peshwazarabic

peshwazarabic16 نوفمبر، 20101

[3] في الكفاح ضد القرصنة البحرية،  يجب التركيز دوماً على الاستخدام الأمثل لسلاح المعلومات، وتنسيق جهود المؤسسات الأمنية المعنية بشؤون الأمن البحري وتطوير قدرتها على العمل معاً.
بما أن معظم الهجمات التي قام بها القراصنة الصوماليون تم التخطيط لها على أساس معلومات تم جمعها مسبقاً عن السفن والناقلات المستهدفة (إذ يستعملون لهذا الغرض نظام تحديد المواقع العالمي والهواتف التي تعمل بالأقمار الاصطناعية، ولديهم شبكة نشطة من الجواسيس في موانئ مجاورة مثل دبي وجيبوتي وعدن لرصد ضحاياهم)، فإنه لا مناص للدول المعنية بمحاربتهم من استخدام سلاح المعلومات نفسه لهذا الغرض. ولأن البيئة البحرية لا تزال أقل مناطق العالم انضباطاً من الناحية الأمنية في الوقت الراهن، فإن الوعي بالمجال البحري يُعد ذا أهمية كبيرة من أجل التنبوء بالوقت والمكان المحتملين لتنفيذ هجمات القرصنة والإرهابيين، وهذا يتطلب الاستعانة ببيانات المراقبة والمعلومات الاستخباراتية، وتوفير هذه المعلومات للأطراف التي تحتاج إليها.
ودول إقليم البحر الأحمر، كبقية دول العالم التي تواجه تهديد القرصنة البحرية والإرهاب البحري، ينبغي أن تولي هذا الجانب اهتماماً متزايداً؛ فتبادل المعلومات يلعب دوراً جوهرياً في تحسين الأمن والسلامة البحرية. ومن هنا تبرز الحاجة، ليس إلى إنشاء بعض المراكز الإقليمية لمكافحة القرصنة البحرية كما فعلت دولة كاليمن وحسب، بل كذلك إلى تكوين خلية (أو خلايا مشتركة بالأحرى) لإدارة الأزمات المتعلقة بالأمن البحري، بالتوازي مع إقامة مركز عمليات مشترك يجمع بين المعلومات الاستخباراتية وبيانات المراقبة، ويتولى عملية تخطيط وتنفيذ التدريبات والمناورات والتخطيط للعمليات، وهذا الأمر يستلزم بدوره تعاوناً وثيقاً وتنسيقاً نشطاً بين المؤسسات والهيئات المعنية داخل كل دولة على حده (خفر السواحل والقوات البحرية بصفة خاصة) وهو الأمر الذي قد يتطور خلال فترة وجيزة إلى أنشطة تتم على مستوى دول الإقليم والقوى العالمية الكبرى المهتمة بأمن الملاحة البحرية في هذه المنطقة.
على أن حاجة حكومات دول الإقليم المتضررة الذاتية إلى جهود قوات البحرية وخفر السواحل معاً وفي نفس الوقت، تقتضي منها القيام بدراسة السُّبل المُثلى لتنفيذ العمليات المشتركة بين الجانبين. وأول خطوة يمكن اتخاذها في هذا الإطار هي توفير المعدات الأساسية والتواصل بين الطرفين ثم تقديم الدعم اللوجيستي والتدريب المشترك. ومن بين الخيارات المتاحة عند وجود كلا الجهتين في المكان نفسه، انتداب ضباط بحرية رفيعي المستوى لقيادة قوات خفر السواحل. فعلى سبيل المثال، يتولى ضابط بحرية هندي برتبة لواء قيادة حرس السواحل الهندية بينما يتولى ضابط بحرية أسترالي برتبة فريق قيادة قوات حماية الحدود الأسترالية. ويتم الاستعانة بكبار الضباط للاستفادة من خبرتهم الواسعة وقدرتهم على إيجاد تواصل فعال بين المؤسستين الأمنيتين.
وإذا كان التعاون بين القوات البحرية وخفر السواحل بات ضرورياً في هذه المرحلة، وبما أن قوة خفر السواحل تستخدم كثيراً من مهارات قوات البحرية، فلا بد من وضع آلية خاصة لإقامة تدريب مشترك متى أمكن. ولا شك في أن التدريبات والمناورات وتبادل المواقع والمسئوليات أمرٌ مهمٌ للغاية؛ إذ تسهم جميعها في الارتقاء بالمهارات الفردية ثم المهارات الجماعية داخل السفينة وبين السفن الأخرى، وقبل هذا كله ينبغي على الجهتين إقامة نوع من الاتصال، بناء على تنسيقٍ مُسبق عالي المستوى بين المؤسسات الأمنية الكبرى كوزارة الداخلية والدفاع وأجهزة الاستخبارات القومية، مع التأكيد على فهم كل منهما للطرف الآخر واستيعاب مبادئه وإجراءات التشغيل الخاص به.

[4] ضرورة إدماج الإدارة الأمريكية وإقناعها ، بوضوح ودون مواربة، بأن مواجهة القراصنة الصوماليين ليست شأناً إقليمياً فقط بل يقع في صميم مسئوليات الولايات المتحدة الأمنية العالمية، وحربها الكونية ضد الإرهاب.
تكمن إحدى المفارقات المثيرة للانتباه في قضية القرصنة البحرية على امتداد السواحل الصومالية في الدور الأميركي غير المباشر الذي ساهم في مفاقمة هذه الظاهرة الإجرامية إلى الحد الذي شكلت معه مصدر قلق عالمي جدّي ومتعاظم. وإذا استخدمنا تعبير مجلة نيوزويك الأميركية فإن “هوس واشنطن بالإرهاب كان نعمة بالنسبة إلى قراصنة المنطقة”، إذ أن حرب الولايات المتحدة على الإرهاب في المنطقة أدت إلى عواقب غير مقصودة؛ فخلال سيطرة المحاكم الإسلامية على الأوضاع في مقديشو وأجزاء واسعة من الصومال غابت القرصنة بصورة شبه كلية في منطقة القرن الأفريقي، ولم يشهد صيف العام 2006 أي عمليات قرصنة ضد السفن، لكن إدارة بوش بدعمها التدخل العسكري الإثيوبي في الصومال نهاية العام ذاته والذي قوّض حكم الإسلاميين ونفوذهم في البلاد، دفعت الصومال – وعن غير قصد، على الأرجح – إلى الغرق في الفوضى من جديد.
وقد استغلت عصابات القرصنة هذه الفرصة أحسن استغلال، وبعد فترة من غيابها القسري عن المشهد الصومالي إثر هزيمتها على يد المحاكم الإسلامية عادت مجدداً إلى واجهة الأحداث، وبدعم من بعض زعماء الحرب الصوماليين المرتبطين بالحكومة الانتقالية، ولم تمضِ سوى أشهرٍ قليلة حتى أخذت عجلة القرصنة في الدوران من جديد ولكن بزخمٍ غير مسبوق هذه المرة. ففضلاً عن تقويض التجارة وتهديد خطوط الملاحة البحرية الدولية، أخذ القراصنة أيضاً بتهديد شحنات المساعدة الضرورية لإعالة ما يزيد على ثلث الشعب الصومالي (نحو 2.6 مليون شخص) يعيشون على شفير المجاعة.
والحال أن تغيّر المشهد الإستراتيجي والأمني في الصومال تحت وطأة التدخل الأميركي المنسجم مع إلتزام واشنطن المعلن بمحاربة ما تسميه “التطرف الإسلامي”، كان باهظ الثمن هذه المرة وبدأت فواتيره تظهر تباعاً. وفي حين شرعت العديد من دول المنطقة في الدَّفع من خلال تحملها عبء مواجهة القرصنة البحرية المزدهرة في مياه المنطقة، الأمر الذي أثقل كاهلها بعبءٍ أمني آخر يضاف إلى قائمة أعبائها الكثيرة، ناهيك عن تأثرها المباشر والسريع بالتداعيات السلبية لظاهرة القرصنة على الصعيد الاقتصادي، والتي تجلت بعض مظاهرها مؤخراً في زيادة رسوم التأمين على النقل البحري عبر خليج عدن بنسبة عشرة أضعاف، وتصاعد احتمال توقف الملاحة عبر باب المندب وقناة السويس وتحول مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح مرة أخرى؛ فإن الولايات المتحدة في المقابل، وبعكس قوى دولية أخرى كفرنسا التي تمكّنت مؤخراً (تحديداً في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2008) من استصدار القرار 1838 من مجلس الأمن الدولي، والذي يُشرِّع – في سابقة “تاريخية” هي الأولى من نوعها وبموجب الفصل السابع – استخدام القوة بهدف مكافحة القرصنة في الصومال؛ لم تُبدِ (أي الولايات المتحدة) حتى الآن تقديراً ملائماً وكافياً لجهة تعاظم تهديد القرصنة البحرية في منطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر، رغم أنها لاعب رئيسي في المنطقة ويعتد بدورها الأمني كثيراً.
ويبقى الرهان في سبيل تحفيز الدور الأميركي المنتظر واستنهاضه، وهو ما ينبغي أن يركز عليه صانعو السياسات في المنطقة ويعملوا على إثارته في حواراتهم المختلفة مع الأميركيين، يبقى كامناً في حضور العامل الإرهابي في الصورة، وبعبارة أخرى أكثر صراحة فإن الطريقة الوحيدة لجذب اهتمام واشنطن هي إظهار أن هناك صلة ما بين القراصنة الأعداء والإرهاب الكوني.
وتنبع أهمية هذا الرابط من حساسية العامل الإرهابي ودوره المفصلي في توجيه سياسة أميركا الخارجية وتوجهاتها الأمنية الراهنة على المستوى العالمي. ومع أن هذا الرابط لم يفلح في استثارة الإدارة الأميركية في أوقات سابقة بحيث جعلها تنظر إلى القرصنة البحرية على أنها أولوية، رغم حاجة عالم الشحن بالسفن وقتذاك أيضاً إلى الحماية، لكن الوضع تغير بدءاً من شهر أيلول/ سبتمبر 2005 عندما أصدرت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش وثيقة أمنية إستراتيجية بعنوان “الإستراتيجية القومية لأمن الملاحة البحرية”. وتشدد هذه الوثيقة على أن حماية البحار مهمة حساسة تواجهها الولايات المتحدة كجزءٍ من حربها على المتشددين الإسلاميين في أرجاء العالم لمنعهم من استخدامها كمسرح للهجمات، أو كوسيلة لنقل الأفراد والموارد، وخصوصاً من تنظيم “القاعدة”.
وتحتوي الوثيقة على عدد من البنود والالتزامات التي من شأنها تعزيز خطوات التعامل مع الأخطار التي تواجهها الملاحة البحرية، ويهم دول الإقليم منها البند المتعلق بـ “عرض توفير عمليات التدريب في مجال أمن الموانئ والملاحة البحرية للدول المعنية، وإعطاء أولوية لبرامج الدعم الأمني بهدف تقديم المساعدة في ما يخص أمن الموانئ ونطاق الملاحة البحرية”، وكذلك البند الذي تؤكد فيه الولايات المتحدة على “تشجيع جميع الدول على زيادة نطاق الوعي بتعزيز قدراتها في مجال الملاحة البحرية، وهي القدرات التي يمكن في المقابل التشارك بها في المناطق المهمة ذات الحساسية العالية”.
والحال أن هذه الوثيقة تتيح لهذه الدول، وبعضها كاليمن وجيبوتي وعمان والسعودية حليف رئيسي في الحرب على الإرهاب، طلب عون مباشر من الولايات المتحدة يساعدها في الحد من خطر القرصنة والسطو المسلح على السفن، وذلك من خلال تقديم المزيد من الدعم لقوات خفر السواحل التابعة لها، وتوفير عمليات التدريب لعناصرها بما من شأنه رفع مستواهم المهاري والتقني وتطوير قدرتهم على مواجهة التهديدات المحتملة. وبالمثل، مساندة – لا عرقلة – أي توجهات ترمي إلى إطلاق حوار إقليمي يهدف إلى تطوير نظام أمني بحري جماعي يشمل جميع القضايا والهواجس الأمنية المشتركة، بما فيها قضية القرصنة البحرية.
على أن استمرار حالة التراخي الأميركية تجاه قضية أمنية مستجدة بالنسبة لها، كقضية تفاقم القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية، سيظل كعب أخيل الجهود الإقليمية والدولية التي ترمي لبناء إستراتيجية شاملة هدفها الحدّ نهائياً من خطر القرصنة في المنطقة واحتواء تداعياتها وأضرارها الأمنية كما الاقتصادية. وطالما استمر الشعور في واشنطن بأن هذه قضية هامشية، لا توازي في أهميتها وحجمها المعضلات الأمنية التي تواجهها الإدارة في العراق وأفغانستان أو الأزمة المالية المحتدمة التي زعزعت الاقتصاد الأميركي بشدة وألقت بظلالها على الاقتصاديات العالمية كافة، فإن العمل على تغيير هذه القناعة سيكون ضرورياً، والنقطة الجوهرية التي يجب التركيز عليها في هذا السياق، والتي قد تثير حماسة واشنطن وتوليها اهتماماً مضاعفاً، هي تذكير الأخيرة على الدوام بأن أيٍّ من أشكال التراخي في مواجهة القرصنة في القرن الأفريقي والبحر الأحمر من شأنه عرقلة الجهود الأميركية والدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب خصوصاً مع ظهور بوادر تغيّر في اتجاهات القرصنة على المدى القريب والمتوسط؛ فإذا كان القراصنة الحاليين لا يطالبون إلا بفدية مالية، لكن المطالب قد تتغير إذا دخل أفراد من شبكة إرهابية، كالقاعدة أو مجموعات موالية لها، هذه الحلبة؛ إذ قد يحاولون إغراق سفينة كبيرة عند مدخل قناة السويس، كما أن حدوث كارثة بيئية ضخمة، نتيجة قيام القراصنة بإتلاف إحدى ناقلات النفط التي تمر عبر خليج عدن، يظل احتمالاً قائماً كذلك.
© معهد كيتو، مشروع منبر الحرية، 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

