إيان فاسكيز

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

تحتل الحرية الاقتصادية مكانة خاصة بين الحريات –من اقتصادية، وسياسية، ومدنية– والتي يقدرها المجتمع الحر ويتمسك بها. وهي لا تُشكّل غاية في ذاتها وحسب؛ بل إنها تؤمن السند والدعم للحريات الأخرى. وعندما لا يكون الخيار الشخصي والتبادل الطوعي وحماية الملكية الفردية مؤمنةً، يصبح من الصعب أن نتصور كيف يمكن ممارسة الحرية السياسية أو الحريات المدنية بشكل ذي مغزى.
في العام 1962، قال ميلتون فريدمان، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، ما يلي:
“للتاريخ رأي واحد في ما يتعلق بالعلاقة بين الحرية السياسية والسوق الحرة. وأنا لا أعرف أي مثال في أي زمان أو مكان لمجتمع تميز بحيّز كبير من الحرية السياسية، ولم يعتمد أيضاً نظاماً مشابهاً للسوق الحرة لتنظيم الجزء الأكبر من نشاطه الاقتصادي.”
ويدعم انهيار التخطيط المركزي في بلدان العالم الثالث، وحتى انهيار الاشتراكية نفسها، خلال السنوات العشرين الأخيرة نظرية فريدمان على ما يبدو. وقد ترافق ازدياد الحرية الاقتصادية مع ازدياد الحرية السياسية والمدنية حول العالم، كما كانت للحريتين أهميتهما في الوقت الذي ابتعدت فيه الدول عن الأنظمة السلطوية وفتحت أسواقها.
الحرية الاقتصادية
إن الحرية الاقتصادية هدف مرغوب لذاته لأنها توسع عادةً تشكيلة الخيارات المتاحة للفرد كمستهلك وكمنتج أيضاً. غير أن الدور الأكبر الذي تلعبه الحرية الاقتصادية في المجتمع كثيراً ما لا يعطى كامل قدره من الأهمية، حتى من قبل الذين يؤمنون بالتعددية السياسية وحقوق الإنسان وحرية التجمّع والدين والتعبير.
إلا أن اعتماد نظام اللامركزية في صنع القرار الاقتصادي يدعم المجتمع المدني عن طريق خلق الحيز الذي يمكن أن تتواجد فيها المنظمات من جميع الأنواع دون الاعتماد على الدولة. والدولة التي توجد لديها حرية اقتصادية هي دولة يستطيع فيها القطاع الخاص تمويل مؤسسات المجتمع المدني. وبالتالي فإن احتمال قيام كنائس، وأحزاب سياسية معارضة، وتشكيلة منوعة من شركات الأعمال ووسائل الإعلام المستقلة فعلاً، يكون أكبر في البلدان التي لا تكون السلطة الاقتصادية فيها محصورة في أيدي البيروقراطيين أو السياسيين.
وينطوي تحرير الاقتصاد، بطبيعته، على فقدان السيطرة السياسية التامة على المواطنين. وهذا أمر بدأت الحكومات السلطوية في شتى أنحاء العالم باكتشافه في عهد العولمة الحالي. وقد انهارت الدكتاتوريات مفسحة المجال للديمقراطيات في بلدان بدأت بتحرير أسواقها في مطلع الستينات والسبعينات من القرن الماضي، من بينها كوريا الجنوبية وتايوان وتشيلي وإندونيسيا. ومع انتخاب الرئيس فسنته فوكس العام 2000، ساعد تحرير السوق المكسيكية في التسعينات من القرن الماضي في وضع حد لأكثر من 70 عاماً من حكم الحزب الواحد، الحزب الثوري المؤسساتي، الذي وصفه مرة الكاتب البيروفي ماريو فارغاس لوسا بأنه “الدكتاتورية التامة”.
