آندريه إلاريونوف

peshwazarabic10 نوفمبر، 20101

هذه المقابلة مع البروفسور أندريه لانكوف، من جامعة كوكمين في سيئول، وهو أحد أبرز الخبراء في كوريا الشمالية، أطلق العديد من المنشورات لمشروع إن لبرتي، تتعلق بالوضع الراهن في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية (DPRK)، وهي واحدة من التجارب الاشتراكية الأكثر راديكالية في العالم.   – متى، وفي أي المراحل، بدأت السوق السوداء تنمو في كوريا الشمالية؟
في البداية، نحتاج إلى استحضار الماضي، بالتحديد، خلال فترة حكم كيم إل- سونغ، والذي بدأ بشكل فعلي عام 1948 واستمر حتى عام 1994 في أواخر الستينيات، كانت كوريا الشمالية الدولة الأقل إتباعا لاقتصاد السوق واستعمالا لآلياته  في العالم.  فجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية اتبعت نظام الحصص التموينية الأكبر و الأشمل في العالم. وبحلول السبعينيات، كانت الكتب هي السلع الوحيدة المعروضة للبيع(وكانت على الأغلب مؤلفات ’القائد الأعظم‘ أو قصصا تحكي عن أمجاده، أما الكتب الأخرى فلم تكن تُنشرُ أصلا)، بالإضافة إلى بعض القرطاسية، وبعض الأدوات ذات الاستخدام اليومي كالأمشاط البلاستيكية، وبعض اللوازم الشخصية. كل السلع الأخرى كانت توزّع وفق ضوابط صارمة. وكانت طريقة التوزيع تتم وفق صيغة هرمية تراتبية معقدّة وغريبة، صيغة تبتُّ في مسألة مَن يحصل على ماذا، وبأي نوعية. من الناحية الشكلية، كانت البضائع تباع، ولكن الأسعار كانت منخفضة للغاية، وذات طبيعة رمزية ليس إلا—في الواقع، كان ثلث الراتب الشهري الاعتيادي كافيا لشراء مجموعة كاملة من سلع الحصة التموينية، وبالطبع، كان الاقتصاد يعاني من تراكم ضخم في السيولة النقدية، مما أدى إلى تضخم مستتر كبير.
على خلاف الاعتقاد السائد في الغرب، فإن الأسواق لم تكن ممنوعة بشكل رسمي في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، ولكن نطاق البضائع المسموح بيعها كان ضيقا ومحدودا جدا. من الجدير بالذكر أنه منذ عام 1957، تم فرض حظر صارم على بيع محاصيل الحبوب – وهي المصدر الرئيس للغذاء في كوريا الشمالية. وكانت الفكرة القائمة وراء هذا الحظر كالآتي: إذا لم يتمكن الفرد من شراء الحبوب في السوق، لن يبق أمامه خيار سوى أن يبحث عن عمل في مؤسسة من مؤسسات الدولة التي تحتكر منح بطاقات الحبوب. أما الرز وغيره من المحاصيل فكانت تزرع في حقول الحكومة فقط و كانت أية عملية اتجار في الحبوب تعدّ عملا إجراميا يعاقب عليه القانون.
كان القطاع الخاص شبه منعدم. مساحة الحدائق المنزلية في القرى كانت محددة بمائة متر مربع، أما في المدن فكانت تتراوح بين 20 و30 مترا مربعا. أما الملكية الخاصة للماعز، أو الخنازير أو الدواجن، فكانت مسموحة، ولكن لم يكن من السهل إيجاد طعام لها، مما يتطلب علاقات جيدة مع أصحاب النفوذ.  وطالما كانت بضائع القطاع الخاص – والتي كانت كمياتها قليلة جدا ولا تكاد تُذكر – هي الوحيدة التي يمكن بيعها في الأسواق، وبالنظر إلى كمية الأموال الهائلة المتداولة ، كانت الأسعار خرافية في عقدي السبعينيات والثمانينيات: فقد كان سعر التفاحة الواحدة يعادل أجرة عامل لمدة يومين، أما كيلو اللحم فكان يساوي حوالي ثلث أو نصف المرتب الشهري للموظف. ولكن، أود أن أكرر هنا، أن الأسواق بهذه الصيغة، كانت شرعية تماما. كان في بيونغ يانغ عشرة أسواق، ولكنها كانت غير قادرة على لعب دور اقتصادي ملموس.   غير أن منتصف السبعينيات شهد أول بوادر الأزمة في نظام التوزيع. إذ تراجع عرض البضائع بشكل تدريجي في المدن الصغيرة والمحافظات في أول الأمر، ومن ثم في المدن الكبرى. ثم لوحظت بعض التأخيرات في استلام حصص البطاقات التموينية. حيث تم تقليل معدلات حصص الحبوب في أوائل السبعينيات وفي أواخر الثمانينيات. أما بعض الأنواع الأخرى من المنتجات فقد توقفت حتى ضمن نظام البطاقة التموينية (على سبيل المثال، في السبعينيات، توقف تجهيز معظم المواطنين بمادة السكر، رغم أن المسؤولين استمروا في الحصول عليه).وفي أواخر الثمانينيات، وعلى الرغم من الدعم السوفيتي والصيني، أصبح الوضع في المحافظات متوترا جدا، حيث بدأ الناس يتضورون جوعا، مع أن المجاعة لم تصل إلى حد خطير.   وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، توقف الدعم السوفيتي لكوريا الشمالية و بدأ الوضع الاقتصادي بالتدهور بشكل سريع. فبدون الوقود الروسي والأدوات الاحتياطية المدعومة، اضطرت المصانع على الإغلاق. أما المزارع فقد افتقرت إلى المعدات، والأهم من ذلك، الأسمدة. وفي أواخر الثمانينيات، عانى العديد من الكوريين من المجاعة. وأصبح الجوع أكثر حدّة في منتصف التسعينيات.
