منبر الحرية23 فبراير، 20150
يشكو بعض المتتبعين من أن الصين تخفض قيمة عملتها (اليوان) ويعتبرون ذلك بمثابة شكل خفي من أشكال الحمائية الصينية. ولكن هل يمكن لهذه الإنتقادات التي تلقي باللوم على الصينيين أن تبرر الصعوبات التي تواجهها شركات صناعة الملابس لدينا ؟.... .
جاسون أوربتش ويوستس ديفي*

ترجمة : حافظ إدوخراز

 لم نسمع قَطُّ شخصا فقيرا أو حتى أي شخص آخر، يشكو من إمكانية الحصول على منتجات أرخص، لكن الكثير من الناس في جنوب أفريقيا يكرهون الصينيين لمجرد أنهم يوفرون لنا الملابس بأثمان زهيدة. ولأنه ليس بوسع المصنعين المحليين أن ينتجوا ملابسا بكفاءة وأسعار رخيصة على غرار الصينيين، فإن حكومة جنوب أفريقيا تفرض رسوما جمركية على الواردات تصل إلى %45 من تكلفة هذه الملابس بغرض حماية الصناعة المحلية. هذا الإجراء لا يمنع من أن تبقى الملابس المستوردة أرخص من تلك المصنعة محليا. لذلك فإن الأمر يتعلق في نهاية المطاف بضريبة تقع على عاتق المستهلكين، وحتى الأكثر فقرا بينهم، ولا يتحملها المستوردون.

هل من المبرر أخلاقيا أن تأخذ الحكومة المال عمدا من الفقراء بهدف دعم الأعمال التجارية لبعض منتجي الملابس حتى لا يفقد العمال وظائفهم كما يدعي المصنعون؟ خصوصا وأن هؤلاء المصنعين أنفسهم يصرون على إغلاق  الشركات الجنوب أفريقية المنافسة لهم، كتلك القائمة في نيوكاستل، بذريعة أنهم يدفعون لموظفيهم، وبموافقة هؤلاء، أقل من الحد الأدنى للأجور الذي تفرضه الحكومة، الشيء الذي يقوم بإخلال قواعد اللعبة.

ينبغي أن تتم معالجة هذه القضايا في سياقها. يمنح تحرير التجارة للمستهلكين إمكانية الحصول على منتجات أفضل وأرخص. ويبقى السؤال الحقيقي هو ما إذا كان المستهلكون هم من يجب أن يقرروا بشأن السلع التي بإمكانهم أن يقتنوها، أو أن الحكومات هي من ينبغي اتخاذ هذه القرارات نيابة عنهم ؟ المنتجون المحليون هم حتما ضد المنافسة التي توصف بكونها “غير عادلة”، الشيء الذي سيؤدي إلى فرض رسوم “غير عادلة” على المستهلكين.

سؤال مماثل يطرح نفسه بخصوص الأجور المدفوعة للموظفين، فمن يجب أن يقرر بشأن المبلغ المقبول كأجر لائق : المعنيون بالأمر أم الحكومة ؟ يحيلنا هذا التكتيك على قرار حكومة الفصل العنصري بتبسيط قوانين الشغل لتمكين العمال “السود” من ولوج سوق العمالة الماهرة عندما أصرت نقابات “البيض” على تحديد “أجر لائق”. وبعبارة أخرى، فقد دافعت هذه النقابات على هذا المطلب بغرض عرقلة المنافسة من الوافدين الجدد الذين كانوا ربما على استعداد للعمل بأجور أقل.

تؤدي الحمائية في أسواق التجارة والعمل إلى تكاليف إضافية يقع عبئها على المستهلكين، وبالمقابل تجني الشركات والعمالة المحلية فوائد لا تكاد تذكر في كثير من الحالات من جراء ذلك. يُمَكِّن تحرير التجارة وأسواق الشغل من التكيف بشكل أسرع، ومن الضروري ألا يحبس العمال وأصحاب رؤوس الأموال أنفسهم في بيئات اقتصادية غير قابلة للتنافس.