وتُتيح الحرية الاقتصادية وجود مصادر مستقلة للثروة لموازنة قوة السلطة السياسية ولمعاضدة المجتمع التعدّدي. ذلك أنه عندما تمتلك الدولة المصارف وشركات الائتمان والاتصالات السلكية واللاسلكية أو طباعة الصحف، أو تمارس سيطرة مفرطة غير مناسبة عليها، فإنها لا تصبح مسيطرة على النشاط الاقتصادي وحسب بل وعلى حرية التعبير أيضاً. وقد احتاج العالم فترة طويلة قبل أن يدرك الكاتب هيلير بيلوك والذي أصاب الحقيقة لدى قوله في مطلع القرن العشرين “إن السيطرة على إنتاج الثروة هو سيطرة على الحياة البشرية نفسها.”
وهكذا، فإن المعضلة التي يواجهها الحزب الشيوعي الصيني حالياً معضلة مألوفة. ذلك أنه يتعين على الصين، للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، أن تواصل التحرير الاقتصادي الذي دعم عقدين من معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة. ولكن الإصلاحات المتجهة نحو اعتماد اقتصاد السوق الحرة أعطت مئات الملايين من الصينيين استقلالية أكبر عن الدولة، وخلقت طبقة متوسطة ناشئة تطالب أكثر فأكثر بالحرية السياسية وبأن تكون ممثلة في الحكومة. وهكذا فإن الحزب يريد الاحتفاظ بالسلطة السياسية، لكن تحرير الاقتصاد يقوّض هذا الهدف، في حين أن التوقف عن تحرير الاقتصاد سوف يقلص النمو ويسبب عدم الاستقرار.
وكما هو الحال في الصين وعدد آخر لا يحصى من البلدان، تشجع الحرية الاقتصادية التعددية السياسية عن طريق تعزيز النمو الذي يُنتج بدوره طبقة متوسطة ومواطنين أقل اعتماداً على الدولة. وتدعم الإثباتات التجريبية وجود هذه العلاقة.
وأكثر الدراسات التجريبية شمولاًً حول العلاقة بين المؤسسات والسياسات الاقتصادية في بلد ما وبين مستوى ازدهاره هو تقرير معهد فريزر الكندي “الحرية الاقتصادية في العالم”. ويتفحص التقرير 38 عنصراً أساسياً من عناصر الحرية الاقتصادية، بدءاً بحجم الحكومة وسيادة القانون حتى السياسة النقدية والتجارية، في 127 بلداً عبر فترة زمنية تمتد إلى أكثر من 30 سنة. وقد بيّنت الدراسة وجود علاقة وثيقة بين الحرية الاقتصادية والرخاء الاقتصادي. فمتوسط دخل الفرد في البلدان ذات الاقتصاد الأكثر حرية يبلغ 25 ألفاً و62 دولاراً، مقارنة بمعدل دخل فردي يبلغ 2409 دولارات في أقل البلدان حرية اقتصادية. كما وجدت الدراسة أن الاقتصادات الحرة تنمو بسرعة أكبر من سرعة نمو الاقتصادات الأقل حرية. فقد بلغ معدل النمو للفرد الواحد خلال السنوات العشر الأخيرة 2.5 بالمئة في أكثر البلدان حرية في حين كان 0.6 في أقلها حرية.

