إيمانويل مارتان*
مات الاقتصادي الأمريكي جميس بوكانان الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد سنة 1986 في 9 يناير/ كانون الثاني 2013 عن عمر يناهز 93 عاما. كانت للراحل مساهمة هائلة في فهم الاقتصاد واستيعاب العلوم الاجتماعية والسياسية.
شرع بوكنان بالتعاون مع مواطنه غوردن تولك في التأسيس لاقتصاد الخيار العام (أو التحليل الاقتصادي للديمقراطية) بكتاب “حساب التوافقات” سنة 1985، وبعدها أطلق المجلة العلمية “الخيار العام”. وبذلك تم إدخال الفكرة التي تنص على احتمال أن يكون “فشل الدولة” أسوأ من “فشل السوق”، إلى التحليل الاقتصادي. كما هو الحال أيضا بالنسبة لمفهوم: كون قواعد اللعب ضرورية لفهم “اللعب الاجتماعي” الذي أسس للاقتصاد الدستوري. لقد جعلت أطروحته الفكرية في كتاب “حدود الحرية” من جيمس بوكنان أحد أكبر المفكرين المهتمين بموضوع العلاقة بين الدولة والحرية.
انتقد بوكنان في مؤلفه الشهير “ما على الاقتصاديين أن يفعلوا” التحليل الاقتصادي المهيمن الذي ينظر إلى الاقتصاد كعلم يختص في “توزيع الموارد النادرة” – وفقا لتعريف ليونيل روبنس الشهير– أو كعلم لــ” لخيار” وهو التعريف الذي يشكل خطرا مباشرا على الهندسة الاجتماعية. يعتبر بوكنان أن الاقتصاد هو – بالأحرى – علم مبادلة “أصله خلق القيمة المالية”، ويلح على أنه من واجب الاقتصاديين التركيز على فهم أمثل للمؤسسات التي تسمح بالتبادل وتؤمنه.
تحتوي كتابات بوكنان في المنهجية الاقتصادية – كذلك – على كتاب “التكلفة والخيار”، وهو كتاب رائع أورد فيه دفاعا (على “الطريقة النمساوية” كما قد يقول البعض) عن النظرية غير الموضوعية للتكفلة، الأمر الذي لزم معه انتقاد اقتصاد الرفاه.
تقدم مؤلفات بوكنان الأخيرة قراءة لا محيد عنها لنظرية التطور الاقتصادي لأدام سميت التي تنبني على كون تقسيم العمل محدد بحجم السوق. في مقابل التحليل الكلاسيكي لألين يونغ “المردود المتنامي والتقدم الاقتصادي”، ابتكر بوكنان مفهوم “المردود المتنامي الكلي” الذي يعني الرفع من حلقة التبادل وخلق فرصا أكبر لتقسيم العمل، ما يفضي إلى مزيد من الإنتاجية ومن النمو. تترتب عن وجهة النظر هذه نتائج هامة فيما يخص الدفاع عن تحرير التجارة، وانتقاد تقاسم أوقات العمل (الساعات 35 في الأسبوع في فرنسا على سبيل المثال) المنبنية على مفهوم أخلاقيات العمل.
ساهم بوكنان بشكل كبير عبر عمق تحليله الاقتصادي، وكذلك عبر ميله للحرية في نقد الاقتصاد الكنزي والنفقات العمومية والمديونية المفرطة. ولو اطلع مسؤولونا على مؤلفات هذا الاقتصادي والمفكر من الطراز الأول لكانت ملهمة لهم في هذه الأوقات التي تشهد فيها عدد من الدول أزمات طاحنة في ماليتها العمومية.
* مدير معهد الدراسات الاقتصادية ومحلل بموقع LibreAfrique.org
منبر الحرية، 27 يناير/كانون الثاني 2013