peshwazarabic

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

قامت إيران بتاريخ 3/2/2009 بوضع أول قمر صناعي لها في الفضاء متزامنا مع الذكرى الثلاثين للثورة الإيرانية. وحمل الصاروخ الإيراني الصنع “سفير 2” القمر الصناعي الصغير المصنّع محليا “أوميد” إلى الفضاء ليضعه في مدار منخفض بحيث يقوم بـ15 دورة حول الأرض خلال 24 ساعة وتجري مراقبته مرتين عبر المحطة الأرضية في كل دورة، وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء الإيرانية.
في الحالة الطبيعية ما كان لإطلاق إيران أولى أقمارها الصناعية أن يحتل هذا الحيّز المهم من الأخبار، وهذه المتابعة الدقيقة من قبل الأخصائيين والخبراء، خاصّة أن دولا عديدة في المنطقة كالعراق والسعودية ومصر كانت قد سبقت إيران في امتلاك وتصنيع تكنولوجيا الأقمار الصناعية، وهي تكنولوجية ليست بحديثة على الإطلاق.
بل أن عددا من الخبراء يعتقد أن الجهود السعودية في مجال الفضاء أكثر نضجا وتقدّما من نظيرتها الإيرانية خاصة في مجال صناعة الأقمار الصناعية وما أحرزته المملكة العربية السعودية من تقدم علمي في هذا الإطار، حيث توجت جهودها في هذا المجال بتصميم وإطلاق وتشغيل 12 قمرا اصطناعيا في الفضاء، وذلك عبر مساعي معهد بحوث الفضاء التابع لمدينة الملك فهد لإنتاج أقمار صناعية، والبرنامج الوطني لتقنية الأقمار الاصطناعية الذي يعمل على نقل وتوطين وتطوير التقنيات المتقدمة للأقمار الاصطناعية وتأسيس البنى التحتية اللازمة لتصميم وتصنيع وتشغيل هذه الأقمار محليا وتأهيل الكوادر الوطنية، منذ العام 1986.
وحتى في مجال الصواريخ المحلية الصنع التي تحمل الأقمار الصناعية إلى الفضاء، فقد كان العراق سبّاقا في هذا المجال، واستطاع قبل 20 سنة مما يقال انه انجاز إيراني اليوم، تصنيع صاروخ العابد (ويطلق عليه أيضا صاروخ تموز-1 أيضا)، الذي أعلن عن نجاح تجربته في ديسمبر من العام 1989 من قاعدة الانبار الجويّة، وهو صاروخ فضائي يصل مداه إلى حدود 1850 كلم وقادر على حمل أقمار صناعية.
ولا شك أن للاهتمام الإقليمي والدولي ببرنامج الفضاء الإيراني مبرراته، بغض النظر عن موقفنا منها، إلا أننا يجب أن لا نهمل ما يتعلق بالأمن القومي العربي، إذ لطالما كانت عين إيران تاريخيا على الخليج العربي، وهي تحاول مد وبسط نفوذها باتجاهه وباتجاه العراق، إذ تشكّل هذه المنطقة حيّزا حيويا وإستراتيجيا بالنسبة لها. ولم يتخل الإيرانيون عبر القرون عن هذه المقاربة على اختلاف حكّامهم وأنظمتهم بما فيه النظام الحالي الذي يقوده المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي الخامنئي. والنظرة إلى إيران بهذا المعنى لا تختلف عن النظرة إلى إسرائيل أو إلى أي دولة أخرى تحاول بسط سيطرتها ونفوذها بشكل عسكري وإيديولوجي خارج نطاق أراضيها وبشكل تخريبي.
وهذه المعطيات يعلمها الإيرانيون جيدا، إذ يقول -على سبيل المثال- الباحث الايراني “فرزاد بيزيشكبور” والخبير في السياسة الخارجية الإيرانية في هذا الإطار في مقال له بعنوان “ايران وميزان القوى الإقليمي”: “النظام العراقي بقيادة صدام حسين لم يعد موجودا اليوم، أمّا النظام الثاني المعادي لإيران أيضا والمتمثل بنظام الطالبان الأفغاني فقد تمّ التخلص منه، واليوم فان القادة الجدد للعراق وأفغانستان أكثر قربا لإيران من أي طرف آخر، وبدلا من صدام لدينا الآن رئيس عراقي غير عربي وفخور بمعرفته وإتقانه اللغة الفارسية، وعدد كبير من أعضاء الحكومة العراقية والبرلمان العراقي كانوا قد امضوا سنوات طويلة في إيران وأنجبوا أولادا لهم هناك ودخلوا مدارس طهران وتعلموا بها. ويحتل الشيعة اليوم أيضا في العراق ولبنان والبحرين موقعا مهما في النظام السياسي في بلدانهم مما يعطي إيران كنتيجة لذلك اليد العليا في المنطقة”!!
وفي هذا الإطار، هناك العديد من المؤشرات المتعلقة ببرنامج الفضاء الإيراني التي من شانها تعزيز المخاوف من توجهات إيران وبرنامجها الفضائي ومنها:
1-    تبني المشروع من قبل وزارة الدفاع: إذ تشير العديد من المعطيات إلى أن وزارة الدفاع الإيرانية تلعب دور المحتضن لبرنامج الفضاء الإيراني، إضافة إلى جهاز الحرس الثوري ، وهذا يعني أن الجهات الداعمة والممولة والمتحكمة هي جهات عسكرية وهو ما يلقي بشكوك كبيرة حول الطبيعة المدنية لبرنامج الفضاء كما الأمر بالنسبة إلى البرنامج النووي للبلاد.
2-    توقيت تسريع العمل بالبرنامج الفضائي: وذلك بالتوازي مع التقدم الحاصل في البرنامج النووي للبلاد، ومكن التخوف هنا أنه في حال صدقت الشكوك التي تذهب إلى القول بأن البرنامج النووي الإيراني قد يكون ذو طبيعة عسكرية لاحقا، فانه سيكون بحاجة في هذه الحالة إلى وسائل لحمل الرؤوس النووية، وبهذا يكون برنامج الفضاء الإيراني مربط الفرس. بمعنى آخر، إذا كان هدف إيران من البرنامج النووي تصنيع قنابل نووية، فإنها ستكون بحاجة إلى صواريخ بعيدة المدى قادرة على حمل هذه الرؤوس، وهنا يأتي دور البرنامج الفضائي الإيراني حيث يتم تطوير صواريخ بعيدة المدى بحجّة أن الهدف استخدامها يتم لنقل أقمار صناعية مدنية. إذ لطالما اعتمدت العديد من الدول على برنامج الفضاء لديها كغطاء لتطوير صواريخ بعيدة المدى، خاصّة أن التكنولوجيا المستعملة في الصواريخ التي من شانها أن تحمل الأقمار الصناعية إلى الفضاء الخارجي لتضعها في مدارها شبيهة إلى حد ما بالتكنولوجيا المستخدمة في الصواريخ البالستية البعيدة المدى القادرة على حمل رؤوس نووية.
3-    على الرغم من أن القمر الصناعي الذي أطلقته إيران يعتبر نموذجا بدائيا مقارنة بأقمار إسرائيل على سبيل المثال، إلا أن ربط طموح إيران الإقليمي، واختراقها جميع الساحات العربية عبر حلفاء عضويين ينتمون إليها مباشرة عقيدة ومذهبا وقيادة، أو عبر حلفاء غير عضويين من اليمن إلى فلسطين مرورا بالبحرين والعراق وسوريا ولبنان وصولا إلى السودان، بالجهود العسكرية التي تجتهد على تطويرها بشكل متسارع استغلالا للأحداث العالمية وانشغال القوى الدولية والإقليمية عنها، لا يلغي أنها تسعى للتجسس على دول الخليج العربي والدول الواقعة في دائرة نفوذها عبر تطوير أقمار صناعية تجسسية، وبالتالي فان الخطر الإيراني في هذه الحال لا يختلف بأي شكل من الأشكال عن الخطر الذي تفرضه إسرائيل على هذه الدول، خاصة أن إيران مازالت تحتل أراضي عربية وتهدد دول عربية أخرى بين الحين والآخر، وتعبث بالأمن الإقليمي بما يخدم مصلحتها.
وإذا ما استمر الوضع الإقليمي على تطوره الحالي، فأن هذا الواقع يهدد بالإطاحة بتوزان القوى الإقليمي القائم، لا بل الصحيح أنه يزيد من تعميق الهوّة الحاصلة به، لأن الإطاحة بالنظام الأفغاني السابق والعراق فتح المجال أمام إيران للصعود الإقليمي، صعود مشروع ومقبول شريطة أن لا يكون على حساب خراب البلدان العربية.
© منبر الحرية، 16 مارس 2009