وتوصلت دراسة فريزر أيضاً إلى أن هناك صلة وثيقة بين الحرية الاقتصادية وتقليص مستوى الفقر ومؤشرات التقدم الأخرى. وهناك ترابط عكسي بين مؤشر الفقر في العالم الذي تصدره الأمم المتحدة ومؤشر فريزر للحرية الاقتصادية. فمستوى دخل أفقر 10 بالمئة من السكان في أكثر البلدان حرية اقتصادية هو 6451 دولاراً في حين أنه 1185 دولاراً في أقل البلدان حرية. وعلاوة على ذلك، فإن عمر المواطن في الدول المصنفة ضمن أعلى 20% من بلدان العالم من حيث الحرية الاقتصادية يميل لأن يكون حوالي 25 سنة أطول من عمر المواطن من شعوب الدول التي تصنف ضمن أدنى 20% من البلدان من حيث الحرية الاقتصادية. كما أنه يتم الربط أيضاً بين معدل وفيات الأطفال الأقل، ومعدلات الأمية الأقل، والفساد الأقل، والقدرة على الحصول على مياه الشفة النقية، وازدياد الحرية الاقتصادية. ومؤشر الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية يرتبط إيجابياً بالحرية الاقتصادية الأوسع. ومن الأمور المهمة أنه يوجد ترابط إيجابي أيضاً بينها وبين مؤشر فريدوم هاوس (دار الحرية) للحريات السياسية والمدنية: فالبلدان التي تتمتع بحرية اقتصادية أكبر تميل لأن تكون متمتعة أيضاً بقدر أكبر من الحريات الأخرى كذلك.
والواقع هو أن النمو الذاتي الاستدامة ما فتئ يتوقف، منذ زمن طويل، على وجود بيئة تشجع المشاريع الحرة وحماية المُلكية الخاصة. وقد تحققت نجاة الغرب من الفقر الشامل في القرن التاسع عشر في بيئة كهذه، استهلت بدورها حقبة النمو الاقتصادي الحديث. وحتى قبل ذلك، قاد بروز طبقة تجار من المزارعين في إنجلترا إلى تمثيلها في البرلمان، حيث نجحت في القرن السابع عشر في الحدّ من مصادرات التاج البريطاني الاعتباطية للثروة -أي باختصار، ساعد نشوء المزارعين التجار في إقامة المَلَكية الدستورية. فقد عززت القيود الموثوقة التي فُرضت على سلطة الحكومة حقوق المُلكية وسيادة القانون، وهما عاملان رئيسيان في بلوغ بريطانيا العظمى مرتبة القوة الاقتصادية والسياسية المتفوقة في العالم. ومع نمو ثروة بريطانيا العظمى، أصبحت، بالطبع، دولة ديمقراطية.
وتدعم الأدلة الأكثر حداثة المفهوم القائل إن النمو ومستويات الدخل الأعلى تقود أو، على الأقل، تساعد في تعزيز وتثبيت الديمقراطية. وقد درس عالما السياسة آدم برجيفورسكي وفرناندو ليمونغي أوضاع 135 بلداً في الفترة الممتدة بين عامي 1950 و1990 ووجدا أن “دخل الفرد يُشكّل أداة تكهن صالحة باستقرار الديمقراطيات”. فقد وجدا، مثلاً، أنه في البلدان التي كان دخل الفرد فيها أدنى من 1000 دولاراً (حسب تماثل القوة الشرائية للدولار لعام 1985)، كان متوسط المدة المتوقعة لاستمرار الديمقراطيات ثماني سنوات. (“تماثل القوة الشرائية” نظرية تقول إن سعر صرف العملات يكون في حالة توازن عندما تكون قدرتها الشرائية هي نفسها في كل واحد من أي بلدين). وعندما تراوح الدخل الفردي ما بين 1001 و2000 دولاراً، أصبح احتمال بقاء الديمقراطيات 18 عاماً. أما الديمقراطيات في البلدان التي يزيد فيها دخل الفرد عن 6055 دولاراً، فبالإمكان توقع استمرارها إلى الأبد.
وفي حين تُنتج الحرية الاقتصادية النمو لكنها لا تقود دائماً إلى الديمقراطية. فهونغ كونغ وسنغافورة، وهما من أكثر الاقتصادات حرية في العالم، مثالان بارزان على ذلك. كما أن الثروة ليست دائماً ناتجاً تسفر عنه الحرية الاقتصادية، وهو أمر تثبت صحته بعض البلدان الغنية بمواردها وذات الدخل المرتفع نسبياً، لكن حيث تظل الدولة متحكمة جداً بالاقتصاد؛ وكما هو متوقع، تكون الحريات المدنية والسياسية مقيدة بشدة أيضاً في تلك البلدان. غير أن الدور المحوري للحرية الاقتصادية في الأنظمة الديمقراطية يبقى واضحاً. فبإمكانها أن تكون قوة هائلة في تشجيع الديمقراطية، كما أن قدراً جيداً من الحرية الاقتصادية يبقى ضرورياً لتعزيز وتثبيت الحرية السياسية.
