احمد ناصر الفيلي

نوح الهرموزي6 يوليو، 20110

في أولى المحاولات، سعت الجماهير عبر مختلف قواها الوطنية، لفهم جذور التخلف وبلورة سيرورة تاريخية، من أجل بناء نهضة مدنية، تقود إلى بناء دولة عصرية قائمة على مقومات أساسية، في مقدمتها دمقرطة مركز القرار السياسي ومنهجه، تجاوز أجواء القروسطوية بكل مفاهيمها ومرتكزاتها الفكرية والاجتماعية والثقافية....

peshwazarabic18 نوفمبر، 20100

منذ سقوط الدكتاتورية وصفاء سماء البلاد من غيوم عبوديتها ووسائل استلاباتها النفسية والفكرية، لم تتحرك سائر القوى السياسية نحو ترصين المواقع المنتهكة بفعل تلك السياسات المبتذلة، وعلى عقود متعاقبة نخرت في العقول الذبيحة وشلت  الطاقات المتعددة قرباناً لوتد السلطة التي من اجلها سملت العيون، وتقطعت الأبدان وخلفت آثار ومخلفات بحاجة إلى جهود وطنية مخلصة وخالصة، لأن غسل أدران الماضي لهو من أولى الموجبات الوطنية.
وبرغم الماضي الثقيل الزاخر بألوان المعاناة، وشتى صنوف الآلام والتي تشكل منعطفاً حيوياً من أجل قراءته بوعي لفك التلازم القسري بين سياسة الجبر والإكراه، والتطلعات المشتركة للمكونات العراقية التي تعد إحدى ميزات تلك المراحل الغابرة، ففطنة النخب تغيب وتتغيب عن دروس كثيرة قريبة وبعيدة، وتلك مواصلة شاذة لواحدة من أسوء ممارسات الماضي المفضية إلى ضياع المشتركات المؤدية إلى التلاحم والحوار والمنطق العقلاني الذي يذلل الصعاب ويفك العقد المزمنة ومواريثها الكريهة.
افتقاد الأرضية المشتركة بين المكونات الاجتماعية العراقية مثلت حجارة سنمار في بناء الدولة العراقية في آب عام 1921، وحيث الحاضر الجديد حينها مثل امتدادا لماضي تعسفي بغيض، فعاشت دولة مهزوزة تمزقها الصراعات، وحبلى بأشكال المؤامرات التي استنزفت الموارد البشرية والاقتصادية وما تزال تداعياتها حتى اللحظة تساهم في تحطيم مجتمعي منظم، إلى جانب خسارة الطاقات الطبيعية والبشرية والتي شخصت العيون إلى الخارج في كل الاحتياجات والموارد، وتلك تبعية ذاتية بامتياز لم يفرضها محتل أو غاز، وساهمت في ضياع شيء من الاستقلال بالضرورة، وقيدت الإرادة بالحاجة. تلك إحدى محن الأمس أترى تنفع الذكرى ؟!. بناء هيكل أرتكازي لأصول المفاهمات ، والحوار، والتواصل أمر ضروري من أجل التطلع إلى المشاورة الخارجية البعيدة عن الواقع وحركته، والحاملة لمنظار يفتقر إلى جوانب القراءة المتعددة، كونها منطلقة من بعد أحادي بلغة المصالح والتي ما أكثرها في ظل سباق النفوذ المحموم، وحسابات مجريات الصراع،  بعد أن أصبحت البلاد ساحة مكشوفة لشتى أشكال المطارحة.
عقدة التشاور على طريقة استقدام آراء الآخرين لشجون داخلية تضيف منقصة جديدة لاستقلالية الرأي الحصيف، وغياب النظرة الموضوعية، ومراهقة سياسية تفتقر إلى النضوج والتحسب، فجوهر التشاور الخارجي في كل مكان أبدى وجهة النظر الوطنية إزاء قضايا إقليمية ودولية مشتركة، ورحلة بحث عن رؤية مشتركة، لكن تبني رأي الآخرين من خارج السور العراقي في قضية وطنية هي لعبة خطرة، وفي نفس الوقت مضحكة، وهي إحدى العقد التي عاني منها العراق كثيراً، وحيث عدد من ساساته في عهديه الملكي والجمهوري صرحوا بأنهم أقدموا على اتخاذ قرارات ظالمة لمكونات عراقية بناء على متطلبات سياسية تم إملائها من الخارج وآخرهم  رأس النظام المخلوع.