peshwazarabic21 نوفمبر، 20101

في يوم ما اعتبر الاقدمون أن المرأة هي الأرض  التي تخرج من أحشائها كل شيء، الأرض التي سماها السومريون(إنكي)، والذكر هو السماء التي  تمطر وتعمل على إخصاب الأرض وسماها السومريون(آنو) ولذا عبد البدائيون الأرض كإلهة أم كبرى، ووجدوا في المرأة المعادل الموضوعي لها  وأصبحت الممثلة لإلهة الأم الكبرى الأرض وبنيت لها المعابد وقدمت لها القرابين والهدايا ودخلت البشرية فيما سمي بالعهد الأمومي. فالأقدمون رأوا المرأة كما الأرض ولودة منجبة تخرج من أحشائها مواليد جدداً  تجدد الحياة باستمرار.
واستمر العهد الأمومي هذا حتى الإنقلاب الذكري المثير عليها بقتل الإله الوثني (ميثيرا) الثور السماوي المقدس (هوما) وهو رمز المرأة لدى العديد من الشعوب القديمة، بينما كان آخر تمرد ضد الأنثى في المنطقة العربية تمثل في تمرد السيد المسيح على والدته العذراء في بلدة قانا اللبنانية حينما نهرها بقوله: ( ما لي ولك يا مرأة لم تأت ساعتي بعد). ويمكن اعتبار هذا أول تمرد على سلطة المرأة في بلاد الشام كما يقول فراس السواح، تمرد أنهى عبادة المرأة والمجتمع الأمومي (الماترياركي) وأدخل المنطقة في عبادة إله ذكر ومجتمع ذكوري (بطريركي).
بذلك تهاوى عرش المرأة السماوي وبدأت هكذا تخضع لسلطة الرجل وأصبحت مجرد شرفه وعرضه أو ناموسه رغم أنها نصف المجتمع. ولكن المرأة التي سلبت منها حقها بعد اعتلاء الآلهة الذكور سدة الحكم في الأرض والسماء، وأصبحت مواطنة من الدرجة أكثر من الثانية في بعض البلدان الإسلامية… وبمناولتنا للحقبة الإسلامية يتبادر إلى الذهن السؤال الهام وهو: ماذا أعطى الإسلام للمرأة من حقوق وواجبات؟ فهل أنصفها الإسلام يا ترى وأعطاها كامل حقوقها؟ أم أنها بقيت دون الرجل في محطات هامة من حياتها الاجتماعية؟
في الحقيقة نرى النساء في بعض الممارسات الإسلامية ينقسمن إلى حرات وجواري فزادت الحرة بدرجة على أختها الجارية التي بقيت كما في الجاهلية سلعة تباع وتشرى على قارعات الطرق وفي أسواق النخاسة في المدن الإسلامية الكبرى آنذاك، وبقيت حتى اليوم في بعض البلدان الإسلامية  كائنة تعيش في قيعان مستنقعات مجتمعاتها المتخلفة. حيث لم يكن الإسلام حاسماً في تجاهل عادات الجاهلية وخاصة في موضوع المرأة. ففي الجاهلية كانت المرأة دون الرجل في كل شيء. ورغم أن الإسلام اعترف لها ببعض حقوقها وأنقذها من الدفن وهي حية وهو ما أسميه بالوأد الأكبر، ألا أنها بقيت في حقوقها دون الرجل تماماً.
فبعض الممارسات الإسلامية – كما قلنا- أبقت على شيء ليس بالكثير من العادات الجاهلية وإنما استبدلت الوأد في التراب بالوأد بين أربعة جدران وهو ما أسميه بالوأد الأصغر، فأصبحت المرأة حبيسة الدار لا تخرج إلا بإذن من متولي أمرها.
وعلى العموم يمكن أن نعقد مقارنة موضوعية بين المرأة والرجل من حيث حقوق كل منهما في الإسلام وليحكم القاري بنفسه عليها بعد ذلك:
1-  ففي الميراث نصيبها نصف نصيب أخيها الرجل (للذكر مثل حظ الأنثيين). حتى لو كان الأخ عاطلاً لا يجلب منفعة للبيت في الوقت الذي قد تكون المرأة فيه عاملة أو موظفة وقوة اقتصادية لأسرتها، ومع هذا يصبح نصيبها من إرث والديها نصف نصيب الرجل، والغاية الأساسية من ذلك هو المحافظة على الثروة في خط سلالة الرجل دون المرأة.
2- وفي الشهادة تكون شهادة امرأتين على العقود وفي المواثيق بشهادة رجل واحد، أي يلزم ليشهد على عقد البيع رجل وامرأتان ممن ترضون دينهم والقرآن الكريم يبرر ذلك بآفة النسيان ويقول: (…فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى )- البقرة.
3- والطلاق كذلك بيد الرجل وحده ولا تستطيع المرأة أن تطلق نفسها مهما كانت الأعذار والمبررات، بينما يطلقها الرجل بثلاث كلمات شفهية لا غير، ويرحلها إلى بيت أين وأنى شاء.
4- وفي السفر، لا تستطيع المرأة السفر دون موافقة زوجها أو بحضور محرم معها من أهلها، وبهذا تفرض القيود على حركتها وتصبح غير صالحة للقيام بالأعمال التجارية ولن تستطيع – والحال هذه- الدخول في صفوف  رجال الأعمال إلا ما ندر.
5- وفي الزواج،  يحق للرجل الزواج بأربعة نساء. بالإضافة إلى ما هو ملك اليمين وملك اليمين يقصد به الجواري اللائي يقتنيهن الرجل ويجامعهن سيدهن بدون عقد شرعي. حيث كانت ظاهرتي الجواري والسبي في الحروب من أكثر الظواهر مأساوية في حياة المرأة آنذاك. سنشتشهد بمثال واحد فقط من الأندلس، وذلك حينما أهدى أحد خلفاء الأمويين في الأندلس ست جوار حسان لأحد أصدقائه المقربين منه والذي كان يقطن في بلد آخر بعيد عنه، كتب إليه هذا الصديق يظهر فحولته له ويقول: أنه اقتضهن في ليلة واحدة!
وكلنا يعلم أن تعدد الزوجات كانت ولا تزال وبالاً على المرأة المسلمةً. فالمرأة المتزوجة برجل له امرأة أخرى ولها ضرائر، ستظل تعاني طوال حياتها العنت والاضطهاد من زوجها ومن الخناقات اليومية والخلافات والشجارات، وستظل تعيش في حالة من القلق والإضراب النفسي طوال حياتها، مما يؤثر سلباً على حياتها وصحتها.
ولهذا يمكننا القول بأنه لا يمكن الكلام عن مساواة الجنسين دون أن تنال المرأة حقوقها كاملة لها ما للرجل وعليها ما على الرجل. وهذا لا يتم دون مجتمع حر متطور، وزوال النعرات العشائرية، والقبول بالعولمة القادمة التي تكنس أمامها كل الأفكار والخطابات القديمة التي عفى عليها الزمان وأصبحت من ميراث الماضي و مواداً للمتاحف الوطنية. وأقول إن مجمل هذه الظواهر هي الكفيلة بتحرير المرأة. فحينما يتحرر بلد ما من كل قيود، وحينما تتعلم المرأة وتصبح قوة إنتاجية مثل الرجل.

peshwazarabic21 نوفمبر، 20103

يدعي المتطرفون كونية الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان ويعتبره قسم واسع من الحقوقيين مناهضا للقيم الحقوقية المتعارف عليها كونيا. حجة المتطرفين اعتبارهم الإسلام “شرع الله” الوحيد الصالح لكل البشرية مهما اختلفت الثقافات. أما رد المناهضين فينطلق من أن الحق في الاختلاف ومناهضة التمييز والكراهية والعدل والمساواة شرائع، لا يمكن أن نجد لها في الإسلام نظيرا صالحا للتطبيق الكوني، بل هناك من يعتبر أن “شرع الله” مناهض لأهم ميزة في حقوق الإنسان، أي حق الاختلاف..
يشكل الاختلاف والاعتراف بالآخر قيمة سامية في المنظومة الحقوقية العالمية، فيما يشكل التطرف والكراهية ميزتان لا تنسجمان مع الحق الإنساني كما ناضلت من أجله الإنسانية. في العالم الإسلامي لا يكف المتطرفون عن ترديد شعار عدالة الإسلام. وبالمقابل يقوم ملايين الخطباء ورجال الدين من على منبر خطبة يوم الجمعة، بالتحريض على الكراهية والعنف ضد غير المسلمين.
ومابين المفارقتين سلوكيات متجذرة لدى بعض المسلمين من قبيل الموقف المتطرف اتجاه غير المسلم و”الكافر”. أما الكراهية التي تتضمنها العديد من أدبيات مختلف المذاهب الإسلامية، فنموذج آخر لتطاحن داخلي يخفي  سؤالا عميقا مفاده: ماهو نموذج الدين الصالح لكل زمان ومكان، إذا كان المسلمون أنفسهم غير متفقين على فهم واحد لهذا النموذج؟
بعيدا عن هذا السؤال الذي يحتاج وقفة مستقلة، وقريبا من واقع بلدان من قبيل المغرب ومصر وسوريا ولبنان حيث “يتعايش” مواطنون من مختلف الأديان. يستمع غير المسلمين(يهود ومسيحيون) كل يوم جمعة بالتحديد إلى الكثير من الأوصاف المشينة لهم والتي تدعو عليهم وتحرض على “الجهاد” ضدهم وعدم الثقة بهم…ولا يقتصر الأمر عند معاداة المختلف دينيا والدعاء عليه، بل يتجاوزه إلى عداء مستحكم بين المسلمين أنفسهم بفعل اختلافات مذهبية تذهب حد تكفير بعضهم البعض.
تقوم حقوق الإنسانية في المقام الأول على الديمقراطية بما هي قبول للاختلاف، وهي قيمة ذات مضمون إنساني قابل للتعديل والتطوير بما يخدم الإنسانية، لكن آيات الله الخميني، مؤسس إيران ولاية الفقيه، الجمهورية الإسلامية الأكثر نفوذا في العالم الإسلامي في الوقت الراهن، لا يرى في حقوق الإنسان سوى مجرد قوانين وضعها الصهاينة لهدم الديانات. وهكذا يدعو منشئ “الصحوة الشيعية المتطرفة” إلى ضرورة الرجوع إلى القرآن لتمييز الخطأ من الصواب.
تصبح حقوق الإنسان بهذا المنظور مؤامرة غربية، وتصير حقوق الإنسان مؤامرة ضد الدين، أما المرجع الوحيد لفهم العالم فهو القرآن. وهنا تصبح المتاهة أكبر، خصوصا و أن القرآن نفسه حمال أوجه… إنه مادة لغوية خامة قابلة لقراءات لا حد لها. بل إن تاريخ المسلمين والنزاعات الدموية التي خاضوها بين بعضهم البعض، لم تكن سوى محاولات يائسة لاحتكار شرعية قراءة النص الديني.
انطبع تاريخ المسلمين بالعنف والحروب التي خاضوها لاحتكار شرعية “قراءة وفهم القرآن”. لقد وجد في كل مرة من يعتبر هاته الحروب “جهادا” ولو في المسلم الذي يحرم القرآن نفسه “قتله بغير حق”. وبالمقابل طورت الإنسانية قوانين بشرية صنعتها المجتمعات أثناء تفاعلاتها المختلفة. قوانين وضعية قابلة للتعديل والتغيير، ولا يمكن أن نضفي عليها طابع القداسة المطلقة.
إن الحق الوحيد الذي يجب أن يظل مقدسا هو حق الإنسان في الوجود الحر والكريم، كحق كوني غير قابل للمساس. لكن لا شئ بالنسبة للمتطرفين يمكن أن يكون كونيا ما لم يكن مصدره “شرع الله”. وفرض هذا الشرع كما يفهمه المتطرفون على جميع المواطنين و بدون رضاهم مخالف للشرائع الحقوقية، بل مساس خطير بحرية الاعتقاد و بالحق في الاختلاف.
يستند المتطرفون للتستر على معاداة الفكر الحقوقي على: “خصوصية المجتمعات الإسلامية “و” اختلاف الثقافات” و”استحالة الحديث عن كونية حقوق الإنسان” وعلى “نسبية الأفكار”.غير أن هاته الأفكار ذاتها تلزمهم باحترام خصوصيات المختلفين معهم و عدم تطبيق “شرع الله” عنوة على غير المقتنعين به.
إن الهدف الرئيسي من دفوعات المتطرفين هو تبرير الخرق السافر لحقوق الإنسان الذي يروجون له. إن الإصرار على اعتبار شرع الله المصدر الوحيد للتشريع بعيدا عن كل اجتهاد يجعل الرجم و الجلد حتى الموت و قطع يد السارق أحكاما جائزة، رغم أن سياقات فرضها في الشريعة، خضعت للظروف الزمانية والمكانية لشبه الجزيرة العربية، الموطن الأول للإسلام، ولم تكن أبدا شرائع مطلقة.
تتوافق هاته النظرة المتزمتة للمتطرفين مع تصورات العديد من الأنظمة العربية الإسلامية الاستبدادية. إذ يشترك الطرفان في الوقوف في وجه إقرار حق الإنسان في الحرية والعيش الكريم والمساواة، فيحرم زواج المسلمة من غير المسلم وترتبط طهارة المرأة بالحجاب، ويتم إقرار التفاوت في الإرث بين الذكر والأنثى ويتم تحريم الاختلاط.
إن استغلال الأنظمة الاستبدادية والأصولية لأطروحات المتطرفين يجد نموذجه الواضح في رفض العديد منها المصادقة على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، فيما اضطرت أخرى للتوقيع عليها وبتحفظ شديد، خوفا من تحرر مجتمعاتها، ومطالبتهم بالمساواة والحرية والديمقراطية والعيش الكريم.
إن الغاية القصوى لكل الشرائع أرضية كانت أم سماوية هي تحقيق العدل على الأرض، والعدل في معناه السامي يتجه نحو حرية الإنسان وسعادته باعتباره قيمة كونية، لا يمكن لأي شريعة أن تناهضها. كثير من المفكرين المسلمين وعوا هاته الحقيقة وحاولوا جاهدين إعادة تأويل الدين الإسلامي ونصوصه، بحثا عن نقط مضيئة فيه تلائم مقتضيات العصر. نذكر هنا طارق رمضان، فاطمة المرنيسي،  أمينة ودود،  ورفعت حسن وغيرهم…اختلفت طبعا منطلقاتهم وتوجهاتهم غير أن محاولاتهم تصطدم بتعنت لا يزداد مع الزمن إلا تشددا لتبقى نجاحاتهم ضئيلة في انتظار الذي قد يأتي، لفتح كوة أمل في أفق مظلم. أما الأمل الحقيقي، ففي تنوير إسلامي أشد تطورا وأكثر نضجا.
© منبر الحرية، 26 فبراير 2009