القراصنة قادمون”! صرخة دوّت مؤخراً وأخذت تترد بقوة، مُكتسبةً طابعاً طناناً، ليس فقط في وسائل الإعلام والأقنية الإخبارية المختلفة حول العالم، وإنما تكاد، بالنظر إلى مضامينها الأمنية والإستراتيجية المهمة، تقضّ مضاجع صُنّاع السياسات ومسئولي الأمن في منطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر.
فعلى امتداد السواحل الصومالية في المحيط الهندي وخليج عدن، أخذت موجة متزايدة ومتسارعة من أعمال وأنشطة القرصنة في تهديد خطوط الملاحة العالمية وسلامة الأمن البحري بالمنطقة على نحوٍ غير مسبوق، وبانتهاء شهر تشرين الأول/ أكتوبر الفائت تم تسجيل أكثر من 80 هجوماً تعرضت له السفن التجارية وسفن الاصطياد وناقلات النفط الأجنبية، العابرة لخطوط الملاحة الدولية في المحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر عبر مضيق باب المندب، على أيدي القراصنة الصوماليين، الأمر الذي حدا بالمكتب البحري الدولي (IMB) إلى تصنيف هذه المياه بأنها “أخطر منطقة شحن بحرية” في العالم، مُتخطية بذلك كل من إندونيسيا ونيجيريا، اللتين كانتا في الصدارة.
وفي ضوء إدراك دول المنطقة المتزايد بخطورة هذه الظاهرة الإجرامية، اتخذت بعضها وفي مقدمتها اليمن، التي تطل على خليج عدن وبحر العرب، العديد من الاجراءات والتدابير العاجلة للحدّ من أنشطة القرصنة في خليج عدن وباب المندب. فبدأت البحرية اليمنية بتكثيف وجودها ودورياتها الأمنية في المياه الإقليمية، ونشرت مصلحة خفر السواحل نحو ألف جندي وعدداً من الزوارق الحربية المجهزة في خليج عدن وباب المندب، وفي اتجاه موازٍ بدأت في إجراء عمليات تنسيق مع القوات المشتركة للقرن الأفريقي وماليزيا واليابان بهدف إنشاء مركز إقليمي لمكافحة القرصنة، وتعزيز جهود حماية الطريق الملاحي الدولي المار عبر خليج عدن.
على أن الصحوة المتأخرة هذه، في النتيجة، قد لا تُجدي نفعاً مع “شياطين البحر” الجُدد من الصوماليين، وبرغم أهميتها فإن تأثيرها سيظل محدوداًً. ويزداد الأمر تعقيداً إذا علمنا أن هذه العصابات تقوم بأعمال القرصنة وهي تتمتع بحصانة ولا تخشى الملاحقة؛ فالصومال تملك أطول ساحل في أفريقيا، وعلى مسافة قريبة من أهم خطوط الملاحة البحرية، ولكنها تفتقد لسلاح البحرية أو خفر السواحل، كما أن الحكومة الصومالية الانتقالية تزداد ضعفاً يوماً بعد يوم، وهي غير قادرة على تحمل هذه الأعباء.
وفي ضوء المعطيات المذكورة، أصبح التفكير بإستراتيجية أكثر شمولاً وفعاليةً لمكافحة القرصنة البحرية، تشترك دول الإقليم المشاطئة لخليج عدن والقرن الأفريقي في صياغتها مع المجتمع الدولي، أمراً ملحّاً وذا أهمية كبرى.
[1] ضرورة الاستمرار في التشديد على ضرورة حلّ المشكلة الصومالية حلاً جذرياً، وعدم التواني في الانخراط في أي جهود إقليمية أو دولية تهدف إلى بلورة مثل هذا الحل.
إن إحدى الحقائق التي لا يمكن تجاوزها في أي إستراتيجية إقليمية أو دولية تهدف إلى إنهاء خطر القرصنة قبالة السواحل الصومالية، أن هذه الظاهرة تبقى، وستستمر – إن قُيّض لها الاستمرار -، واحدة من النتائج المباشرة لانهيار الدولة الصومالية وإحدى تجلياتها الرئيسية. وتجاوز هذه الحقيقة الجوهرية لا يعد انتكاسة في التفكير الإستراتيجي وحسب بل وفي التدبير السياسي والأمني أيضاً.
لقد نشطت عمليات القرصنة البحرية بخليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي في الأساس بسبب القلاقل الداخلية التي تشهدها الصومال‏، حيث تطل السواحل الصومالية التى يبلغ طولها 3700 كيلومتر وهى واحدة من أطول السواحل فى العالم، على ممرات مائية إستراتيجية تربط بين البحر الأحمر والمحيط الهندي‏، مما جعل السفن التجارية وسفن الصيد التي تمرّ بها على مدى السنوات الأخيرة عُرضة لهجمات القراصنة، وبدلاً من أن تكون سواحل الصومال بمثابة وسيلة مضمونة للحصول على مساعدات دولية وإغاثية في بلدٍ دمرته تماماً الحرب الأهلية التي اندلعت عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع محمد سياد بري سنة 1991، فإن المساعدات الغذائية الضرورية تكاد تتوقف تحت تأثير الضربات المتوالية للقراصنة، الأمر الذي فاقم من حدة الأزمة الإنسانية الخطيرة في هذا البلد المنكوب.
وبطبيعة الحال، فإن الأمور لن تتحسن ما لم يحصل تغيير نحو الأفضل في الصومال نفسها، وهذا الأمر لن يتأتى إلا من خلال تسوية سياسية شاملة تُنهي الحرب الأهلية المستمرة في هذا البلد. ومن المتوقع أن تركز الأمم المتحدة بصورة أكثر فاعلية في الأيام المقبلة على تحقيق المصالحة الصومالية لمواجهة القرصنة البحرية التي تستفيد من غياب حكومة مركزية قوية هناك‏.‏ وإذا كانت بعض دول الإقليم كاليمن وجيبوتي ومصر قد حرصت على تأييد مساعٍ كهذه، من منطلق إدراكها أن الحل الجذري لظاهرة القراصنة الصوماليين، يكمُن في تدخلٍ آخر للمجتمع الدولي ما انفكت هذه الدول وغيرها تدعو إليه “للأخذ بيد الحكومة الصومالية الانتقالية من أجل بناء الدولة الصومالية، وحتى لا يكون الصومال وكراً أو محطة أخرى مثل أفغانستان لتصدير الإرهاب”؛ فإنه يجب عليها، والحالة هذه، الاستمرار في التشديد على ضرورة حلّ المشكلة الصومالية حلاً جذرياً ومتوازناً يرضي القوى المحلية الرئيسية، في جميع المحافل الدولية بما فيها تلك المخصصة لمناقشة التحديات الأمنية الراهنة وطبيعتها المتغيرة، والانخراط في أي جهود إقليمية أو دولية تهدف إلى بلورة مثل هذا الحل الذي بات تحقيقه اليوم أكثر ضرورة وحيوية من أي وقتٍ مضى.

