اعيستن نبيل*
احتدم في الآونة الأخيرة الحديث عن ما يصطلح عليه بالريع أو اقتصاد الريع. ظاهرة باتت تشكل عائقا أساسيا أمام تحقيق الأهداف المسطرة في إطــار السياسات الاقتصادية و ما لها من تبعيات سياسية و اقتصادية وكذا اجتماعية على تطور الدول. الأمر الذي يستدعي التوقف لإعادة قراءة هذا المفهوم و تسليط الضوء على أسسه النظرية المؤسسة له.
قبل الحديث عن مفهوم الريع و الدخول في خضم هذا التحليل، يمكن القول أن هذا الأخـير ارتبط تاريخيا بالأرض وخصوصا الفلاحية منها ففي كتابه المعنون ” مبادئ السياسات الاقتصادية ” الصادر سنة 1820عرف الاقتصادي دافيد ريكاردو الريع ب”العائد الذي يحصل عليه مالك الأرض من طرف الفلاح مقابل استغلال هذا الأخــير للأرض” أو بشكل أوضح ب”ذلك العائد المتأتي من الاحتكار الذي يحصل عليه مالك الأرض انطلاقا من استغلال موارد نادرة و محدودة و غير القابلة للإنتاج” ( الأراضي الفلاحية كنموذج لسعلة محدودة). و بما أن عرض هذه السلع لا يمكن أن يتغير للتأقلم مع ارتفاع الحاجيات، فعائد الريع يتطور مع تطور الطلب حيت أن كل ارتفاع ينتج عنه زيادة في الثمن دون أي تغيير على مستوى التكلفة. فالأمر يتعلق إذن بعائد مرتبط بالملكية فقط وليس بالإنتاجية المتأتية من هده الخصاصة و ما تفضي إلى تصرفات سلبية حيث أن الأفراد يتجهون نحو الدخول في صراعات من أجل تحصيل على هذه المداخيل عوض التخصص و الاجتهاد من أجل مراكمة رأس مال بشري من أجل مراكمة وسائل الإنتاج بُغية تحقيق نمو ذاتي و مستدام.
إلا أنه ومع مرور الوقت وتطور العلوم و بزوغ مدارس فكرية جديدة ظلت هذه القاعدة التعريفية صالحة مع جملة من الإضافات والتدقيقات ليصبح الريع أمرا مرتبطا بما يٌستخرج من باطن الأرض من ثروات( معادن،غـاز،فلزات،بترول و غيرها) موازاة لاكتشافها لدى بعض من البلدان العربية( مصر،ليبيا، الجزائـر و دول الخليج) و التي شكلـت قاعدة مداخيل يمكن وصفها بالرئيسية بالنسبة لهذه الدول انطلاقا مع عائدات صادراتها، لتشكل مصدر دخل ‘رعوي’ لفائدة الأشخاص أو الشركات الكبرى المحتكرة للحركة الاقتصادي و المستغلة بطرق غير مقننة. نخَلُصَ إذن إلى أن الريع بالدول العربية أمر يتعلق خصوصا بالثروات الطبيعة المُستخرجة بالنسبة للدول المُنتجة للمحروقات بشتى أنواعها و اعتماد هذه الإقتصادات على العائدات ( النفطية خصوصا)، ما يحُول دون التحفيز على خلق القيمة المضافة و تشجيع الحركة الإنتاجية وهو ما جعل الدول العربية عرضة لما سماه إقتصاديو الغرب ب’لعنة النفط'(1) و الذي أصاب معظم هذه الدول نتيجة لتبعياتها الاقتصادية للذهب الأسود الذي لم يكن فائلة خير لها ولإقتصاداتها على عكس ما كان ينبغي أن يكـون. إضافة إلى ما أسفره من فسـاد إداري وتفشي البيروقراطية و تعزيز جماعات الضغط ( اللوبيات) التي كانت السباقة منذ البدء للاستفادة من هذه الجملة من الثروات.