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

بعد هجمات 11 سبتمبر في نيويورك، وهجمات 11 مارس 2004 في مدريد، وتفجيرات لندن في 7 يوليو 2005، كثيراً ما يذكرنا الساسة بخطر الإرهاب المستمر وبأنهم يحتاجون إلى مزيد من الصلاحيات لحمايتنا. أنا أعيش في مدينة يعمها السلام في بلجيكا، والذعر أصابنا نحن أيضاً. بدأت مدينة آنتويرب موخراً بوضع كاميرات مراقبة على مدار الساعة في الساحة الرئيسية في حرم الجامعة. لا عجب أن عامة الشعب مستعدون لإعطاء الصلاحيات للحكومة لوضع مقاييس مراقبة قمعية تهدد الحرية بشكل كبير. وبدلاً من أن تجعل الناس أكثر أماناً، يحدث العكس: يستغلون الاستياء الاجتماعي لاكتساب النفوذ السياسي ويفاقمون شعور الخوف بين الناس. إننا نرى المزيد والمزيد من كاميرات الشرطة معلقة في الأماكن العامة. لكن، لا يوجد أي دليل على أنها تجعلنا أكثر أماناً.
إن السياسيين الشعبويين، حتى الذين تتوقع مناوئتهم لمزيد من السلطات الحكومية، يدافعون عن الحالة الجديدة من المراقبة المستمرة على أساس افتراضات لا أساس لها من الصحة وملاحظات كاذبة ومخاطبة التوجهات الديماجوجية التي تسببها حالة الهستيريا الجماعية. النتيجة هي تآكل الحريات المدنية.
واحدة من الافتراضات التي لا أساس لها هي أن الكاميرات ستمنع العمليات الإجرامية من الحدوث، لكن، ببساطة هذا غير صحيح. لا تتوقف العدوانية ولا العنف حيث توجد الكاميرات: تصل الأجهزة الأمنية دائماً متأخرة، وأحياناً عندما تكون الحادثة قد حدثت. فهل منعت الكاميرات تفجيرات لندن؟
المسؤولية لا تقع على السياسيين وحدهم؛ سلبية المواطنين أيضاً تساهم في انخفاض الحرية بسبب تزايد الكاميرات. مواطنون كثيرون يفكرون “أنا لست مجرماً، فماذا عليّ أن أخبّىء؟” الثقة العمياء بالدولة عند بعض المواطنين مثيرة للذعر. في النهاية، الدولة ليست أكثر من نظام يعهد إلى بعض الأفراد احتكار سياسة الإكراه. نفس هؤلاء الأفراد لهم مصالحهم الخاصة، ومن أهم هذه المصالح الاحتفاظ بالسلطة. الحقيقة هي أن الحكومات الحديثة التي تمتلك قوى بوليسية فائقة قتلت وقمعت أعداداً من الناس أكثر بكثير مما تسبب به المجرمون الذين تحمينا الدولة من عنفهم. نحن نحتاج إلى أن تحمينا الدولة من المجرمين، لكننا نحتاج إلى أن نحمي أنفسنا من إكراه الدولة.
المواطنون الأحرار لا يستطيعون أن يكونوا سلبيين تجاه الحكومة. يجب علينا كمواطنين واعين ومنتبهين التأكد من أنه لدى الحكومة فقط السلطات الضرورية لحماية حريتنا، وأن هذه السلطات محدودة بحيث لا تصبح تهديداً لهذه الحريات.
هذا يعيدني إلى الكاميرات المعلقة بالساحة قرب منزلي. عندما لاحظت في بداية الأمر وجودها وما هي بالضبط، غضبت لأن كثيراً من الناس المسالمين كانوا تحت مراقبة الشرطة. حتى في دولة مسالمة مثل بلجيكا، يجب ألاّ نفترض أبداً النوايا الحسنة وراء سلطات الدولة. الادعاء بـ”النوايا الحسنة” لا يكفي لتبرير سياساتهم: الجميع يعتقد أن نواياهم جيدة، لكن، عندما يكون لدى السلطات حق احتكار سياسة الإكراه، يستطيعون أن يفرضوا آراءهم على بقيتنا.
تصر السلطات دائماً على السيطرة على تحرّك الناس. يجبرونك على حمل وثائق صادرة عن الدولة لتثبت هويتك. يسجلون تاريخ دخولك إلى البلد وتاريخ خروجك منه. يريدون معرفة مكانك وماذا تعمل. الكاميرات هي الأسلوب الأفضل لتحديد مكان المواطنين! إنهم لا ينامون أبداً! يسجلون كل شيء. ومع برامج الكمبيوتر الحديثة للبحث عن المعلومات والبرامج التي تتعرف على الوجوه والقامة، سيتمكنون من ملاحقة أي شخص إلى أي مكان تقريباً. وإذا سقطت مثل هذه المعلومات في أيدي الأشخاص الخطأ، فستكون النتائج دراماتيكية.
كما يقول تقرير من قناة الـ بي بي سي، قامت الحكومة في بريطانيا العظمى بوضع كاميرات يقوم موظفون مدنيون بالعمل عليها في غرف تحكّم. يشاهدون المواطنين وهم يعبرون الشوارع ويتنزهون في الأحياء. إذا لم يستخدم أحدهم المكان المخصص لعبور الشارع أو رمى قمامة على الأرض، يوجه الموظف المدني له رسالة بأنه ارتكب إساءة وأنه يجب أن يعدّل سلوكه.
يصعب تخيّل هذا في بلد أنتجت “الماغنا كارتا” ووثيقة الحقوق! تبدو كأنها هلوسة من كتاب جورج أورويل 1984، لكنها بريطانيا العظمى اليوم.
هذا لم يحدث في بلجيكا بعد… لكن ظهور مزيدٍ من الكاميرات في أي بلدٍ كان شيءٌ مقلق يجب على المواطنين الأحرار مقاومته.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 11 كانون الأول 2007.

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

كان يفترض أن يكون عام 2006 بالنسبة للبنان عاماً مميزاً فائقاً. كانت التوقعات من الناحية الاقتصادية بأن تسجَّل أرقامٌ قياسية بحضور مليوني سائح—وهي موارد يحتاجها لبنان لدعم الثقة في شعب مصدوم. لسوء الحظ لم يتحقق أي من تلك التوقعات. وبدلاً من ذلك فقد كان لبنان المسرح لحرب مكلفة استمرت شهراً كاملاً بين إسرائيل وحزب الله، كما أنها الآن ميدان لنزاع خطير واصطفاف خطرٍ شبيهٍ بالحرب الأهلية بين السنّة والشيعة التي تجري في العراق. شوارع بيروت تبدو على شفا كارثة. ولكن من المهم أن نتذكر بأن مشاكل لبنان ليست من صنع محلي. إنها عالمية في طبيعتها—سواء في نشأتها أو في حلولها.
جذور الصراع هي في جوهرها شخصية. لقد كانت الحرب في لبنان في شهر تموز الماضي كنوع من المبارزة الشخصية الذاتية بين أيهود أولمرت في إسرائيل وبين حسن نصر الله زعيم حزب الله. كان أولمرت تواقاً إلى إثبات أن انعدام خبرته العسكرية ليست مانعاً أمام قيادته، بينما أراد نصر الله أن يحرز العظمة والسمعة اللتين تتأتيان من مقارعة إسرائيل، وهي أقوى القوى في المنطقة. بيد أن هذه الحرب الشخصية الذاتية تجاوزت بكثير النزاع المباشر. إن النتائج المضطربة لتلك الحرب عرّضت أولمرت إلى التحقيق البرلماني في إسرائيل، كما أنها أعطت نصر الله القوة والحافز لاكتساب المزيد من النفوذ في لبنان، وإلى مزيد من اصطفاف الشعب. اليوم نصر الله يستغل تلك المكاسب استغلالاً تاماً. إنه وبمعونة مالية من طهران يحاول تغيير الديناميكية السياسية في لبنان لصالحه.
كانت الحرب الأهلية اللبنانية في عقد السبعينات حرباً في غالبيتها بين المسيحيين والمسلمين. أما اليوم فإن لبنان على ما يبدو هو منقسم نصفياً على الحكومة برئاسة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة والمعارضة التي يرأسها حسن نصر الله. ففي الداخل يحظى السنيورة بتأييد غالبية المسيحيين، والسنّة، والدروز. أما نصر الله فإنه يستند إلى تأييد الشيعة وبعض الجماعات المسيحية وغيرهما من الجماعات المؤيدة لسوريا والتي تتلهف لاسترجاع مواقعها السياسية التي خسرتها عندما أُرغمت سوريا على مغادرة لبنان في عام 2005.
هذه السياسات الداخلية المعقدة تزداد تعقيداً نتيجةً للعلاقات الدولية والتعاطف والمصالح الإقليمية. خارجياً فإن فؤاد السنيورة يحوز على تأييد الغرب—الولايات المتحدة وفرنسا في طليعتها—ومعظم الحكومات العربية السنية بما في ذلك المملكة العربية السعودية. أما المؤيد الرئيسي لحسن نصر الله فهو إيران ومعها سوريا وكيلتها.
لم يكن السنّة والشيعة في لبنان في يوم من الأيام أبعد عن بعضهم بعضاً مما هم عليه الآن. إنهم يتجهون نحو انقسام سياسي شبيه بذلك الذي كان يفصل بين البروتستانت والكاثوليك في إيرلندا الشمالية في أوج صراعهما في عقد السبعينات. ومع تسلح حزب الله هذا التسلح الشامل، فإن طموحات نصر الله للسيطرة تملك القدرة على تدمير لبنان. وقد أعطى قبل أيام بياناً أعلن فيه بأنه يملك القدرة على قلب حكومة السنيورة. لقد أصبحت دوافعه تتبلور شيئاً فشيئاً.
الحالة في لبنان أصبحت الآن يائسة إلى درجة تتطلب توجهات سياسية جديدة. التوترات المستمرة بين طهران وواشنطن تتفاعل على أرض لبنان. ونتيجة للمكاسب التي حققها شيعة العراق في أعقاب “تحرير العراق” فقد وجد الشيعة اللبنانيون الآن الفرصة للهيمنة على لبنان وإدخال إيران الثيوقراطية الدينية. لا يجب أن يسمح لذلك بأن يقع.
وكما هو الحال في العراق، فإن إيران الآن تستخدم حزب الله للنيل من استقرار لبنان كما هي مستمرة في السعي لزيادة نفوذها السياسي. لقد قاوم السنّة وحلفاؤهم المسيحيون في لبنان بنجاح تلك المحاولات حتى الآن. اللعبة التي تقوم بها طهران وحزب الله خطيرة جداً.
إن شعبية حزب الله التي اكتسبها بعد حرب الصيف ضد إسرائيل قد ذوت الآن في العالم العربي السنّي. السنّة في لبنان الآن يشككون في ولاء الشيعة: هل هم لبنانيون وتصادف كونهم شيعة، أم أنهم شيعة تُفرض عليهم السياسات من إيران؟ إذا ما أُرغمت الحكومة على الانهيار نتيجة جهود نصر الله ومؤيديه، فإن لدى لبنان الكثير من العناصر التي تهدد بجعله عراقاً آخر مع إمكانياتٍ قاتلة جداً بالنيل من استقرار شرقي البحر الأبيض المتوسط. كما أن إمكانيات وقوع الاضطرابات يمكن أن تجر بعض شعوب الخليج العربي إلى الاقتراب أكثر إلى إيران مع تواجد مجتمعات شيعية كبيرة.
إن تغيير النظام في العراق والمستنقع الذي حلّ محله منذ ذلك الحين قد أفاد إيران وحلفاءها الشيعة. حزب الله هو أحد أولئك المستفيدين. إن جهود نصر الله الأخيرة لقلب الحكومة اللبنانية إنما يخدم كمؤشر ومذكر للفشل الأمريكي في العراق وفي غضون ذلك فإن لبنان ينزف دماً بغير قدرة على وقفه. إن من الضرورة بمكان أن تطالب المجموعة الدولية بتجريد حزب الله من السلاح وأن تُنفِّذ قرار مجلس الأمن رقم 1701، والذي يزيل عملياً قدرة إيران وسوريا على إبقاء جنوب لبنان كساحة عسكرية مفتوحة لحرب استنزافٍ بالوكالة ضد إسرائيل. ولا يجب أن يُقبل أي شيء أقل من ذلك.
© معهد كيتو،منبر الحرية، 14 شباط 2007.

