الانتخابات الجزائرية: قفزة في الفراغ

منبر الحرية23 مايو، 20120
تتزامن انتخابات 2012 في الجزائر مع الشروع في إصلاحات سياسية تقوم بها السلطة في أعقاب الربيع العربي، والتي تهدف إلى إحداث تغييرات في هذا البلد الذي يحكمه نظام شمولي بقبضة من حديد. بيد أن غياب أبسط قواعد الديمقراطية لاسيما إعداد القوائم واختيار المرشحين، ينذر بأن هذه الانتخابات سوف تدفع البلاد نحو الكارثة، وبالفعل فحتى الاستعدادات تكشف عن صورة محزنة......

الهواري بوحسون*

تتزامن انتخابات 2012 في الجزائر مع الشروع في إصلاحات سياسية تقوم بها السلطة في أعقاب الربيع العربي، والتي تهدف إلى إحداث تغييرات في هذا البلد الذي يحكمه نظام شمولي بقبضة من حديد. بيد أن غياب أبسط قواعد الديمقراطية لاسيما إعداد القوائم واختيار المرشحين، ينذر بأن هذه الانتخابات سوف تدفع البلاد نحو الكارثة، وبالفعل فحتى الاستعدادات تكشف عن صورة محزنة.

لقد وضع الربيع العربي النظام الجزائري منذ بدايات 2011 تحت ضغط الشارع، ما حتم عليه الدخول في إصلاحات سياسية من قبيل تعديل التشريعات (قانون الإعلام وقانون الأحزاب السياسية والجمعيات وقانون الانتخابات). هذه الظروف حتمت على السلطة البحث عن إخماد روح المتظاهرين الذين يطالبون بالعدالة الاجتماعية والمساواة في توزيع الثروة والمزيد من الحريات والديمقراطية. وفي علاقة بهذه الأخيرة أي الحرية والديمقراطية، فالسلطة لم يثنها الشروع في تنفيذ الإصلاحات من انتهاج أسلوب الترهيب، وأحيانا اعتماد القمع ضد المتظاهرين السلميين. إن الحق في التظاهر (التعبير) المكفول دستوريا لا يزال ينتهك من قبل “زعماء” الإصلاح في الجزائر. موقف النظام هذا لا يبشر بشيء عن التغيير الذي يأمله الشعب، بل أكثر من ذلك يساهم في تعزيز فقدان الثقة في الانتخابات المقبلة.

تمكن النظام الحاكم في أعقاب الإصلاح من تفتيت الطبقة السياسية، وإعادة هندستها بالترخيص لتأسيس ما يقارب مائة حزب سياسي. في وقت نشهد فيه فشل الأحزاب المسيطرة على المشهد السياسي في السنوات الأخيرة. ما يعني أن النظام الحاكم سيعتمد على الأحزاب “الحديثة النشأة” من أجل الدعاية والتشهير للخطاب الرسمي له (خطاب الإصلاح). يمكن القول ـ باختصارـ بأن أحزاب السلطة هذه تتجاهل كليا مطالب واهتمامات الشعب، ولا تشكل أي خطر على السلطة الحاكمة بل هي أزلام وذيول لهذه الأخيرة. إن طريقة تعيين المرشحين للانتداب في الجمعية الوطنية الشعبية يعتبر تحقيرا، ويجعل هذه الجمعية مجرد غرفة للتسجيل مثل سابقاتها.