في تاريخ العراق السياسي ثمة أسلوب للتعبئة لأهداف تتنافى مع أهداف ومصالح المجتمع، لكنها ظفرت بشيء من المقبولية والتدافع، لاعتمادها  العزف على أوتار العاطفة وشبوبها على أنغام أيديولوجية، وطروحات فكرية، ومواقف متصيدة في المياه العكرة، فهل من مصلحة لتوظيفها مجدداً ونحن نتحدث عن عراق جديد ؟!. وما الجديد إذ يتم بعث القديم بثوب مهلهل جديد لا تغيير فيه سوى شخص الفاعل وهويته، والتي  ما عادت تتماشى مع الإيقاع السياسي المتغير دورانه في أرجاء المعمورة، ألا يكفي أنها تذكر البلاد والعباد بماضي بغيض وفصل مسرحي مخادع.
في مجرى المشهد السياسي وتداعياتة المتدحرجة لا تلوح في الأفق أية شاردة أو واردة على جهود متجهة نحو صياغة أرضية جامعة بمفردات وطنية تنأى بأوضاع البلاد  المزرية، وتتجه نحو درء مخاطر المهاترات الفوضوية، والعنتريات البائسة، والانتباه إلى أوضاع البلاد التي مازالت ترزح تحت ثقل مواريث السياسات السابقة، وآثار الحروب الكارثية، والتدمير والتي لم تمتد إليها يد الإعمار والبناء، بل أضافت الأوضاع الجديدة بأخطائها وحداثتها، ولغة السلطة ومكاسبها هماً جديداً لم تألفه من قبل، ولا ندري لم التهديد والوعيد في بيوت الزجاج ؟!.
غياب وحدة المواقف والاتفاق عامل في تعليق العديد القضايا الوطنية وملفاتها وتعريضها للتدويل والمحاكاة الخارجية التي لا تنظر بعين الوطن، فضلا عن إساءتها إلى تاريخ  البلاد الحافلة أرضها بإرث حضارات مشهودة، ومن هنا أهمية إدراك القوى السياسية لتولي معاولها شطر الحفريات السوسيولوجية والسياسية من اجل انتزاع المشتركات من بطون التاريخ بدلا من صراع الديكة، فهذا أجدى وأنفع. ارتهان الحاضر بإرادة محاصرة من شأنها جر البلاد إلى أتون دوامات موجعة، لا تستطيع منه فكاكا في المنظور القريب، وآية ذلك لغة التهديد والخطابات النارية برهن المكاسب السلطوية، والتي تتحدث عن الرجراج الذي سيطال الاستقرار السياسي، وكأن الاستقرار المهزوز المتحقق قد امتلك زمام المبادرة نحو بلاد أكثر أمناً ورخاءا.  لكن في لغة السياسة الدارجة لم يسمع أحد بارتهان أمن المجتمع لغايات سياسية من قبل قواه السياسية وهي سابقة تسوقها الفصول المرة من التجربة العراقية الجديدة التي تفتقر في بعض مفرداتها من قبل البعض إلى الحياء المجتمعي والخجل الأخلاقي.
تتوالى الأشهر فيما الفرقاء السياسيون بانتظار نتائج القرعة عسى أن تميل الكفة لأحدهم وسط تناسي ساذج للمتطلبات الدستورية ومحدداتها العددية بشأن تشكيل الحكومة وما يتطلبه ذلك من تحالفات. لاشك بأن هنالك مساجلات منتظرة، ومناظرات عقيمة حال ظهور النتائج، بدلا من التفكير الجدي لإيجاد مخارج للحالة الراكدة التي تشير إلى توقف استثنائي غير مقبول على طريق مواصلة المشوار الديمقراطي، والسير الحثيث نحو إيجاد المزيد من فرص الحلول المتاحة والبدائل المقبولة، كي تستقيم حالة البلاد والعباد.