الديمقراطية الليبرالية وسيادة القانون
الديمقراطية ليست رديفاً للحرية. فكما رأينا، إن الديمقراطية التي لا ترافقها الحريات الأخرى قلّما تنجح في الحدّ من السلطة الاعتباطية للسلطات السياسية، وإن كانت هذه الأخيرة منتخبة. ولهذا، يُخصّص حالياً جهد كبير لتعزيز سيادة القانون، وهي عنصر محوري لكل من الديمقراطية الليبرالية والحرية الاقتصادية.
من البديهي أن سيادة القانون ضرورية لديمقراطية تعمل بشكل ناجح. والواقع الذي يزداد تقديره هو أن سيادة القانون ضرورية أيضاً للتنمية الاقتصادية. وقد توصل تقرير الحرية الاقتصادية في العالم، مثلاً، إلى أن ما من بلد يتسّم بسيادة قانون ضعيفة يمكنه المحافظة على معدل نمو ثابت قوي (أكثر من 1.1 بالمئة) عندما يزيد فيه متوسط دخل الفرد عن 3400 دولاراً. وبعبارة أخرى، عندما يبلغ اقتصاد ما مستوى معيناً من النمو، تصبح التحسينات في سيادة القانون ضرورية لاستدامة النمو.
وقد لا يكون من الممكن تشجيع سيادة القانون بصورة مباشرة، بخلاف ما هو ممكن في تخفيض التعرفة الجمركية أو في الخصخصة. وقد تتحقق سيادة القانون مع، أو في نفس الوقت تقريباً، الذي يتم فيه تحقيق غيره من الأمور بشكل صحيح.
إنني أتقدم باقتراح متواضع. بدلاً من التركيز على تشجيع سيادة القانون مباشرة، دعونا نخلق أولاً البيئة التي يمكن لسيادة القانون النشوء والتطور فيها. وهذا يعني، من بين إجراءات أخرى، تشجيع إصلاحات السوق أو الحرية الاقتصادية. وبالنسبة للعديد من البلدان الفقيرة، يشمل ذلك الحد من حجم الحكومة. فالبلدان التي يسود فيها اليوم حكم قانون قوي أرست أولاً هذه المؤسسة (أي سيادة القانون) ثم قامت في وقت لاحق فقط بزيادة حجم حكوماتها.
والمؤسف هو أن عدداً كبيراً جداً من البلدان الفقيرة تحاول اليوم تكرار هذه العملية بشكل معكوس. ففي بلدان مختلفة مثل البرازيل وسلوفاكيا وجمهورية الكونغو وروسيا، مثلاً، يتعدى الإنفاق الحكومي كنسبة من إجمالي الناتج القومي ما بين 30 و40 بالمئة. ومن المحتم أن تفشل محاولات تشجيع سيادة القانون حيث لا يزال حجم الحكومات كبيراً، أو أنها ستكون صعبة للغاية. والواقع هو أنه رغم أن التوجه خلال السنوات العشرين الأخيرة كان باتجاه ازدياد الحرية الاقتصادية والسياسية في العالم، غير أنه لا يزال أمام معظم البلدان شوط طويل عليها أن تقطعه على درب الحرية الاقتصادية. وفي حين أن روسيا قد تكون تخلت عن الاشتراكية إلا أنها تأتي في المرتبة 115 بين 127 بلداً على مؤشر الحرية الاقتصادية في العالم.