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

الإسلام، وهو أحد أسرع الديانات السماوية انتشاراً في العالم، قد جوبه بالتحدي لتحديد معايشته مع الديانات الأخرى منذ 11 أيلول 2001. إن الهوية وفحص الذات قد أرغمت مسلمين عديدين في مختلف أنحاء العالم على دراسة توجه دينهم في خضم الإرهاب والتطرف اللذين ارتبطا بالإسلام خلال السنين الأخيرة.
هذا التحدي هو أقسى بكثير بالنسبة للمسلمين في بريطانيا. إنهم دعاة في الخطوط الأمامية يعيشون بين أمة تزداد شكوكها. إنهم يحاولون أن يشرحوا لماذا أن الإسلام لا يتفق مع الإرهاب وكيف أن الأحداث الرهيبة التي وقعت في تموز 2005 كانت نتيجة أفعال عدد من الأشخاص الفاسدين الذين اختطفوا دينهم وأساءوا إلى صورته. المقالات الأخيرة التي نشرت حول نمو الراديكالية بين الطلبة المسلمين في الجامعات البريطانية والمناقشات التي دارت حول الحجاب قد هيمنتا بشبحهما على الجالية المسلمة في بريطانيا. ومع ذلك فإن التحدي الأعظم الذي يواجه البريطانيين المسلمين هو في تحديد هويتهم كبريطانيين وهم في الوقت ذاته مسلمون وليسوا مجرد مسلمين يعيشون في بريطانيا.
المسلمون هم قادمون متأخرون نسبياً للمملكة المتحدة. معظمهم ما زالوا يتمسكون بقيم عائلية قوية التي تؤكد على التقاليد الثقافية التي تربطهم ببلدانهم الأصلية حيث كثيراً ما تكون السياسة متداخلة مع الدين. ولكن وحتى يتمكن المسلمون من الاندماج بنجاح في الثقافة البريطانية فإنهم يحتاجون إلى أن يكونوا صادقين ليس فقط مع دينهم ولكن أن يستطيعوا الاندماج أيضاً على الأقل في معظم وأهم القيم في الثقافة الأوروبية. إن تحقيق الهدف الأخير هو عملية تطورية تحتاج إلى الوقت والجهد.
قد يكون من المفيد للمسلمين أن يتفحصوا النجاح الذي أحرزه المهاجرون اليهود في الاندماج في الولايات المتحدة. ومثل كثيرين من المهاجرين إلى أمريكا الشمالية فقد كان لدى المهاجرين اليهود قضاياهم الخاصة بهوياتهم اضطروا إلى مواجهتها قبل حوالي القرن. لقد وصل معظمهم من أوروبا وكان على اليهود أن يتعلموا بسرعة كيف يصبحون أمريكيين مع الاحتفاظ بهويتهم اليهودية.
الذوبان في المجتمع الجديد كان يعني لهم عملية بطيئة من الابتعاد عن بلادهم القديمة ولكن مع ذلك فقد احتفظوا بالهوية الثقافية التي مكنت اليهود من الاحتفاظ بوحدتهم. وبتطور الجيل الثاني برز الأمريكيون اليهود ومعهم مجموعة جديدة من القضايا الداخلية والاستراتيجيات لتدبير أمورهم.
اجتماعياً، كان هنالك مقاومة مبدئية واجهت العائلات اليهودية المهاجرة من قبل السكان المحليين. وقد خفت حدة هذه المقاومة مع مرور الوقت—ولكنها لم تختفي كلياً. وقد تعود اليهود على مواجهة التمييز بين الحين والآخر ولكنه كان متواصلاً، ولكنهم تعلموا كيف يتحدونه بشكل موحد عن طريق إنشاء لجان عمل سياسية ومنظمات غير ربحية.
المسلمون الأوروبيون تحدروا من منابت أكثر تعددية وتباعداً، وما يجمعهم هو أقل إلى حد كبير ثقافياً مما كان يجمع المهاجرين اليهود في أوائل القرن العشرين وأواخر القرن التاسع عشر. لذا فإن الدين كثيراً ما يكون هو عنصر التوحيد الوحيد الذي يجمع بين المصريين والباكستانيين والصوماليين.
وحيث يأخذ المسلمون بإعادة النظر في أولوياتهم، فإنهم يستطيعون كذلك الاستفادة من النظر إلى تطور اليهودية في الولايات المتحدة. فبإدراكهم بأن التعاليم الدينية اليهودية قد تطورت لمواكبة التغيرات الاجتماعية الصادرة نتيجة نزوح جماهيرهم من مختلف أسقاع العالم إلى الولايات المتحدة، فقد أصبح الحاخامات في الولايات المتحدة أكثر مرونة تدريجياً وأخذوا يغيرون من رسالاتهم بحيث تتواكب مع مستلزمات وجودهم ضمن التجمعات الأمريكية.
يتوجب على المسلمين البريطانيين وغيرهم من المسلمين الأوروبيين النظر في الأخذ بهذا الأسلوب وأن ينتهجوا سياسة تجعلهم مستقلين عن أية سيطرة دينية من البلدان التي تحدروا منها. وعلى سبيل المثال يتوجب على المدارس الخاصة التي تدعوا إلى توجهات سياسية ودينية تتعارض مع القيم الغربية في التسامح أن لا تُشجع وأن لا تُؤيد من قبل الجاليات المسلمة. تلك المدارس تجعل الاندماج في المجموعات الأوروبية الأكبر أكثر صعوبة بالنسبة للأطفال المسلمين ومن شأنها أن تقود إلى مواجهات اجتماعية مع البلدان التي ارتضوها وطناً جديداً.
على القادة المسلمين أن يتفحصوا الحاجات المحلية التي تؤثر على رعاياهم وأن يكونوا القوة الدافعة لاندماج أقوى في المجتمع البريطاني. وعندما يتعرضون للاضطهاد يتوجب عليهم أن يتحدثوا مجتمعين بصوت واحد. وعندما تحل الفظائع بإخوانهم وأخواتهم في بلدان مثل دارفور، عليهم أن يكونوا أول من يتحدث ويستنكر.
الإسلام دين غني وعريق ولديه الكثير مما يُعطي. على المسلمين الأوروبيين أن يُتيحوا لدينهم بالتطور بشكل يتوافق مع قيم الوطن الأوروبي الذي أصبحوا مواطنين فيه. إنها فترة تأقلم ولا يمكن أن تتم بين عشية وضحاها.
إن اندماجاً ناجحاً هنا سيكون له انعكاسات إيجابية وتداعيات على مستوى العالم. لقد وُجه اللوم إلى المسلمين بشكل عام بسبب أحداث 11/9 وكذلك الهجمات التي وقعت في لندن. لقد كان ذلك خطأً يؤسف له. يجب أن لا يُعتبر بليون مسلم مسؤولين بسبب عمل قام به 19 قاتلاً. ومع ذلك فإن كثيراً من المسلمين في أوروبا يواجهون الآن تحدياً في تحديد وإعادة صياغة تفسيرهم لدينهم. إنها فرصة يتوجب الأخذ بها.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 17 كانون الأول 2006.