منذ مطلع عقد الثمانينات، بدأت السلطات في التسامح مع المنتجات المنزلية الحرفية، على الرغم من أن مثل هذه الأنشطة كانت تعدّ  نوعا من أنواع “البحث عن البدائل الخارجية”outsourcing  وكانت تتم تحت سيطرة حكومية صارمة. في الثمانينيات، ازدادت تجارة الحبوب بالرغم من عدم رفع الحظر الرسمي عليها. وعلى خلاف الوضع في الصين، حيث قامت الدولة بإدخال بعض الإصلاحات في  اتجاه دعم اقتصاد السوق في أواخر السبعينيات، فإن كوريا الشمالية حافظت على الوضع القائم. بل على العكس، أكدّت الحكومة أن الأسلوب السوفيتي أو الصيني في “المراجعة والتنقيح” غير مقبول على الإطلاق، وأن نظام كوريا الشمالية الاشتراكي لا عيب فيه، لذا فإن أي تغيير لهذا النظام هو أمر ممنوع بتاتا. ولكن، في ظل المتغيرات الجديدة، أصبحت الحكومة الجديدة غير قادرة على تنفيذ أو تفعيل العديد من القيود والممنوعات.   – ما الذي قاد إلى ما يمكن أن نطلق عليه اسم “التحرير التلقائي” إذا جاز التعبير؟  عامل مهم واحد يتمثل في تفشي الفساد كالنار في الهشيم، ولا سيما بين صغار المسؤولين الحكوميين، حيث أن أزمة الطعام قد ألمّت بهم أيضا. كثيرا ما قيل لي أن المسؤول الحكومي النزيه الذي يحاول بكل صدق أن يعيش وفق القانون لم يمكن له أن ينجو من المجاعة. ونتيجة لذلك، فإن العديد من هؤلاء النزيهين قد لقوا حتفهم، بينما أنتهج الآخرون سبلا أخرى للعيش. فكانت الرشاوى تأخذ أشكالا عديدة، فمنها العيني ومنها النقدي بالعملة الصعبة، أو باليوان الصيني، الذي كان يميل نحو التضخم هو الآخر (ففي التسعينيات، كان الدولار الأمريكي يساوي  8.10  وانا، أما عام 2000 فكان يساوي حوالي 150).
من الجدير بالذكر أنه قبل بداية المجاعة الحادة التي ضربت البلد في أواخر الثمانينيات، لم يكن معظم الكوريين يريدون الانخراط في أنشطة السوق التي كان ينظر إليها سلبا في أغلب الأحيان. إذ كانت النظرة السائدة هي أن التجارة كانت حرفة المضاربين والمحتالين. وقد استمرت هذه النظرة طيلة الفترة التي استطاعت فيها الدولة أن تُطعم الشعب بشكل أو بآخر. ولكن ما إن أدرك الشعب أنه لم يعد بإمكانه الاعتماد على الدولة، كان عليه إيجاد وسائل بديلة للعيش. ونتيجة لذلك، فإن نظام الدولة للبطاقة التموينية، الذي كان لا يزال موجودا، قد تراجع أمام القطاع الخاص.   وفي التسعينيات، تنامت أهمية الأسواق والقطاع الخاص بشكل سريع، كما تزايد عدد العاملين في السوق، وتعددت السلع التي تباع في الأسواق. وفي نهاية التسعينيات، كان كل شيء تقريبا يباع في السوق. أما الممنوعات السابقة فقد ضُرب بها عرض الحائط. فالبضائع المسروقة، التي أخذها الفلاحون من حقول الدولة والمزارع الجماعية، أصبحت متوفرة وتباع علنا. منذ بداية التسعينيات، بدأ الفلاحون يزيدون من حجم أراضيهم دون موافقات رسمية من خلال زراعة منحدرات الجبال. وعندما أصبحت هذه الظاهرة واسعة الانتشار، لم تتدخل الحكومة.   ولكن الوضع استمر في التدهور. ففي عام 1996، تحوّلت أزمة الطعام إلى مجاعة. فبحسب التقديرات الرسمية (التي كانت حكومة كوريا الشمالية تقدّمها للمنظمات الدولية ولكن لا تقدمها إلى شعبها)، خلال المجاعة التي ضربت البلد منذ عام 1996 حتى 1999، لقي حوالي 250,000 شخصا حتفهم. أما أعلى التقديرات الدولية فتشير إلى أن عدد الضحايا كان حوالي ثلاثة ملايين نسمة. وأغلب الظن أن تقديرات كوريا الشمالية تحاول تقليل العدد، بينما التقديرات الدولية، مرتفعة جدا هي الأخرى. لكن الحقيقة تقع في مكان ما بين التقديرين، بين النصف مليون والمليون ضحية.   أدت المجاعة إلى العديد من التغييرات الاجتماعية الكبيرة و انهارت المحاولات التقليدية القديمة للسيطرة التامة على المجتمع والاقتصاد. أولا، فقدت كوريا الشمالية السيطرة على حدودها مع الصين، وبدأت الهجرة الجماعية للاجئين عبر الحدود. ونتيجة لذلك، بحلول عام 1999، كان حوالي 300.000 من الكوريين الشماليين قد فرّوا إلى الصين إلى المناطق الحدودية التي تسكنها بعض الأعراق الكورية. وكان معظم هؤلاء اللاجئين الذين هربوا من سياط المجاعة يمارسون أعمالا شاقة لم يكن الصينيون انفسهم ليقومون بها.