أن يتم تبني المواقف التصعيدية الصلبة ، والدخول في معمعات متواصلة، وتأجيج نيران التراشق السياسي ستولد أزمة سياسية تقود دوامة الدوران في الحلقات المفرغة، والتي لا تعكس سوى اللامبالاة اتجاه ما يجري على أرض الواقع من كوارث مزرية، تتعلق بأبعاد سياسية ، واجتماعية ، واقتصادية حافزة لخلق إشكاليات معيقة لبناء الشراكة المفترضة بين المجتمع والنخب السياسية من أجل مصداقية المشروع السياسي، ونيله الثقة المطلوبة والتي تفصح عن نفسها من خلال العزوف عن المشاركة في الانتخابات وبنسبة وصلت إلى 40%  بشكل تدريجي ومتصاعد. فقدان الثقة  وضياع المعايير مؤشر يستهدف ركن البناء الأساسي في العملية السياسية الديمقراطية وهو المجتمع، وما يدفع ذلك إلى تكسرات ومشكلات بعضها خارج عن السيطرة. إن البلاد بحاجة حقيقية إلى تفهم وإدراك النخب السياسية إلى متطلبات المرحلة وضروراتها وحساسيتها ومقابلة ذلك بما تقتضيه من تضحية، ففي خميرة الفوضى وأطنابها يخسر الجميع المباراة  بحسرة وندم، ولينظروا في تواريخ الأيام السالفة، ولغة البارحة، وحجم الوعود، وعسى أن يستقيم الجدل وتصحو  الحالة.
© منبر الحرية ، 31 ماي /أيار2010

peshwazarabic18 نوفمبر، 20102

تعاني المجتمعات في كل أرجاء المعمورة من وباء الفساد بقدر أو بآخر.. ولا يوجد على وجه البسيطة مجتمع تحكمه كل قوانين الفضيلة ليصبح في منأى عن الفساد والمفسدين، والقضية التي تشغل بال جميع المجتمعات ليست في وجود قدر من الفساد في التعاملات اليومية تحديداً، إنما حجم الفساد، وأتساع دائرته وتشابك حلقاته، وترابط آلياته بدرجة لم يسبق لها مثيل، مما يهدد المسيرة التنموية والإنمائية ويكون شبحاً يطارد المستقبل. وأفصحت تجليات بعض وقائع قضايا الفساد المالي والإداري خلال السنوات الأخيرة المنصرمة في العديد من البلدان العربية والعالمية عن عمق تغلغل قيم الفساد وممارساته في كل مناحي حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإدارية.
أن الفساد بآلياته وآثاره الانتشارية يولد مضاعفات تؤثر في نسيج المجتمعات ومكوناتها وسلوكيات الأفراد وطرق أداء الاقتصاد، وأخطر من كل ذلك إعادة صياغة نظام القيم. هذا وقد وضع البنك الدولي تعريفا للنشاط الذي يندرج تحته تعريف الفساد بما يلي : إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص، فالفساد يحدث عادة عندما يقوم موظف بقبول رشوة، أو طلبها، أو ابتزازها، لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة كما يتم عندما يقوم وكلاء أو وسطاء بتقديم رشاوى للاستفادة من سياسات أو إجراءات عامة للتغلب على منافسين، وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين المرعية كما يمكن للفساد أن يحدث عن طريق استغلال الوظيفة العامة دون اللجوء إلى الرشوة وذلك بتعيين الأقارب أو سرقة أموال الدولة مباشرة ويشير التعريف إلى آليتين رئيستين من آليات الفساد وهما :
1.    آلية دفع الرشوة و(العمولة) المباشرة إلى الموظفين أو المسؤولين في الحكومة.