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

في الحرب ضد الإرهاب، تعتبر الولايات المتحدة جنوب شرق آسيا كـ”جبهة ثانية”، مع تركيز الاهتمام على الجماعات الإسلامية الراديكالية، التي يقال إنها تعمل مع القاعدة. هذا الوصف يُغاير تقاليد المنطقة في التسامح، وتوجهها التقدمي الثابت، فيما يتعلق بأهمية حكم القانون والمحافظة على حقوق الإنسان. ومع أن مرتكبي ومزودي العنف يستحقون العقاب السريع، فإن التوجهات الراديكالية في العقد القادم لا يمكن وقفها إلا بالتأكيد على التقاليد السلمية والديمقراطية في المنطقة، بدلاً من إعطاء الحكومات صكاً مفتوحاً للدوس على حقوق الإنسان، والحريات المدنية، باسم الأمن الوطني.
في محاولات رسم صورة عن تأثير الإسلام في حكومات جنوب شرق آسيا، فإن صنّاع السياسة وكذلك الأكاديميين ينحون إلى النظرة إلى الإسلام نظرة ثنائية مزدوجة: إنه إما معتدل أو متطرف، ليبرالي أو محافظ، داعية إصلاح أو تقليدي. هذا بطبيعة الحال هو عودة إلى التشويه الذي مارسه المستشرقون في الماضي والذي اتسم بنزعته إلى إطلاق أحكام كاسحة عامة. نستعيد إلى الذاكرة، على سبيل المثال، كتاب كليفورد جيرتز، ديانة جاوة (كلينكو: فري برس، 1960)، حيث ينظر إلى مجتمع جاوة بشكل أساسي، بالنسبة لتوجهاته الدينية بأنه ذو قطبين—ما بين سانتري وأبانجان، الأول ممثلاً للأقلية الدينية الزاهدة بقيادة كييه، والتي تعيش في مجتمعات تعاونية، والثاني، ويشمل غالبية سكان جاوة، الذين يصفهم بأنهم مسلمون بالاسم، من حيث أنهم مرتبطون جداً بالأشكال الفنية والممارسات في عصر ما قبل الإسلام، وإلى حد كبير ليسوا مهتمين بواجباتهم الدينية. هذه المجتمعات التعاونية “البيزانترن”، مثلها مثل المدارس في أجزاء أخرى من جنوب شرق آسيا، وكذلك في الباكستان، ينظر إليها الآن بأنها الوعاء الساخن الذي يُولِّد الإسلاميين المتشددين. نتيجة مثل هذا التصور هي وضع منظمات قائمة على المبادئ الإسلامية في قفص الاتهام، ونعتها بالراديكالية، مع توجه بالتحول إلى كيانات إرهابية، أو التعاون مع المنظمات الإرهابية، وهي، دون شك، ظاهرة لعقلية منحازة وجامدة في عدائها للإسلام، والتي تحول دون التمييز بين الإسلام السياسي العام، وبين أطرافه المتطرفة.
هذه النظرة المبسطة، يشارك فيها لسوء الحظ رجال دولة متنوّرون في المنطقة. إن استجابتهم للراديكالية تمثلت في وصفات سياسية تستند إلى القوة النارية، والقوة الاقتصادية، وتوجه علوي تجاه المجتمعات الإسلامية. مثل هذه السياسة، بكل تأكيد، لا يمكن الاستمرار فيها على المدى الطويل، كما لا يمكن اعتبارها مستندة إلى الحكمة وبُعد النظر. إنها تفشل في الاعتراف بأن بلداناً غالبيتها إسلامية مثل ماليزيا وإندونيسيا، استطاعت في الماضي وقف انتشار الحركات الشيوعية بفعالية، مثل حزب الملايو الشيوعي وحزب بارتاي كوميونس إندونيسيا (الحزب الشيوعي الإندونيسي).
على سبيل المثال، الرأي السائد الذي يعزو فشل الثورة الشيوعية في ماليزيا حصراً إلى سياسات القوى الاستعمارية البريطانية في “كسبها لعقول وقلوب” الناس، هو رأي خاطئ، من حيث أنه يتجاهل دور العلماء المسلمين ومنظماتهم في مقاومة الحرب السيكولوجية للشيوعيين. كما أنه يتجاهل التاريخ الطويل للاعتدال الذي يجسد الإسلام في جنوب شرق آسيا، والذي مَكَّن المجتمعات من مقاومة الهجمات الفكرية العقائدية التي حدثت في العقود الأولى من القرن الماضي في الشرق الأوسط. السياسات الصائبة للتعامل مع المسلمين لا يمكن أن تُرسم بدون فهم عميق لهذه التجربة التاريخية الفريدة، ومثل هذا الفهم لا يمكن أن يتأتى من النظرات النمطية والكليشهات للإسلام، كما لا يمكن أن يتأتى من النظر إلى الإسلام السياسي بأنه كتلة كبيرة خطرة. التوجه يجب أن يستند إلى التزام مستدام للبناء على طابع الاعتدال الغالب الذي يتسم به، والمساعدة بكل الوسائل الممكنة للحفاظ على هذا التراث، في الوقت الذي تتم فيه مكافحة العناصر الأكثر راديكالية.
لسوء الحظ، الحكومات في المنطقة قد تخلّت عن استراتيجية أكثر اعتدالاً من حيث التسامح والتعايش، في الوقت الذي انتهجت فيه سياسات نمو اقتصادي. بيد أنها اعتنقت بدلاً من ذلك ديانة جديدة تحت شعار محاربة الإرهاب. وفي فعل ذلك، فإنها تمشي على قشر بيض بالتحالف مع الولايات المتحدة، التي تتسم سياستها الخارجية بذلك التصميم “الولسوني” الذي قادها إلى غزو العراق بمفردها. لذا، فليس من المستغرب أن تعامل الوصفات الصادرة من أمريكا بالشك، وبالأخص من قبل المجتمعات الإسلامية والتي ترى أنماطاً من القوانين الصارمة التي تكتنفها السرية، والتي أصبحت الآن تطفو على السطح، من قبل متآمر معها غير متوقع.
لا شك بأن هذا يجسّد ارتفاع المشاعر المعادية لأمريكا. بيد أن انتشار الراديكالية الإسلامية في جنوب شرق آسيا يجب أن يفهم في الإطار الأوسع لتاريخ المنطقة، وليس فقط من منظار 11 أيلول. وبينما تؤخذ بعين الاعتبار الأسباب الخارجية، مثل التعاطف مع معاناة الفلسطينيين، أو الاحتلال الظالم للعراق كمبررات لجو العداء، فإن بالإمكان دون طول عناء، وبعد الفصل بين الرومانطيقية والحقائق الثابتة، إدراك أن القضايا الملحة هي ذات جذور محلية، وأكثر تنويعاً بكثير من اليافطة العامة التي تنسبها إلى القاعدة.
وفي النظر إلى المستقبل، هنالك تحديات عديدة يتوجب معالجتها على امتداد جنوب شرق آسيا. ففي جنوب تايلندا، حيث تزداد الراديكالية بين المسلمين، والتي تتصدر العناوين للأسباب الخطأ، يتوجب على القوى ذات الفعالية أن تعالج الأسباب الجوهرية والتي تعود إلى عدة قرون من المطالبة بالحكم الذاتي. مرة أخرى، فإن سياسة قائمة على أساس جهود منتظمة لمحو لغة المجتمع الأم، وبغض النظر عن أنها تستند إلى تمييز عرقي، فإنها محكومة بالفشل. لحسن الحظ، فإن التصريحات التي أطلقتها مؤخراً سلطات تايلندا، والتي أعربت فيها عن استعدادها للتفاوض مع الانفصاليين، هي تطور إيجابي يفسح الأمل بإمكانية التوصل إلى حل عادل للقضية.
وبينما نحن نعرف بأن سلسلة الانفجارات الإرهابية التي وقعت في مانيللا مؤخراً كانت أقرب إلى نمط انفجارات بالي، فيجب أن لا تنسى السلطات بأن انتفاضة المورو في جنوب الفيليبين قد مضى على اندلاعها أكثر من عشرين عاماً، وأنها نشأت من عوامل سياسية، واجتماعية–اقتصادية، ليس لها علاقة بموجة الإرهاب الراهنة. إن لها كل العلاقة بتهميش المسلمين الفقراء، بحيث أنه إذا استمرت تلك المظالم دون معالجة، فإن الجماعات الراديكالية لا بد وأن تنمو.
لقد تجاوزت إندونيسيا “النظام الجديد”، ودخلت في عصر الإصلاح، بعد أن خلصت من الخراب الذي أنزلته الدكتاتورية العسكرية. مَن نحن لكي نذكرهم بشرور حكومة قائمة على الاستبداد، والإكراه والقمع؟ وعلى النقيض من ذلك، يجب أن نتعلم دروساً من النتائج المُرَّة التي عانينا منها نتيجة مثل تلك الحقبة الطويلة من السلطة المطلقة غير المقيّدة، والتي شهدت أيضاً انفجار العنف والقتل والدماء بين الطوائف الإثنية.
وفي هذا المجال، فإن الدعوات العرقية التي يطلقها بعض القادة هي تذكير مخيف للسياسة المدمرة التي تتولد عن الحكم المطلق. عندما توضع السياسات الحكومية على أسس شوفينية، مصحوبة بممارسات قائمة على الانحياز، فإن عدم الرضا هو النتيجة الحتمية. يجب أن تعالج هذه القضية في الجوهر، في الوقت الذي يتاح فيه للمجتمع المدني بأن يزدهر. يجب أن توسَّع المجالات الديمقراطية، لا أن تتقلص مساحاتها.
في ماليزيا، فإن الدعوة التي تطلقها الجماعات المنشقة هي التحرك فيما هو أبعد من إطار السياسة الاقتصادية الجديدة الذي مضى عليه أكثر من عقد، والتقدم نحو وضع مخطط لتضييق الهوة الاقتصادية القائمة على أسس إثنية. هذا التصور الجديد هو على نقيض كبير من تصريحات ونصائح لي كوان يو الأخيرة لجارات سنغافورة، والتي يدعو فيها إلى عدم تهميش المواطنين الصينيين. إن أقواله تجسد الجيل القديم من القادة، الذين كانت عقولهم حبيسة الأطر السياسية المستندة إلى العرق، والتي تمنع انسجاماً اجتماعياً أعظم وتنمية أوسع. ماذا عن معاناة غالبية أهل ماليزيا، والهنود، وما يُقَدَّر بحوالي 40 مليون معدم في أندونيسيا، أو حتى معاناة الأقلية الماليزية في سنغافورة؟
لا يمكن أن ننفي بأن الإرهاب المستورد قد أوقد النار الراديكالية، وأدى إلى أعمال مشينة في المنطقة. إن ذلك كان بشكل واضح انحرافاً يقتصر على جيوب صغيرة. ولكن، سوف يكون قصر نظر إذا كانت السياسات التي سوف تطبق في جنوب شرق آسيا جواباً على تلك المخاطر والتهديدات، سياسات اليد الثقيلة، والتي تمليها إلى حد كبير متطلبات تعزيز علاقات مع دولة عظمى. فعن طريق طرح الأسئلة الصحيحة، والتوصل إلى نتائج صحيحة، يبدو جلياً أنه يتوجب العمل بجدية لمعالجة الأسباب، لتفادي المخاطرة بإشعال نيران الفتنة. إن أملي هو أننا في آسيا نستطيع في العقد القادم أن نكتشف الثقة والإرادة للاعتراف بحقوق الناس، وأن نعارض أولئك الذين يودون سلب تلك الحقوق والحريات. وفي الوقت الذي تمضي فيه المنطقة نحو الديمقراطية، فإنها يجب أن تتمسك بالتعددية الثقافية، وأن تعمل على تأييد سياسات النمو الاقتصادي، وسياسات السوق، التي تضمن تنمية مستدامة. إن مستقبلا مزدهرا هو جزء لا يتجزأ من التزام حازم بمبادئ التوزيع العادل، وحكم القانون، والاحترام العميق لحقوق الإنسان.
بالتنسيق مع دورية اقتصاد الشرق الأقصى (فار إيسترن إيكونوميك ريفيو)، تشرين الثاني 2006.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 21 تشرين الثاني 2006.

