الإسلام، وهو أحد أسرع الديانات السماوية انتشاراً في العالم، قد جوبه بالتحدي لتحديد معايشته مع الديانات الأخرى منذ 11 أيلول 2001. إن الهوية وفحص الذات قد أرغمت مسلمين عديدين في مختلف أنحاء العالم على دراسة توجه دينهم في خضم الإرهاب والتطرف اللذين ارتبطا بالإسلام خلال السنين الأخيرة.
هذا التحدي هو أقسى بكثير بالنسبة للمسلمين في بريطانيا. إنهم دعاة في الخطوط الأمامية يعيشون بين أمة تزداد شكوكها. إنهم يحاولون أن يشرحوا لماذا أن الإسلام لا يتفق مع الإرهاب وكيف أن الأحداث الرهيبة التي وقعت في تموز 2005 كانت نتيجة أفعال عدد من الأشخاص الفاسدين الذين اختطفوا دينهم وأساءوا إلى صورته. المقالات الأخيرة التي نشرت حول نمو الراديكالية بين الطلبة المسلمين في الجامعات البريطانية والمناقشات التي دارت حول الحجاب قد هيمنتا بشبحهما على الجالية المسلمة في بريطانيا. ومع ذلك فإن التحدي الأعظم الذي يواجه البريطانيين المسلمين هو في تحديد هويتهم كبريطانيين وهم في الوقت ذاته مسلمون وليسوا مجرد مسلمين يعيشون في بريطانيا.
المسلمون هم قادمون متأخرون نسبياً للمملكة المتحدة. معظمهم ما زالوا يتمسكون بقيم عائلية قوية التي تؤكد على التقاليد الثقافية التي تربطهم ببلدانهم الأصلية حيث كثيراً ما تكون السياسة متداخلة مع الدين. ولكن وحتى يتمكن المسلمون من الاندماج بنجاح في الثقافة البريطانية فإنهم يحتاجون إلى أن يكونوا صادقين ليس فقط مع دينهم ولكن أن يستطيعوا الاندماج أيضاً على الأقل في معظم وأهم القيم في الثقافة الأوروبية. إن تحقيق الهدف الأخير هو عملية تطورية تحتاج إلى الوقت والجهد.
قد يكون من المفيد للمسلمين أن يتفحصوا النجاح الذي أحرزه المهاجرون اليهود في الاندماج في الولايات المتحدة. ومثل كثيرين من المهاجرين إلى أمريكا الشمالية فقد كان لدى المهاجرين اليهود قضاياهم الخاصة بهوياتهم اضطروا إلى مواجهتها قبل حوالي القرن. لقد وصل معظمهم من أوروبا وكان على اليهود أن يتعلموا بسرعة كيف يصبحون أمريكيين مع الاحتفاظ بهويتهم اليهودية.
الذوبان في المجتمع الجديد كان يعني لهم عملية بطيئة من الابتعاد عن بلادهم القديمة ولكن مع ذلك فقد احتفظوا بالهوية الثقافية التي مكنت اليهود من الاحتفاظ بوحدتهم. وبتطور الجيل الثاني برز الأمريكيون اليهود ومعهم مجموعة جديدة من القضايا الداخلية والاستراتيجيات لتدبير أمورهم.
اجتماعياً، كان هنالك مقاومة مبدئية واجهت العائلات اليهودية المهاجرة من قبل السكان المحليين. وقد خفت حدة هذه المقاومة مع مرور الوقت—ولكنها لم تختفي كلياً. وقد تعود اليهود على مواجهة التمييز بين الحين والآخر ولكنه كان متواصلاً، ولكنهم تعلموا كيف يتحدونه بشكل موحد عن طريق إنشاء لجان عمل سياسية ومنظمات غير ربحية.
المسلمون الأوروبيون تحدروا من منابت أكثر تعددية وتباعداً، وما يجمعهم هو أقل إلى حد كبير ثقافياً مما كان يجمع المهاجرين اليهود في أوائل القرن العشرين وأواخر القرن التاسع عشر. لذا فإن الدين كثيراً ما يكون هو عنصر التوحيد الوحيد الذي يجمع بين المصريين والباكستانيين والصوماليين.
وحيث يأخذ المسلمون بإعادة النظر في أولوياتهم، فإنهم يستطيعون كذلك الاستفادة من النظر إلى تطور اليهودية في الولايات المتحدة. فبإدراكهم بأن التعاليم الدينية اليهودية قد تطورت لمواكبة التغيرات الاجتماعية الصادرة نتيجة نزوح جماهيرهم من مختلف أسقاع العالم إلى الولايات المتحدة، فقد أصبح الحاخامات في الولايات المتحدة أكثر مرونة تدريجياً وأخذوا يغيرون من رسالاتهم بحيث تتواكب مع مستلزمات وجودهم ضمن التجمعات الأمريكية.
يتوجب على المسلمين البريطانيين وغيرهم من المسلمين الأوروبيين النظر في الأخذ بهذا الأسلوب وأن ينتهجوا سياسة تجعلهم مستقلين عن أية سيطرة دينية من البلدان التي تحدروا منها. وعلى سبيل المثال يتوجب على المدارس الخاصة التي تدعوا إلى توجهات سياسية ودينية تتعارض مع القيم الغربية في التسامح أن لا تُشجع وأن لا تُؤيد من قبل الجاليات المسلمة. تلك المدارس تجعل الاندماج في المجموعات الأوروبية الأكبر أكثر صعوبة بالنسبة للأطفال المسلمين ومن شأنها أن تقود إلى مواجهات اجتماعية مع البلدان التي ارتضوها وطناً جديداً.
على القادة المسلمين أن يتفحصوا الحاجات المحلية التي تؤثر على رعاياهم وأن يكونوا القوة الدافعة لاندماج أقوى في المجتمع البريطاني. وعندما يتعرضون للاضطهاد يتوجب عليهم أن يتحدثوا مجتمعين بصوت واحد. وعندما تحل الفظائع بإخوانهم وأخواتهم في بلدان مثل دارفور، عليهم أن يكونوا أول من يتحدث ويستنكر.
الإسلام دين غني وعريق ولديه الكثير مما يُعطي. على المسلمين الأوروبيين أن يُتيحوا لدينهم بالتطور بشكل يتوافق مع قيم الوطن الأوروبي الذي أصبحوا مواطنين فيه. إنها فترة تأقلم ولا يمكن أن تتم بين عشية وضحاها.
إن اندماجاً ناجحاً هنا سيكون له انعكاسات إيجابية وتداعيات على مستوى العالم. لقد وُجه اللوم إلى المسلمين بشكل عام بسبب أحداث 11/9 وكذلك الهجمات التي وقعت في لندن. لقد كان ذلك خطأً يؤسف له. يجب أن لا يُعتبر بليون مسلم مسؤولين بسبب عمل قام به 19 قاتلاً. ومع ذلك فإن كثيراً من المسلمين في أوروبا يواجهون الآن تحدياً في تحديد وإعادة صياغة تفسيرهم لدينهم. إنها فرصة يتوجب الأخذ بها.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 17 كانون الأول 2006.