وعلاوة على ذلك، يشير الكاتب فريد زكريا إلى أن أغلبية الديمقراطيات الفقيرة في العالم هي ديمقراطيات غير ليبرالية، أي أن الأنظمة السياسية فيها هي أنظمة لا توجد فيها أي حريات أخرى غير حرية اختيار من يَحكُم. وهو يشير إلى أن التقليد الدستوري الليبرالي في الغرب تطور أولاً، ومن ثم تطور لاحقاً الانتقال إلى الديمقراطية. ففي سنة 1800، على سبيل المثال، صوّت فقط 2 بالمئة من المواطنين في بريطانيا العظمى التي ربما كانت أكثر مجتمعات العالم ليبرالية آنذاك. ولاحظ زكريا أيضاً أنه في الدول غير الغربية التي انتقلت أخيراً إلى الديمقراطية الليبرالية، مثل كوريا الجنوبية وتايوان، تحققت الرأسمالية وسيادة القانون أولاً أيضاً. ولعل هذا النمط يفسر سبب مواجهة مناطق مثل أمريكا اللاتينية، التي أقامت الديمقراطية أولاً ثم بدأت بتحرير الاقتصاد، فترة صعبة بشكل خاص في تشجيع الحرية الاقتصادية أو النمو.
واليوم، تحاول بلدان في أوروبا الشرقية والوسطى وفي أمريكا اللاتينية وفي أمكنة أخرى، بدرجات متفاوتة من النجاح، تحقيق الديمقراطية والحرية الاقتصادية في آن واحد. وفي بعض الحالات، حصل تراجع في الحرية الاقتصادية، أو أنها لم تعد أولوية، الأمر الذي لا يبشر بالخير بالنسبة للديمقراطية. وفي حالات أخرى، مثل إستونيا، ازدادت الحرية الاقتصادية باطراد معززة بالتالي الديمقراطية. ويجب علينا نحن المؤمنون بالرأسمالية الديمقراطية أن نبقي في أذهاننا دوماً، سواء كنا نعيش في ديمقراطيات غنية أو فقيرة، أو في دول ذات أنظمة استبدادية، الدور المحوري الذي تلعبه الحرية الاقتصادية في بلوغ مجتمع حر.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 18 آذار 2006.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

مسقط، عُمان – إن الفكرة المتمثلة في أن الحريّة الاقتصادية هي أمر جوهري لتقدم البشر قد أخذت تنتشر في العالم العربي. وأثناء عشاء احتفالي أُقيم هنا وحضره المئات من الديبلوماسيين العرب والضيوف البارزين الآخرين، فقد قامت منظمة عمانية جديدة، وهي مؤسّسة البحوث الدولية، بنشر تقرير “الحرية الاقتصادية في العالم العربي” والذي يوضّح كيف أن الفروق الكبيرة في السياسات داخل المنطقة يمكن أن تُحدث فروقاً كبيرة في النتائج الاقتصادية.
ينظر التقرير في 39 حالة متغيّرة في 16 بلداً بالمنطقة، حيث تتراوح من حجم الحكومة إلى السياسة النقدية والمالية والانفتاح التجاري والتنظيم وسيادة القانون. إن التقرير الذي جرى نشره بالاشتراك مع معهد فريزر، علماً أن مؤشّره العالمي حول حرية الاقتصاد معروف جيداً، يوحي بأن ما يصدق على العالم ككل يصدق أيضاً في العالم العربي: إن البلدان التي تتمتع بحرية اقتصادية تميل إلى أن تصبح أكثر ازدهاراً وتنمو بشكل أسرع.
تقول الدراسة بأن “العالم العربي هو لحاف مرقّع بألوان مختلفة من النظم الاقتصادية”. لذلك، فإن مدى التبادل الطوعي وأمن حقوق الملكية وحريّة التنافس وحريّة الاختيار تختلف بشكل واسع داخل المنطقة. إن لبنان وعُمان متعادلتان بالنسبة للمقام الأول فيما يتعلق بمفهوم حريّة الاقتصاد، في حين تتعادل كلّ من الإمارات العربية المتحدة والكويت في المقام الثاني. وتأتي كلّ من سوريا والجزائر في أسفل القائمة.