peshwazarabic19 نوفمبر، 20103

في مستهل المقالة يجدر بنا القول، من أن حركة الإصلاح الديني التي انطلقت من أوروبا، قد توضّحت معالمها، واشتد عودها في القرن السادس عشر الميلادي، في عصر النهضة فتجلّى العالم المسيحي بعد بروز الحركة بثوب الانقسام الديني، تمثل الانقسام بالبروتستانت كمذهب إصلاحي جديد ببزوغ فروع عديدة له في أنحاء أوروبا، في مواجهة المذهب الكاثوليكي التقليدي السائد عموما في روما بإيطاليا حيث مقرّ البابوية، فجاءت حركة الإصلاح الديني بمثابة تمرّد على البابوية ورجال الدين في روما، حيث كانت إيطاليا لوجود البابوية في روما قبلة المسيحيين، لكن الانقسام شمل رجال الكنيسة أنفسهم في روما، فظهرت بابويات ادعت المرجعية خارج روما بل وحتى خارج إيطاليا، ومن ثمّ الطعن في المرجعيات الأخرى، مما أفقد البابوية هيبتها وقدسيتها، فضلا عن تهافت كبار رجال الدين على الاغتناء، والانهماك في الترف والمجون والفسق بعيدا عن روح التقشف والتضحية والروح المثالية التي عرف بها رجال الدين، وشاعت عن رجال الكنيسة سبل الغدر والخيانة، وعمليات التآمر والاغتيال بدس السم وسواه، كل هذا حدا بعض المصلحين للتنادي بإصلاح الكنيسة، وجاء القدح والذم بالقائمين عليها، ورأوا أن بعض طقوسها بدعة لا يمت إلى الدين الذي بشّر به السيد المسيح عليه السلام بشيء..
علينا ألا نغفل أنه بالتزامن مع معالم النهضة في أوروبا كانت ثمة عوامل مساعدة ومشجعة لحركة الإصلاح الديني، حالات تمثلت بظهور الحركة الفكرية، الإقبال على دراسة التراث اليوناني واللاتيني، تشجيع العلوم، إنشاء المكتبات، حلول لغات الشعوب القومية (الألمانية.. الفرنسية.. الإنجليزية ….إلخ) محل اللاتينية، فصار بمقدور هذه الشعوب القراءة والكتابة بلغاتها، اختراع الطباعة في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، التي عدّها مارتن لوثر من أعظم فضائل الرب على عباده، ثم كان اختراع الورق وهكذا، فاختراع المطبعة والبوصلة والبارود جاء في فترات زمنية متقاربة، حتى أن أحد المفكرين قال بأن المطبعة والبارود والبوصلة غيرت وجه العالم، بل قل خارطة العالم…
بمجرد الكلام عن حركة الإصلاح الديني لا بد أن يقفز إلى ذاكرتنا شخصية الراهب مارتن لوثر (1483- 1546) كمصلح ديني ذائع الصيت، اقترن اسمه بحركة الإصلاح فهو مؤسس المذهب البروتستانتي، ومارتن لوثر وسواه من المصلحين  دعوا رجال الدين إلى الخلق القويم، وانتقدوا رجال الكنيسة لانصرافهم لجمع الثروة وإلى الحياة اللاهية الماجنة، وهاجموا حياة الرهبنة باعتبارها حياة ذل واستكانة، وتساءل مارتن لوثر عمّا يمنع هؤلاء من الزواج، ومارتن لوثر نفسه وكسرا للقاعدة السارية كونه راهبا بادر إلى الزواج من راهبة  تدعى كاترين بورا..
في إحدى زياراته الرسمية إلى روما، هاله ما رأى من انهيار للقيم الأخلاقية لدى رجال الدين الذين يحوطون بالبابوية لهذا راح يقول : (إن كل من يذهب إلى روما يشعر أن عقيدته الدينية تترنح تحت الضربات التي تصيبه جراء ما يرى هناك…) وهو القائل (كلما اقتربت من روما شاهدت أسوا المسيحيين)، لكن المفاجأة التي صدمته في الصميم هي قيام أحد الكهنة بتوجيه من الكنيسة ببيع (صكوك الغفران) فاحتج لوثر على ذلك غاضبا، ودعا علماء الدين لمناقشته  في هذه المسألة، وبأن هذا يتنافى مع حقيقة المسيحية، وبأن لا أحد حتى البابا نفسه لا يستطيع غفران الذنوب، والله وحده قادر على غفران ذنوب البشر، وأن صكوك الغفران بدعة، بل حتى البابوية نفسها اعتبرها مارتن لوثر بدعة ..
جرت محاولات للمس بحياة مارتن لوثر، لكن جاءت حمايته من قبل بعض المستنيرين في سلطة الدولة، لأنه هو الذي دعا رجال الدين إلى الخضوع للسلطة المدنية، كما دعا إلى الحد من الأديرة، وقام بنفي دعوى احتكار تفسير الإنجيل، وحصرها برجال الكنيسة، وعلى إثر اختراع الطباعة تمت طباعة الإنجيل بأعداد كبيرة، ليصبح في متناول من يريد الإطلاع عليه، وحتى لا يبقى حكرا على حفنة من رجال الدين في التفسير والتأويل حسب أهوائهم، كما نهض مارتن لوثر بعمل جليل، إذ قام بطباعة الإنجيل إلى اللغات القومية، كما قام هو نفسه بترجمة الإنجيل إلى اللغة الألمانية لما اتسم من مواهب أدبية، حتى يكون الإنجيل، في متناول الجميع، ومن يريد قراءته بلغة الأم، ولولا هذه الطباعة للإنجيل وباللغات القومية  كما يرى بعضهم لما تحقق برأي الكثيرين (تحرر الفرد المسيحي من سلطة رجال الدين القائمة على احتكار المعرفة الدينية وغيرها)..
كما كان هذا من أهم الأسباب التي ساهم في سقوط سلطة الكنيسة مع توءمها سلطة الإقطاع، ليتوّج أخيرا بفصل الدين عن الدولة، كما نبذ مارتن لوثر إحراق (المارقين) بفتاوى رجال الدين، وبأن المسيحية لا تبيح كهذه العقوبة، فقد استنكر حرق المصلح الدوميناكاني عندما تصادم مع البابا اسكندر السادس، هذا المصلح الذي تصدّى لسلوك رجال الدين في الفساد والرذيلة، وقد ساعد مارتن لوثر في انتشار حركته الإصلاحية بعض الفلاسفة الألمان الذين شايعوه أفكاره، ونستطيع القول أن الحركة تجاوزت ميدانها الديني حيث غدت حركة سياسية استغلها الألمان ضد سلطة الكنيسة، وكل هذا تطور فيما بعد طوال القرنين السادس عشر والسابع عشر إلى ثورة دينية داخل العالم المسيحي، بين المذهب الكاثوليكي المتزمت، والبروتستانت بفروعه التي تعود إلى مارتن لوثر كمؤسس لهذا المذهب، والداعي إلى إصلاح أمور الدين…
دون شك، إن حركة الإصلاح الديني كانت حركة جريئة، وربما متقدمة في تاريخيتها إذا نظرنا إليها بنظرة اليوم وقارناها بالحركات الإسلامية المختلفة في الإصلاح أو في المحافظة والأصولية في الظرف الراهن، لقد كانت اللوثرية ثورة على أصول الفكر الديني السائدة في الكنيسة بالتواطؤ ربما مع سلطة الإقطاع في تلك الحقبة البعيدة عنا نسبيا، وذلك جراء تلاقي مصالح الطرفين الكنيسة وسلطة الإقطاع  المتمثلة وقتها في بعض البلدان بحكم الأباطرة.
قلنا عن حركة الإصلاح أنها حركة جريئة، وقد قيض لها أيضا قائد جريء هو مارتن لوثر (الذي حمل لواءها قرابة ثلاثين عاما) بوقوفه في وجه البابوية أكبر قوة دينية متحالفة مع الإقطاع حينذاك، حتى أن بعضهم اتهمه بالتهور ومازال إلى اليوم ينظر إليه بنظرة توقير وإعجاب رغم التباين في التقييم النهائي له ..
رغم أن حركته (اللوثرية) نشأت من منطلق ديني، إلا أنها توافقت زمنيا مع الحركات السياسية في ظل الوعي القومي المشرئب لتأسيس كيانات ذات طابع قومي في بدايات عصر النهضة، فجاءت موالاة الحركات السياسية القومية لحركة الإصلاح الديني، وبالمقابل فقد ظلّت كثير من الأرستقراطية الإقطاعية في شك من هذه الحركة المتمثلة بفروع البروتستانت المنتشرة في مختلف أنحاء أوروبا، فمالوا بهذا إلى المذهب الكاثوليكي المحافظ، ويعد هذا الحلف غير المقدس حلفا لتلاقي المصالح، ولم يهدأ القتال بين أنصار المذهبين امتد لقرنين رغم سعي جهات عديدة لإصلاح ذات البين لكن دون توصل لوفاق تكتب له الديمومة، كما جرت ملاحقة فروع مذهب البروتستانت في أوروبا من قبل محاكم التفتيش، ولقي أنصار المذهب الويلات ومختلف أنواع التنكيل على أيدي زبانية تلك المحاكم الجائرة…
على العموم ترتب عن حركة الإصلاح الديني، أن التهب الصراع الديني المذهبي في إسبانيا وإنجلترا وفرنسا.. دون أن يذهل عن بالنا، أن حركة الإصلاح الديني ترافقت مع الدعوات السياسية التي دعت إلى مختلف الإصلاحات السياسية وقد تكللت جهودها لاحقا في الوحدة الإيطالية والاتحاد الألماني..
إن الحركتين إن أردنا الدقة، كان رائدهما الإصلاح، فهذا ينادي بالإصلاح الديني، وذاك  يطالب بالإصلاح السياسي، ويبدو لي أن كلا الإصلاحين السياسي والديني متلازمان دوما، فالإصلاح السياسي لن يقبل حتما لا بالطغيان السياسي ولا بالطغيان الديني، وسيأتي الرفض حتما للحكم باسم الدين، ونقد ممارسات رجال الدين، أو أي ادعاء من أية سلطة بأنها تحكم بالتفويض من الله، مع النزوع الأكيد إلى الليبرالية من جانب حيث سرت العبارة الشهيرة التي تقول (كلّ حر في دينه) وأيضا التطلع إلى العلمانية الداعية إلى فصل الدين عن الدولة أو عن السياسة، أما فصل الدين عن المجتمع وعن الحياة فقد روج  لها الخطاب الديني لدى الإسلام السياسي اليوم، فهي بغية محاربته للعلمانية التي روجت لهذا، لا بغاية تشخيص الواقع، ثم كان لقاء المصالح في الإصلاح الديني والسياسي، في وجه رموز الإبقاء على السكون السائد والخنوع المتوارث للقائمين على أمور الدين، وقت هبوب رياح عصر النهضة حيث تفتحت الأبصار والبصيرة على كل جديد، وتفهمه الناس وربما تقبلوه، وبالتالي جاء نبذ كل قديم ولّى أوانه..
إن الجمود هو جوهر كل دين بتعبير بلانكي، وبالمقابل فبقدر ما يتقدم الفكر وتنتشر العلوم تتقهقر سطوة الدين، لا سيما تلك الأضغاث وجانب الغيبيات في الدين، وتتبدد تلك التخيلات الموروثة من الماضي البعيد شيئا فشيئا..
أخيرا تكلل  نضال حركة الإصلاح الديني، بجانب تقدم حركة الفكر والسياسة عموما إلى فصل الدين عن ميدان الدولة والسياسة بالضد من رغبة رجال الكنيسة، وحليفه الإقطاع الذين خسروا معركة التاريخ جراء صيرورته، فقد تمت إزاحة طبقة ولّى عهدها لتحلّ طبقة أخرى مكانها، كانت هذه الطبقة الجديدة هي الطبقة البرجوازية البازغة حديثا والتي سيكون لها شأن كبير في مسار التاريخ والتحولات الاجتماعية الكبرى، وأيضا الاقتصادية والسياسية، حيث من آثارها سنرى الثورة الصناعية، كل هذا بوتيرة قوية لاسيما ابتداء من النصف الثاني من القرن الثامن عشر إلى تاريخنا الراهن اليوم…
© منبر الحرية،1 نونبر/تشرين الثاني 2010