[2]  ضرورة الدعوة إلى (والمساهمة في) تأسيس نظام أمني بحري جماعي في منطقتي القرن الأفريقي والبحر الأحمر، يبدأ بقضية القرصنة البحرية ولا يقف عندها بل يشمل مختلف القضايا والهواجس الأمنية المشتركة.
لقد ظلت قضية الأمن في منطقة جنوب البحر الأحمر وتأمين المياه المشاطئة للساحل الأفريقي هاجساً للعديد من دول المنطقة طوال السنوات الماضية، خاصة بعد دخول مُعطى الإرهاب في المعادلة الأمنية الإقليمية، واستمرار دوامة العنف في منطقة القرن الأفريقي، ومحدودية قدرات كثير من دول المنطقة على تأمين شريطها الساحلي، إلا أنه، وعلى الرغم من ذلك، لم تتمكن هذه الدول حتى اليوم من بلورة صيغة مؤسسية مناسبة للتعاون الأمني فيما بينها تؤدي في النهاية إلى تأسيس نظام أمني بحري جماعي بينها.
على أن مشكلة تفاقم عمليات القرصنة البحرية في خليج عدن وباب المندب والمحيط الهندي أظهرت، وبكل وضوح، حاجة الدول المُشاطِئة الشديدة والمتزايدة (بما فيها الدول المطلة على البحر الأحمر) إلى تأسيس نظام للتعاون الأمني البحري الجماعي في المنطقة. وإذا كان من المهم اليوم أن تركز هذه البلدان على تطوير ترتيب جماعي للتعاون في مجموعة من المشروعات والقضايا الأمنية البحرية ومكافحة الإرهاب الإقليمي، بحيث لا يقتصر على قضية أمنية بعينها (كقضية القرصنة)، وإنما تنطلق منها وتؤسس عليها.
وهذه الخطوة الأوسع، متى تتحقق، ستُشكل نقطة البداية الصحيحة لبلورة إجراءات لبناء الثقة بين دول المنطقة تعود بالنفع أيضاً حتى على أطراف دولية عديدة، نظراً إلى الأهمية الأمنية والاقتصادية التي تتمتع بها هذه المنطقة الإستراتيجية من العالم. ولئن دأب بعض المحللين على التشكيك في جدوى إجراءات بناء الثقة كتدبيرٍ مُستدام أو فعّال بدعوى أنها مجرد أداة لإدارة الأزمات وليس لحلّها، إلا أنها أثبتت نجاحها في الغالب كأداة عملية مهمة لتطوير التعاون الأمني البحري بين الدول. فتطبيق إجراءات بناء الثقة في مجال التعاون البحري كوسيلة لحل الخلافات والنزاعات ومنع الحوادث البحرية ذات التداعيات الخطيرة، فضلاً عن معالجة الهواجس الأمنية المتعلقة بعمليات البحث والإنقاذ وحماية البيئة البحرية ومراقبة صيد الأسماك بطريقة غير مشروعة، أثمر بالفعل منافع جمّة على نطاق واسع.
والحقيقة أن الحاجة لتطوير نظام أمني بحري جماعي في منطقتي القرن الأفريقي والبحر الأحمر (اللتين تشكلان في الواقع منطقة أمنية عضوية واحدة)، تجد مسوغاتها من خلال ثلاثة أسباب رئيسية:
أ. الأهمية الجيوستراتيجية للمنطقة.
ب. عدم استقرار المنطقة وانكشافها المتواصل إستراتيجيا وأمنياً.
ج. غياب أيٍّ من أنواع الحوار أو المبادرات الإقليمية الفاعلة في مجال الأمن البحري.
وعلى الرغم من أن التنفيذ الناجح والامتثال المنظم للتدابير الخاصة بتعزيز الأمن البحري ظل مُكلفاً لغالبية دول العالم، وذلك بسبب ضعف العامل الدولي المشترك الخاص بجمع وتقييم وتبادل المعلومات على نحو مبكر، ناهيك عن غياب مستويات التنسيق الضرورية المرتبطة بتزويد السفن العالمية بالمعلومات المتعلقة بالوضع الأمني، وذلك وفقاً لاتفاقية “سلامة الأرواح في البحار” (SOLAS) و”المدونة الدولية لأمن السفن والمرافئ” (ISPS)، فإن على دول المنطقة، لاسيما تلك المتضررة من تفاقم مشكلة القرصنة في الصومال، استغلال الظروف القائمة وحالة الهلع الإقليمي والدولي من خطر القرصنة وتهديدها المتفاقم لخطوط الملاحة البحرية الدولية قبالة السواحل الصومالية، ومن ثمّ العمل بشكل دءوب على تحفيز جميع دول الإقليم، ودفعها باتجاه إقامة نظام إقليمي شامل للتعاون البحري يبدأ بقضية القرصنة البحرية ولا يقف عندها بل يشمل مختلف القضايا والهواجس الأمنية المشتركة.
علاوة على ذلك، يمكن لمثل هذا النظام الأمني الإقليمي – لحظة تبلوره – تبني معايير حلف الناتو الخاصة بمراقبة قوات البحرية لخطوط الملاحة/ وتعاون البحرية وتوجيه حركة الملاحة حيث تتوافر المفاهيم والأساليب الإدارية الملائمة والتدريبات بالفعل. والمعروف أن هناك منظمتان دوليتان تعملان في مجال حماية حركة الملاحة البحرية وتعرفان باسم “مجموعات العمل البحرية” وهما الناتو ومنظمة المحيط الهادئ والهندي اللتان تحرصان على إطلاع أعضاء كل مجموعة على رؤية المجموعة الأخرى إزاء حماية حركة التجارة؛ وذلك من أجل بلورة مفاهيم إستراتيجية مشتركة من الناحية الإستراتيجية والعملياتية واختبار علاقات الاتصال بين الطرفين بشكل سنوي. ويمكن استخدام أي من أسلوب الناتو أو منظمة المحيط الهادئ كآلية إدارية لتطبيق هذه المعايير على أرض الواقع. بينما يمكن وضع إطار عمل ينظم التدريبات الخاصة بتولي المناصب القيادية بهدف اختبار المهارات الإدارية ووضع السيناريوهات المحتملة لتعاون البحرية وتوجيه حركة الملاحة في المنطقة.
وعلى أية حال، يظل تعبير دول الإقليم المنزعجة من هجمات القراصنة الصوماليين عن إيمانها بأهمية تأسيس نظام إقليمي شامل للتعاون البحري، وأنه سيمثل خطوة مهمة نحو تطوير إجراءات فعّالة لبناء الثقة بين دول المنطقة تعود بالنفع عليها جميعاً خصوصاً في أوقات الأزمات، يظل حاسماً في إضفاء المصداقية والجدية اللازمتين على هذه الدعوة أمام دول المنطقة الأخرى التي لا تزال مترددة في حسم موقفها إزاء التطورات الأمنية الأخيرة قبالة السواحل الصومالية. إن على دول المنطقة التفكير من اليوم وصاعداً، وانطلاقاً من أهمية التعاون في قضية تفاقم القرصنة البحرية في مياهها، بأن مثل هذا النظام سيُمثل أرضية صلبة لتعزيز الثقة المتبادلة وتعميق إدارك دول الإقليم كافة للهواجس والضرورات الأمنية المشتركة، مما قد يُمهِّد السبيل أيضاً لمزيد من التعاون في مجالي الدفاع والقضايا البحرية… ( الجزء الأول… يتبع).
© معهد كيتو، مشروع منبر الحرية، 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