إن بعض المراقبين قد لا يفاجئون بحقيقة أن البلدان التي تتمتّع بحرية اقتصادية أكبر والتي تهيمن عليها دول النفط، تنزع أيضاً إلى تحقيق إيرادات أكبر. إن معدّل دخل الفرد في كلّ من عُمان والكويت يبلغ 13032 دولاراً و 17073 دولاراً على التوالي، في حين يبلغ معدّل دخل الفرد في سوريا فقط 3651 دولاراً، على سبيل المثال. ولكن النفط ليس دائماً نعمة، إن العديد من الدول غنية بالنفط ولكن، نظراً لأن حكوماتها تستطيع الوصول بسهولة إلى ثروة النفط، فإنه يتم فعل القليل لتحسين الاقتصاديات الشاملة لتلك الدول والأوضاع المادية لمواطنيها. وهكذا تصبح الثروة النفطية عائقاً لحريّة الاقتصاد. لقد عملت “لعنة النفط” على ابتلاء بلدان مثل فنزويلا ونيجيريا والمكسيك وروسيا.
إن لعنة النفط ليست بهذه الشدّة تماماً في دول الخليج. فدول النفط بوجه عام تنجز بشكل أفضل من الدول العربية الأخرى. وقد يكون سبب ذلك مرتبطاً بالتجارة. ومن الجدير بالذكر أن دول النفط المدرجة في التقرير (لم يتم إدراج العراق بسبب الافتقار إلى معلومات) قد احتفظت لمدة طويلة بمستوى عالٍ نسبياً من حرية التجارة. إن وجود نظام تجاري متحرّر يعتبر هاماً لأنه يخلق ديناميكية سياسية محلية تشجّع الناس على المشاركة في أنشطة منتجة بدلاً من السعي للحصول على محاباة من الحكومة. وباختصار، فإن التجارة الأكثر تحرّراً تقلّل من قدرة المصالح الخاصة على تخفيض الحريّة الاقتصادية، وقد تساعد على زيادة الحريّة الاقتصادية في مجالات أخرى.
لقد لعبت الإمارات العربية المتحدة دوراً إيجابياً بصفة خاصة في تشجيع حرية التجارة والاقتصاد. ويشير سالم الإسماعيلي، وهو مؤلف مشارك في وضع مؤشر حرية الاقتصاد العربي، إلى الإمارات العربية المتحدة -وهي البلد الخليجي الذي احتفظ بنظام تجاري حرّ لأطول مدّة– بأنها تقدّم انطباعاً عملياً وواقعياً للدول المجاورة. وبما أن تجارتها قد بقيت حرّة نسبياً خلال العشرين سنة المنصرمة، فقد عملت الإمارات العربية المتحدة بشكل مطّرد على زيادة مستوى الحرية في مجالات أخرى لاقتصادها، حيث قامت بجذب الاستثمارات وتحقيق النمو. وقد قامت بلدان أخرى بمحاكاة هذه القدوة. إن التنافس في السياسات بين البلدان هو هام بشكل مماثل للتنافس في السوق.
ومع ذلك، يلاحظ التقرير أنه في العالم العربي “تظلّ معظم أنواع التفاعل الاقتصادي… محدودة وغير هامة بشكل ملفت للنظر”. فالتجارة بين بلدان الشرق الأوسط تمثّل فقط حوالي 8 بالمائة من تجارة المنطقة. إن الافتقار إلى حرية الاقتصاد في عدد كبير من البلدان العربية يحدّ من التجارة، ممّا ينتج عنه أن الدول الأكثر غنى “تجد منتجات أفضل وأرخص خارج المنطقة بدلاً من دول المنطقة التي تتوفّر فيها الأيدي العاملة، والتي بدأت حريّة الاقتصاد فيها تصبح منخفضة نسبياً”.
