بقلم : أمير مستوري*
ترجمة : حافظ إدوخراز
يعتبر العبء الضريبي في تونس ثقيلا (%21 من الناتج المحلي الإجمالي)، ويترتب عن ذلك ارتفاع في نسبة الغش الضريبي الذي يمثل ما يقارب %40 من المداخيل. تُبَذَرُّ عادة أموال الضرائب، التي من المفروض أن تقوم بتمويل المشاريع الكبرى للدولة، في نفقات عمومية غير منتجة. ويشهد على ذلك، مستوى عجز الميزانية في 2013 والذي بلغ %4.3 من الناتج المحلي الإجمالي، الشيء الذي يزيد من تفاقم الدين العمومي التونسي الذي قُدِّرَ بنسبة %49.1 من الناتج المحلي الإجمالي في 2014. لم تُغَير الاضطرابات السياسية الناتجة عن الثورة التونسية من هذا المعطى، مع أن إصلاح الإختلالات الضريبية كان في قلب المطالب الشعبية. فما هي الإستراتيجية التي ينبغي نهجها لإرساء منظومة ضريبية عادلة ومحفزة ؟
من أجل منظومة ضريبية عادلة
هناك تفاوت مثير للقلق في ما يخص توزيع العبء الضريبي في تونس. ففي الواقع، الموظفون، مما يعني نسبة كبيرة من الطبقة الوسطى، هم من يدفع غالبية الأموال المحصلة من الضرائب المباشرة على الدخل (%80)، في حين أنهم لا يمثلون سوى %36 فقط من الناتج المحلي الإجمالي. وفضلا عن ذلك، فوفقا للمديرية العامة للدراسات والقوانين الضريبية في وزارة المالية، فإن النظام الجُزافي (395.000 شخص هم خاضعين لهذا النظام) لا يساهم إلا بنسبة %3 فقط من عائدات الضريبة على الدخل و %0.2 من العائدات الضريبية. وبعبارة أخرى، فإن الموظف يدفع الضرائب المباشرة بمعدل خمس مرات أكثر من الشخص المستقل الخاضع لنظام التقدير الحقيقي، مع أنهم يُدِرُّون نفس الدخل.
أما بالنسبة للضرائب غير المباشرة (الرسوم الجمركية، الضريبة على الاستهلاك، الضريبة على القيمة المضافة، بالإضافة إلى الضرائب والرسوم الأخرى)، فعلى الرغم من أن حصتها من عائدات الضرائب قد انخفض إلى ما يقرب من %60، وهو اتجاه إيجابي، فإن الاقتطاع من القدرة الشرائية للفئات الاجتماعية يبقى غير متناسب ومفرط. ينبغي إذن عقلنة معدلات الضرائب آخذين بعين الاعتبار الانخفاض الحاصل في القدرة الشرائية وتجمد الأجور. تتجلى اللامساواة أيضا في التهرب الضريبي المرتبط بتوسع القطاع غير المهيكل، مما يُحَمِّل الدولة خسارة كبيرة، ويبدو أنها عاجزة أكثر فأكثر عن استخلاص المداخيل الضريبية الضرورية لمواجهة التحديات الهائلة للتنمية. معالجة مشكلة اللامساواة تقتضي اعتماد خطة عمل تستند إلى أمرين : أولا، تغيير بنية معدلات التضريب بغرض توزيع العبء الضريبي بشكل أمثل بين الموظفين وغير الموظفين، وبين العمل ورأس المال، وبين الفقراء والأغنياء. يجب أن تكون التركيبة الجديدة موضوع نقاش وطني في إطار الجلسات الضريبية على سبيل المثال. ثانيا، ينبغي توسيع الوعاء الضريبي من خلال إعادة إدماج القطاع غير المهيكل. هذا الأمر لا يمكن أن يتم بواسطة القمع، ولكن على العكس من ذلك بواسطة التشجيع من خلال تخفيف الإجراءات الإدارية وتحسين مناخ الأعمال، والتخفيف من العبء الضريبي ودمقرطة التمويل.