لا ريب في ان واحدة من أهم مزايا دراسة التاريخ، التاريخ الكوني خاصة، تتمثل في إيجاد أنماط تكرار patterns of recurrence تعود للظهور من حقبة لأخرى أمام المجتمعات، فتكون ملاحظة هذه الأنماط من سمات الحكماء الذين يلاحظونها في سياق محاولتهم لتتبع هذه الأنماط أو المتوازيات التاريخية parallelisms كي يستثمروا خبرات المجتمعات والحقب الأخرى على سبيل خدمة مجتمعاتهم وحقبهم. هذه الحال تنطبق، بدقة مثيرة على ملاحظة وجود أنماط تكرار أو حالات توازي بين ما يجري اليوم في المجتمعات التقليدية عبر الشرق الأوسط، من ناحية، وبين المجتمع البريطاني في عصر الثورة الصناعية (القرن التاسع عشر)، إذ تعيش مجتمعاتنا حالة إنتقال تاريخي، هي في جوهرها، حالة إنتقال من أنماط علاقات وبنى القرون الوسطى إلى أنماط العلاقات الجديدة التي أفرزها العصر الحديث، خاصة بعد الإحتكاك والتلاقح الثقافي مع العالم الغربي.
وبقدر تعلق الأمر بالحركة الديمقراطية وتوسيع دوائر الإنتخابات في المجتمعات الشرقية، فإن للمرء أن يرتد إلى عصر الثورة الصناعية أعلاه لإستخراج ما يفيد من دروس، ولتجنب ما يضر من حالات سلبية، خاصة وأن التاريخ هو في جوهره “رسالة تعليمية” A Letter of Instruction.
وللمرء أن يستذكر، في سياق مثل هذا، أن عصر الثورة الصناعية في بريطانيا لم يكن ليحدث لولا عدد من الأعمدة الفكرية الفلسفية التي أرستها أعظم العقول الذكية آنذاك لتمهيد الطريق أمام الحريات والليبرالية، ومنها حركة الإقتصاد الحر laissez-faire ونظرية تقسيم العمل Division of Labor اللتان مهدتا الطريق لإنتقال الفكر الحر من الإقتصاد ومن حدود العرض والطلب (بمنأى عن تدخل الحكومة) إلى الحياة الإجتماعية والسياسية، إذ توّج فيلسوف القرن التاسع عشر “جو ستيوارت مل”  Mill هذه الحركة الليبرالية بكتابه الكلاسيكي الفذ، On Liberty، (في الحرية) الذي خدم كأداة لتفجير طاقات المجمتع من خلال زج قدرات الفقراء والطبقات الوسطى في عملية التغيير الإجتماعي والإقتصادي، تلك العملية التي كانت حكراً على الارستقراطية the aristocracy التي راح دورها يتلاشى بعد فقدان بريقها الذي كانت تتمتع به عبر القرون الوسطى أو العصر المظلم، خاصة وأن تحالفها مع الكنيسة، من ناحية، ومع التاج، من الناحية الثانية، كان هو الأساس الذي بنيت عليه حالة الإستكانة والركود الإجتماعي التي تواصلت عبر أوربا حتى حدوث ثورتين عظيمتين، هما: (1) الثورة الفرنسية، (2) الثورة الصناعية (بريطانيا).
لقد بدا مل، مؤلف كتاب (في الحرية) رسولاً مبشراً بالعصر الجديد إذ أنه قد بشّر  بأخلاقيات وبنى إجتماعية جديدة، الأمر الذي فتح الطريق أمام الطبقات الفقيرة والوسطى للتمتع بحريات إجتماعية وسياسية، قد لا ترقى إلى ما كانت تتمتع به الارستقراطية، ولكنها كانت حريات أسهمت في تفجير طاقات أوسع الفئات الإجتماعية نحو بناء أول مجتمع صناعي في تاريخ العالم.
لقد كان جون ستيوارت مل، فعلاً، أشبه بـ”المعلم” الأول الذي هيأ الأطر الإجتماعية والسياسية الواسعة لإستيعاب حركة المجتمع البريطاني حقبة ذاك نحو الديمقراطية، بعد تفكيك الأطر الوسيطة medieval التي تواصلت منذ القرون الوسطى حتى ظهور الماكنة التي بشرت ببداية عصر الصناعة.
إن أهم الإعتراضات التي قدمتها القوى الرجوعية لمقاومة المد الليبرالي الذي بشر به رجال من أمثال مل آنذاك، كانت تتجسد في الإعتراض بأن الحرية الزائدة أو غير المقيدة يمكن أن تتسبب بالفوضى وبالكثير من السلبيات، الأمر الذي يفسر ظهور واحد من أعظم كتابات العصر، على سبيل مقاومة التحرر الزائد الذي بشر به “مل”. كان هذا هو كتاب “ماثيو آرنولد” Matthew Arnold الموسوم بـ(الثقافة والفوضى) Culture and Anarchy   الذي حمل العديد من الآراء والأفكار التي تستعملها الفئات الرجوعية المقاومة للتغيير وللحريات وللديمقراطية في الشرق الأوسط اليوم لمقاومة تقدم الحريات ولإرجاع مجتمعاتنا نحو عصور الظلام نصف الإقطاعية ونصف الخرافية المسكونة بالغيبيات التي أبقتها حبيسة في ظلمة الماضي الطللي، غير قادرة على قطع نصف المسافة الفاصلة بينها وبين الرغبة في مواكبة العصر الحديث، إذ تجد بعض هذه المجتمعات نفسها غير قادرة على إيجاد موطئ  قدم لها في عصر جديد وأجواء جديدة لم تخبرها من ذي قبل.
©معهد كيتو، منبر الحرية، 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

بينما كنت أحدق بعيدا نحو “البلدة القديمة” المزدهرة والرائعة من هذه المدينة الأثرية (سلوفينيا)، والتي هي في الوقت الحالي عضو في الاتحاد الأوروبي، فقد بدا وكأنها قد ابتعدت كل البعد عن جمهورية يوغسلافيا والتي كانت تشكل جزءا منها لغاية العام 1991، عندما نالت سلوفينيا استقلالها بعد معركة قصيرة. وبالنسبة للتوترات الحاصلة بين صربيا وكوسوفو، وهما من البقايا الأخيرة من يوغسلافيا، فلم يكن الإحساس بها اشد عمقا هنا من تلك التوترات القائمة في معظم الأنحاء الأخرى من الاتحاد الأوروبي.

قامت معظم دول الاتحاد الأوروبي بالاعتراف باستقلال كوسوفو، باستثناء إسبانيا وقليل من الدول. وسوف تقوم سلوفينيا بالاعتراف بشكل رسمي باستقلال كوسوفو بينما هناك الكثير من مواطنيها، بما في ذلك غالبية الأفراد من ذوي التراث الصربي، سيبقون معارضين لذلك.

وهكذا، فانه لأمر يدعو إلى السخرية إلى حد ما أن يكون الرئيس الحالي لمجلس الاتحاد الأوروبي، الذي يتم التناوب عليه كل ستة شهور، هو رئيس سلوفينيا، التي كانت أول دولة من الدول الشيوعية السابقة تنضم إلى الاتحاد الأوروبي في العام 2004 والتي قامت أيضا بتبني اليورو كعملة لها في بداية العام 2007.

وبموجب كافة المقاييس تقريبا، حققت سلوفينيا نجاحا اقتصاديا خلال السنوات الثمانية عشرة الأخيرة وهي الآن تتمتع بدخل للفرد الواحد (حسب تكافؤ القوة الشرائية) يساوي تقريبا لدخل الفرد في أية دولة عادية في الاتحاد الأوروبي، ولما يقارب نسبة 60 في المائة مما يتمتع به الفرد الأمريكي العادي!

وبالرغم من نجاح سلوفينيا، فهي في الوقت الحالي تواجه الكثير من نفس المشاكل المتواجدة في دول أكبر حجما في الاتحاد الأوروبي. وعودة إلى العام 1991، فقد كان لدى سلوفينيا، الدولة الممتدة أمام ثنايا جبال الألب النمساوية، هدف يتمثل في أن تصبح “سويسرا مصغرة” بوجود ازدهار اقتصادي لديها وتحرر على المستوى الشخصي. ومع ذلك، وبمضي السنوات العشرين الأخيرة، فإن النظام الاقتصادي في سلوفينيا يشبه ذلك الموجود في فرنسا بدرجة أكبر مما هو في سويسرا.

أما الموقف تجاه رأس المال الأجنبي فهو في أفضل الأحوال موقف مختلط، وهو في بعض الحالات يكون عدائيا بشكل صريح. فهناك الكثيرون من السياسيين السلوفانيين يجادلون، كما هو حال سياسيو فرنسا، بأن هناك “مصلحة وطنية” في إبقاء العديد من الشركات السلوفينية بعيدة عن الأيدي الأجنبية. ومثلها مثل الكثيرين في “أوروبا العجوز” فإن البطالة فيها ذات نسبة مرتفعة بشكل مزمن، بحيث تبلغ أكثر من 7 في المائة بسبب أسواق العمل الجامدة، وبسبب الممانعة في تسهيل الاستثمار بالنسبة للشركات الأجنبية، وبسبب العوائق البيروقراطية والتنظيمية أمام تشكيل شركات جديدة.

ومن الممكن ملاحظة الفجوة “الفكرية” في الشد الحاصل بين الدول ذات المعدلات الضريبية المنخفضة في الاتحاد الأوروبي والمؤلفة بشكل أساسي من دول وسط وشرق أوروبا الشيوعية السابقة (ذات الضرائب الثابتة والمعدل الضريبي المنخفض المفروض على دخل الأفراد والشركات لديها)، وبين الدول ذات المعدلات الضريبية المرتفعة وأسواق العمل الجامدة ممثلة نموذجيا بألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا.

وفي الأسابيع الماضية، رأينا كيف أن هذه الفجوة قد لعبت دورها في نزاع جرى بنحو غير ملائم إلى حد ما بين ألمانيا وليشتنشتاين. فقد قامت الحكومة الألمانية، معتمدة بذلك على وجهة نظر واحدة، بدفع أتعاب أو رشاوى بلغت عدة ملايين من الدولارات إلى موظف سابق في بنك في ليشتنشتاين ليقوم بالإبلاغ عن مواطنين ألمان يحاولون التملص من دفع الضرائب الألمانية.

