليمية في السلع والخدمات”، الصادر في 8 فبراير الأخير، يشدّد البنك الدولي على أهمية أن تشجع البلدان الأفريقية تجارتها الإقليمية، مؤكدا على أن مختلف المعوقات في وجه هذه المبادلات كانت تحرم القارة عائدات تجارية محتملة تقدر بمليارات الدولارات. وحتى في ما وراء التعريفات الجمركية، سجّل البنك بطء الإجراءات الإدارية على خلفية الفساد وغياب المهنية لدى بعض الموظفين، وخاصة التنظيمات القانونية المفرطة (حظر الصادرات والواردات، مساطر ملحّة ومكلفة للحصول على تراخيص تتصل بالتصدير والاستيراد، وما إلى ذلك).
بالنظر إلى ما سبق، لا بد أن يتخلى الأفارقة عن ثقتهم الزائدة بالنفس التي تحول دون انطلاق المواهب وتبعد قارتهم عن التنمية. وإنما تقدمت البلدان الأكثر تطورا بفضل مناخ الحرية الذي سادها. ذلك أن كل شيء كان مسخرا لخلق حوافز جيدة للتنمية. بدلا من الاستمرار في التسول، ستستفيد الدول الإفريقية من النضال خاصة من أجل أن تفرض على البلدان الغربية احترام قواعد منظمة التجارة العالمية من خلال رفع بعض الحواجز الجمركية وإيقاف دعمها لقطاعها الزراعي على الخصوص (القطن مثلا).
كان مارتن لوثر كينغ يقول عن حق، إن “علينا أن نتعلم كيف نحيا معا كإخوة وإلا هلكنا معا كالحمقى.” على أن العيش معا لا يعني إنكار الذات والانفتاح لا يعني الضياع. إن الآخر لا يشكل أي خطر، ولكنه يشكل حلا وكلما كانت الفتحة واسعة، كلما تضاعفت الفرص التجارية، على أن يحافظ كل بلد من البلدان على قوة خصوصيته. للمرء أن يتساءل، وهو على بينة من أن هذا الطريق هو طريق التقدم: لماذا يستمتع القادة الأفارقة بإبقاء شعوبهم على فقرها؟
*كاتب ومهتم بالفكر الليبرالي من ساحل العاج
منبر الحرية،12 مارس/اذار2012