2.    وضع اليد على المال العام والحصول على مواقع متقدمة للأبناء والأصهار والأقارب في الجهاز الحكومي وفي قطاع الأعمال العام والخاص. وهذا الفساد لضيق نطاقه يمكن تسميته ( بالفساد الصغير) وهو يختلف عن الفساد الكبير المرتبط بالصفقات الكبرى في عالم المقاولات وتجارة السلاح والحصول على التوكيلات التجارية للشركات الدولية الكبرى المتعددة الجنسية. وظهر هذا الفساد عادة على المستويين السياسي والبيروقراطي، ويرتبط الفساد السياسي بالفساد المالي حين تتحول الوظائف البيروقراطية العليا إلى أدوات للإثراء الشخصي المتصاعد. ويتأثر تعريف الفساد بعاملين مهمين يتعلق الأول بمجال البحوث التي تولّت دراسته وتحديد آثاره السلبية في المجتمع، ويتعلق الثاني بتعيين العمل الفاسد بدقة ليتم وضع عقوبة مناسبة له. وتكاثرت في الآونة الأخيرة البحوث في الفساد ولا سيما من خبراء علم الاقتصاد والقانون والعلوم السياسية وعلم الاجتماع، فبحوث الاقتصاديين تركز في معظمها العلاقة ما بين الاستثمار والتنمية الاقتصادية من جهة، ونوعية المؤسسات الحكومية من جهة أخرى. وتستنتج أن ضعف المؤسسات العامة، الذي يعد أهم أسباب الفساد، يؤدي إلى انخفاض في الاستثمار، فيما أعتبرت البحوث القانونية أن للفساد آثار مدمرة يطالها حكم القانون والقضاء. بينما ركّزت البحوث السياسية على علاقة الفساد بشرعية الحكم ونماذج القوى السياسية ودور مؤسسات المجتمع المدني فيما وصفه علم الاجتماع بعلاقة اجتماعية متمثلة في انتهاك قواعد السلوك الاجتماعي فيما يتعلق بالمصلحة العامة.
وعرّفت اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الفساد التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تم التوقيع عليها في المكسيك في كانون الأول من عام 2003 ، عرّفت الفساد بأنه ( أعمال جرمية تعبر عن سلوك فاسد ) وقد تركت الاتفاقية للدول الأعضاء إمكانية معالجة أشكال مختلفة من الفساد قد تنشأ مستقبلاً على أساس أن مفهوم الفساد فيه من المرونة ما يجعله قابلاً للتكيف بين مجتمع وآخر.
وينمو على الصعيد الدولي إدراك دولي بأن انتشار الفساد يؤشر سلباً في أمن واستقرار الدول ويقوّض المؤسسات والقيم الديمقراطية وأسس العدالة وحكم القانون كما يشكل تهديداً للمشاريع التنموية بكل أبعادها. ويساور القلق المجتمع الدولي بسبب العلاقة ما بين الفساد وبين أنواع مختلفة من الجرائم المنظمة والجرائم ذات الوجه الاقتصادي والمالي كجريمة تبييض الأموال، خاصة أن حالات من الفساد تتعلق بكميات ضخمة من الأموال التي تشكل جزءاً مهما ً من ثروات الدول النامية ومواردها، ومنها ما يهدد على وجه الخصوص الاستقرار السياسي في تلك الدول ومشاريع تنميتها بصورة متواصلة وثابتة فضلاً عن حيازة الثروة الشخصية بصورة غير مشروعة تلحق أضرارا بالاقتصاد الوطني وبمؤسسات الحكم الديمقراطي وحكم القانون كما تؤدي إلى تأزم العلاقات بين مختلف الدول من خلال تنقلات المال غير المشروع بين الدول.
وهناك إجماع على المستوى الدولي يعتبر الفساد ليس مسألة أو مشكلة داخلية محصورة ضمن حدود الدول التي تعاني منها وإنما هي وباء يخترق الحدود وتؤثر في العلاقات الدولية. كما يهتم التعاون الدولي في مجال مكافحته ومحاصرته لمنع انتشاره، واعتبار ذلك مسؤولية دولية تهم جميع الدول التي يجب أن تتعاون مع بعضها بتبني منهجية شاملة ومتعددة الأساليب للنجاح بصورة فعالة. وتنحصر مكونات الفساد في المناطق الآسيوية على النحو الآتي :
1-    تخصيص الأراضي من خلال قرارات علوية تأخذ شكل العطايا لتستخدم فيما بعد في المضاربات العقارية وتكوين الثروات.
