حواس محمود7 أكتوبر، 20130
ما خلفته أنظمة القمع والاستبداد من آثار تدميرية على الإنسان والعمران وبنية المجتمع بصورة كلية، لم تترك لمفهوم العروبة بريقه وطاقته الاستقطابية التي تميز بها في الستينات والسبيعينات من القرن المنصرم، وذلك عندما قامت باستغلال العروبة والقضايا المصيرية لصالح ديمومتها السلطوية ومصالحها المادية الجشعة.....

ما خلفته أنظمة القمع والاستبداد من آثار تدميرية على الإنسان والعمران وبنية المجتمع بصورة كلية، لم تترك لمفهوم العروبة بريقه ووهجه وألقه وطاقته الاستقطابية  التي تميز بها في الستينات والسبيعينات من القرن المنصرم، وذلك عندما قامت باستغلال العروبة والقضايا المصيرية كقضية فلسطين والأراضي العربية المحتلة، لصالح ديمومتها السلطوية، ومصالحها المادية الجشعة، وكانت البروباغندا الشعارية التهييجية لهذه الأنظمة قد جيشت وحشدت الكثير من البسطاء والعامة من الجماهير العربية، وكل ذلك على حساب بقاء المجتمعات العربية في حالة من التخلف والتبعية، بصورة كارثية. بنى تحتية ضعيفة وبنى تكنولوجية مفقودة وهياكل اقتصادية مترهلة ومجتمع يعتمد على النتاج الزراعي وتخلف صناعي وتقني كبير، وكانت التنمية الشاملة عملية مؤجلة إلى إشعار آخر ريثما يتم تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة، عندها يتم التفرغ لعمليات التنمية، والديمقراطية مؤجلة أيضا ريثما تتحقق الاشتراكية أو ريثما تصل الشعوب العربية إلى سن الرشد الديمقراطي – إن جاز التعبير – فهي لا تستطيع ممارسة الديمقراطية باعتبارها ناقصة عقل وفكر، وأن التحول الديمقراطي – بحسب هذه الأنظمة – سيجر البلدان العربية إلى الفوضى والخراب، حدث هذا في أجواء القمع والتشكيك والتخوين لكل صوت حر أو وطني أو معارض، مما طمر إمكانية التغيير تحت سطح قشرة الوطن المتماهي بالرئيس الواحد والوحيد.

لقد اقترنت  العروبة بالاستبداد طيلة نصف قرن مضى، فتم اختطاف العروبة كشعار لخدمة الأنظمة الاستبدادية الانقلابية، ولم تكن هناك قوة ديمقراطية ثورية طيلة خمسين عاما تستطيع تبيان خطأ الاستناد إلى شعار العروبة والمتاجرة به، وكانت كل الايدولوجيا القومية واليسارية والإسلامية متجهة بشكل مباشر أو غير مباشر لدعم حجة النظام التسلطي في المنطقة العربية من أن العروبة وتحرير فلسطين شعاريا هو المطلوب وهو الحاجة القصوى للأمة.

والآن وبعد أن مضى على ثورات الربيع العربي أكثر من سنتين تدعو الحاجة الفكرية والمعرفية لفك الارتباط بين العروبة والاستبداد، والتيار الذي يتحمل المسؤولية الأكبر في إجراء عملية الفك هذه هو التيار القومي العربي بأحزابه وفصائله وشخصياته، والذي يفترض به إجراء مراجعة شاملة لحقبة نصف قرن مضى، أين أخفق وأين نجح وكيف استطاعت الأنظمة الاستبدادية بمباركة غربية ضمنية، لم تكن مكشوفة للجماهير بشكل واضح ( لكن ثورات الربيع العربي كشفتها بوضوح )، وكل ذلك على حساب بناء الإنسان واحترام كرامته وحقوقه، وعلى حساب تقدم وتنمية وبناء المجتمع.

وفي اللحظة التاريخية الراهنة وقد حدث ما حدث، أعتقد أن الكثير من المواطنين العروبيين الشرفاء قد دهشوا وذهلوا وصدموا، لأنهم كانوا لا يتوقعون أن تلجأ هذه الأنظمة إلى مثل هذه القوة المفرطة ضد شعوبها، بينما هي كانت مهزومة ومنكوسة ومنكوبة من إسرائيل في حروبها الخاسرة.

 

* باحث وكاتب سوري

     منبر الحرية، 06 أكتوبر/تشرين الأول 2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018