وبفعل تصرف الحكومة الألمانية، فقد أصيب البعض في أوروبا بالرعب، مذكرين بأن قوانين سرية البنوك السويسرية الأصلية التي صدرت في سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي بهدف إبعاد “الغستابو” (البوليس السري النازي) عن تقديم رشاوى إلى موظفي بنوك سويسرية، وكان عددا قليلا منهم (أي الموظفين) قد كشفوا عن ملكية الأموال الهاربة التي تم وضعها في هذه البنوك من قبل يهود ألمانيا وألمان آخرين كانوا معادين لهتلر. أما البعض الآخر في أوروبا فقد تحيزوا إلى جانب الألمان ضد ليشتنشتاين، مجادلين بأن من الخطأ أن يتم استخدام الشروط الخاصة بالسرية المالية لحماية أموال ضريبية هاربة.

ويقوم الألمان ودافعو ضرائب مرتفعة آخرون بتجاهل حقيقة أن بني البشر ينزعون بشكل طبيعي تماما نحو نقل شركاتهم وأموالهم (وحتى أجسامهم!) من مناطق ذات معدلات ضريبية مرتفعة إلى مناطق ذات معدلات منخفضة. وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل ولايات أمريكية مثل تكساس وفلوريدا ونيفادا ونيوهامبشير تنمو بسرعة أكبر من ولايات ذات معدلات ضريبية مرتفعة مثل نيويورك ونيوجيرسي وكاليفورنيا.

وبما أن حرية حركة الأفراد والشركات تتسارع داخل الاتحاد الأوروبي وكذلك لدى الدول المجاورة له، فإن البلدان الدولانية (المنادية بتركيز السلطة الاقتصادية لتكون بيد الدولة) تسلك نهجا يؤدي إلى أن تجد نفسها، وبشكل متزايد، محرومة وفي ظروف غير مواتية. فهل ستقوم هذه الدول باللجوء إلى ردود أفعال مشكوك فيها إلى حد ما من النوع الألماني، أم ستقوم باتخاذ إجراءات بناءة مثل خفض معدلات الضريبة الهدامة كما فعل الإيرلنديون وتحرير أسواق العمل كما فعل الدنماركيون؟

© معهد كيتو، منبر الحرية، 22 تموز 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

ليس حباً في إسرائيل، ولكن بغضاً فيمن حولوا لبنان إلى ساحة من البؤس والدمار… مرة أخرى، وبكل شفافية وجرأة، تظهر إسرائيل أمام العالم وتعترف أنها أخفقت في حرب تموز 2006 على الرغم أنها في شهرين فقط، عزلت لبنان عن العالم سياسياً وحولته إلى أرض محروقة.

وإن كان هذا التقرير قد اعتبر حرب تموز بميزان التقييم العسكري إخفاقاً عسكرياً، إلا أن واقع هذه الحرب كما شاهدها العالم، ونحن العرب، حرب دمار شامل على أرض لبنان، بل أن ما خلفته الحرب الأهلية اللبنانية طوال عشرة أعوام لم يصل إلى تدمير حرب صيف 2006 خلال شهرين فقط.

هذا التقرير الذي أظهر إسرائيل أنها نموذج للشفافية وحرية الرأي دون خوف أو خجل—كما تفعل أنظمتناالعربية والأنظمة الدكتاتورية الأخرى في العالم—يجب ان تستفيد هذه الأنظمة منه لا كمضمون بل كمبدأ على الأقل. كمبدأ، أعني بأن تكون هذا الأنظمة مع شعوبها أكثر شفافية ووضوح ومصداقية وتمنح هذه الشعوب قيمة إنسانية في العلاقة بين الحاكم والمحكوم… لا تستبد برأيها أو تدفن رأسها في التراب ولا تلتفت لأخطائها.

هذا التقرير الذي طبّل له بارونات الحرب اللبنانية واعتبروه هزيمة للدولة العبرية… بل أن الأمين العام لحزبالله، في إحدى خطبه بعد إعلان هذا التقرير يقول وبكل شجاعة ميدانية أمام جماهيره التي تلتحف العراء منذ أكثر من عام ونصف بعد أن تحولت مساكنهم وأحياؤهم هشيماً تذروها الرياح، يقول السيد: “من لم يعترف في لبنان بانتصار المقاومة يجب أن يبادر إلى هذا الاعتراف حتى لو جاء متأخراً”! وآخر يقول، وبكل استعباط واستخفاف: “المقاومة فرضت استراتيجية عملها على العدو وجعلته يقاتل وفق القواعد التي رسمتها له”! وأمثالهم من كتاب الزوايا الذين باركوا هذا النصر على إسرائيل.

إن اعتبار حزب الله هذا التقرير هزيمة إسرائيلية ونصراً لبنانياً قد يكون لقناعات نجهلها نحن البعيدون عن ميدان المعركة، وبتعبير إخواننا اللبنانيين: (بيصطفلوا)! ولكن أن ينطلي هذا النصر العربي على أكثر الطبقات ثقافة وهم كتاب الصحافة والأعمدة اليومية! بل يصف بعض الكتاب أن وعد السيد كان صادقاً ونصراً مؤزراً، وآخر يعتبر هذا اليوم يوم كشف التقرير الاسرائيلي عيداً للعرب ونصراً للأمة العربية، وآخر يصف موقف حزب الله من هذه الحرب هو درس لقّنه لإسرائيل!

قد أكون في هذا الرأي الشخصي لي أغرد خارج السرب؛ فالأقلام موجهة للاحتفال بهزيمة إسرائيل من خلال تقرير “فينوغراد”. وأنا أمتدح هذه الشفافية من إسرائيل التي أفتقد الإحساس بها من أنظمتنا العربية وأحزابنا الجماهيرية.

© معهد كيتو، مصباح الحرية، 26 نيسان 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

يخلق إعلان استقلال كوسوفو عن صربيا مشاكل خطيرة على جبهات متعددة. إن قرار واشنطن والبلدان الرئيسية في المجموعة الأوروبية تشجيع انفصال كوسوفو سوف يسجَّل كأحد الأخطاء الفادحة في السياسة الخارجية. فإعلان برشتينا الاستقلال من جانب واحد، يسجل سابقة مقلقة في نظام دولي مليء بالحركات الإقليمية الانفصالية العديدة. بلدانٌ كبيرة مثل روسيا والهند والصين تشعر بالقلق بسبب أقلياتها الإثنية والسياسية المتململة والتي يمكن أن تسعى إلى تقليد كوسوفو. روسيا قلقة بشكل خاص بالنسبة للشيشان؛ والهند قلقة بالنسبة لكشمير، والصين قلقة بشأن زينجيانغ والتبت وتايوان. إن شعور بكين بعدم الارتياح فيما يتعلق بسابقة كوسوفو وتأثيرها على تايوان لم تخففه التهنئة الفورية التي وجهتها تايبيه إلى سكان كوسوفو والتأكيد الذي صدر عنها بوجوب احترام الأمم المتحدة لمبدأ حق تقرير المصير، أي، مطالب تايوان للاستقلال والسيادة.

ولكن هنالك مطالب انفصالية ممكنة في قلب أوروبا نفسها. قبرص—وهو أمر مفهوم—تعارض حركة كوسوفو إذا أخذنا في الاعتبار ادعاءات الجمهورية التركية في شمال قبرص. تركيا التي أقامت الجمهورية التركية في شمال قبرص لها ما يقلقها من القضايا بالنظر إلى الانتفاضة المتواصلة التي يقوم بها الانفصاليون الأكراد. إسبانيا قد تصبح أقل انبهاراً بالنسبة لحركة برشتينا إذا كان من شأن ذلك أن يشجع انفصاليي إقليم الباسك على تشديد حملتهم العنيفة. ولندن التي تبارت مع واشنطن في حماسها لاستقلال كوسوفو، قد تجد من الأسباب ما يجعلها تشعر بالأسف إذا ما قررت اسكتلندا الحصول على الاستقلال.

وبإيجاز، فإن واشنطن ودول المجموعة الأوروبية الكبرى الثلاث—بريطانيا وفرنسا وألمانيا—قد خلقوا مشاكل دولية عديدة نتيجة سياستهم تجاه كوسوفو. الحكومات الثلاث جميعها تزعم بأن وضع كوسوفو هو وضع فريد ولا يشكل سابقة، بيد أن هذا القول ساذج إلى حد يفوق الوصف، وبلدان أخرى متنفذة لا تتفق مع ذلك القول بشكل واضح.

ومع أن الحكومات الحالية قد تقلق بالنسبة لمشاكل انفصالية، فإن هنالك إمكانيات هائلة بأن تستخدم بعض البلدان سابقة كوسوفو لخلق المتاعب. تستطيع موسكو في يوم من الأيام أن تشير إليها كسابقة لتمزيق وحدة أراضي جورجيا المجاورة عن طريق الاعتراف باستقلال أبخازيا المتصلة بجورجيا أو إقليم جنوب أوسيشيا. أو يمكن للكرملين أن يستخدمها كمبرر في يوم من الأيام لوضع يده على القرم التي يتحدث سكانها اللغة الروسية وأخذها من أوكرانيا الجارة.

السوابق الدولية ليست النتائج السلبية الوحيدة المحتملة من خطوة كوسوفو. فبتجاوز مجلس الأمن الدولي بطريقة خبيثة، وبالتالي تجاوز حق الفيتو الذي تتمتع به روسيا، وبتشجيع إعلان الاستقلال من جانب واحد، فقد ساهمت القوى الغربية في مزيد من تسميم علاقاتها المضطربة أصلاً مع موسكو. فما زال الروس يستشعرون وطأة إقدام دول الناتو على تجاوز مجلس الأمن في عام 1999 عندما هاجموا صربيا وفصلوا كوسوفو عن سيادة بلغراد. والآن، أظهرت الدول الغربية احتقارها مرة أخرى لوجهات نظر روسيا وأوضحت بأنها لا تحترم صلاحيات مجلس الأمن إلا إذا كان الأمر مناسباً لها.

