مفاوضات المسألة البيئية قضية سياسية لم يعد بالإمكان تجاهلها ج2

نوح الهرموزي9 ديسمبر، 20120
لقد أصبح مسار المفاوضات البيئية، تحت تأثير الجداول الزمنية، عبارة عن عملية تفاوض بالإنهاك. وفي كثير من الأوقات، بدت مفاوضات اتفاقيات كيوتو شائعة، لدرجة افتراض أن القضايا سوف تحل تحت ضغط المواعيد النهائية، وأن الدول مستعدة حقاً للتوصل إلى التسويات اللازمة للاتفاق.....

يمكن القول أن سياسات التفاوض البيئية عبارة عن مغامرات، قائمة على الاعتقاد بأن من الممكن فصل التفاصيل الفنية عن القضايا السياسية رفيعة المستوى. إلا أنه، في ظل ما أوصلتنا إلية مجمل المفاوضات البيئية فليس من الواضح أنه كان هناك أية بدائل عملية. ومسألة إن كان ذلك سينجح أم لا، يبدو أنها معلقة على إذا ما كان بإمكان بعض الدول _ أولاً وقبل أي شيء _ حل بعض خلافات الفهم والإدراك الأساسية، وما يتصل بها من قضايا جوهرية، تبين الطبيعة المتداخلة للأمور الفنية والسياسية .

يلاحظ أن التعقيدات الشديدة الخاصة بقضية التغير المناخي، آخذة في استنفاذ طاقة عملية التفاوض الحكومية إلى أقصى حد. وتواجه المفاوضات جداول أعمال شديدة التعقيد، منها:

1- إيجاد مؤسسات جديدة للتمويل ونقل التكنولوجيا .

2- تفعيل آليات اتفاقية كيوتو غير المسبوقة، لتحديد المسؤول عن الانبعاثات العالمية وتبادلها.

3- تنوع استراتيجيات التفاوض البيئية، تسفر عن نصوص تفاوض موسعة، لعدد كبير من القضايا، مما يعيق المفاوضات .

ولقد أصبح مسار المفاوضات البيئية، تحت تأثير الجداول الزمنية، عبارة عن عملية تفاوض بالإنهاك. وفي كثير من الأوقات، بدت مفاوضات اتفاقيات كيوتو شائعة، لدرجة افتراض أن القضايا سوف تحل تحت ضغط المواعيد النهائية، وأن الدول مستعدة حقاً للتوصل إلى التسويات اللازمة للاتفاق. ولكن، وفقاً للتجربة العملية، يلاحظ وقوف الكثير من المفاوضات والمؤتمرات البيئية، عند حاجز امتناع الفنيين عن الوصول لقرارات، حتى وصول السياسيين، مما يفقد جوهر القضايا حيويتها، وتغرق تلك الاجتماعات في المفاوضات البيروقراطية، بدلاً من الدخول المباشر، في عقد الاتفاقيات.

لذلك، ينبغي إدخال عملية الإرشاد السياسي، في عملية التفاوض. فالمتخصصون أو الموظفون الذين يقودون المفاوضات_ في معظم الأحيان _ يفتقرون إما إلى التفويض السياسي أو الخبرة في حل معظم القضايا البيئية. وكثيراً ما يواجه التقنيون جدول أعمال محير، حيث يحتوي على مواقف سياسية، لا يمكن لهم حلها. وأيضاً، مواقف فنية وتقنية، بحيث لا يفهمها السياسيون. إذ لا بد للموظفين، المزيد من السلطة للتوصل إلى حلول وسط، بشأن القضايا الفنية، ولا بد للسياسيين أن يستثمروا المزيد من الوقت، لفهم التفاصيل الفنية. والأكثر أهمية من ذلك، هو أن عملية مزج، المشورة السياسية التي يقدمها الوزراء للقرارات الفنية_ التي تقرها الاتفاقيات البيئية _ لا بد أن تكون واضحة منذ البداية.

والمفارقة، أنة في حال تم التوصل إلى اتفاق ما من قبل الوزراء، بشأن القضايا السياسية الجوهرية _ والتي يسلمونها على شكل قرارات إلى الخبراء، لإدخالها ضمن النصوص القانونية لاستكمالها_ قد يؤدي إلى مخاطر استراتيجية في عمليات التفاوض البيئي. ومن هذه المخاطر :

أولاً: عدم وجود مواعيد نهائية واضحة لختام المفاوضات الحقيقية. يؤدي إلى عدم حل أكبر القضايا في الشريحة الوزارية.

ثانياً : إمكانية تحقيق عملية الالتفاف والمماطلة في القضايا البيئية. عن طريق فك الارتباط السياسي، على امتداد خط التماس الخاص بأي لبس في المعاني. مما يحول دون الاتفاق على التفاصيل القانونية.