وتبقى هنالك مشاكل أخرى حتى في البلدان العربية الأكثر تحرّراً من الناحية الاقتصادية. ففي عُمان، على سبيل المثال، ارتفعت نسبة البطالة إلى 15 بالمائة، وحكومتها، التي تقوم بتوظيف حوالي نصف القوى العاملة العمانية، حجمها كبير. ولحسن الطالع، يبدو أن هذا البلد يدرك بأن احتياطياته النفطية لن تدوم إلى الأبد، وبالتالي فقد استمر في رفع مستواه الخاص بحريّة الاقتصاد. إن التقدّم المذكور في عُمان ودول الخليج الأخرى ولبنان يمنح الأمل بأن كافة الدول العربية تستطيع تحقيق ودعم الرخاء الاقتصادي.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 3 كانون الثاني 2006.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

استقالة بول وولفوفيتز كرئيس للبنك الدولي يُثير مسألةً يسأل الناس عنها في كل مرة يكون فيها رئيس البنك على وشك المغادرة: من سيكون الرئيس القادم، وهل سيكون باستطاعته إصلاح الوكالة التي سيرأسها بحيث تصبح فعالة في محاربة الفقر؟ السؤال ذو دلالة حيث أنه لا أحد—سواء داخل البنك أو خارجه—يُبدي رضاءً حول أداء البنك على الرغم من الإصلاحات العديدة التي تم إدخالها على امتداد السنوات.
من السهل أن نرى لماذا هذا الشعور بعدم الرضى منتشر انتشاراً واسعاً. فالبنك غير قابل لإدارة نفسه من الناحية العملية. إنها بيروقراطية حكومية دولية تضم حوالي 10000 موظف وآلافاً آخرين من المتعاقدين والمسؤولين تجاه عشرات من الحكومات المانحة، والتي كثيراً ما تتعارض أولوياتها السياسية والاقتصادية.
إنها هيئة تعاني من أهداف متفرقة مثل مكافحة الفساد، وتنمية المساواة الجندرية، ومكافحة الأمراض، ودعم الزراعة، وخصخصة المؤسسات التي تملكها الدولة، وبناء السدود وتمويل مشاريع الإقراض الصغيرة. وهكذا، فإن البنك لا يملك تركيزاً محدداً.
وعلى النقيض من دروس التاريخ الاقتصادي، فإن نموذج التنمية الذي يروجه البنك يقوم على أساس نقل الثروة من حكومات البلدان الغنية إلى حكومات البلدان الفقيرة، والتي بشكل معتاد تفتقر إلى الشفافية أو القدرة على تنفيذ مشاريع حكومية ضخمة.
وبوجود كل هذه “الأولويات” العديدة، ليس غريباً أن القضية المركزية في البنك الدولي هي انعدام المساءلة. وفي الحقيقة، فإن الطريقة التي غادر فيها وولفوفيتز البنك بسبب أنه وافق على إعطاء زيادة كبيرة على راتب صديقته، غابت عنها الشفافية والمساءلة. فقد تم طرده بالتفاوض وراء أبوابٍ مغلقة بدلاً من التصويت العلني من قبل مجلس الإدارة، وفي حادثة حصلت تحت أنوف أعضاء المجلس، بل وباشتراكهم. وفي النهاية فقد أرغم البنك وولفوفيتز على ترك منصبه، وفي الوقت نفسه برّأه من المخالفات الأخلاقية.
ولكن أكثر أهميةً ومغزىً بالنسبة لفقراء العالم هو غياب المساءلة في وسائل الإقراض التي يتبعها البنك الدولي. فإن وكالة التنمية هذه لا تسمح بتدقيق مستقل للمشاريع التي تمولها، مع أننا نعرف بأن عدداً مذهلاً من مشاريع البنك—ما بين 20 إلى 50 بالمئة، منذ عام 1990—لم يكن قابلاً للإدامة والصمود بموجب مقاييس البنك الدولي نفسه.