ماذا سيحمل نائب تمكن من الحصول على منصبه ضمن لائحة المرشحين بمبلغ يتراوح ما بين مليون وخمسة ملايين دينار جزائري (ما بين 9500 و 45000 أورو) إلى الوطن أو الشعب، حسب وضعية الحزب في المشهد السياسي، وأيضا المنطقة التي يمثلها (حسب الأسواق والفرص التجارية التي توفرها). إن هذه السياسة تؤدي إلى دمج الأحزاب في مستنقع رديء، فالناخبون – مثلا – بلا حول ولا قوة لممارسة صلاحياتهم في اختيار المرشحين. والغش ظاهرة موجود في العالم بأسره، لكن حين تعمم تصير مثيرة للقلق بل وخطرا يهدد الأمة. إن الحصانة البرلمانية التي يكتسبها ممثلوا الشعب تحولهم إلى رجال أعمال، وتخول لهم مردودية استثمارية تدمر الحرية الاقتصادية التي يبحث عنها المقاولون والصناعيون. أولئك الذين تقوم السلطة بإقصائهم عن طريق عمليات ماكرة وإكراه اقتصادي يخفي اسمه الحقيقي.

إن الدولة ومن أجل المواكبة تدعوا إلى حملة مشاركة مكثفة، دون أن تبخل بطبيعة الحال بكل وسائلها من قبيل الخطب في المساجد وإرسال رسائل نصية عن طريق وزارة الداخلية والدعوة إلى المشاركة بشكل مكثف… إن الجميع يشعر بالإهانة والعار تجاه هذا الحياد الشيطاني للدولة، فحتى الموظفون والإدارة يشاركون. لا شك أن الخوف من المقاطعة مبرر كلي لذلك، لأن نسبة المشاركة ستكون دليلا يؤكد مصداقية السلطة من عدمها تجاه الرأي العام وخاصة منه الدولي. فقيمة نسبة المشاركة سوف تكون ميزة قابلة للاستهلاك الإعلامي. حملة التوعية العامة التي بدأتها الدولة ـ التي تمثل أيضا السلطة ـ من أجل مشاركة مكثفة ليست بريئة شرط أن تسمح السلطة بحملة مضادة كما يقع في الدول الديمقراطية. ثورة المواطنين ليست من أجل الدعوة إلى التصويت بكثافة، أكثر مما هي سعي نحو البحث عن أفضل البرامج لاعتمادها من قبل المنتخبين. إن مفتاح التغيير الذي ينشده الشعب موجود بين يدي النخبة السياسية المدجنة، والتي ما تزال بحاجة إلى الأموال للتعبير. لأن الهزيمة تترصد هذا الحدث الانتخابي الذي يعد موعدا مع التاريخ.

إن بارونات السياسة ملزمون باستعمال كل الحيل لإطالة بقائهم، ليس فقط من أجل الدفاع عن مصالحهم وثرواتهم غير المشروعة. بل أيضا لحماية أنفسهم ضد مطالب المجتمع المحتملة بكشف مصدر ثرواتهم. إن النظام يؤخر هذه العملية لكن إلى متى؟ فمنذ الاستقلال سنة 1962 إلى يومنا هذا، ما يزال النظام الجزائري يستند إلى تقديس “الأسرة الثورية” لضمان خلوده. وعلى امتداد تاريخه الطويل بنى ديمقراطية زائفة. يتبنى النظام  ـ في الواقع ـ إستراتيجية تمكنه من المنح بيد واحد مقابل أخذ الأفضل باليد الأخرى، ففي ظل هذا الربيع العربي لم تتعدى إصلاحات النظام الجزائري سوى بعض الترقيعات في حين كان الأمر يتطلب تغييرات جذرية.

إنه من الشرعي أن نتأمل في طرافة محصلة التغيير التي حملها الربيع العربي لكل من المجتمع التونسي والمصري، والمتمثلة في التدفق والمد الإسلامي. لأن الجزائر كانت سباقة لهذا حين عرفت تجربة الانتصار الساحق للإسلاميين في الانتخابات ما أفضى إلى إلغاء المساطر الانتخابية. ربما هناك خطر قائم اليوم من إعادة تكرار سيناريو سنة 1991. بيد أن السيناريو ليس أكيدا لأن اقتراع 10 مايو/ أيار 2012 في الجزائر هو مثل قفزة كبرى في الفراغ…

* صحفي بيومية الشروق الجزائرية

منبر الحرية،23 ماي/أيار2012

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018