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

عقب اندلاع الثورة الإسلامية في إيران نهاية سبعينيات القرن الماضي، تساءل أحد المسئولين المنفعلين في حكومة الولايات المتحدة باستنكار، قائلاً: “من منا يأخذ الدين مأخذ الجد؟”. فإلى ذلك الوقت، كان الكثيرون من أبناء الصفوة الثقافية والسياسية، في الغرب والشرق على حدٍّ سواء، يتفقون حول الحكمة السائدة التي كانت تقول بأن “الحداثة ستقضي لا محالة على الحيوية الدينية”. وقد بلغت الثقة بهيمنة العلمانية والأيديولوجيات المنبثقة عنها وقتئذٍ ذروتها، حتى أن مجلة “تايم” الأميركية نشرت في نيسان/أبريل عام 1966 موضوع غلاف، يطرح سؤالاً صارخاً: “هل مات الرّب؟”
لكن الوضع يبدو اليوم مختلفاً تماماً. فالمُقدّس يتبدّى في كل مكان حولنا، نراه يتوغل بمهارة ويتغلغل، إن لم يكن في اهتماماتنا العميقة، فعلى الأقل في عالمنا الأقرب. وجغرافية انتشار الدين والانبعاث الديني في زمننا الحاضر لا تكاد تستثني بعنفوانيتها بقعة من بقاع العالم، فحتى في أوروبا التي تعد معقل العلمانية الحديثة بدأ الدين يدُبُّ في أحشائها، وحدث التزام غير معهود بالتدين. وتشير الأرقام إلى أن النسبة بين من يرتادون الكنائس وبين أولئك الذين لا يفعلون قد بدأت تضيق في الدول البروتستانتية العريقة في تبنّي العلمانية، بالإضافة إلى فرنسا الكاثوليكية حيث أصبحت نسبة غير المتدينين 53% مقابل 47% هم المتدينون. ورغم التدني النسبي في عدد المتدينين لكنهم يتفوقون على نظرائهم من غير المتدينين من خلال تمتعهم بمزية مهمة، تتمثل في خصوبة الإنجاب التي تزيد عندهم بنسبة تتراوح بين 15% و20% مقارنةً بغير المتدينين. وعليه، فثمة من يتوقع أن يفوق عدد المتدينين المسيحيين في أوروبا في نهاية القرن الحالي عدد المتدينين في بداياته.
لقد برهن العالم الحديث بحق على أنه يتقبل المعتقد الديني بسخاء. وبعكس الاعتقاد الذي كان يسود معظم عقود القرن العشرين، تُثبِت مجتمعات القرن الحادي والعشرين في كل يوم يمرّ أنها مجتمعات اعتقادية بامتياز، والنتيجة: طفرة غير مسبوقة في الحيوية الدينية أخذت تشمل كل أرجاء الكوكب. فمن ناحية، أخذ المؤمنون – سواء أكانوا من المسلمين أو المسيحيين (كاثوليك وبروتستانت) أو الهندوس – في التزايد بشكل مضطرد. فإذا كان المنتمون إلى هذه المجموعات الدينية الأربع يشكلون بالكاد نصف سكان العالم في مطلع القرن الفائت، إلا أنهم في بداية القرن الحالي يشكلون ما نسبته 65% من سكان المعمورة، وقد تصل هذه النسبة إلى 70% تقريباً بحلول عام 2025.
ومن ناحية ثانية، بقدر ما تعكس هذه العودة العالمية إلى الدين، الأهمية التي ينطوي عليها المعتقد الديني بوصفه شبكة خلاص فردي وجماعي، فإنها – ومن خلال اتكاءها على التداخل الحاصل عن حركية الأفراد وتواصل الثقافات في ظل العولمة، التي يسرت عرض الأديان والعقائد في سوق ديني ممتاز، واقعي وافتراضي في آن –  تُبيّن بجلاء أن زخم العودة للمقدس وتمظهراتها هذه ليست مقصورة على دين من الأديان أو على رقعة جغرافية محددة من الأرض، ومن ثمّ فإن تضميناتها – سلبية كانت أم إيجابية – ستكون عالمية بالمثل. فعلى سبيل التدليل، لم يكن المسلمون متفردين في إظهار استيائهم وغضبهم من الطريقة المهينة التي صوّر بها الرسول محمد (ص) في الرسوم الكاريكاتورية التي نشرت – وتكرر نشرها – خلال السنوات القليلة الماضية في الصحف الدنماركية والأوروبية الأخرى، فبالمثل أبدى المسيحيون الهنود مؤخراً غضبهم من رسم كاريكاتوري ظهر به السيد المسيح، وهو يحمل في إحدى يديه زجاجة خمر وفى اليد الأخرى سيجارة مشتعلة، بأحد الكتب الخاصة بتعليم الحروف الأبجدية بالمدارس الابتدائية الهندية، وسرعان ما تحوّل الغضب إلى موجة عنف وأعمال شغب ومواجهات دامية بين المسيحيين والهندوس.
ومن ناحية ثالثة، تعمل ظاهرة صعود الدين والانبعاث الديني على إعادة تشكيل السياسة في دول مختلفة من العالم ودمغها بطابع أكثر محافظة، لاسيما في البلدان التي تتمتع بهامش معقول في مجال الديمقراطية والحرية السياسية. وهكذا أصبحت الحركات الدينية المسيسة تملأ المجال العام، وتفوز في سباقات سياسية رئيسية. وتجيء هذه الحركات في أشكال مختلفة للغاية وتوظف أدوات متباينة إلى حد كبير. ولكن، سواء أكانت ساحة المعركة الانتخابات الديمقراطية أو الصراع الأكثر أولية من أجل كسب الرأي العام العالمي، تصبح الجماعات الدينية أكثر قدرة على المنافسة بصورة متزايدة. وفي السباق تلو السباق، عندما تمنح الشعوب الخيار بين القدسي والعلماني، ينتصر الدين (لاحظوا: فوز حركة حماس في فلسطين، وحزب العدالة والتنمية في تركيا، والأحزاب الدينية في عراق ما بعد صدام).
ومن ناحية رابعة، ينبثق عن مظاهر العودة إلى الدين – كما لاحظ البعض بدقة – بيان مغاير للسياسة الدولية. ويبدو هذا البيان ذو الطابع الديني، أول ما يبدو، في اللغة والاستدلال، حيث يستعاض عن الإشارة الصريحة إلى المصلحة القومية وإلى مقتضيات التعايش السلمي بين الدول، بخطابٍ أخلاقي. وهكذا ينتقل العمل الدولي من الواقعية إلى المُطلق، إذ لم يعد يستند إلى مجرد الاتفاق والمناسبة، وإنما إلى الإحالة لقيمٍ لا تصمد للمناقشة أو للتسوية. وهكذا يصبح البيان الديني مكوناً لتناقض ظاهري: فهو جمعي في جوهره، ويرجع إلى تنوع وتنافس الأديان العالمية، ولكنه يدّعي، بحكم تعريفه، شرعية مطلقة ومانعة لكل ما عداها. ولاشك أن عملية “إضفاء صفة الشيطان” على العدو ليست خاصة يتفرد بها البيان وحده، غير أنها تتسم بأهمية بارزة وتؤدي بصفة خاصة إلى تنظيم جديد للمعايير. ويشير إلى ذلك بوضوح بالغ مثال احتلال السفارة الأميركية في طهران، عقب اندلاع الثورة الإسلامية، فقد أصبحت محاربة “الشيطان الأكبر”، بحكم التعريف، صورة أسمى من احترام اتفاقية فيينا بشأن الحصانات الدبلوماسية.
ومن نفس المنطلق، فإن الصراع العربي – الإسرائيلي يظهر أن البيان الديني لحقوق دولة إسرائيل ينتج مجموعة من الفرضيات تقلل أيضاً ما يبدو قابلاً  للتفاوض داخل هذا الصراع ذاته: سواء فيما يخص ما يسمى “الحقوق التاريخية” للشعب اليهودي على يهودا والسامرة، أو رفض التسوية بشأن وضع القدس أو طبيعة إنشاء دولة إسرائيل، ونشهد تحول القاموس القانوني إلى قاموس ديني، ومن ثمّ تحول نظام الاتفاق الحرّ إلى نظام المبدأ المقدس، والنسق البشري إلى النسق فوق الطبيعي. ويكشف تشابك الخطاب الإسلامي في قلب الشعب الفلسطيني، وكأنه أرجع الصدى عن الراديكالية المنبثقة عن هذا الانزلاق في النبرة. السلطة الفلسطينية (ومن خلفها منظمة التحرير)، بقدر ما هي مقبولة كمحاور من جانب المجتمع الدولي، تحافظ بصعوبة متزايدة على تمسكها بهويتها القومية والعلمانية، وعليها أن تتصدى لطغيان حركة منافسة، ذات هوية إسلامية، تعيد صياغة القضية الفلسطينية من قضية قومية إلى قضية دينية، وتحولها إلى نزاع يتم استبعاده من أي مجال تفاوضي.
هكذا إذن تبدو عودة الدين إحدى حقائق عصرنا الذي كان يظن أن العلمانية – كمنظومة إنسانية، ونهج حياتي، وخيار سياسي – قد عززت مواقعها فيه، وأضحت من ثمّ محل إجماع بين النخب السياسية والمثقفة في أرجاء شتى من العالم، والمفارقة أن هذه العودة قد أخذت زخمها من خلال عبورها من بوابة العلمانية والحداثة وعبر منافذ الحريات التي تكفلها هذه الأُطُر بالذات، وهذا الأمر يشير إلى البراجماتية الكامنة في معظم الحركات الدينية، والتي عادةً ما كانت ترفض في البداية أدوات الحداثة ومخرجاتها، لكنها سرعان ما أدركت أنها لن تنتصر، ولن يُقيض لها الفوز في نهاية المطاف، سوى باستخدام هذه الأدوات المُعصرَنة مطيّة لانبعاثها وانتشارها العالمي أفقياً ورأسياً، والعمل تالياً على الالتفاف على الحداثة والعلمانية والبدء بتقوي
© منبر الحرية ، 22 ماي /أيار2010