وقد تكون المغامرة في مزيد من التوتر مع موسكو مبرراً لو كان الأمر يتعلق بقضية مهمة، ولكن أن تفعل الدول الغربية ذلك حول موضوع جانبي يتعلق بالوضع السياسي لكيانٍ بلقاني بالغ الصغر هو أمر أكثر حماقة.

أخيراً، فإن منح كوسوفو الاستقلال لن يجلب مزيداً من الاستقرار إلى البلقان كما تتوقع الولايات المتحدة وحلفاؤها. إنه بلا شك سيؤدي إلى نتيجة عكسية. من المحتمل أن يكون بداية لإساءات إضافية ضد سكان كوسوفو الباقين من غير الألبان. فإبان حرب 1999 وما تبعها، طُرد من الإقليم أكثر من 240000 شخص—معظمهم من الصرب، ولكن أيضاً من الغجر، والبلغار، واليهود وغيرهم من الجماعات. لقد تم ذلك التطهير العرقي على نطاق واسع تحت أنظار حلف الأطلسي ولم يفعل الحلف شيئاً لوقفه، أو إلى التخفيف من نتائجه. وبالإضافة إلى التطهير العرقي الأولي، فقد فشلت حكومة كوسوفو وحلف الناتو في وقف أعمال العنف الموجهة ضد البقية الباقية من غير الألبان، أو التدمير المنهجي للكنائس المسيحية وللمواقع الصربية التاريخية.

استقلال كوسوفو سوف يؤدي إلى مرحلة جديدة من الاضطراب. والحقيقة الواضحة هي أنها ستكون ببساطة مجرد وقت قبل أن يتم طرد جميع السكّان من غير الألبان من الإقليم. وإذا كان حلف الناتو غير راغب أو غير قادر على منع التطهير العرقي عندما كان يحتل كوسوفو بآلاف الجنود، فإنه بكل تأكيد سوف يكون عاجزاً عن منع فظائع أخرى عندما تكون تلك القوات قد انسحبت. إن الحديث حول احترام برشتينا لحقوق الأقليات الإثنية هو مجرد بلاغة دبلوماسية لحفظ ماء الوجه.

وليس ما ذكرنا يغطي المشاكل الكاملة التي سوف تتأتى عن استقلال كوسوفو، فليس هنالك من دلائل على أن سكّان كوسوفو وغيرهم من دُعاة ألبانيا الكبرى قد تخلوا عن طموحاتهم الإقليمية في البلقان. إن واضعي السياسة الغربيين الذين يعتقدون بأن تثبيت الوضع السياسي النهائي لكوسوفو سوف يُنهي الجهود الألبانية لاسترجاع ما يدّعون في مقدونيا ومونتينيغرو (الجبل الأسود) وغيرهما من الأراضي، سوف يصابون بخيبة أمل، ذلك لأن استقلال كوسوفو سوف يؤدي فقط إلى مرحلة جديدة من الاضطراب. إن السياسة التي انتهجتها واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون فيما يتعلق بقضية كوسوفو هي من السوء بحيث أننا سوف نعيش مع نتائجها السلبية في البلقان وما وراء البلقان لعقود قادمة. لقد فتحت القوى الغربية بذلك صندوق عجائب من المشاكل.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 15 نيسان 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

فجأةً، وبعد فترة من الطريق المسدودة، يشهد الشرق الأوسط موجة من المحاولات تهدف إلى تنشيط الجهود من أجل إيجاد حل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي الذي طال أمده.

الرئيس بوش، ونائب الرئيس ديك تشيني، ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس قد تجولوا في المنطقة على أمل إعادة إحياء عملية السلام. هذا الجهد الأخير لم يؤدّ إلى أكثر من مجرد استعراض للنوايا الطيبة وفرصة لالتقاط الصور.  التسوية النهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين على ما يبدو تثبت بأنها هدف صعب المنال. وفي الحقيقة، فإن الكثيرين يعتقدون بأن انعدام القيادة الفعالة في الطرفين هو الذي يؤدي إلى الجمود الحالي. ولكن قد تكون هنالك أسباب ديموغرافية أخرى نادراً ما يتم التطرق إليها.

كثيرون يكتبون معربين عن رأيهم بأن انعدام التقدم هو نتيجة لعدم فعالية محمود عباس، الرئيس الفلسطيني، وايهود أولمرت، رئيس وزراء إسرائيل. عباس الذي لا يملك أي سلطة حقيقية على غزة غارق في تحدياتٍ سياسية واقتصادية محلية في الضفة الغربية. أولمرت من جهته فاقد للشعبية إلى حدّ كبير. ومع ذلك، وفي المرحلة الحالية، فإن ضعفه هو مصدر قوته. فالإسرائيليون يعون بأن بديلاً مثل زعيم الليكود بنيامين نتنياهو، سوف يؤدي إلى مزيد من إشعال الأوضاع. لذا فإن أولمرت سوف ينجو على المدى القصير.

إن انعدام التقدم سوف يكون أيضاً بسبب بعض التغيرات الديموغرافية بعيدة المدى. الطرفان كلاهما على ما يبدو يعتنقان أسساً دينية متزايدة كحافز لسياسة أحدهما تجاه الآخر. وربما أكثر مدعاة للفزع هو أن هذا الحماس الديني قد يكون متمحوراً حول التغيرات الديموغرافية التي تجري في إسرائيل. هذه التغيرات قد تُثبت بأنها الأشد تحدياً أمام واضعي السياسة الذين يسعون إلى إيجاد حل سلمي للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

عنصران ديموغرافيان بارزان يؤثران على سياسات إسرائيل: ازدياد القطاع الأرثوذكسي المتطرف من السكّان والهجرة المُعاكسة لعلماء إسرائيل ومفكريها وباحثيها.

إن نسبة المواليد العالية ضمن المجتمع الهاريدي (الشديد التديّن) يزيد من نفوذهم السياسي. ووفق إحصاءات الحكومة الإسرائيلية، فإن اليهود الهاريديين يُنتجون 7.6 أطفال لكل امرأة أي ثلاثة أضعاف نسبة زيادة السكّان كمجموع. وفي مجتمع منقسم سياسياً كما هو الحال في إسرائيل، فإن من شأن ذلك أن يُتيح لحزب ديني صغير بممارسة سلطة قوية على حكومة ضعيفة نسبياً. ومؤخراً على سبيل المثال، وافق أولمرت على توسيع مستوطنة غيفات زئيف شمال القدس. وقد جاء قراره نتيجة للضغط الذي مارسه حزب شاس الديني، وهو تآلف يميني التوجهات يُشارك في الحكومة ويُهدد بانهيار حكومة أولمرت إذا لم تستجب لمطالبه بالتوسع.

يتوقع الديموغرافيون استمرار نمو القطاع الديني اليميني من السكّان. إن ميزتهم الديموغرافية خلال العقود القادمة سوف تعطيهم نفوذاً سياسياً أوسع فيما يتعلق بالسياسات الإقليمية. ويشارك في هذه الظاهرة التوجه الديني اليميني في إسرائيل، وحركة حماس في غزة، وحزب الله في لبنان وغيرها من الحركات الدينية على امتداد العالم.

وبالإضافة إلى ارتفاع نسبة الخصوبة بين السكّان المتدينين، فإن إسرائيل تواجه زيادة غير مسبوقة في هجرة العلماء الإسرائيليين ومفكريها وباحثيها إلى الخارج والذين يميل معظمهم إلى العلمانية.

وقد قدر البروفيسور دان بن ديفيد من جامعة تل أبيب بأن إسرائيل قد خسرت ما مقداره “عشرات في المائة” من خيرة علماء إسرائيل. وقد توصل بن ديفيد إلى نتيجة مفادها أن الهجرة إلى الخارج تتصل بالرواتب المتدنية نسبياً التي تدفعها إسرائيل، وكذلك شح تمويل مختبرات الأبحاث. وأضاف إلى ذلك قائلاً “إن الحروب الشاملة واستمرار الإرهاب قد كلفا ثمناً كبيراً في الأرواح، وكذلك في الأمراض النفسية”. حتى هذه اللحظة، فإن نسبة العلماء الإسرائيليين الذين يعيشون في الولايات المتحدة تبلغ حوالي 25 بالمائة من مجموع العلماء الإسرائيليين.

وبينما تواجه القطاعات الأكثر تعلماً والأكثر علمانية في المجتمع الإسرائيلي الضغوط وتهاجر إلى الخارج، فإن اليمين الديني يواصل نموه محلياً.

كانت إسرائيل تاريخياً قلقة حول ما يتعلق بالنمو السكاني لعرب إسرائيل، والخطر الذي يشكلونه للهوية اليهودية للدولة. وعلى الرغم من أن هذا ما زال قائماً، فإن اللهجة الدينية المتصاعدة للنقاش السياسي هو نتيجة أخرى للتغيرات الديموغرافية. تلك التوجهات تشير إلى أن الوقت قد لا يكون إلى جانب من يرغبون في تحقيق السلام. ومع ازدياد المتطرفين الدينيين، فإن الكادر الجديد من السياسيين سوف يكون أقل استعداداً لتقديم التنازلات.

