أسطورة السياسات الاقتصادية التدخلية

منبر الحرية20 مايو، 20130
إن الانطلاقة الضعيف للآلة الاقتصادية، تجد أصلها في السياسات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومات الأوروبية. ونذكر على سبيل المثال برامج الانتعاش التي تم تبنيها إبان ظهور الكساد و/أو رفع الضرائب، دون بذل جهود جادة لإيجاد حل لمشكلة ارتفاع تكاليف الحفاظ على البرامج الاجتماعية الواسعة......

ستيفن هورويتز*

إن إحدى الأساطير الأكثر ضررا في التاريخ الاقتصادي للقرن العشرين هي الاعتقاد أن الكساد العظيم خلال سنوات الثلاثينات، نتج كليا أو على الأقل جزئيا عن السياسة الاقتصادية الحيادية، وعدم التدخلية التي اتبعها الرئيس هربرت هوفر بعد انهيار الأسواق المالية. هذا الزعم جزء من منظومة معتقدات خاطئة عن أسباب الكساد العظيم الذي أنعته بـ “التاريخ المبسط المدرس لتلاميذ الثانوية”؛ (والذي يزعم أن سياسة “دعه يسير دعه يعمل” فاقمت الأوضاع، و”السياسة الجديدة” New Deal  حققت إنجازات باهرة، وأن الحرب العالمية الثانية أخرجتنا من الأزمة). إن فكرة تعاطف هوفر مع سياسة “دعه يعمل” فكرة خاطئة تماما.

في الواقع، عرف هربرت هوفر لفترة طويلة كأحد التقدميين المؤيدين لمزيد من تدخل الدولة في الاقتصاد. بدءً من مروره بالإدارة الأمريكية للأغذية إبان الحرب العالمية الأولى إلى منصب وزير التجارة في سنوات العشرينات، يؤكد هوفر باستمرار على أن سياسة دعه يسير دعه يعمل ليست عملية، بحيث يجب على الدولة أن تحظى بدور أكثر نشاطا. فقد قام بتطبيق معتقداته الاقتصادية التدخلية منذ السنوات الأولى لولايته الرئاسية.

هوفر لم يوقع فقط على قانون “Smoot Hawley” لرفع التعريفات الجمركية، بل شجع رجال الأعمال على الحفاظ على أجور عالية، ورفع القيمة الحقيقية للإنفاق الحكومي. كما خفَّض الهجرة لتقترب من الصفر، ووضع مختلف أنواع التسهيلات للقروض الممنوحة من طرف الدولة، علاوة على زيادة العجز في ميزانية الدولة. بالإضافة إلى  فشل مجلس الاحتياطي الفدرالي في مهمته، مما أدى إلى انخفاض بلغت نسبته 30 % من المعروض من النقود. إن السياسات التدخلية لهوفر كانت المسؤولة عن مفاقمة حالة الركود الاقتصادي، وتحويلها إلى كساد عظيم .

رؤية هوفر

كيف بدأت خرافة التدخلية؟ كانت مواقف هوفر معروفة على نطاق واسع حتى قبل أن يتم انتخابه. وبالفعل عام 1920 دعم فرانكلين روزفلت هوفر لرئاسة الجمهورية عن الحزب الديمقراطي.

كما أن تأثير هوفر على السياسة الاقتصادية المسماة السياسة الجديدة، تأثير جلي وواضح للمتتبعين لتاريخ الوقائع الاقتصادية، وخصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن من أين أتت أسطورة هوفر إذن؟ لا توجد إجابة بسيطة على هذا السؤال، لكنه يبقى سؤالا مهما، لأنه ربما نجد أنفسنا اليوم في خضم أسطورة مماثلة. يسود الاعتقاد حاليا بأن ما يسمى برامج “التقشف” أعاقت الاقتصاد الأوروبي، وربما أيضا الأمريكي من التعافي من الكساد بطريقة أكثر صلابة. فبعض الاقتصاديين من أمثال بول كروغمان، يرون أن الانتعاش الاقتصادي الضعيف جدا، وتراجع الشغل يعد نتيجة للتوقف الجذري لنفقات الميزانية (التقشف) في أوربا. بالنسبة لكروغمان يعد هذا دليلا بأن سياسة انتعاش كينيزية تعد أكثر من مهمة بل ضرورية.

عن أي تقشف نتحدث؟

قدم عدد من الاقتصاديين الليبراليين أدلة مقنعة في مواجهة هذه الحجة الكلاسيكية. فخفض الانفاق في أوروبا كان ضعيفا جدا أو غائبا، والذي كان في معظم الحالات مرفقا بزيادات ضريبية، زيادات غير فعالة في فترة الركود.

كما يضيف الاقتصاديون الليبراليون أن الانطلاق الضعيف للآلة الاقتصادية، يجد أصله في السياسات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومات الأوروبية. ونذكر على سبيل المثال برامج الانتعاش التي تم تبنيها إبان ظهور الكساد و/أو رفع الضرائب، دون بذل جهود جادة لإيجاد حل لمشكلة ارتفاع تكاليف الحفاظ على البرامج الاجتماعية الواسعة. سوف تدفع عاجلا أم أجلا حكومات الاتحاد الأوروبي (والولايات المتحدة الأمريكية) مقابل الأواني المكسرة، فترددهم في مواجهة هذه المشاكل، لا يشجع المستثمرين على الدخول في مخاطر طويلة الأمد.

إن الخطر اليوم هو أن تصبح أسطورة التقشف معادلة لأسطورة هوفر المرتبطة بالكساد العظيم. فالأضرار التي سببتها أسطورة هوفر تمتد إلى الكساد العظيم نفسه. خلال شتاء 2008 اعتبر العديد من المحللين أن السياسات الرافضة لتدخل الدولة في تلك الفترة، بمثابة سياسات “هوفرية” ستؤدي بنا إلى كساد عظيم ثان. إن الملاحظ يمكنه ادراك أن أسطورة التقشف تشكل نسخة حديثة لأسطورة هوفر.

  لما يواجه رجال مثل بول كروغمان فشل تصوراتهم التي يلوكونها منذ عقود، وعوض مواجهة هذه الحقيقة يرتهنون للخرافات القديمة. مثلهم مثل مؤيدي سياسة التدخل خلال سنوات الثلاثينات والأربعينات، الذين استدعوا أسطورة هوفر واستعملوها حجة للتدخل، لما فشلت “السياسة الجديدة” في تحقيق النتائج المرجوة منها. التاريخ يعيد نفسه فنظراء هؤلاء الاقتصاديين اليوم محتاجون لأسطورة مشابهة لتفسير فشل سياساتهم التدخلية. ليس هناك عمل أكثر أهمية اليوم أمام الليبراليين من مواجهة أسطورة التقشف كي لا تنتشر كالنار في الهشيم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ الاقتصاد في جامعة سانت لورانس في الولايات المتحدة الأمريكية.

منبر الحرية، 18 ماي/أيار 2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018