والآن، وبعد أن أصبحت المؤسسات السياسية تستمد شرعيتها من القانون الأساسي للجمهورية القائمة، فقد أصبح من اللازم نهج مقاربة تشريعية مبدعة بخصوص الضرائب. سيتبادر إكراهين اثنين بالظهور : الأول يتعلق بتعقيد النصوص، في حين أن الثاني يتمثل في تعددها. لذا يجب علينا التفكير في عملية تؤدي أولا إلى التوحيد، ثم إلى التبسيط (خفض عدد معدلات الضريبة على القيمة المضافة، مقروئية بشكل أحسن بالنسبة إلى أشطر الضريبة على الدخل وتخفيف الإجراءات الضريبية بخصوص الإقرار والدفع… الخ).
منظومة ضريبية محفزة من أجل جذب الاستثمارات
نعلم بأن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تونس قد انخفضت في السنوات الأخيرة بنسبة %24.1. وبغض النظر عن العوامل المتعلقة بعدم الاستقرار الأمني والأزمات السياسية والاجتماعية التي عصفت بتونس، فهناك العديد من التفسيرات الأخرى. فقد حصل تدهور في جودة مناخ الأعمال (انتقلت تونس من الرتبة 40 في 2011 إلى الرتبة 51 في 2014 حسب تقرير البنك الدولي حول مناخ الأعمال). وعلاوة على ذلك، فقد تزعزعت أسس دولة القانون في السنوات الأخيرة، مما زاد من حالة عدم التيقُّن بالنسبة للمستثمرين المحليين والأجانب. لا ننسى كذلك أهمية الحوافز الضريبية التي تؤثر على خيارات المستثمرين المحليين والأجانب. من اللازم أن تُعَدَّل الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل بالشكل الذي يشجع على العمل والمخاطرة، وأن تُحسَب التسهيلات التي يمكن منحها للمستثمرين بشكل تناسبي مع الأخطار التي تحملوها، وذلك في إطار عقد مربح للجانبين. ويمكن للمدن الداخلية أن تكون أكثر جاذبية إذا فكرنا في تحويلها إلى “جنان ضريبية”. وبالإضافة إلى ذلك، سيقوم تحسن مناخ الأعمال بجذب المزيد من الاستثمارات، والتي ستجلب المزيد من العائدات الضريبية للدولة. ينبغي أيضا ترشيد الإنفاق العام بدوره، فلم يعد هناك حاجة إلى إدارة متضخمة. بلغت كتلة الأجور في عام 2001 نسبة %12.5 من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا استنزاف حقيقي للمالية العمومية ينتج عنه مديونية كبيرة. وبالتالي، فيجب أن تكون التحويلات الاجتماعية مستهدفة ومشروطة لكي يتم تجنب الهدر وسوء الاستغلال.
وبالإضافة إلى ذلك، فلن تكون الضرائب مشروعة في أعين التونسيين إلا إذا رأوا آثارها في حياتهم اليومية، ومن الواجب إذن استعادة الصلة بين المداخيل الضريبية والنفقات العمومية من خلال لامركزية فعالة تسمح للمواطنين بمراقبة المنتخبين المحليين. تبقى إعادة الاعتبار للمساءلة أمرا أساسيا لإضفاء الشرعية على الإقتطاعات الضريبية، ومن شأن هذا النهج أن يستعيد ثقة المواطنين في الدولة. ومن الجدير بعد أن قلنا هذا، أن نُذَكِّر بأن الهدف من ترشيد الإنفاق العمومي هو تخفيف العبء الضريبي، والذي يندرج بدوره في محاربة الغش الضريبي.
إن نجاح الانتقال الديمقراطي الحالي في تونس يعتمد حتما على آثار الانتعاش الاقتصادي. وننتظر باهتمام كبير مقترحات الحكومة الجديدة من أجل تنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة.
* طالب باحث في القانون، جامعة تولوز 1 كابيتول.
منبر الحرية، 9 يونيو/حزيران 2015