لا بد أن أشير هنا أن فتح الحدود كان أمرا مدبّرا جزئيا. فمن ناحية، كان من الصعب جدا السيطرة على ما يقارب 1400 كيلومترا من الحدود التي تحاذي بعض الأنهار الضيقة والضحلة. من ناحية أخرى، قامت الحكومة بتخفيف العقوبة المترتبة على العبور غير الشرعي للحدود. كان التسلل عبر الحدود جريمة كبرى في السابق، ولكن منذ عام 1996، أصبح جنحة ثانوية نسبيا، عقوبتها السجن لأشهر قليلة.   وكما ذكرت آنفا، فإن معظم المهاجرين إلى الصين كانوا لاجئين عاديين. ولكن البعض منهم بدأ يعمل على تهريب البضائع الصينية إلى كوريا الشمالية.   أصبحت الصين النافذة التي تطل منها كوريا الشمالية على العالم الخارجي، كما أصبحت مصدرها الرئيس للبضائع والمعلومات. ولم يكن ذلك راجعا لجرأة المهرّبين فقط، فمنذ أواخر التسعينيات، كانت جميع المنظمات شبه الخاصة تعمل تحت غطاء المنظمات العسكرية والحزبية، والتي قامت بتجارة – شرعية – ناشطة مع الصين. كانت هذه المنظمات تصدّر المعادن إلى الصين، فضلا عن بعض الأطعمة البحرية المجففة، والأعشاب الطبية. كما أن تهريب الذهب من كوريا الشمالية قد تزايد بشكل ملحوظ، ومنذ عام 1998 فصاعدا، حدثت موجة من تهريب الآثار، نتيجة للحفريات غير الشرعية للمواقع التاريخية والقبور.
تدفقت مختلف أنواع الألبسة والأجهزة الإلكترونية من الصين إلى كوريا الشمالية. ومن المثير للاهتمام، أن نوعا من التصنيع المتنوع، الذي يذّكرنا بالأيام الأولى للرأسمالية الأوربية قد بدأ يظهر في كوريا الشمالية ولم تعد هناك حاجة لقيام المواطنين بتهريب الطعام، ففي عام 1997، أصبح بالإمكان الحصول على الطعام من المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات العالمية.   كانت المساعدات توزّع حسب الرتب أو المناصب: فمدينة بيونغ يانغ والمدن الكبيرة الأخرى، فضلا عن المسؤولين الحكوميين (بعبارة أدق، الموظفون الأكثر نفوذا وامتيازات داخل الحكومة)، كانوا يحصلون على المساعدات الإنسانية أولا. ثم يذهب الباقي إلى المدن الأصغر والأجهزة الرسمية الأقل تأثيرا. أما المحافظات الشمالية الشرقية – مثل هامجيونغ، و تشاغانغ، و ياغانادو–  فلم تكن تحصل على أية مساعدات. كان هذا التقسيم يتم بشكل قصدي: فبسبب انعدام الموارد، كانت الحكومة تطعم المناطق والمجموعات الاجتماعية التي تحتاج إليها أكثر من الآخرين من أجل بقائها وديمومتها. أما سائر أبناء الشعب، فعليهم أن يتدبروا معيشتهم بأنفسهم.   ومن الجدير بالملاحظة أن المساعدات الإنسانية كانت تأتي إلى كوريا الشمالية عبر الموانئ التي تقع على السواحل الشرقية للبلاد. كانت وجهة البضائع هي بيونغ يانغ، ولكن بعضها كان يُسرق في الطريق، وبذلك يذهب إلى السكان المتخلى عنهم من طرف الحكومة.   ولكن، و في المحصلة، فإن معظم الكوريين الشماليين قد تُركوا دون حصص تموينية، وكان عليهم أن يحاولوا العيش في ظل ظروف جديدة قاسية. تمكّن البعض منهم من ذلك، وأخفق البعض الآخر. ولكن الناجين ساعدوا على خلق اقتصاد سوق تلقائي.   – كيف كان الوضع في التسعينيات؟  كما أسلفت، لم يكن نظام البطاقة التموينية قد ألغي رسميا.
