هل تعيش الديمقراطية بدون الرأسمالية؟

منبر الحرية4 أكتوبر، 20150
إن الحرية الفردية قبل أن تكون مكسب إنساني حققته البشرية بعد طول صراعها مع الاستبداد والحروب والعبودية، هي حق وجودي غير قابل للتمييز أو الحصر. فهي كاملة مكتملة بواسطتها فقط يمكن للفرد أن يعش كرامته ويحقق رفاهيته ويضمن حقوقه ويحفظ أملاكه.... .

برز الجدال مجددا بعد الأزمة المالية الأخيرة وما خلفته وما تزال من اَثار على النظام الاقتصادي العالمي، وتسارعت الرؤى والنظريات السياسية والاقتصادية في فك لغز الأزمة العالمية الأخيرة واقتراح البدائل بعضها موجهة للخروج الفوري من الأزمة وبعضها ترجوا القطع مع النظرية الرأسمالية بالمرة. فأصحاب البدائل الفورية –ومنهم الاقتصادي جوزيف ستيكليتز- ما فتؤووا يؤكدون أن قواعد عمل النظام الرأسمالي هي التي تعرضت للتحريف وأن قواعد اللعبة السياسية وهي المنظمة لعمل الاقتصاد، هي التي انحرفت عن قيم الديمقراطية المرتكزة على المبادرة الفردية والحرية السياسية والفردانية والسوق الحرة. أما المناهضون لقيم الرأسمالية فقد أثبتوا أن الديمقراطية قادرة على الاستمرار والعيش فقط بمحارة اقتصاد السوق الحرة وقيم الفردانية.
 
لقد كان الفقر والحرب والاستبداد هي السمات الغالبة على حياة البشرية إلى حدود القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين يؤكد “ميلتون فريدمان“، حيث حدت انعطاف استثنائي في غرب أوروبا عندما بدأت الحرية السياسية تنتعش بموازاة السوق الحرة وظهور المؤسسات الرأسمالية. في كتابه المعنون ” الرأسمالية والحرية ” الصادر سنة 1962، وصف فريدمان ما سماها “الرأسمالية التنافسية” بنظام يمزج بين الحرية الاقتصادية والحرية السياسية، وهما معا مهددان من طرف تضخم الدولة ودولة الرعاية والدولة الموجهة للاقتصاد. وأكد قبله الاقتصادي “هنري سيمون” أنه لا يمكن البتة توسيع الحريات الفردية أو حتى الحفاظ عليها من دون حرية المقاولة، وهنا طبعا يحيل على ترابط الديمقراطية والرأسمالية. أما الاقتصادي النمساوي “فريديريك فون هايك” صاحب كتاب ” الطريق إلى العبودية” فقد ربط استمرار الديمقراطية بتواجد النظام الرأسمالي الذي يعني النظام التنافسي المرتكز على المبادرة الحرة والملكية الخاصة، في حين أن انتشار الجشع الإقطاعي سيدمر الديمقراطية نهائيا.
 
إن الحرية الفردية قبل أن تكون مكسب إنساني حققته البشرية بعد طول صراعها مع الاستبداد والحروب والعبودية، هي حق وجودي غير قابل للتمييز أو الحصر. فهي كاملة مكتملة بواسطتها فقط يمكن للفرد أن يعش كرامته ويحقق رفاهيته ويضمن حقوقه ويحفظ أملاكه. وهذه الحرية هي مزيج من الحرية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فلا يمكن أن نوفر للفرد حرية سياسية ونلجم حريته في التملك وكسب المال وتحقيق رفاهيته الفردية. كما لا يمكن أن ندعي حريته لكن في حدود ما ترسمه له دولته وحكومته بحجة ضمان الكسب الجماعي أو الحريات الجماعية أو العدالة الاجتماعية. لقد حققت البشرية أبهى ثورة إنسانية عندما تحقق ذلك الترابط بين الحريات الأساسية للفرد، فقد ثار الأفراد أولا ضد الاستبداد السياسي والجشع الإقطاعي والاستغلال العبودي، ثم استكملوا ثورتهم عندما بذءوا يبادرون بكل حرية ومن دون وصاية من أحد في تكوين أعمالهم الاقتصادية الحرة وبالتالي تحقيق ثرواتهم الخاصة، والتي وبفضل حفاظهم على ممتلكاتهم الخاصة استطاعوا أن يخلقوا بها رفاهيتهم الخاصة ورفاهية الأخرىين. فالديمقراطية قائمة على هذه القيم، قيم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان وحرية التملك والتعبير وغيرها، وهي غير قابلة للتحقق من دون ترابطها مع حرية التصرف المالي وتكوين المقاولة الحرة وحرية التجارة. إن الديمقراطية بذلك لا يمكن أن تُقزم إلى مجرد لعبة انتخابية مثلا أو إلى مطلب أيديولوجي محض كما أن الرأسمالية ليست مجرد مخطط جشع للكسب غير القانوني، إنهما معا نظامين مكتملين يسعيان لتحقيق حرية الفرد في النظام الحر بتعبير هايك.
 
 
* كاتب من المغرب
 
منبر الحرية، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2015

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018