
العلاقة بين المجزرة التي وقعت في قرية خان شيخون السورية وبين الكارثة الفلسطينية هي علاقة وحدة بين المظلومين في أوطانهم من قبل قوى خارجية وداخلية تسعى لتهجيرهم وتدميرهم دون أدنى اعتبار للإنسان والأخلاق. الاستبداد في النهاية واحد، وما يقع في سوريا ليس بعيدا عما يقع في فلسطين، في كل مكان سعي مسعور لتدمير سكان البلاد وسعي لتحييد الأغلبيات السكانية وتدمير بناها الحياتية وتهجيرها.
ما يحصل في سوريا لا يختلف عن سعي الصهيونية لمنع سكان البلاد الأصليين من العودة بالإضافة لتهجيرهم بوسائل مختلفة. رغم الحروب والحروب المضادة القائمة في العالم العربي، تتداخل آلام العالم العربي مع آلام المسألة الفلسطينية، فما وقع في فلسطين على يد الصهيونية يكمل ضد المجتمع الوطني العربي في سوريا من خلال العنف والدمار، وصولا للأسلحة الكيميائية والغازات السامة.
أن يستخدم رئيس دولة عربية سلاحا كيميائيا ضد شعبه، بل وأن يجد الجرأة والقوة الذاتية لصنع هذا القرار دون خوف من مساءلة أو محاكمة هو الانحطاط القيمي في أوضح صوره. أن يصل الاستخفاف بالشعوب العربية وبالشعب السوري لهذه الدرجة ما هو إلا انعكاس للحال العربي في العام 2017. قرار استخدام الطيران، واستخدام البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية ليس قرارا عاديا، فمن يقوم به سيكتشف بأنه مهما فعل لن ينجح في الهرب من مصير محتوم.
قد يبدو الأمر غير واضح للعيان في كل المراحل والجولات، لكن سياسات الاستيطان ومقاومتها في فلسطين وسياسات الاحتلال ومقاومتها من قبل الشبان في مناطق السلطة الفلسطينية، بالإضافة للصمود الميداني لغزة وعناصرها المقاتلة والنضال الدائم لعرب 1948 في مواقعهم المتقدمة في مواجهة العنصرية يخلق وضعا مقاوما للسلوك الإسرائيلي الذي يستهدف الأرض كما يستهدف السكان. لكن مقاومة السوريين وسعيهم لمواجهة حملات التهجير والإبادة وسعيهم للصمود أمام نظام يستخدم آلة حربه ضد شعبه يعكس مدى إصرار السوريين على العيش بكرامة وحقوق. إن المواجهة مع الظلم واحدة من فلسطين لسوريا وان اختلفت لغة الظالم وأساليبه.
عبر التاريخ كانت سوريا وفلسطين بلدا واحدا، وكان الفلسطينيون يعتبرون أنفسهم أهل سوريا الجنوبية، لكن اليوم يسعى الشعب السوري للدفاع عن أرضه وحياته كما يسعى الشعب الفلسطيني للدفاع عن ذات الأرض وامتدادها الجغرافي. لقد أدت حالة التجزئة والتقسيم الاستعماري لتدمير وتشويه بنية المجتمعات العربية، فالشعب السوري يقاتل لوحده ضد نظام يقوم بأعمال إبادة قام بها قبل ذلك الصرب في البوسنة والهرسك، والفلسطينيون في معركة لوحدهم ضد الصهيونية وتمددها على كل الأرض. لكن المعركتين متداخلتان. بل ونظرا لهذا التداخل الكبير بين الوضع العربي الضعيف وبين القضية الفلسطينية بصفتها ضحية استبداد واستعمار لم تنجح كل الحروب في محو القضية الفلسطينية بصفتها قضية مركزية. وبنفس الوقت لم تنجح كل محاولات الأسد لطمس معالم الجريمة الكبرى في سوريا.
لقد نشأت مظالم الإقليم العربي مع نشوء الدولة الحديثة بعد سقوط الدولة العثمانية في العام 1918 ومجيء الاستعمار، لكن وجود إسرائيل وتمددها وعسكرتها ساهم في بنية التفتيت والاستبداد التي تخضع لها المنطقة العربية بما فيها استبداد نظام الأسد. إسرائيل تحولت لحارس أمين لكيان التفتت الإقليمي، وأصبحت الموقع المتقدم للاستعمار بعد تراجعه في كل العالم، كل هذا جعل لإسرائيل مكانة خاصة في بنية النظام الدولي وعلى الأخص الأميركي. استمرار المقاومة السورية كما والعربية ضد الاستبداد كما والفلسطينية ضد الصهيونية سيفرز على أرض الواقع قوى شعبية عربية ذات مشروع وطني وإقليمي. هذا تطور قادم سيفرض على الاستبداد بصورته السورية كما يعبر عنها نظام الأسد التراجع والتقوقع، لكنه سيهز الصهيونية وإسرائيل وسيجعلها في موقع الدفاع والتراجع.
المصدر: الوطن
* أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
منبر الحرية، 9 أبريل /نيسان 2017