في الواقع، لم تكن البطاقة التموينية تسمح للمرء أن يشتري طعاما، حتى عندما استمر السكان في الحصول على البطاقات. حتى في بيونغ يانغ، منذ منتصف التسعينيات، لم تكن البطاقة التموينية تمكن من اقتناء سوى معدّلات مخفضة جدا لا تكاد تسد الرمق – شيء من قبيل 300 غرام من الحبوب للفرد الواحد في اليوم. حتى سكان بيونغ يانغ أجبروا على سد رمقهم من السلع المتواجدة في السوق مما أدى إلى بروز مجموعة جديدة من الخدمات. على سبيل المثال، حوالي عام 1997، اختفت خدمات الإطعام الحكومية تماما وظهر سوق المطاعم الخاصة ثم شهد بعدها نموا سريعا. كانت المقاهي المنشأة حديثا غير قانونية في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى كانت موجودة بصفتها مؤسسات شبه حكومية. كما بدأت الفنادق الخاصة بالظهور في أقبية المباني السكنية (بشكل غير شرعي). كما كان هناك بعض العاملين في صرافة العملات النقدية، وبعض المقرضين. كما بدأت ظاهرة إيجار أجهزة الفيديو بالظهور.   وأخيرا، بدأ الإنتاج، على نطاق ضيّق، على شكل ورشات تصنيع حرفية صغيرة، ومصانع مصغّرة، تعمل أساسا على إنتاج الألبسة والأحذية. على سبيل المثال، لدي العديد من الأصدقاء في مدينة سينويجوي، الواقعة على الحدود الصينية والتي أصبحت أكبر مركز خاص لتصنيع الأحذية. كان المصنّعون ينسخون النماذج الصينية، ويؤسسون علاقات واسعة داخل البلد، ويهرّبون بعض المواد الخام من الصين.   – ما هو واقع  كوريا الشمالية اليوم؟
أعلنت الحكومة رسميا سنة 2002 عن إطلاق بعض الإصلاحات الاقتصادية. عمليا كان ذلك يعني شرعنة بعض الأنشطة التي ما برح الناس يمارسونها منذ وقت طويل. كان هناك ارتفاع حاد، بلغ مئات الأضعاف المضاعفة، في الأجور بالموازاة مع تزايد الأسعار مما أدى إلى ظهور موجة من التضخم. ثم استقرت الأسعار ثانية ولكن بمستويات جديدة. فعلى سبيل المثال ارتفع سعر الرز الذي حددته الدولة، والذي كان سعره 0.08 واناً كوريا للكيلو غرام الواحد ولعقود طويلة من الزمن، ليصبح 44 وانا للكيلو غرام، بينما كان سعر السوق 900 وانا للكيلو.   ما فتئت الدولة تحاول منذ عام 2004 أن تفرض القيود على الحرية الاقتصادية مرة أخرى. قيود ألغيت من طرف الشعب دون مصادقة من الحكومة. و كانت لهذه القيود أسبابا سياسية بحتة. حيث تعتقد القيادة السياسية في كوريا الشمالية أن التحرر سيؤدي إلى وعي شعبي بازدهار كوريا الجنوبية، مما جعلها تحكم قبضتها مرة ثانية على مصير الشعب. إن الفجوة بين المعايير المعيشية بين الكوريتين الشمالية والجنوبية واسعة جدا. وفقا للتقديرات الأكثر تحفظا، إن الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في كوريا الجنوبية أكثر 17 مرة منه في الشمالية، بينما تشير بعض التقديرات الأخرى إلى أن الفارق بينهما يصل إلى 50 ضعفا.