2-    إعادة تدوير أموال المعونات الأجنبية، وتشير التقديرات في هذا المجال إلى أن أكثر من 30% منها لا تدخل خزينة الدولة وتذهب إلى جيوب المسؤولين.
3-    قروض المجاملة التي تمنحها المصارف دون ضمانات لكبار رجال الأعمال المتصلين بمراكز النفوذ.
4-    عمولات عقود البنية التحتية وصفقات السلاح.
5-    العمولات والإتاوات، والتي يتم الحصول عليها بحكم المنصب أو الاتجار بالوظيفة.
أما أوجه الفساد العالمية فتتمثل في الإتجار بالمخدرات والإتجار بالإنسان وتبييض الأموال والإتجار بالسلاح.
وتسبب الفساد في سقوط وتغيير أنظمة حكم عديدة في العالم، والتأريخ المدون منه يعود إلى القرن الرابع الميلادي زمن الإمبراطورية الرومانية. وكان الفساد يعالج كشأن داخلي ولم يدخل دائرة الاهتمام العالمي إلا منذ زمن قريب نسبياً وربما كان قرار الجمعية العامة في الأمم المتحدة عام 1975 وهو أول قرار عالمي شجب وأدان الفساد بكل أشكاله.
وفيما يتعلق بمحاربة الفساد عبر الحدود لا بد من التنويه بمبادرة الرئيس الأمريكي ( جيمي كارتر ) عام 1977 في تبني الولايات المتحدة للقانون المتعلق بممارسة الفساد خارج حدود الدولة، والذي يعاقب بموجبة كل فرد أو شركة أمريكية تقوم برشوة مسؤول رسمي خارج الولايات المتحدة.. إن الاهتمام العالمي بالنتائج السلبية للفساد أخذ منحى جديا بعد أن قامت الدول الصناعية الممثلة في المنظمة الاقتصادية للتعاون والتنمية ( OECD ) في العام 1994 بما عرف بالتوصيات، بل يتخذ أعضاء المنظمة إجراءات ملزمة بهدف القضاء على رشوة المسؤولين خارج حدود الدولة المعينة في كل ما يتعلق بالمعاملات التجارية في الإطار الدولي، وقد حددت التوصيات عناصر الرشوة ومسألة الاختصاص القضائي في العقاب عليها فضلا عن ضرورة تبنى عقوبات رادعة وتطبيقها بشكل فعال. أن هذه التوصيات تطوّرت من خلال قرارات وتوصيات عديدة إلى أن انتهت في العام 1997 بأن تبنى مجلس وزراء الدول الصناعية اتفاقية محاربة رشوة موظفي القطاع العام الأجانب، فيما يتعلق بالمعاملات التجارية في المجال الدولي والتي أصبحت سارية المفعول في شباط من العام 1999. وفي أجتماعهم في مالطا عام 1994، أعتبر وزراء العدل الأوربيون أن الفساد يشكّل خطرا جديا على الديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان، على أثر ذلك قام مجلس الوزراء الأوربي بتعيين لجنة أسندت إليها مهمة اقتراح إجراءات ملائمة تكون جزءاً من برنامج عمل على الصعيد الدولي لمحاربة الفساد. وقد قامت اللجنة بوضع توصيات مهمة أصبحت فيما بعد جزءاً من اتفاقية القانون الجنائي التي بدأ التوقيع عليها في كانون الأول 1998 وتتضمن تعريفاً للفساد ينطبق على طائفة واسعة من الأعمال بما فيها الرشوة بشكل مباشر وغير مباشر، وشراء نفوذ صانعي القرار الرسميين وكذلك تبييض المال، ولا تقتصر الاتفاقية في تناولها الفساد على السلطات العامة بل تتعداها إلى بعض مجالات القطاع الخاص والمسؤولين الكبار في المنظمات الدولية وحتى القضاة والمسؤولين في المحاكم الدولية. قديما، تحث أبن خلدون