منبر الحرية2 مايو، 20150
تُعَدُّ صعوبة التنويع من إحدى الإشكاليات التي تواجه الإقتصاديات القائمة على استغلال الثروات المعدنية. امتلاك أي بلد لموارد طبيعية قابلة للبيع للخارج هو جد مفيد بطبيعة الحال، ولكن أثر هذه الموارد يمكن أن يتحول بسرعة إلى ما يصطلح عليه ب"لعنة الموارد الطبيعية".... .

بقلم : نالدي باندور*

ترجمة : حافظ إدوخراز

تُعَدُّ صعوبة التنويع من إحدى الإشكاليات التي تواجه الإقتصاديات القائمة على استغلال الثروات المعدنية. امتلاك أي بلد لموارد طبيعية قابلة للبيع للخارج هو جد مفيد بطبيعة الحال، ولكن أثر هذه الموارد يمكن أن يتحول بسرعة إلى ما يصطلح عليه ب”لعنة الموارد الطبيعية”. نحن نجحنا في تنويع اقتصادنا بجنوب إفريقيا، فبلادنا تعتبر وفقا لمجموعة ماكينزي الاستشارية، من بين أربعة اقتصاديات الأكثر تنويعا بأفريقيا (الاقتصاديات الثلاث الأخرى هي مصر وتونس والمغرب). دول أخرى لم تكن محظوظة مثلنا. اكتُشِفَت مؤخرا احتياطيات معدنية جديدة في غانا وأوغندة وتنزانيا والموزمبيق، فهل ستتمكن هذه الدول من تجنب “لعنة الموارد الطبيعية” ؟

تشتغل آلية “لعنة الموارد الطبيعية” وفق التراتبية التالية : تؤدي صادرات النفط وباقي الموارد الطبيعية في أول الأمر إلى الرفع من قيمة العملة المحلية، ثم تجعل هذه العملة القوية الصادرات، الفلاحية أو الصناعية، أقل تنافسية وتُصَعِّبُ ولوجها إلى الأسواق الدولية، ويكمن المشكل هنا في أن هذه الصادرات الأخيرة غالبا ما تكون أحسن بالنسبة للنمو والتنمية. فعلى سبيل المثال، أدى اكتشاف النفط في نيجيريا خلال سبعينيات القرن الماضي إلى القضاء على إنتاج الكاكاو والفول السوداني الذي كان يشغل عددا أكبر من الأشخاص مقارنة بقطاع النفط أو الغاز أو المعادن.  وهذا يعني أن صادرات الموارد الطبيعية الخام تُحَرِّف النمو وتصرف الاقتصاد عن عملية التصنيع. يؤدي قطاع استغلال المعادن إلى التهام الكثير من الأراضي وإلى تركز الملكية بينما يشغل عددا قليلا من العمال. ويستقطب هذا القطاع الاستثمارات على حساب الإنتاج الصناعي وتصدير السلع والخدمات التي تستخدم أراض أقل وتوسع دائرة الملكية وتوفر الشغل لعدد أكبر من الناس.

نعرف كيف نتجنب الوقوع في فخ لعنة الموارد، ولكن الحكومات تبقى غير قادرة على إتباع التوصيات الصادرة عن الاقتصاديين، فليس من الممكن دائما خفض سعر الصرف أو إنشاء صندوق بغرض تحقيق الاستقرار المالي. ومع ذلك، فقد ساعدت بعض التدابير التي اتخذتها جنوب أفريقيا، وهي بلد قديم غني بالموارد، في تنويع اقتصادها، ويمكن لهذا النموذج أن يلهم بلدانا أخرى. يتعلق الأمر بإجرائين اثنين : التثمين والتوطين. تتداخل كلتا العمليتين وتتميزان بكونهما معقدتين ومركبتين. نهجت جنوب أفريقيا مؤخرا سياسات قائمة على آليتين تهدف كلتيهما إلى تعزيز التنمية المحلية.