وبالرغم من كل تلك الإشكاليات المطروحة، يمكن وضع سيناريوهات محتملة، بالنسبة لمستقبل الدول على المستوى البيئي. فلا تزال هناك إمكانيات لأن تؤثر الضغوط، على بعض الدول، لاعتماد إستراتيجية واقعية لمفاوضات المناخ العالمية، لتتضمن احتمال انضمام الجميع بشكل إيجابي. فتنفيذ إستراتيجية دبلوماسية بيئية، ليس بالأمر اليسير. وأصبح لازماً توفر ذكاء سياسي، وقدر كبير من المهارة والحنكة التكتيكية، لإقناع الأطراف بالأثر المدمر لعدم الإسراع في تنفيذ المتطلبات البيئية. فالمفاوضات تحتاج إلى زعامات تتحلى بالمهارة والحنكة والتصميم. فمن بعض السبل المحتملة للعمل البيئي، والتي تتلائم مع الإطار المؤسسي الحالي، وتزيد من عملية التطوير للعمل البيئي، يمكن ذكر الآتي:

1- استكشاف إمكانات تحقيق مزيد من الدعم للقاعدة المؤسسية والتمويلية لنظام السياسات البيئية. إذ يبدو، أن الهياكل الراهنة ليست كافية للتعامل مع عملية، بهذا القدر من التعقيد والأهمية. وهذا ليس بالشأن السهل بالنسبة لعملية تفاوضية عالمية تضم 193 دولة. علاوة على المصالح المتنوعة، المنوطة بكل دولة، والأهداف التي ترمي إلى إعادة هيكلية أساسية، لأسلوب مجتمعاتنا جميعاً.

2- إقامة هياكل مؤسسية، تسمح بعملية اتصال وصياغة آراء، أنجح قدرة على الاستمرار. فليس بناء المؤسسة بحد ذاتها، هو الإجابة الأخيرة على المشكلات. فبناء النظام الفعال هو الذي يمثل_ في حالات كثيرة_ أمراً لا غنى عنه لحل تلك المعضلات. وأياً كان الإطار العالمي المؤسسي للسياسات البيئية، الذي يتم الاتفاق عليها في نهاية المطاف، فإن ثمة حاجة ملحة لعمل محلي، قائم على إصلاح ودعم أساسي للبنى الأساسية. من خلال تطبيق استراتيجيات طموحة، تتضمن رؤية اقتصادية واجتماعية وأمنية.

3- هناك حاجة لمزيد من التعاون. فالتقدم بطيء، فيما يتعلق بما اصطلح على تسميته “السياسات والتدابير”،  ويتعين ألا يقتصر التأكيد على الالتزام فقط بتدابير مشتركة، بل وأيضاً على عملية شفافة للتنسيق، وعلى موضوع التعلم المتبادل، وإلى درجة عالية من التدقيق العام. وحري التركيز على عدد محدد من التدابير، التي يمكن بسهولة إنجاز اتفاق بشأنها. فالتحديثات الايكولوجية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية الكفوءة، ليست فقط متوائمة بل هي أهداف يدعم بعضهما البعض.

4- يمكن تحقيق خفض التعقيدات، عن طريق خفض كل من عدد القضايا وعدد المشاركين. فلا مناص من أن يسمح النظام، بسرعات متباينة لفرق الأطراف المختلفة، فيما يتعلق بالالتزامات. فالمفاوضات أعقد بمرات من مفاوضات نزع الأسلحة، ولعل إحدى وسائل تخفيض العبء على المفاوضين، خفض عدد القضايا المطروحة، بحيث لا تبقى سوى المشكلات التي تستلزم _ تحديداً _ حلاً لها قبل إجراءات التصديق.

5- إشراك الدول النامية في استراتيجيات بيئية، سيكون عاملاً حاسماً لنجاح النظام على المدى البعيد. وبالطبع ليس المقصود هنا، أن تكون المشاركة على شاكلة طلبات الدول المتقدمة، حين تطالب بمشاركة مثمرة ومدروسة من جانب البلدان النامية، وهو طلب يثير حالة من الإحباط، وينكر المسؤولية التاريخية التي تتحملها البلدان الصناعية. بل ويعتبر طلب مضلل، لأنه يعني ضمناً وعلى نحو خاطئ، أن البلدان الصناعية تتقدم بيئياً، بينما واقع الأمر، أن سجلات كثير من الدول النامية، تبين أنها أفضل من بلدان الشمال. فالدول النامية تحتاج إلى إستراتيجية مقنعة، لمكافحة آثار تغير المناخ والتكيف معها. وهي صاحبة حق في حوار مفتوح وشفاف، بشأن بعض الحقوق البيئية، كالتخصيص المنصف والمتكافئ لحقوق الانبعاث والمساهمة في نقل النانو تكنولوجي البيئية. وهذه قضايا شديدة الحساسية، وتتطلب التأكيد على بناء الثقة، عن طريق عملية حوار مستقلة عن المفاوضات.

يكشف كل وجه من أوجه المشكلة البيئية، القضايا المعقدة بشأن التكافؤ العالمي والمساواة بين الأجيال. وفي ضوء المعطيات المناخية، قد لا يكون مثيراً للدهشة، توقع أن تظل المسائل، البيئية أحد مجالات السياسة المثيرة للانتباه والخيال. ولكن، الآثار الحادة التي تنطوي عليها هذه المسائل، وليست قيمة الأفكار المتضمنة فيها، هي التي ستكفل وجودها المستمر، في جدول أعمال المجتمع السياسي العالمي خلال القرن الحالي.

* باحث أردني في العلاقات الدولية.

منبر الحرية،08 شتنبر/كانون الأول2012

نوح الهرموزي

الدكتور نوح الهرموزي: أستاذ الاقتصاد في جامعة ابن طفيل في القنيطرة بالمغرب.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018