لقد شهد الزيمبابويون دخلهم وهو يتهاوى بمعدّل أكثر من الثلثين في خضّم أسوأ أداء اقتصادي مقارنة مع المعطيات المتوفرة لبقية البلدان.و على الرغم من ذلك ما زال بإمكان الزيمبابويون إنقاذ بلدهم إذا ما توفرت لديهم الفرصة المواتية.
والأخبار الجيدة هي أن الإصلاحات الاقتصادية سرعان ما تأتي أكُلُها: لقد لاحظت كل البلدان المجاورة لزمبابوي ما هو أثر تحرير التجارة في العقد الماضي. حتى الاقتصاد الزيمبابوي نفسه كان من كبار المصدّرين في المنطقة قبل سنوات قليلة. فكل تسهيل للأنظمة الضريبية والتجارية ودعم قانون العقود والأمن العام لها تأثير مباشر على الأفراد، والعائلات و الاقتصاد.
وما وباء الكوليرا المتفشي في زيمبابوي منذ أمد بعيد إلا علامة أخرى من علامات القمع الهمجي والعنيد. فمنذ عام 1998، كان معدّل متوسط العمر للزيمبابويين قد تراجع من 55 عاما إلى 35 عاما فقط. ناهيك عن معدّل البطالة الذي يطال أكثر من 80 بالمائة من السكان. نصفُ الزيمبابويين تقريبا معرّضون لمخاطر سوء التغذية والمجاعة: فهناك ثمانية ملايين شخص يحتاجون إلى المعونات الغذائية – وهو ضعف العدد الذي كان قبل سنوات قليلة فقط. يعاني أطفال زيمبابوي من أعلى معدلات الوفيات، وسوء التغذية والنمو المتعثّر بين جميع البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكُبرى.
لقد لجأت عصابة الرئيس روبرت موغابي الفاسدة إلى القوة من خلال فرض الأحكام العرفية، وسرقة الأرض لصالحها، والسيطرة على الإعلام وحظر المعارضة. لقد أعتُقِل ناشطو المعارضة وأغتيلوا، بينما تعرض القضاء للإهمال. وتبدو الحكومة الثنائية الأحزاب الحالية وكأنها خدعة أخرى من خدع الرئيس روبرت موغابي لسحق أعداءه من خلال استمالتهم أكثر فأكثر لممارسة السلطة.
لقد سجّل منتدى زيمبابوي لمنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية أكثر من 20 ألف حالة انتهاك لحقوق الإنسان بما فيها 3000 حالة تعذيب منذ عام 2001. وبدلا من حماية الناس من العنف، تقوم قوات أمن زيمبابوي بحماية العصبة الحاكمة، وتصب وبال العنف على رؤوس العامة.
لا غرابة إذن إذا ما نزح الآلاف عبر الحدود مع بوتسوانا وجنوب إفريقيا ، بينما يتم إرجاع و طرد آلاف الآخرين كل يوم. حوالي ثلث سكان الزيمبابوي يعيشون في الخارج.
يزعم قادة زيمبابوي أن الأمر برمته يعود إلى خطأ المستعمرين البريطانيين، وليس الخطأ الناتج عن القمع الذي يمارسه موغابي، والإنفاق المتهوّر، والضرائب، والقيود المفروضة على الأعمال التجارية والتضخم. وباستخدام عبارات مبتذلة ولكن ملائمة، فقد قام هذا الرجل بتحويل زيمبابوي التي كانت تعرف ب”سلة خبز المنطقة” إلى سلة كوابيس تسحق آمال الملايين.
ولكن زيمبابوي ليست حالة ميؤوس منها. ما يزال هذا البلد يحوي جملة من المقاولين، وأصحاب المناجم، والمزارعون، موظفو التربية والتعليم، بل حتى بعض موظفي الخدمة العمومية المتبقين من فترة ازدهار البلد. كما أن الدول المجاورة لزمبابوي تبقى دولا صديقة (على الرغم من علاقتها المتوترة مع موغابي). فقد خطت هذه الدول خطوة كبيرة للأمام من خلال السماح لعُملاتها لتحلّ محل عملة الزمبابوي المفرطة في التضخّم.