في الشرق الأوسط وحيث أن الدين له اليد العليا في النقاشات السياسية، فإنه يصبح عائقاً أمام السلام. ومع تلك التوجهات الديموغرافية، يصبح من الضروري اتخاذ الإجراءات الآن نحو السلام. غداً قد يكون متأخراً.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 1 نيسان 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

أطلقت واشنطن بالون اختبار حول وضع قوات من حلف شمال الأطلسي (الناتو) كقوة لحفظ السلام في الضفة الغربية. ونقلت صحيفة الجيروساليم بوست خبراً مفاده أن قائد حلف الناتو السابق، الجنرال جيمز جونز، وهو حالياً المبعوث الخاص لإدارة بوش إلى الشرق الأوسط، يتولى طرح هذه الفكرة على مختلف البلدان الأوروبية.

إنها فكرة رديئة بشكل صارخ. فإذا كان لمبادرة جونز خيط فضي، فهو أن واضعي السياسة الأمريكية على الأقل، لا يفكرون بضم قوات أمريكية ضمن تلك القوة. وعلى ما يبدو فإن واشنطن تعتقد بأن جلد الذات أقوى بين الشعوب الأوروبية مما هو عليه بين الشعب الأمريكي. ومع ذلك، فإن المرء يحتار فيما إذا كانت الولايات المتحدة سوف تستطيع مقاومة الدعوة التي لا مفر منها من سائر أعضاء الناتو، بوجوب تكافؤ التضحيات وبأن تمارس الولايات المتحدة قيادة الحلف.

وحتى إن استطاعت الولايات المتحدة تجنب الانغماس مباشرة في مغامرة مهمة حفظ السلام، فإن الاقتراح ينطوي على مشاكل خطيرة. إنه سوف يضع قوات الناتو في وسط ربما هو أكثر المناطق اضطراباً في شرق أوسط مفعم بالاضطرابات. أشار جونز، كما تقول الأنباء، بأن وضع قوات الناتو سوف يكون مؤقتاً، بحيث يعطي للقوات الإسرائيلية فرصة الانسحاب من الضفة الغربية، كمرحلة من مراحل اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. بيد أن إسرائيل والولايات المتحدة، قد تعلمتا من خلال تجارب مريرة، بأن الإجراءات العسكرية “المؤقتة” في الشرق الأوسط تصبح عادة التزامات بعيدة المدى.

الأسوأ من ذلك، أن القوات الأجنبية في الضفة الغربية سوف تشكل أهدافاً مثالية بالمعنى الحرفي والرمزي معاً بالنسبة للراديكاليين الإسلاميين. الراديكاليون سوف يصورون وضع تلك القوات، دون شك، كاحتلالٍ إمبريالي غربي آخر للأراضي الإسلامية، وسوف يستخدمون تلك المقولة لتجنيد المزيد من المقاتلين في صفوف المنظمات الإرهابية. وأسوأ من ذلك، فإن أفراد قوات حفظ السلام، سوف يصبحون أهدافاً لبنادق وقنابل الراديكاليين.

حتى لو سعوا لأن يكونوا محايدين كقوة حفظ سلام، فإنهم، كأمر حتمي، سوف يجدون أنفسهم وسط المنافسات والصراعات في الأراضي الفلسطينية. ماذا سوف يفعلون، على سبيل المثال، إذا تجدد العنف بين أتباع حماس ومؤيدي فتح؟ أو إذا شن مقاتلو حماس هجمات جديدة ضد المستوطنات الإسرائيلية؟ لا يوجد شيء يمكن أن يكون تدخلاً عسكرياً محايداً. إن مجرد وجود قوة حفظ سلام يعمل لصالح بعض الفرقاء على حساب فرقاء آخرين. والفرقاء الذين يتم التدخل لغير صالحهم يصبح لديهم حافز قوي لمهاجمة قوة حفظ السلام.

يبدو أن واشنطن تعتقد بالفعل بأن جلد الذات هو أقوى بين الشعوب الأوروبية مما هو عليه بين الشعب الأمريكي!

لقد اكتشفت الولايات المتحدة هذه الحقيقة بكل مرارتها في لبنان، إبان عقد 1980. تدخلت القوات الأمريكية بداية كجزء من اتفاق يمكن القوات الإسرائيلية من إنهاء حصارها لبيروت الغربية. لم يكن لدى الولايات المتحدة أية نية للانحياز لهذا الجانب أو ذاك، في الحرب الأهلية اللبنانية التي كانت قائمة. بيد أن القوات الأمريكية أصبحت في فترة وجيزة متحالفة مع حكومة البلاد المسيحية وضد الفئات الإسلامية. وسرعان ما بدأت بارجة أمريكية بقصف القرى المسلمة المعادية، واشتبكت القوات الأمريكية في مناوشات مع الميليشيات الإسلامية. أدى ذلك العمل إلى الانتقام ووصل ذروته في الهجوم الذي شنته شاحنة ملغومة على البراكيّات السكنية للبحرية الأمريكية في بيروت، والذي قتل فيه 241 من رجال البحرية.

الناتو تغامر بمأساة مماثلة، إذا كانت من الحماقة بحيث تقحم نفسها في الأراضي الفلسطينية. إن اقتراح وضع مثل هذه القوات ليس بالجديد. فمنذ أكثر من ست سنوات قدم المعلق في صحيفة النيويورك تايمز توماس فريدمان فكرة مماثلة، بيد أن واضعي السياسة الأمريكية، لحسن الحظ، أسقطوا ذلك الاقتراح. يجب على إدارة بوش دفنه مرة أخرى آملين أن يتم ذلك بشكل نهائي.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 25 آذار 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

أجاب مينسيوس، وهو فيلسوف صيني قديم، عندما سُئل حول كيفية إدارة بلد من البلدان، فقال: “إن الممتلكات المضمونة في اليد تؤدي إلى السلام الذهني”.

حكومة الصين المركزية، وهي تواجه المهمة الهائلة المتمثلة في بناء مجتمع متجانس وتنمية وطنٍ بطريقة متوازنة، أصدرت الوثيقة المركزية رقم 1، وهي أول توجيه سياسي رئيسي تصدره هذا العام. الوثيقة غير مسبوقة من حيث اهتمامها بالحقوق المتعلقة بالأرض وحجم التفصيلات التي توليها للتوجيهات المحددة فيما يتعلق بحماية حقوق الأراضي لـ700 مليون من سكان الريف الصيني.

هذه الوثيقة هي استجابة بكين القوية حتى الآن للحقيقة المقلقة المتمثلة في أن المزارعين الأفراد وحقوقهم في ملكية الأرض ما زالت غير مأمونة على الرغم من مضي ربع قرنٍ على تفكك المزارع الجماعية، الأمر الذي أدى إلى تثبيط الاستثمارات الضرورية في تحسين الأراضي وكذلك إلى المصادرات العشوائية والتطويرات المدنية غير المسؤولة التي تتم بحق تلك الأراضي.

إن معظم الثروة الهائلة التي خلقتها الإصلاحات في الصين على امتداد العقود الثلاثة الماضية لم تشمل فائدتها الريف الصيني. كما أن عدم الأمان الذي يشعر به المزارعون بالنسبة لحقوقهم في الأراضي يؤخر التنمية الزراعية ويؤثر تأثيراً كبيراً على راحة بال المزارعين. ففي الشهور التسعة الأولى من عام 2006، وقعت 17000 حالة من حالات “الاحتجاجات الريفية الجماعية” (وكثيراً ما كانت تتسم بالعنف) وفق ما ذكرت المصادر الرسمية، وتناولت حوالي 400000 مزارع.

وباتساع الفجوة بين التطوير الحضري والريفي، فإن أكثر من 200 مليون مزارع قد هاجروا إلى المدن وبالأخص إلى المناطق الساحلية المتطورة، باحثين عن حياة أفضل. وهنالك أيضاً أشكال أخرى من هذا “الزلزال” ناتجة عن النمو المتفاقم لجموع كبيرة من “السكان العائمين” كما تبين مؤخراً في ذلك الجمع المسموم بين الكوارث الطبيعية وشلل وسائل النقل.

في معظم الحالات، فإن الحكومة المركزية ليست ملومة عن شعور المزارعين بفقدان الطمأنينة وتراجع القطاع الزراعي، فقد تم في الماضي إصدار سلسلة من التشريعات على المستوى الوطني لتقوية حقوق المزارعين في ملكية أراضيهم منذ عقد التسعينات من القرن الماضي.

المشكلة تعود إلى التطبيقات على المستويات المحلية: ذلك أن حقوق المزارعين في الأراضي تتم “إعادة تحويلها” بصورة غير قانونية على أسس من تغير مواطن ساكنيها، وتُعطى إلى “مُطوّرين من الخارج”، أو تُأخذ من الكوادر الرسمية وتباع بأرباح فاحشة إلى المستفيدين منها من خارج القطاع الزراعي. ولسوء حظ مضاعف، فإن الحكومات المحلية تمارس سلطات تكاد تكون غير مقيّدة لمصادرة الأراضي الزراعية لصالح التطوير الحضري مع دفع تعويضات شحيحة جداً وغير كافية لملاكها من المزارعين.

آخذين في الاعتبار هذه الخلفية، فإن معظم الثروات الطائلة التي حققتها إصلاحات الصين على امتداد العقود الثلاثة الماضية لم ينتقل أثرها إلى الريف. وقد تبين بأن نسبة مداخيل المدن والريف وفق الأرقام الرسمية قد ساءت بحيث أصبحت 1:3.28، حتى دون أن نأخذ في الاعتبار المزايا الاجتماعية العديدة المتوفرة لسكّان المدن. فبدون حقوق ملكية مضمونة يمكنها تشجيع المزارعين على القيام باستثمارات طويلة المدى ترفع من الإنتاجية في الأرض، سوف يختار العديد منهم العمل في المدن.