قام القادة في كوريا الشمالية لعقود عديدة من الزمن بكل ما في وسعهم لتقليل انتشار المعلومات حول العالم الخارجي. كانت العزلة في البداية موجهة ضد الاتحاد السوفيتي، بعد “التحرر” النسبي الذي أعقب موت ستالين، والذي قاد إلى أزمة ذات مرة أوشكت أن تجعل كيم إل- سونغ يفقد سلطته. ثم أصبحت كوريا الجنوبية هي مركز المخاوف والقلق بالنسبة إلى كوريا الشمالية، وذلك بسبب الفجوة الكبيرة بين البلدين، والتي نمت بسرعة متزايدة.   كما أن التدابير التي تم اتخاذها كانت غير اعتيادية. على سبيل المثال كانت جميع أجهزة الراديو في كوريا الشمالية مبرمجة لالتقاط سوى المحطات الرسمية. ولم يكن هناك سوى القليل جدا من الرحلات إلى خارج البلد. في الوقت نفسه، فإن الدعايات الموجهة المتعلقة بمعاناة شعب كوريا الجنوبية كانت رائجة بين أوساط الشعب – حيث تشيع بعض هذه الدعايات أن أطفال كوريا الجنوبية يلمّعون أحذية الغزاة الأمريكان المتغطرسين، والطلبة يبيعون دمهم من أجل شراء الكتب، والأولاد الصغار الذين لا يدفعون أقساط المدارس يقذف بهم المدراء إلى الشارع.
لقد أدت هذه الدعايات هدفها بشكل فاعل. لم يكن الشعب في كوريا الشمالية يعرف أن اقتصاد كوريا الجنوبية واحد من أكثر الأنظمة الاقتصادية ازدهارا في المنطقة. كانت هناك بعض الدعايات بلا شك، ولكن شكوكا كبيرة ظهرت بعد منتصف التسعينيات، عندما بدأت بعض الدعايات تتغلغل من الصين وبدأت الأشرطة المهرّبة التي تظهر فيها برامج تلفزيونية من كوريا الجنوبية تنتشر في السوق.   كما سلكت الدولة سلوكا عدائيا ضد الأسواق بوصفها مراكز محتملة لتنظيم و تأطير الأفراد، كما خشيت السلطات من تكرار سيناريو ألمانيا الشرقية. تخشى حكومة بيونغ  يانغ أنه إذا ما عرف الكوريون الشماليون حقيقة الأوضاع في كوريا الجنوبية وازدهارها وامكانية ازدهارهم بعد تحررهم، فإن من غير المحتمل أن يوافقوا على اختيار نموذج العمال الصينيين الذين لا يسألون الكثير من الأسئلة، وظلوا ينتظرون لعقود طويلة من الزمن أن تتحسن وضعيتهم. من المحتمل جدا أن يعارض الكوريون الشماليون النظام، مطالبين بإتحاد فوري مع الجنوب المترف(وعلى أي حال، فإن من السذاجة بمكان أن يتوقعوا أن تجعلهم هذه الوحدة يصلون فورا إلى المستوى المعيشي الذي في كوريا الجنوبية).  أما بالنسبة إلى القيادة السياسية في سيول و الشعب الكوري الجنوبي بصفة عامة، فإنهم لا يريدون الوحدة مع كوريا الشمالية الآن. بل أنهم يريدونها، ولكن في المستقبل البعيد، بعد عقود من الزمن. والعامل الحاسم وراء ذلك هو فهمهم لمدى فقر الشمال، وضخامة حجم الأموال التي لا بد من استثمارها لأجل إحداث قفزة في اقتصاد كوريا الشمالية. لذا فإن الكوريين الجنوبيين يطعمون الشمال من خلال المساعدات الإنسانية، آملين من وراء ذلك أن المشكلة ستحلّ نفسها نوعا ما.    إن كوريا الشمالية اليوم تتلقى دعما كبيرا من كوريا الجنوبية (والتي هي في حالة حرب معها من الناحية الرسمية) ومن الصين كذلك. فالمحصول كوريا الشمالية السنوي من الحبوب (الرز والذرة) يقارب من 4 ملايين طنا في العام خلال العقد الأخير. ولكن الحد الأدنى من الحبوب الذي تحتاجه لكي تتمكن من إطعام شعبها هو 5.2 مليون طنا. أما الفرق فتتم تغطيته من ثلاث مصادر هي:
(1) المنح التي تقدمها كوريا الجنوبية، والتي وفّرت في السنوات الأخيرة نصف مليون طن بشكل ثابت (400 ألف طن من الحبوب في العام عبر القنوات الحكومية، وعدد من المساعدات الخاصة)؛
(2) المساعدات الصينية التي تقارب نفس المقدار السابق؛ و
(3) مساعدات المنظمات الدولية.