من الزاوية الإحصائية، فالدول العربية بما في ذلك دول الخليج تتوفر على نسبة تزخر بنسبة 65 بالمائة من مجموع الثروة العالمية، فعلى مستوى الإنتاجية اليومية تتولى ليبيا مرتبة لا يستهان بها على مستوى الدول العربية بمعدل 1673،9 برميل متبوعة بالجزائر(1376،6) ثم مصر( 478،4 ). نسب مهمة إلا أنها لا تعكس عن واقعية حركة المبادلات و الوضعية الاقتصادية لهده البلدان في ظل غياب جو التنافس الحٌر والإنتاجية بفعل اعتماد هده الإقتصادات على مداخيلها البترولية ما تعكسه الأرقام بوضوح، فقد شكلت نسبة الصادرات البترولية و الغازية للجزائر قرابة 98 بالمائة سنة 2012 من المجموع العام لصادرات إضافة إلى نسبة تغطية الصادرات للواردات فالمؤشرات تؤكد بوضوح هذه الإتكالية ما يتجلى في نسبة التغطية تصل إلى 383 بالمائة بالنسبة للجزائر و 427 بالمائة بالنسبة لليبيا، إضافة إلى ارتكاز النفقات العامة لهذه الدُول على برامج التسلح لحماية أهدافها مثالا على ذلك لبيبا، بُغية الظهور كبؤرة الثورات و مناهضة الإمبريالية و التوسع الصهيوني، كما هو الحال بالنسبة للجزائر فنفقات التسليح خيالية من أجل أهداف إقليمية خصوصا و المُتجلية في إبقاء التوافق العسكري على المغرب في إطـار النزاع حول قضية الصحراء المغربية.. كل هذا في ظل غياب إحصائيات رقمية دقيقة لهذه الدُول، كُل هذه الأرقام و المعطيات تعطي أكثر من دلالة على نوعية هذه الإقتصادات الرعوية الهزيلة التي كانت عُرضة ل’ لعنة النفط’ و كذا لما سُمي ب’ المرض الهولندي’ نظرا لاقتصار هذه المداخيل على عائدات الصادرات البترولية و ما حملت معها من كسل و التراخي الوظيفي لهذه الدُول.
إن من بين العوامل التي ساهمت في تفشي هاته الجُملة من النشاطات الرعوية بالدول العربية غياب المُؤسسات الديمقراطية و انحصار التسيير في أيدي مجموعة من الأشخاص و الشركات الاحتكارية، فوضعية الجزائر و ليبيا كأنظمة ثورية لا ديمقراطية اعتقادا بأنها انخرطت في مسلسل ‘التحديث المٌتسارع’ سبعينيات القرن الماضي بفضل الريع النفطي تعكس بوضوح هده المُمارسة المُتجلية في استمرار نفوذ الجيش داخل القرار السياسي و فبركته لقاعدة اقتصادية تلبى حاجيات الجنرالات و الضباط ورجــال الأعمال المُحابين للسلطة ما يٌساهم في تفشي كل أنواع الفساد الإداري و الرشوة إضافة إلى سهولة الحُصول على جُل الامتيازات ضريبية كانت أم سياسية و كذا تفويت الصفقات الكُبرى بين الشركات الكُبرى وحركات تبييض الأمــوال في غياب تـام للمُراقبة الصارمـة في ظـل استغلال الغياب التــام للنصوص القانونية الزجرية لهذه المُعاملات.
غياب المُراقبة و المُراجعة ذلك ما أسفرت عنه التحقيقات الأخيرة في قضية فساد ورشوة كُبرى لشركة ‘ سوناطراك’ بالجزائر و التي تعتبر من أكبـر الشركات البترولية بالجزائر و إفريقيا للتنقيب واستخراج النفط والمحروقـات التي توفر 90 بالمائة من مداخيـل البلاد، ليثبت إذن في حق وزير النفط و الطاقة السابق ( المُستشار السابق المٌقرب للرئيس بوتفليقة) مذكرة توقيف دولية و كذا 9 أفراد من مرافقيه بما في ذلك زوجته و طفليــه بتهمة ‘ الفساد و استغلال السلطة و الانتماء إلى شبكة إجرامية دولية’ قضية تعود بنـا للوراء و التي بدأت سنة 2010 للتوقف ثم تستأنف في يناير 2011، بعد اكتشاف تلاعبات مالـية ضخمة داخل نفس الشركة كتفويت أنبوب غاز بقيمة 200 مليون دولار سبق تفويته من طرف شكيب خليل إضافة إلى توسط زوجة هذا الأخـير لشركة ‘ سابيام’ الإيطالية لربح صفقات في ‘ سوناطراك’ إضافة إلى دخول أبناء هذا الأخير على خط الصفقات الخيالية المُبرمة مع كُبرى الشرطات العالمية من بينها صفقات حماية إلكترونية للحصول على المراقبة البصرية والحماية الالكترونية لمنشآت سوناطراك مقابل هدايا باهظة في القارة الأوروبية.
* طالب باحث في الاقتصاد من المغرب
منبر الحرية، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2013