في عام 2000، وجدت لجنة ميلتزر التي تضم جمهوريين وديمقراطيين من أعضاء الكونغرس الأمريكي بأن البنك الدولي لم يكن قد دَقّق إلا خمسة بالمائة من برامجه في غضون ثلاث إلى عشر سنوات من توزيع أموال البنك على تلك المشاريع. هذه المشكلة لم تجد لها حلاً بعد، الأمر الذي أدى إلى توافق عام لدى المراقبين بوجوب الاستعانة بمدققين مستقلين فعلاً لا قولاً. وكما صرحت مؤخراً نانسي بيردسول، رئيسة مركز التنمية العالمية “في غياب تقييمات حقيقية تكون شديدة ومستقلة، وبالتالي تتمتع بمصداقية، فإننا لا نستطيع أن نعرف ما هي البرامج التي نجحت. بل إننا لا نستطيع حتى القول بقناعة بأن المساعدات الخارجية نفسها يمكن أن تكون فعالة.”
البنك الدولي يقيس النجاح بحجم المساعدات التي يقدمها بدلاً من قياس النتائج. أما الضغط الداخلي على البنك لتحقيق الإقراض فهو معروف لدى المقترضين. لذا تأخذ البلدان أموال المساعدات وتَعِد بتنفيذ المشاريع، ولكن ما دام أنها تحافظ على سداد ما يترتب على اقتراضها فإن البنك يستمر في إقراضها ويستطيع أن يتباهى بمردود عالٍ على إقراضه على الرغم من نوعية تلك المشاريع التي يمولها. إن هدف المقترض والمقرض سواء بسواء هو إبقاء أموال المساعدات متدفقة. وهكذا فإن البنك كثيراً ما يعطي قروضاً جديدة قبل فترة وجيزة من مواعيد استحقاق القديمة منها (وفي الحالات النادرة عندما تعجز بلدان عن التقيد بالتزاماتها تجاه البنك فإن الولايات المتحدة وغيرها من الأمم المانحة قد قدمت في بعض الأحيان قروضاً مباشرة لتجسير قروضها تجاه البنك والتي تستخدم بدورها لتسديد البنك الدولي، والذي بدوره يستأنف عملية الإقراض.)
وفي الحقيقة فإن المشاكل الكامنة في سياسة الاقراض لدى البنك الدولي تعكس المشاكل التي تُهلك المساعدات الخارجية بشكلٍ عام. فليس هنالك علاقة بين المساعدات والنمو، ولا بين المساعدات والإصلاح. فالنجاحات الاقتصادية حدثت في بلدان مثل الصين والهند اللذان لم يتلقا سوى القليل من المساعدات الخارجية. ومن الناحية الأخرى وعندما تذهب المساعدات إلى بلدانٍ تحافظ على سياسات اقتصادية سيئة فإن النتيجة هي الوقوع في الدين وليس التنمية! هذه هي بكل تأكيد حالة بلدان الصحراء الإفريقية، حيث أدت عقود من تقديم المساعدات السخية إلى الحكومات على إفقار إقليمها كما أدت إلى تراكم ديون ضخمة عليها والتي أصبحت في نظر البنك الدولي غير قابلة للسداد، وكانت استجابة البنك لذلك برنامج “إعفاء الديون” والذي بموجبه يجمع البنك أموالاً جديدة من أجل إعطاء مزيد من القروض إلى تلك البلدان الفقيرة والاستمرار في إقراضها!
بكل تأكيد، هنالك وسائل لمساعدة البلدان الفقيرة، بما في ذلك فتح أسواقنا أمام بضائعهم وعن طريق تبادل الآراء والتكنولوجيا معها. بيد أن توجهات البنك الدولي بالنسبة لدعم التنمية هي غير مناسبة على الإطلاق، وهي حقيقة سوف نتذكرها عندما يعتزل رئيس البنك الدولي الجديد منصبه!
© معهد كيتو، منبر الحرية، 31 تموز 2007.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018