لا يحتاج المرء لأن ينظر بعيداً لكي يجد أمثلة معاكسة: بعد اليابان، أتمت كوريا الجنوبية وتايوان إصلاحات الأراضي في فترة ما بعد الحرب، وأكدتا على حقوق المزارعين في أراضيهم. ونتيجة لذلك فقد تقدمت اقتصاديات الريف تقدماً هائلاً، الأمر الذي أنتج ريفاً يتمتع بالثراء، والذي تمكن في المساعدة من الحد من الهجرات الجماعية إلى المدن، بحيث امتدت تلك الهجرات على امتداد جيلين أو أكثر.

الوثيقة المركزية لعام 2008 ترسل الآن إشارة قوية بوجوب التغيير، مؤكدة حقوق المزارعين في أراضيهم بطريقة شاملة وجذرية على غير المعتاد. ومن أبرز ما جاء في تلك الوثيقة: أن على الحكومات المحلية تطبيق الأنظمة تطبيقاً دقيقاً بحيث يُمنع إعادة التحويل وسلب حقوق المزارعين في أراضيهم وبيعها لشركات التطوير غير القروية. ولن تتم الموافقة على أية اقتطاعات للأراضي من قبل الحكومات المحلية ما لم—وإلى أن—يُأخذ في الاعتبار جميع إجراءات الحماية الضرورية، وما لم يعتبر التعويض كافياً وأن يُسلَّم بالكامل إلى أيدي المزارعين المتأثرين، وإيجاد شبكة أمان اجتماعي. ولأول مرة، فإن الوثيقة المركزية تدعو إلى إقامة نظام تسجيل لحقوق الأراضي الريفية والذي يعطي ضماناً إضافياً وآمناً للمزارعين.

إن تطبيق هذه السياسات سوف تقابل بمقاومة محلية شديدة، وسوف يتطلب تطبيقها التصميم والتفكير الخلاّق لعمل ذلك. يجب أن تترتب على تقصير الموظفين المحليين نتائج جدية، بما في ذلك العزل من المراكز الرسمية وفرض الغرامات وحتى تعريضهم لتبعات قانونية مدنية، أو حتى جنائية.

ويجب كذلك إيجاد رقابة مستقلة وشاملة حول التقدم على المستوى المحلي، مع أنه ليس من العملي تواجد فرق تفتيش في كل مكان. خيار آخر هو خلق قنوات مثل الخطوط الساخنة والتي يستطيع المزارعون بواسطتها الإبلاغ عن أية مخالفات قد تحدث بالنسبة لحقوقهم. ويجب تشجيع وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني على المستوى الشعبي بمراقبة الأوضاع وتقديم تقاريرهم بحرية. وأخيراً، وعلى المدى المتوسط، يتوجب إقامة نظام قضائي يكون مستقلاً استقلالاً كافياً وقريباً من الحدث، جنباً إلى جنب مع تقديم خدمات نصح قانونية إلى المزارعين.

الاستنتاج الواضح من هذه الوثيقة الهامة هو أن بكين تعني بشكل قاطع أن تكون جادة في تأمين حقوق المزارعين في أراضيهم. فهل سيتبع ذلك تنمية شعبية و”سلام ذهني”؟

© معهد كيتو، منبر الحرية، 18 آذار 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

في كل سنة منذ العام 1975 كانت الولايات المتحدة تسجل عجزا تجاريا. هذا الأمر لا يبعث على الدهشة نظرا لأن الادخار في الولايات المتحدة كان اقل من الاستثمار.
وبالإمكان خفض العجز التجاري من خلال نوع من توافقية استهلاك حكومي أقل أو استهلاك شخصي أقل أو استثمار محلي خاص أقل. إلا أنكم سوف لا تعلمون بذلك من خلال الإصغاء إلى ما تنطق به فصاحة السياسيين ومجموعات المصالح الخاصة في واشنطن. فهناك الكثير من بينهم كان قصدهم القيام بعرض رجولتهم الميركانتلية ذات التجارية القومية البحتة.
ومن المؤسف له أن يكون هذا ما حدث. إذ لا ينبغي أن يكون حتى الخفض في العجز التجاري غاية أساسية من غايات السياسة الفيدرالية. والظاهر أن واشنطن تنتعش بفعل ما تشنه من “حروب” تجارية عديمة الفائدة تعود بالضرر على الولايات المتحدة وعلى شركائها التجاريين على حد سواء.
منذ أوائل سنوات السبعينيات ولغاية العام 1995 من القرن الماضي، كانت اليابان هي الدولة التي تشكل العدو التجاري لأمريكا. وكان الميركانتليون من ذوي النزعة التجارية القومية في واشنطن قد أكدوا بان الممارسات التجارية اليابانية غير العادلة هي التي تسببت في العجز التجاري الأمريكي وأن من الممكن أن يتم خفض العجز التجاري الثنائي الأمريكي مع اليابان في حال القيام برفع قيمة الين الياباني مقابل الدولار الأمريكي.
وحتى واشنطن كانت قد حاولت أن تقنع طوكيو بأن القيام برفع قيمة الين الياباني بشكل دائم سوف يكون لصالح اليابان. ولسوء الحظ، قام اليابانيون بالامتثال وتم رفع قيمة الين بحيث انتقل من 360 للدولار في العام 1971 إلى 80 في العام 1995.
وفي شهر نيسان 1995، أيقن وزير الخزانة الأمريكية روبرت روبن وبشكل متأخر عن الوقت المعتاد بأن الرفع الكبير لعملة الين قد تسبب في جعل الاقتصاد الياباني يغوص في مستنقع انكماشي. ونتيجة لذلك، قامت الولايات المتحدة بالتوقف عن لي ذراع الحكومة اليابانية حول قيمة الين. ولكن في الوقت الذي تم به الترحيب بهذا التحول في السياسة، كان الأوان قد فات تماما. وحتى في الأيام الحالية، استمرت اليابان في المعاناة من المأزق الذي خلقه رفع قيمة الين.
وبما أن الاقتصاد الياباني قد أصابه الركود، فان مساهمته في زيادة العجز التجاري الأمريكي قد هبطت، منخفضة من ذروتها في العام 1991 البالغة 60% تقريبا إلى ما يقارب 11% (أنظر الجدول المرفق).وبينما انخفضت مساهمة اليابان في زيادة العجز الأمريكي، ارتفعت مساهمة الصين في ذلك العجز من نسبة أكثر قليلا، من 9% في العام 1990 إلى ما يقارب 28% العام الماضي (أنظر الجدول المرفق). وبفعل هذه الاتجاهات، فقد حل اليوان، وهو عملة الصين، محل الين الياباني بكونه كبش فداء الميركانتليين.
وبشكل مثير للانتباه، هبطت المساهمة المركبة اليابانية-الصينية في زيادة العجز الأمريكي فعلا من ذروتها التي تفوق نسبة 70% في العام 1991 إلى نسبة 39% فقط في العام الماضي. وهذا الهبوط في المساهمة في ذلك العجز التجاري لم يعمل على إيقاف الميركانتليين عن الادعاء بأن الـيوان الصيني قد تم تقييمه تقييما متدنيا بدرجة كبيرة وان هذا الأمر قد عمل على خلق منافسة صينية غير عادلة وعجز تجاري ثنائي أمريكي مع الصين.


كان قد تم إقحامي في خلاف حول العملة الصينية منذ خمس سنوات عندما حضرت كشاهد أمام “اللجنة المصرفية التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي” بتاريخ الأول من شهر أيار  2002. وكان الغرض من هذه الجلسات هو أن يتم البت، من بين أشياء أخرى، فيما إذا كانت الصين قد تلاعبت في سعر الصرف الخاص بعملتها.
ويشترط قانون الولايات المتحدة على وزارة الخزانة الأمريكية، بالتشاور مع صندوق النقد الدولي، أن تقوم بتقديم تقرير نصف سنوي في ما يتعلق بدول كالصين التي تقوم بجني ميزة تنافسية “غير عادلة” في التجارة الدولية من خلال التلاعب بعملاتها.
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أخفقت في السابق في شهر أيار 2002 في تسمية الصين كـ”متلاعب في العملة”، ومنذ ذلك الوقت لم تقم بهذا العمل. وبما أن من الصعب أن يتم تحديد مصطلح “التلاعب بالعملة” فإن هذا الأمر لا يبعث على الاستغراب، وأنه، بناء على ذلك، لا يشكل مفهوما عمليا يمكن استخدامه بالنسبة لأي تحليل اقتصادي. وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أقرت هذه الحقيقة في التقارير التي تم تقديمها إلى الكونغرس الأمريكي في العام 2005.
ومع ذلك، فإن هذه الحقيقة لم تعمل على إيقاف السياسيين ومجموعات المصالح الخاصة في الولايات المتحدة وفي كل مكان آخر من الإصرار على أن الصين تقوم بالتلاعب باليوان.
وقام الحمائيون التجاريون، من كلا الحزبين السياسيين في الولايات المتحدة الأمريكية بالتهديد بفرض تعرفات جمركية على البضائع الصينية المستوردة إذا لم تقم بكين بتقدير ورفع اليوان بدرجة كبيرة. وقام هؤلاء الحمائيون حتى بالادعاء بأن الصين سوف تكون في حال أفضل إذا قامت بالسماح لعملتها اليوان بأن تصبح اكثر قوة مقابل الدولار الأمريكي!
من الواجب على السياسيين أن يتوقفوا عن سحق الصينيين بما يتعلق بسعر صرف عملة اليوان. وسيعمل ذلك على السماح للصينيين بالتركيز على مسألة العملة الهامة ومسائل التجارة، وذلك بأن يتم جعل اليوان قابلا للتحويل بالكامل وأن يتم احترام حقوق الملكية الفكرية ويتم الوفاء بمعايير الصحة والسلامة المتعارف عليها بخصوص صادراتهم.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 26 شباط 2008.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018