و الجدير بالملاحظة أن كلا من الصين وكوريا الجنوبية توفران المساعدات دون أية شروط، حتى تلك المتعلقة بكيفية توزيعها. وبالطبع، فإنهما يفهمان أن معظم هذه المساعدات تذهب في آخر المطاف إلى الأجهزة التنفيذية، وإلى النخبة الحزبية، وإلى المجموعات النافذة من أصحاب الامتيازات. لكن هذا لا يتعارض مع مصالحهما الطويلة الأمد: فهما يريدان قبل كل شيء الاستقرار رغم أن هذا الأمر لم يصرّح به علنا. لذا أصبح في حكم الواضح بالنسبة إلى نظام بيونغ يانغ أن المساعدات الصينية والكورية الجنوبية ستأتي بكل حال من الأحوال، وأن هذه المساعدات ستبقى عند مستوى يكفي لسد الرمق تبقي البلد في حالة من الكفاف.  إن المساعدات عامل أساسي مفسر للتراجع الأخير في مجال الحريات الاقتصادية التي قامت حكومة كوريا الشمالية بإطلاقها سابقا. فقد قامت الحكومة بالتراجع   عن حرية تجارة الحبوب (على الرغم من حقيقة أن هذا الحظر لم يُرفع بشكل رسمي أبدا). منذ نهاية عام 2006، مُنِع الرجال من المتاجرة في الأسواق. ومنذ عام 2007، منعت النساء اللائي لم يبلغن الخمسين من العمر. كما اتخذت إجراءات صارمة بحق المطاعم و شركات النقل الخاصة. وكانت الغاية من هذه التدابير هي حشد الشعب في المصانع، حيث لا يفعلون شيئا، إلا من أجل إبقاء الوضع تحت سيطرة الحكومة.   – لقد تحدثنا كثيرا عن تهريب البضائع إلى كوريا الشمالية. فهل هناك تهريب للمعلومات أيضا؟   نعم هناك تهريب من هذا النوع وهو واسع الانتشار. فأسطورة فقر كوريا الجنوبية قد تلاشت في أول الأمر من خلال انتشار أشرطة الفيديو الكورية الجنوبية، وتغلغل أجهزة الفيديو المستعملة القادمة من الصين( والتي حلت محلها الآن أجهزة تشغيل الدي في دي DVD المنخفضة التكلفة). لقد بدأ هذا الأمر عام 1999 تقريبا. في ذلك الحين، كان من الواضح جدا أن الصين أغنى بكثير من كوريا الشمالية: هناك بعض المدن الكورية الشمالية المتاخمة للصين، والتي يمكن فيها مشاهدة ناطحات السحاب الصينية ذات الأنوار البرّاقة.   ولكن لا بد أن نلاحظ أن مستوى ترهيب الشعب في كوريا الشمالية أكبر بكثير مما كان عليه الحال في الإتحاد السوفيتي السابق. اليوم، هناك ما بين 150 ألف و200 ألف سجين سياسي في البلد – وهو رقم مرتفع إلى حد مدهش في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 23 مليون نسمة.
* تم تسجيل المقابلة بتاريخ 25/ آذار مارس عام 2008
© منبر الحرية، 30 مارس/آذار 2010

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

لم يشهد ربع القرن الماضي أزمة اقتصادية إقليمية في الاقتصاد العالمي أعمق من الكارثة الاقتصادية العميقة التي لحقت بالعالم العربي. وباستثناء ملحوظ للبلدان التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي بعد انهياره والتي تعرضت لانكماش شديد في الناتج العام في سياق إدارة تحوّل هزيلة، فإن الشعوب العربية شكلت المنطقة الوحيدة في العالم الحديث التي تراجع فيها معدل الفرد من الدخل الوطني بالأسعار الثابتة عام 2005 إلى اقل مما كان عليه عام 1980. لقد تراجعت حصة الفرد الحقيقية من الناتج المحلي الإجمالي مقيّمة بالنسبة لسبعة عشر بلداً عربياً من 5375 دولاراً مقدرة بالقوة الشرائية المكافئة عام 2002 إلى 5189 دولاراً.
وفي الوقت الذي انكمشت فيه الاقتصادات العربية كان الاقتصاد العالمي يواصل النمو بمعدل ارتفاع في دخل الفرد بنسبة 1.8% سنوياً. نتيجة لذلك فقد اتسعت الفجوة بين البلدان العربية وغير العربية بشدة خلال الخمسة وعشرين عاماً الماضية. في عام 1980 كانت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في العالم العربي تساوي 93.2% من معدلها على المستوى العالمي، أما في عام 2005 فقد تراجعت إلى 57.9%، وهذا هبوط هائل في المكانة النسبية بلغ حوالي 38%. بل إن التراجع الاقتصادي في البلدان العربية مقارناً بالغرب (22 دولة متقدمة في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وأستراليا) كان أكبر من ذلك: 41% تقريباً. في عام 1980 كانت حصة الفرد في البلدان العربية من الناتج المحلي الإجمالي تعادل 26.3% من مستواها في الغرب، وهبطت هذه النسبة في عام 2005 إلى 15.6% فقط.
حتى بلدان جنوب الصحراء الإفريقية، المعروفة عالمياً بأنها أكثر المناطق اضطراباً في العالم، شهدت تراجعاً في حصة الفرد فيها من الدخل مقارنة بالمستويات في البلدان الغربية بمعدل أقل من التراجع الذي حصل في العالم العربي: 1.8% و2.1% سنوياً على التوالي. وحتى بلدان الكتلة السوفييتية السابقة استطاعت بعد استئناف نموها الاقتصادي منذ عام 1998 تضييق الفجوة بينها وبين الغرب بمعدل 7 نقاط مئوية. البلدان العربية وحدها هي التي واصلت التراجع.