كانت كوريا الجنوبية قبل أربعين سنة تملك ميزة نسبية في زراعة الأرز، ولو أنها اكتفت بهذه الميزة لوحدها لما كان ممكنا أن تصبح العملاق الصناعي الذي آلت إليه اليوم. كان من الممكن أن تصير المنتج الأكثر كفاءة للأرز في العالم، ولكن كانت لتبقى فقيرة. ما ينبغي علينا فعله الآن في بلدان حركة عدم الانحياز هو استحداث المؤسسات والسياسات والقوانين اللازمة لضمان استفادة جميع المواطنين من الموارد الطبيعية. التصنيع هو الطريق الطبيعي للتنمية. لم يصبح أيٌّ من بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بلدا ذو دخل مرتفع دون تطوير قاعدة صناعية مكنت بدورها من تحقيق التشغيل الكامل أو اقتربت من ذلك.

يشير تقرير الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (2009) بوضوح إلى أن : “إمكانات النمو المتفجرة هذه تكمن في الصناعة التحويلية. كلما تطورت هذه الأخيرة، كلما استفادت من وفورات الحجم (تنقص تكاليف الوحدة مع زيادة الإنتاج)، بدلا من مواجهة نقص الأراضي أو الموارد التي تَحُدُّ حتما من نمو الزراعة أو الصناعات الإستخراجية”.

هذه بعض الأمثلة على ما تقوم به جنوب أفريقيا (بفضل العلوم والابتكار) لتثمين وتوطين الموارد المرتبطة باستغلال المعادن. المثال الأول هو التيتانيوم، فجنوب أفريقيا هي ثاني أكبر مورد للخام الذي يمكن من إنتاج معدن التيتانيوم. ولكن تصدير هذا المعدن لا يتم إلا بعد تثمينه من خلال إضافة بعض القيمة إليه. طور مجلس البحوث العلمية والصناعية طريقة جديدة تمكن من إنتاج معدن التيتانيوم من خلال مواردنا المعدنية الأوفر. تعزز هذه القدرات الجديدة موقع جنوب أفريقيا كدولة رائدة في العالم في إنتاج مسحوق معدن التيتانيوم عالي الجودة، في ظل تنافسية عالية. التيتانيوم هو معدن مطلوب خاصة من قبل صناعة الطيران حيث الطائرات والأقمار الصناعية ينبغي أن تكون خفيفة الوزن من أجل استهلاك كمية أقل من الوقود.

مثال آخر هو البلاتين، فقد أطلقنا قبل عشرة سنوات برنامج الهيدروجين في جنوب أفريقيا(HySa) ، وكان هذا البرنامج بداية لأنشطة البحث والتطوير من قبل مركزين متخصصين، HySa Catalyse وHySa Systems . أنشأنا بموازاة مع ذلك “الطاقة النظيفة” « Clean Energy » ، وهي شركة جنوب أفريقية تهدف إلى تسويق بطاريات الوقود وأيضا إلى تجميع وتصنيع هذه البطاريات في أفريقيا جنوب الصحراء بشراكة مع Anglo Platinum وPower Systems Altergy .

مثال ثالث يتعلق بالفلور، فقد أطلقنا قبل خمس سنوات مصنع نموذجي للفلورة المتعددة الأغراض في بلينداباPelindaba . تملك جنوب أفريقيا بفضل هذه المبادرة، القدرة ليس فقط على تطوير الرأسمال البشري اللازم، ولكن أيضا على تقليل العجز التجاري في القطاع الكيميائي للبلد من خلال الصادرات وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وزيادة البحوث وتطوير تكنولوجيا عالية ضرورية لبناء قاعدة صناعية أقوى في المجال الكيميائي.

أولويتنا هي تنمية أفريقيا. تلعب العلوم والتكنولوجيا دورا حاسما ويجب علينا استغلال معرفتنا النسبية وميزاتنا المرتبطة بالموقع من أجل خلق فرص الشغل وسبل العيش لأكبر عدد ممكن من الناس.

* نالدي باندور هو وزير العلوم والتكنولوجيا بدولة جنوب أفريقيا

منبر الحرية، 2 ماي/أيار 2015

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018