تحتاج زيمبابوي الآن إلى كبح جماح الإنفاق الحكومي، واستعادة الحريات الاقتصادية لتحرير كل عامل منتج من براثن التدابير التنظيمية الخانقة، والضرائب التي جرّت بمعظم الفاعلية الاقتصادية نحو السوق السوداء.
تقدّر مؤسسة التمويل الدولية أن البدء بمشروع تجاري في زيمبابوي يحتاج إلى 96 يوما ، 481 يوما للإيفاء بالتراخيص و30 يوما آخر لتسجيل ملكية معينة. إن تعقيد الأمر على نحو مصطنع بوجه الشروع في مشروع تجاري جديد يجعل تلقائيا إمكانية خلق فرص العمل أكثر صعوبة فرص للعمل – وحتى كلفة استئجار موظف أو أجير تعادل متوسط الراتب في البلد أربع عشرة مرة. فالمتطلبات الجسيمة التي تُطلب من الشركات الجديدة يمكن أن تثبّطت من عزيمة الزيمبابويين وتدفع بهم إلى خارج الاقتصاد المقنن.
إن البلدان النامية التي قامت بتخفيض الحواجز التجارية في التسعينيات فقد حققت نسبة نمو بمعدّل ثلاثة أضعاف أسرع (أي بواقع 5% سنويا) من تلك التي أبقت على سياساتها التجارية دون تغيير. فعلى النقيض من ذلك، فرضت زيمبابوي قيودا على التجارة العالمية، فالنتيجة هي أنها تحتل الآن المرتبة السابعة الأسوأ في مؤشر البنك الدولي للقيود التجارية. إن خفض الأيام الثلاثين اللازمة لإعداد أوراق التصدير، أو الاثنين وأربعين يوما اللازمة لإعداد الوثائق اللازمة للاستيراد، سيؤدي وبشكل فوري إلى منح المقاولين الفرصة الملائمة للتنافس.
لقد هيمن الاستيلاء على المزارع التي يمتلكها البيض على عناوين الأخبار، ولكن الحقيقة المُرّة هي أن حقوق الملكية جميع الأفراد قد إنتُهكتْ وتعرّضتْ للدمار، سواء كانت قطعا من الأراضي الصغيرة، أو المشاريع الكبيرة. معظم الزيمبابويين لا يستطيعون الحصول على سندات ملكية رسمية، حتى أولئك الذين مُنحوا أرضا مسروقة من الآخرين. ولأن الفقراء لا يستطيعون تفعيل حقوق الملكية أو المتاجرة بها، فهم لا يستطيعون الحصول على فائدة أو قرض لتطوير أراضيهم وإنتاجيتهم.
إن الممارسة المجرّبة والمؤكد نتائجها لتطوير التجارة، و الانخراط في الأعمال التجارية، و توفير فرص العمل، وتسجيل الأراضي هو درسٌ بسيط: بسّطْ، ثم بسّط، ثم بسّطْ. غير أن البساطة ليست بالأمر السهل. فالأقلية القوية والمخيفة تستفيد من النظام الذي تسبب في هذه الفوضى. ولكن و ففي مرحلة معينة في المستقبل القريب، ستضعف هيمنة حزب روبرت موغابي والذي يدعى حزب زانو- بي. أف. (ZANU-PF)، وسيتهاوى ليفسح المجال أمام الإصلاح. وعلى المصلحين أن يستعدّوا ويحضّروا السياسات المؤكدة والمجرّبة التي أثبتت نجاحها في الأماكن الأخرى، والتي يمكن أن تنجح في زيمبابوي.
وعلى خلاف كوريا الشمالية ومينمار، يوجد في زيمبابوي العديد من الحرفيين، والمزارعين، ورجال الأعمال، والقضاة، وموظفي الخدمة المدنية، وحتى رجال الشرطة الذين يتذكرون كيف يعمل البلد الناجح، وكيف يمكن إنجاحه مرة أخرى.
*طمبا نولوطشونجو كاتب زمبابوي يعمل في هيئة “الأوراق الزيمبابوية”.