لماذا؟ لماذا يحدث مثل هذا الركود في إحدى أغنى المناطق في العالم؟ ما هي العوامل التي قد تفسر انحداراً استثنائياً كهذا؟ هناك عدة نظريات شائعة بهذا الخصوص: الدين (أي الإسلام)؛ الخصوصيات العرقية (أي القومية العربية)؛ ولعنة الموارد (أي الثروة النفطية). بيد أن أياً من هذه النظريات لا تعطي تفسيراً معقولاً عند إخضاعها لفحص دقيق.
لم تسلك البلدان الإسلامية غير العربية نهجاً مختلفاً فقط عن البلدان العربية بل إنها حسّنت من وضعها في الاقتصاد العالمي بصورة واضحة، فقد ازداد معدل حصة الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي من 40.9% من المستوى العالمي عام 1980 إلى 43.8% عام 2005.
التذرع بالقومية العربية كسبب للركود يبدو ايضاً موضع شك، فلثلاثة عقود متتالية سبقت عام 1980 كانت البلدان العربية تزيد من حصة دخل الفرد فيها بسرعة مدهشة—بلغت 3.9% سنوياً—وهي، لأغراض المقارنة، كانت بوتيرة أسرع من معدل نمو اقتصادات شهيرة خلال ربع القرن الماضي مثل تشيلي، وقبرص، وهونغ كونغ، والهند، وإندونيسيا، ولوكسمبورغ، وماليزيا، وسنغافورة.
أما مسألة “لعنة النفط” فمن الصعب إلقاء اللوم عليها أيضاً. فأولاً، النفط لم يكن عائقاً للنمو الاقتصادي السريع الذي تحقق خلال الفترة بين 1950-1980، وإضافة لذلك فإن زيادة أسعار النفط في سبعينات القرن الماضي قد عملت بصورة جوهرية على تسريع التنمية في العالم العربي. ثانياً، النمو الاقتصادي في البلدان العربية بقي بطيئاً بإصرار في الفترة من 1980-2005 بغض النظر عن سعر النفط—سواءاً كان مرتفعاً أو منخفضاً—أو طاقة إنتاجه تزايداً أو تراجعاً. إضافة لذلك فإن التدفق الهائل في الموارد المالية إلى المنطقة في السنوات الأخيرة قد فشل في إحداث أي تغيير إيجابي ملموس في المستوى النسبي مقارنة مع المتوسط العالمي أو متوسط المناطق الأخرى بما في ذلك الغرب.
لماذا حدث ذلك؟ ما هي نقطة التحول؟ ما الذي عكس نمو الاقتصادات العربية؟ ما الذي أعاد الشعوب العربية للخلف بما يعادل ثلاثة عقود من حيث معدل حصة الفرد من الدخل؟
إن الحل لهذا اللغز هو الأقطار المصدّرة للنفط (أوبك). إنه دخول هذا الكارتل الاحتكاري في أنشطة الحياة في منتصف سبعينات القرن الماضي بطريقة غيرت بشدة ديناميات النمو والرخاء الاقتصادي في العالم العربي. إنه تأميم المنشآت الإنتاجية في صناعة النفط وبنيتها التحتية، وتخصيص حصص الإنتاج، وإدارة الإنتاج الفائض، واللجوء إلى التخطيط المركزي في قطاع الطاقة، وإنتاج أسلوب “حزمة الأسعار العادلة”، وخلق “أسواق تحت السيطرة”، كل ذلك أدى إلى تدمير اقتصاد عربي فعال وحيوي وديناميكي.
حقيقة أن صناعة الطاقة تشكل في البلدان العربية الأعضاء في أوبك من 50%-70% من الناتج المحلي الإجمالي تعني أن الحكومات تملك الجزء الأكبر من الاقتصاد وتخضعه لتخطيط مركزي—وهو ما لا يختلف كثيراً عن البلدان الاشتراكية السابقة والعواقب الخطيرة المشابهة على النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية. الفرق الوحيد هو أنه، وخلافاً للبلدان الاشتراكية، فإن بلدان أوبك تقوم بإدارة صناعة النفط بصورة فعالة ليس فقط على المستوى الوطني بل على المستوى الدولي أيضاً. المسألة ليست فقط تخطيطاً مركزياً بل هي “تخطيط مركزي تام”!
هذا هو السبب في أن الأداء السيء للبلدان العربية الأعضاء في أوبك ينبغي ألا يثير دهشة أحد. لقد تراجعت مستويات حصة الفرد من الدخل في هذه البلدان بشدة بين 1980 و2005: في السعودية من 18 إلى 11 ألف دولار، وفي الكويت من 20 إلى 17 ألفاً، وفي ليبيا من 6 إلى 3 آلاف دولار، وفي الإمارات العربية المتحدة من 33 إلى 24 ألفاً، وفي قطر من 38 إلى 12 ألفاً.