peshwazarabic19 نوفمبر، 20101

قال تعالى:”لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي” وقال تعالى “لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك”.
إذن، في البدء الحرية، فلا إكراه، بل اختيار.. وفي البدء كان الكلمة.. “كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء” و” وكلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من الأرض فما لها من قرار”
الكلمة الطيبة هي أصل التجذر والافتراع والتوغل في العقول والنفوس والقلوب.. ولأن الأديان كلها تدعو إلى الله، فإنها توسلت الكلمة المتسمة بالأخلاق وجماليات الأخلاق، وهذا ما أكد عليه الأنبياء جميعاً وأكمله محمد صلى الله عليه وسلم”إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”..
فرغم الأذى البشري الذي تعرض لـه الأنبياء والرسل ـ وما زال بعض الذين لا يفقهون يسيئون إليهم ـ من أبناء جلدتهم إلا أنهم لم يقابلوا السيئة بالسيئة بل اعتمدوا الحسنى والإحسان “ادفع السيئة بالتي هي أحسن” مع الإعداد للقوة في حال الاعتداء. وهذا هو الدين بمعناه المتجوهر الحقيقي بين أطرافه الثلاثة:
1ـ المخلوق والخالق.
2ـ المخلوق بينه وبين نفسه كمخلوق.
3ـ المخلوق والمخلوقات.
وببساطة، نتبين بأن الدين حر، والدين للحر..الحر لـه دين.. والدين الحر للحر هو الأخلاق.. أليست الأخلاق هي الجـِــبـلـّـة الأولى التي فطر الله عليها الإنسان؟
إذن، لماذا الكذب والنفاق والأقنعة والتزأبق والدجل والقتل والزنى والنهب والسلب والشتم والإيذاء وكل كلمة مؤذية أو فعل مؤذ ٍ معنوياً وروحياً ومادياً؟ ولماذا  طرائق التفكير التي تضطهد، وتعنـّـف، تسجن، وتهدر الدماء، تذبح، وتحرق، وترتد ّ من ظلمة إلى ظلمة أشد إظلاماً بحجة الدين أو الأدلجة أو التحزب أو..إلخ؟
ألم يكتب الإنسان منذ القدم على بوابة معبد دلفي:”اعرف نفسك”؟ ألم يقل أرسطو:”من عرف نفسه عرف الله”؟ ولنكمل النص الغائب من الدلالة نقول:”ومن عرف الله عرف مالـه وما عليه”؟
الكلمة الطيبة والفعل الطيب هما الصولفيج الحقيقي للوجود الإنساني في هذا الكون ومع هذا الكون، وهما الغاية التي على كل إنسان أن يعزف روحه عليها بأجمل سيمفونية منافسة للموسيقى والبياض السلوكي الإنساني..
ولأجل هذه الموسيقى علينا أن نرى الدين من معناه المنير، الساطع، الذي رآه الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي:
“لقد صار قلبي قابلاً كل صورة، فمرعى لغزلان، ودير لرهبان، وبيت لأوثان، وكعبة طائف..وألواح توراة، ومصحف قرآن.. أدين بدين الحب أنى اتجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني”
ولأن الله محبة، وكل دين يصل إليه حر، “وإن الدين عند الله الإسلام” الإسلام بمعناه القرآني المحمدي لا كما أطره البعض، فهو بمعنى ما “حرية”.. لكن أية حرية؟
إنها حرية التصرف بمحبة وأخلاق عالية مع خالقنا وأنفسنا والآخرين.. ولا أشك بأن أي دين جاء إلا ليهدي للتي هي أقوم..
الحرية المسؤولة كينونة مثقفة، حرة، تحاورية، متكاملة، لا تقبل النقصان ولا الانتقاص كما لا تقبل الأدلجة والمنح والهبة.. ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:”متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً”..
لكن، متى يكون الإنسان حراً؟
ليكون الإنسان حراً لا بد لـه من وعي واع ٍ بالحرية نفسياً واجتماعياً وروحياً.. وما المشكلات والحروب والنزعات والأحزاب والنزاعات التي تحدث في العالم البشري إلا نتيجة لعدم الاتفاق على مفهوم الحرية وتوظيفه فعلياً في نسقه المشرق المطلوب..
وعليه، برأيي، المشكلة لا تكمن في الدين لأن الدين حرٌّ ومحرِّرٌ، بل تكمن في الإنسان وكيفية فهمه للدين والحرية والحب والأخلاق والجمال والسلام وكيفية توظيف هذه المفاهيم في التعامل مع الأنا والآخر، أياً كان هذا الآخر الإنساني..
الدين موجّـه للذين يعقلون وبالتالي يفهمون ومن ثمة يؤمنون..
العقل أساس الدين.. وكما قال المتنبي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله  وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
والعقل الحر، هو العقل الفاعل، المتدين بالضرورة دون تعصب أو تطرف أو شوائب، المدرك كيف ينزح عن الظلمات إلى النور.. وببديهية، كل ما يؤذي الإنسان والموجودات والأكوان هو الظلمات، وكل ما ينفع ويضيف إلى المنافع هو النور..
فلماذا لا أضيف ديني، من خلال أخلاقي وعلمي ومعرفتي وإبداعي إلى العالم؟ ولماذا لا أوظف طاقتي الإنسانية في نهر الحياة الذي لا يكرر العبور في مياهه مرتين؟
إنني مؤمنة بأن الله دائماً سيكون معي حين أكون معه، بل سيمدني مداً لأنه الخير الصافي.. ويكون لي عوناً في الإبصار والتجلي.. فلماذا لا نتآخى في النور، ونتنافر مع الظلمات؟
العديد من المسلمين قد لا يعون بأن الحجاب الإسلامي ليس فقط هو حجاب الرأس، بل هو، قبل أي شيء، حجاب العقل والقلب والحواس عن كل دونية، غرائزية، وهمجية..! وقد لا يدركون بأن كتاب الله موجه إلى الإنسان “العاقل” ذكراً وأنثى! كما أن العديد من أهل الكتاب لا يعون بأن عيسى عليه السلام جاء من أجل المحبة والسلام لا من أجل الحروب الصليبية الصهيونية.. وكذلك موسى عليه السلام جاء من أجل المحبة والتآخي لا من أجل التمييز بين البشر كما تروج التوراة المزيفة التي تجعل اليهود شعب الله المختار وبقية البشرية قطعاناً مسخـّـرة لهذا الشعب! ألمْ يدع ُ موسى ربه قائلاً:” ربِّ لا تجعلني ظهيراً للمجرمين”؟ أ ليس في ذلك براءة موسى مما يفعله الصهاينة والصليبيون باسم الديانتين اليهودية والمسيحية؟ ألمْ يترك عيسى عليه السلام وصاياه العشر التي تكفي أي إنسان لأن يكون حراً، متديناً؟
ترى، “ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم وخسر نفسه”؟ وأضيف النص الغائب: ماذا ينفع الإنسان لو ربح نفسه وخسر الله؟!
هل هناك إنسان عاقل يعتقد بأن البشر ليسوا كلهم لآدم وآدم من تراب؟!
وهل هناك إنسان عاقل لا يؤمن بأن الكون لم ينشأ بلا دين؟
دعوة واحدة من موسى، ووصية واحدة من عيسى، وآية واحدة من القرآن الكريم، تعيد الإنسان إلى إنسانيته فيما لو عقل وشاء..
فهل من مدّكر؟
يبدو أن الإعاقة الروحية في مجتمعنا البشري بلغت هاويتها الأخيرة، فدفعت الناس لكي يموج بعضهم في بعض، فهذا من المذهب الفلاني، وذاك من الدين الفلاني، وثالث من الطائفة العلانية..!
ولولا التلوث الروحي والعفن الأخلاقي هل تباهت جرائد دانماركية بإساءاتها الكاريكاتيرية إلى نبي البشرية صلى الله عليه وسلم والذي لن يطاله أحد مهما فعل لأن الإعجاز للقرآن الكريم، وهو كان قرآناً يمشي على قدمين كما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؟!!!
ولولا هذا الاستنقاع الروحي والتشبّـع بالعنصرية والعبودية هل سخرتْ القناة الصهيونية العاشرة من مريم العذراء وابنها النبي عيسى عليهما السلام! بحجة التعبير عن الرأي! وحرية التعبير وحرية الرأي؟!
هل هناك عاقل واحد على هذه الأرض يوافق على أن هذه الإساءات الحاقدة، والتشويه المقصود، وإثارة النعرات الدينية والعنصرية، هي من حرية الرأي أو حرية التعبير؟! أين الحرية هنا؟! إنها العبودية بكل أبعادها حيث يتحول الكائن إلى عبد لحقده، وانتقاماته، وفساده، وعنصريته، وكل سيئ ما أنزل الله به من سلطان.
أليست هذه العبودية المتبرجة بلفظة الحرية هي العنصرية الصهيونية التي لا تنتمي إلى اليهودية كديانة بأي خصلة أخلاقية؟ أليست اليهودية بحد ذاتها تتبرأ من أمثال هؤلاء الذين يقتلون الأنبياء والأبرياء ويسرقون العالم بحجة الإفلاس، ويغتصبون الأراضي العربية ويشحذون الفتائن أو الفتن ـ جمع فتنة ـ بين الأخ وأخيه، بين دولة ودولة، بين شعب وشعب؟
هل الحرية تعني الإساءة العمدية للأنبياء؟ وهل تعني شن الحروب على الآخرين لتمويتهم، وتذبيح صغارهم وكبارهم، وسرقة ثرواتهم الطبيعية وإرثهم الحضاري واغتصاب نسائهم وأراضيهم وسمائهم؟!!!
هم أنفسهم يعترفون بأن العرب عامة، والمسلمين خاصة، أناس يحملون رسالة إنسانية لا تريد إيذاء الآخرين، بل تريد توعيتهم أكثر بوجودهم الإنساني الذي عماده الروح، وصولفيجه الفعل، ولولا ذلك لما قالوا عنا: “لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب (الإسلام)”؟
وبكل تأكيد، لولا وصول حضارتنا إليهم لما تم انتشالهم من ظلماتهم التي عادت في هذا العصر أشد قتامة، رغم كل الثورة التكنولوجية الحديثة المبنية ـ أصلاً ـ على لوغاريتميات الخوارزمي؟
ألا يدل ذلك على ذروة القتامة الروحية والظلمات الضمائرية التي وصل إليها الآخر؟ أليست هي الدرجة العظمى للسواد خاصة وأن هذا الآخر لم يوظف العلم والمعرفة في إضاءة المدنية والحضارة، بل أوصل البشرية إلى التهلكة؟
يعرف كل إنسان مؤمن أن يحترم الشعوب الأخرى ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، كما يعرف كيف تتكامل حضارته مع الحضارات الأخرى ثقافياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وإنسانياً، لأن الحضارات لا تتصارع كما شعوذ هنتغتون، ولا تقف عند الحوار كما يجتهد المعاصرون، بل تتكامل.. وبالتالي، فإن هذا الإنسان المؤمن بكل ذلك لا بد وأن يحترم كل الأنبياء، ويعرف كيف يتلقى الكتب السماوية تبعاً لطاقته الفكرية والثقافية والأخلاقية والقلبية.. وتبعاً لهذه الطاقة تتفاوت الأفهام والمدركات والمقامات الروحية.. وهذا التفاوت في الأفهام هو “الصولفيج” الذي يتناغم مع درجاته كل منا ليرتقي بنفسه، فيهذب جوانيته، لتنكشف أعماقه عن المخفي المشع، فيزداد نوراً وعطاء ومحبة وقرباً.. وتنتفي المسافة الرمزية، فلا يبقى البعد بعداً، ولا القرب قرباً، وإنما تتألق البصائر، وتفتتح نغماتها على عالم يرتفع إلى الأعلى.. ومن ارتفع إلى الملكوت، لا ينظر إلى الأسافل إلا ليعلـّـم أهلها كيف يحلـّـقون بعيداً عن جاذبية الظلمات.. فيظل طامحاً إلى آلاء اللاهوت متخلـّـصاً من الناسوت، موقناً بأن الرسول الأعظم هو لكل البشرية:” بعثتُ للناس كافة”.. وهنا، في هذه النقطة التي امتدت لتصير ألـِـفاً، ينتفي التمييز بكل أشكاله وأنواعه وأجناسه، فلا إرهاب ولا عنصرية ولا جنسوية، بل كلمة طيبة وفعل طيب يستمر في موسيقاه منذ أزل الأكوان وإلى أبدياتها و قياماتها..
أليست الحرية هي هذه الحرية بمفهومها الإنساني الأجمل الذي كان منذ قال الله:”كن” وأتبعها:”فيكون” أي أنه المفهوم الأكثر إشعاعاً وعدالة وجمالاً وإبداعاً واستمراراً في دومان الكينونة والخلق والتشكل؟.
أخيراً،
أليس السجن الإنسان؟ والحرية الأديان؟

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018