علي سلمان*
ترجمة: علي الحارس
لا يمكن للكيانات التي تمتلكها الدولة أن تحقق الأرباح إلا نادرا، وإذا استطاعت ذلك فعلى حساب المستثمرين الرياديين والقطاع الخاص والتجار؛ ولنا في باكستان مثال معاصرا، وهي الدولة السادسة عالميا في الترتيب من ناحية عدد السكان، حيث نستطيع من خلالها أن نرى كيف أن الحكومة، وتحت يافطة مزعومة للرعاية الاجتماعية، لا تتوقف عند التكسب من خسائر مزارعي القمح وحسب، وإنما تتعدى ذلك أيضا إلى خلق حالة من انعدام الأمن الغذائي في أوساط المواطنين الباكستانيين.
إن الحكومة المركزية والحكومات المحلية تلعبان دورا فاعلا في تأمين السلع الزراعية بأسعار مدعومة تعلنها الدولة؛ فالشركة الباكستانية للخدمات الزراعية والتخزين (باسكو PASSCO)، وهي شركة فيدرالية تديرها الحكومة الفيدرالية، لا تقوم بشراء المنتجات الزراعية من المزارعين فقط، ولكنها تلعب أيضا دور الكيان الوحيد المخول باستيراد معظم السلع من خلال جهاز حكومي آخر، وهو الشركة التجارية الباكستانية (TCP).
وقد دأبت جهات التخطيط على الدفاع بشكل دائم عن الوجود الفاعل للدولة في سوق السلع؛ والمبرر الرئيسي الذي يساق في هذا المجال هو (تثبيت الأسعار)، ويضاف إليه في العادة مبرر آخر هو (الأمن الغذائي والاحتياطيات الإستراتيجية)، وسنعرض في ما يلي قصة تكشف لنا الدمار الذي تسببت به هذه المبررات الخرقاء.
ففي شهر مايو من هذا العام، وجريا على عادتها الدائمة، أصدرت (باسكو) إنذارا صارما يجبر مزارعي القمح، وهي السلعة الغذائية الرئيسية في باكستان، على بيع محاصيلهم للدولة وعدم تخزينها أملا في ارتفاع الأسعار؛ كما أقدمت (باسكو) بوضوح على إجراء أدى إلى انخفاض الأسعار من خلال إعلانها بأنها وصلت إلى السقف المستهدف مما أدى إلى تجفيف السوق المفتوح.
وهكذا قام مزارعو القمح، ومعظمهم (90%) من صغار المزارعين، بالانسياق الأعمى خلف (باسكو) وباعوا محاصيلهم لهذا الصنم الحكومي؛ وفي غضون أشهر قلائل بعد إعلانها الوصول إلى السقف المستهدف، استطاعت (باسكو) تحقيق أرباح مفاجئة من خلال بيع المحاصيل نفسها، بالإضافة إلى الفائض، وذلك بأسعار سوقية موحدة أعلى من التكاليف بكثير، وأعلنت بأنها حققت ربحا صافيا يقدر بـ(421 مليون) روبية، وهو أعلى رقم تحققه خلال خمسة أعوام، وبذلك استطاعت أن تضع في جيب الحكومة دخلا إضافيا.
لكن القصة لا تنتهي عند هذا الحد، فبعد أن أعلنت (باسكو) عن أرباحها، انتشرت أنباء تتحدث عن أن باكستان ستصبح مستوردة للقمح هذا العام بسبب تأخر المزارعين في زراعة محاصيلهم؛ ويمكننا أن نفسر ذلك بأنه ليس إلا استجابة طبيعية من المزارعين تجاه التدخل الحكومي، وهو ما يدعى بمصطلح (مزاحمة القطاع العمومي للقطاع الخاص Crowding Out)، فبسبب وضعها الحكومي وعملياتها الممولة حكوميا قامت (باسكو) فعليا بحرمان المزارعين والتجار من حقهم في بيع القمح وخزن الفائض وتحمل ما في ذلك من مخاطرة أملا في تحقيق أرباح مستقبلية، فالأرباح الكبرى تتحقق من خلال خزن القمح وبيعه لاحقا، وليس من خلال البيع الفوري، وهذه الأرباح هي التي ترفع وتيرة الاستثمار.
يمكننا تلخيص القصة السابقة بعبارة موجزة واضحة: لقد حققت (باسكو) الأرباح على حساب ازدهار المزارعين والتجار. والمفارقة تكمن في أنه بفضل ما حصلت عليه الحكومة من دخل أصبحت تتمكن من توزيع منافع الرعاية الاجتماعية على أولئك الأفراد الذين سرقت منهم ثرواتهم.
إن (باسكو) تقوم بتشويه السوق بطرائق متعددة، فهي لم تقم بالتدخل من خلال سعر مصطنع وحسب، وإنما قامت أيضا ببث الاضطراب في العمليات السوقية الطبيعية أيضا، فمن خلال ما لها إمكانيات حصرية أسندتها الحكومة إليها، قامت (باسكو) بتشويش المعلومات التي تنتشر من خلال الأسواق، فجعلت المزارعين يحجمون عن الاستثمار في زراعة المزيد من القمح في المستقبل، مما أدى إلى انخفاض المعروض؛ ولم تتأخر النتائج عن الظهور، حيث ستصبح باكستان مستوردا للقمح وستكافح لتحقيق الأمن الغذائي لدولة هي السادسة على مستوى العالم من ناحية عدد السكان.
وإذا نظرنا إلى ما قامت به (باسكو) نفسها من البيع بطريقة (المراجحة Arbitrage) بفضل تفاوت الأسعار فسنلاحظ بأنها نقضت المبرر الرئيسي الأول لوجودها (تثبيت الأسعار)؛ كما إن ممارساتها أدت إلى إلغاء المحفزات التي تشجع المزارعين والتجار على المزيد من الاستثمار في المستقبل، وبهذا فإنها نقضت المبرر الرئيسي الآخر لوجودها (الأمن الغذائي).
ما هو الحل؟
إن الحل يكمن في تفكيك (باسكو) أو خصخصتها، ولقد قامت الحكومة الجديدة بوضع شروط على خصخصة المشروعات التي تمتلكها الحكومة، ومنها أن تكون هذه المشروعات تحقق أرباحا، وهي حماقة حكومية أخرى جديرة بالاستكشاف، فبفضل الأرباح العالية التي حققتها (باسكو) أصبحت مؤهلة للتفكيك والخصخصة! ونحن ندعو إلى أن يجري ذلك في أقرب وقت ممكن من أجل إعادة الازدهار إلى صغار المزارعين الذين يعانون من الفقر، والتحرك باتجاه أمن غذائي أفضل، والتوقف عن هدر أموال دافعي الضرائب.
*المؤسس والمدير التنفيذي لمعهد اقتصاد السوق للأبحاث السياسية (PRIME)، وهو مركز أبحاث متخصص في شؤون السوق الحر (يقع في العاصمة الباكستانية إسلام آباد ويرتبط بعلاقة شراكة مع شبكة أطلس).
منبر الحرية،28 يناير /كانون الثاني 2014
One comment
منه
15 مارس، 2014 at 5:21 ص
مشكورين على المجهود الرائع ، لكم منى أجمل تحية