المقارنة المدهشة أن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية غير الأعضاء في منظمة الأوبك قد ازدادت: في البحرين من 14 إلى 20 ألف دولار، في عُمان من 5 إلى 9 آلاف دولار، في تونس من 3800 إلى 6900 دولار، في مصر من 2700 إلى 4200 دولار، في سوريا من 4500 إلى 5200 دولار، وفي اليمن من 3000 إلى 3300 دولار. بل إن البلدان العربية التي ليس لديها نفط يذكر على الإطلاق مثل (الأردن، ولبنان، وموريتانيا، والمغرب) قد حققت نمواً اقتصادياً إيجابياً—وإن كان متواضعاً.
قد تبدو الأرقام المطلقة لحصة الفرد من الدخول في مجموعة البلدان الثانية غير مثيرة للاهتمام ومع ذلك فإن ازديادها قد أدى إلى تحسن الاقتصاد وحياة الناس. الأرقام المطلقة في البلدان الأعضاء في أوبك قد تبدو مدهشة، بيد أن تراجعها يشير إلى توجه إلى الجانب السلبي.
في عام 1980 كانت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية الأعضاء في أوبك تزيد بنسبة الثلث عنها في البلدان العربية المجاورة غير الأعضاء. وبحلول عام 2005 كان الوضع قد انعكس بأكثر من الضعف، فقد أصبحت حصة الفرد من الدخل في الدول العربية غير الأعضاء في أوبك تزيد بنسبة 74% عنها في الدول العربية الأعضاء. لقد كانت نسبة حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية الأعضاء في أوبك تعادل 167% من مستوى المعدل العالمي قبل 25 عاماً فأصبحت اليوم 72% فقط. البلدان العربية غير الأعضاء في أوبك تفوقت في أدائها ليس فقط على زميلاتها البلدان العربية الأعضاء في الكارتل بل حدث أن كانت المجموعة العربية الفرعية الوحيدة التي حققت نمواً متوازياً أيضاً مع الاقتصاد العالمي، وبذلك لم تتسع فجوة مستوى الدخل بينها وبين الاقتصاد العالمي.
لقد فشلت منظمة الأوبك في إنجاز ما وعدت به العالم عند إنشاء المنظمة الاحتكارية العابرة للحكومات. وبدت سياسات الإنتاج في المنظمة انحيازية، وغير قابلة للتنبؤ، ومقوِّضة للثقة، وليست غير تكرارية بل هي تكرارية بصورة أساسية. بعض عواقب “المرض الأوبكي” تشمل ارتفاع معدل أسعار النفط في العالم، وارتفاع تكلفة الاستكشاف والاستخراج والتطوير، والزيادة في أسعار الغاز، والتراجع الحاد في معدل نمو إنتاج النفط وتصديره. لقد أدت سياسات أوبك إلى قدرة احتياطية أكبر، واستثمارات أقل، ونمو أقل في معدلات الإنتاج، ونمو أقل في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وزيادة حدة “عدم الأمان النفطي”.
ولكن جميع هذه العواقب التي لحقت بالاقتصاد العالمي تَبْهت بالمقارنة مع الكارثة الاقتصادية التي جلبتها أوبك على البلدان الأعضاء فيها، بما في ذلك البلدان العربية منها. اليوم يبلغ معدل حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في سبعة بلدان عربية أعضاء في أوبك ما يقل بنسبة 33% عن معدله عام 1980. ولأغراض المقارنة فإن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي على المستوى العالمي زادت بنسبة 55%، وفي أوروبا بنسبة 49%، وفي أمريكا الشمالية بنسبة 65%، وفي آسيا بنسبة 140%، وفي الصين بمعدل 7.6 أضعاف، وحتى في جنوب الصحراء الأفريقية بلغت الزيادة 3.2%.
يتطلب وقف الكارثة الاقتصادية في العالم العربي إلغاء الأسس التي يقوم عليها وجود احتكار طويل المدى فرضه تدخلات حكومية على المستويات الوطنية والدولية. أفضل الطرق فعالية لتحقيق ذلك هي الخصخصة الكاملة لقطاع الطاقة وفتحه للاستثمارات الخاصة (بصرف النظر إن كانت محلية أو أجنبية) وإزالة جميع العوائق على الاستثمار في البنية التحتية المتعلقة بالوقود مثل خطوط الأنابيب والموانئ وشبكات الطاقة الكهربائية واستبدال الأسواق المسيطر عليها بأسواق تنافسية حرة. وينبغي تفكيك منظمة الأوبك، هذه المنظمة التي تقع عليها مسؤولية تراجع الاقتصادات العربية عن سائر اقتصادات العالم.
بعد ذلك ستصبح الدول العربية قادرة على تضييق فجوة الدخل وتجاوزها في نهاية المطاف، وهي الفجوة التي اتسعت بسرعة واستمرت بطريقة سخيفة طيلة العقود الأخيرة.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 23 كانون الثاني 2007.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018