تظهر على كثير من صفحات التواصل الاجتماعي، التابعة للمعارضة السورية أو للنظام السوري دعوات ونداءات وخطابات وتعليقات بائسة ومغرضة وغاية في التضليل والكذب والافتراء والزيف الفكري، وليس لها من غرض سوى صب الزيت على النار، والتحريض على الثأر والانتقام، وتبني منهج العنف كردة فعلعلى استخدام النظام المستبد له كخيار أوحد عنده منذ بداية حكمه وحتى الآن.. بما يؤدي وسيؤدي حتماً للأسف إلى تدمير بنية الدولة السورية على يد النظام وعلى يد قوى المعارضة الثورية المسلحة على حد سواء.
ويستخدم أصحاب تلك الدعوات –ممن نحرص على عدم تحولهم إلى قنابل موقوتة يمكن للآخرين وبسهولة أن يفجروها في وجه سوريا والسوريين- ألفاظا وخطابات غاية في الطائفية والمذهبية، وزاخرة بفتاوى التاريخ العتيق، الذي يستشف منها بأن أصحابها وأتباعها والمستفيدون منها يريدون معاملة الناس لاحقاً–بعد انتصار الثورة السورية- بحسب عقيدتهم وقناعاتهم وانتماءاتهم لا بحسب أفعالهم وسلوكياتهم وأعمالهم المسؤولين عنها مباشرةً.
وهذا حقيقةً أمر خاطئ ومعيب بحق كل من يدعي الثوروية والمعارضة السلمية وغير السلمية، أو من يدعي الحرص على سلامة مسيرة هذا الوطن السوري الذي يعيش الآن أوقاتاً صعبة ومأساوية وربما مصيرية على حياة حاضر ومستقبل جميع أبنائه بقطع النظر عن طوائفهم ومذاهبهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية والعقدية مع تقديرنا أن هناك من هو مستهدف أكثر بكثير من غيره منهم..
لهذا نحن لا نريد أن نحكم من جديد بنفس العقلية الطائفية التي كانت سائدة وانكشفت أقنعتها بشكل سافر بعد أن تغطت لعقود بالعلمنة المزيفة، خاصةً أنه كان للجميع معها تجارب مريرة وصعبة.
الطائفية حالة صحية وقد تكون نعمة عندما تبقى في إطارها الديني كقناعة خاصة لها شخوصها ومعتقداتها، ولكنها تتحول إلى نقمة عندما تصبح ميزاناً للحكم على الناس، أو تقييم أفكارهم وسلوكهم وقناعاتهم..
الحل: سورية دولة حرة، مدنية، ديمقراطية، تعددية، وقبل ذلك علمانية.
سؤال إلى أخي المتدين:
لماذا لا ترى من كل أمور وشؤون الدنيا وحركة المجتمع ومصالح البلاد والعباد سوى مظاهر وشكليات الحياة الخارجية تتعلق بحريات الناس الشخصية؟ لماذا لا تزال تصر على مواضيع عفى عليها الزمان، ولا علاقة لها بأسس بناء الدولة المدنية العصرية التي نطمح إليها جميعاً في سوريا بعد عهود الاستبداد الطويل؟ لماذا تصر على إثارة موضوع “الخمر” و”لباس المرأة” و”الزنى”، وضرورة تبني أحكام الشريعة، واعتماد رأيها الحاسم في مثل تلك المواضيع التي تكفل بها القانون المدني والوضعي، وأوجد لها حلولاً ناجعة؟ يا أخي المتدين، يا من تؤمن –كما تدعي- بقيم الدولة المدنية والعملية الديمقراطية (والتداول السلمي للسلطة) والتي نخشى أن تكون مجرد قناعة مؤقتة مرهونة بنجاحكم في الانتخابات، عليك أن تفهم بأن الحريات العامة والخاصة أساس وقاعدة أي تنظيم وعمل وفاعلية سياسية في أي بلد يرنو للحرية والديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات، ولهذا فمن تريد أن ترتدي الحجاب فهذا حقها، ومن تريد أن تخلعه فهذا حقها أيضاً، وهذه جزئية من حريتها الشخصية، ومن تريد أن ترتدي “الميني جوب” أو “البكيني” على الشواطئ، فهذا حقها أيضاً الذي يضمنه ويكفله لها القانون، ويجب عدم الاعتداء على هذا الحق..