يعتبر قطاع النسيج بمثابة القطاع التجاري الذي نرى فيه بشكل جلي أن الإنتاج الكمي الصيني أرغم البلدان الأخرى على التغيير، إلا أن هناك قطاعات أخرى عديدة مماثلة كصناعة المنتجات الالكترونية. ينبغي على مهنيي قطاع النسيج في جنوب أفريقيا التكيف مع هذا الوضع من خلال إيجاد مجالات يتمتعون فيها بميزة نسبية كالنماذج الفريدة من الملابس والتي لا تناسب الإنتاج الكمي، بدلا من الاعتماد على الحكومة لإقامة جدار جمركي يحتمون وراءه.

يشكو بعض المتتبعين من أن الصين تخفض قيمة عملتها (اليوان) ويعتبرون ذلك بمثابة شكل خفي من أشكال الحمائية الصينية. يؤكد هؤلاء المتتبعون على أن الصينيين يدعمون قطاعاتهم الموجهة نحو التصدير بإبقاء قيمة عملتهم منخفضة بشكل غير طبيعي، الشيء الذي يمنح هذه القطاعات ميزة تنافسية. يقال أن هذا الشكل الخفي من الحمائية يسيء إلى جنوب أفريقيا من خلال تدمير صناعة الملابس بها، وبالتالي الزيادة من حدة مشكلة البطالة. ولكن هل يمكن لهذه الإنتقادات التي تلقي باللوم على الصينيين أن تبرر الصعوبات التي تواجهها شركات صناعة الملابس لدينا ؟

يتعلق أحد أهم ما يُحتَج به لتبرير حماية شركات صناعة الملابس في جنوب أفريقيا بالضغوط الدولية التي تمارس على الحكومة الصينية لحثها بالسماح لليوان بالارتفاع مقابل العملات الأخرى، وبما في ذلك الراند. تزعم هذه الانتقادات أن مستوى “حقيقيا” لقيمة اليوان سيزيد أسعار الصادرات الصينية إلى درجة أن المصنعين في بلدان أخرى سيكونون قادرين على المنافسة على قدم المساواة، ولكن النظر في الحقائق يبعثنا على الاعتقاد بأن الكفاءة وليس قيمة العملة المخفضة هي ما يجعل المنتجات الصينية جد تنافسية.

انخفضت قيمة اليوان مقابل الدولار بشكل مستمر إلى غاية عام 1994، وشهدت الصين تقلب معدلات الناتج المحلي الإجمالي والتضخم. قامت الحكومة الصينية لحل هذه المشكلة بربط سعر صرف اليوان بالدولار مابين عامي 1994 و 2005، الشيء الذي أدى إلى تسجيل نسب تضخم في الصين متقاربة مع نظيرتها في الولايات المتحدة (%0.75 في المتوسط). ارتفع سعر صرف اليوان مقابل الدولار ما بين عامي 2005 و2008 بمعدل %7.25، وارتفع متوسط معدل التضخم ليصل إلى %3.49، وازدادت أيضا تقلبات الناتج المحلي الإجمالي. ارتفاع سعر صرف اليوان مقابل الدولار بهذا الشكل يجعل من حجة اليوان المنخفض حجة واهية. إذا كان هناك شيء ينبغي أن يُلام بخصوص المشاحنات المستمرة حول أسعار الصرف وتهديد الحروب التجارية فهو انعدام عملة عالمية “جيدة على غرار الذهب” تستخدمها الدول للقيام بمبادلاتها التجارية.

ما يجهله مصنعوا الملابس الذين يجدون صعوبات لدينا هو أن صادرات جنوب أفريقيا إلى الصين قد زادت بشكل كبير. اتخاذ التدابير اللازمة لحماية صناعة الملابس المحلية من شأنه أن يضع الصناعات الأخرى والعاملين لديها في خطر، وليس فقط معاقبة الفقراء بحرمانهم من الملابس الرخيصة الثمن.

منبر الحرية، 23 فبراير/شباط 2015

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018