إن الحرية يا صديقي هي فعل وسلوك وتحرر من الداخل قبل كل شيء، وقبل أن تكون فعل تحرر من الخارج.. أي هي ليست فقط رغبة ودعوة للتحرر من الخارج من نظم الاستبداد القائمة التي نهبت ودمرت وقتلت وسحقت واغتصبت وأهانت.. بل هي تحرر ذاتي من حضور الآخرين (شخوصاً وثقافة) في ذواتنا وأفكارنا وعقولنا.. ثم ما الفائدة إذا تحررنا من أنظمة الجور والطغيان، وبقينا تابعين وأسرى ومستعبدين لمنظومات التفكير والثقافة الاستبدادية المهيمنة علينا دينياً وتاريخياً؟الحر حر في كل شيء، في كل أحواله ومواقعه، ورفض الاستبداد السياسي يجب أن يسبقه رفض للاستبداد الفكري، وتخلٍ كامل عن مقولات ونصوص الآخرين القديمة، وخلع لهيكل ورداء الاستبداد الفكري التاريخي المقيم كالمارد في دواخلنا وعقولنا وأفئدتنا.. أما الأفكار الإنسانية الجميلة، فيمكن الاستفادة منها حتى لو كانت قديمة، لأن الأفكار والقيم المبدئية مثل العدل والكرامة والحرية والتضحية والفداء والمحبة والتسامح وغيرها، هي قيم لا مكان ولازمان لها، بل قد تساعدنا على حياتنا الراهنة.
الإسلاميون وعملية الحكم:
سأصوت للإسلاميين مهما كانوا، وبأي فكر جاؤوا، إذا:
نبذوا العنف من قاموسهم السياسي، وآمنوا عملياً بالتداول السلمي للسلطة.
أثبتوا أنهم مؤمنون بالتعددية السياسية والديمقراطية كطريق لإدارة الشأن العام سلمياً وتداولياً، بما فيها السماح لكل من يريد تأسيس حزب سياسي بأي شعار كان تحت سقف الوطن والمواطنية الصالحة، وعدم التبعية للخارج.
التزموا بميثاق الوحدة الوطنية القائم على حفظ حقوق الأقليات الثقافية والفكرية والاثنية والأقوامية.
برهنوا أنهم مؤمنون بالحريات العامة لهم ولغيرهم، وأنه من حق الجميع التعبير عن معتقداتهم السياسية وغير السياسية بما فيه وعلى رأسه التظاهر السلمي، ونقد الحاكم بكل الوسائل السلمية الممكنة، وعدم منحه صلاحيات كاملة بل مرهونة وخاضعة لموافقة الشعب بمجلسه المنتخب مباشرة من الناس.
أثبتوا أنهم قادرون على بناء دولة العدل والقانون والمؤسسات بالسلوك والعمل وليس بالشعارات الخطابيات والانشائيات والرغبويات.
أثبتوا حسن إدارة للدولة –طبعاً بالتشارك والمساهمة مع غيرهم- وقدموا براهين مادية (أرقام وإحصائيات) للتنمية وإعطاء الناس حقوقها.. بمعنى: أن يكون ميزان الحكم عليهم هو ارتفاع وزيادة دخل الفرد، وزيادة الناتج القومي السنوي للبلد.. بما فيها توزيع الثروة بالعدل، والمساواة بين الناس، وتحقيق مناخ تكافؤ الفرص للجميع..
إثبات نجاعة حقيقي في موضوع مكافحة الفساد والفاسدين، ليس بسحقه وتدميره بالكامل لأن الفساد لا يزول بالكامل، ولا يوجد دولة في العالم تمكنت -منذ أن وجدت ظاهرة الدولة- من إلغاء ومكافحة الفساد جذرياً، ولكن بالحد منه إلى أدنى درجاته، ومعدلاته ليكون قريباً من الصفر.
جاؤوا -انتخابياً وسلمياً- بحاكم منهم يكون مجرد مواطن مثل باقي الناس في المجتمع، له ما لهم، وعليه ما عليهم، من مسؤوليات ومحاسبات ومساءلات (وإن وجدتم فيّ اعوجاجاً فقوموني)، ولكن الناس وضعته في سدة القيادة لفترة زمنية محددة (4 أو 5) سنوات. غير قابلة للتكرار والإعادة حتى لو حقق نتائج طيبة وكبيرة في ميدان عمله..
أعطوا المرأة دورها العملي والتنموي الحقيقي بقوة وفعالية في بناء البلد وتطويره.. لا أن تكون فقط مجرد ديكور أو سلعة تباع وتشرى في سوق النخاسة السياسية والإعلامية وغيرها.
* كاتب سوري
منبر الحرية، 29 ابريل/نيسان 2013