في مقدمته الشهيرة عما وصفه ( الجاه المقيد للمال ) وكأنه استنباط للأموال الحالية، إذ يرى أبن خلدون أن المال تابع للجاه والسلطة وليس العكس. كما أشار أبن خلدون إلى الأحوال الكثيرة التي تختلط فيها التجارة بالإمارة، إذ يكتسب البعض، من خلال المنصب والنفوذ الإداري في أعلى مراتب جهاز الدولة، أوضاعا تسمح له بالحصول على المغانم المالية وتكوين الثروات السريعة وتشكل عادة ( ريعا لمنصب ). وفي منطقتنا لخص الرئيس الجزائري في خطاب طويل وجهّه إلى مواطنيه في 27 نيسان 1999 القضية بقوله : أن الجزائر دولة مريضة بالفساد، فهي دولة مريضة في أدارتها، مريضة بممارسة المحاباة، ومريضة بالمحسوبية والتعسف بالنفوذ، والسلطة، وعدم جدوى الطعون، والتنظيمات، مريضة بالأمتيازات التي لا رقيب لها ولا حسيب، مريضة بتبذير الموارد العامة بنهبها بلا ناه ولا رادع. وليس هناك أبلغ من هذا الوصف حيث لاحظ بوتفليقه أن هذه الأعراض أضعفت الروح المدينة وأبعدت القدرات وهجّرت الكفاءات ونفّرت أصحاب الضمير وشوّهت مفهوم الدولة وغاية الخدمة العمومية. ويضيف الرئيس الجزئري : هل هناك كارثة أكثر من ذلك ؟
ولعل أخطر ما ينتج عن ممارسات الفساد والإفساد هو ذلك الخلل الجسيم الذي يصيب أخلاقيات العمل وقيم المجتمع مما يؤدي إلى شيوع حالة ذهنية لدى الأفراد تبرر الفساد وتجد له من الذرائع ما يبرر استمراره، ويساعد في أتساع نطاق مفعوله في الحياة اليومية، إذ نلاحظ أن الرشوة والعمل والسمسرة أخذت تشكل تدريجياً مقومات نظام الحوافز الجديد في المعاملات اليومية الذي لا يجاريه نظام أخر.
ويستدعي حجم مشكلة الفساد دراسة الأسباب والآليات، ولكن توجد محاور للحركة تساعد على تطويق الظاهرة والقضاء على تداعياتها السلبية. وتتمثل هذه المحاور كالأتي : محور توسيع رقعة الديمقراطية والمساءلة، ومحور الأصلاح الإداري والمالي، ومحور إصلاح هيكل الأجور والرواتب. أن مجتمعنا لهو بأشد الحاجة في هذه اللحظة العصيبة من تأريخه إلى مطاردة وتصفية الفساد والانحرافات والانتهاز في كل منحى من مناحي حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى تعود إلى الناس الثقة والأيمان بجدوى النزاهة والشرف والجد في العمل وإعلاء شأن الوطن والصالح العام.
© منبر الحرية، 10 سبتمبر/أيلول 2009

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

المرتجى والمؤمل في صورة المشهد السياسي
احمد ناصر الفيلي*
ما تزال غيوم الخلاف والاختلاف تضلل صورة المشهد السياسي الذي بدا يغلي في مرجل تضارب التصريحات المتناقضة مع إيقاع حركة الأحداث واتجاهاتها، بدلا من تعميق مساراتها التفاوضية عبر مقاربات فكرية ورؤى واضحة موضوعية ترسم الشكل الأساس لمستقبل البلاد السياسي وفقاً لقواعده وأعرافه السياسية والديمقراطية الجديدة.
تناقض المواقف وضديتها تعكس ضعف البدائل المطروحة من جهة، وضياع شكل المرونة المطلوبة، فضلا عن غياب الرؤية المستقبلية الواعية التي تقفز فوق الرغبات والاتجاهات الواحدية، وتتخطى الحواجز الضيقة وهي إحدى المتطلبات الأساسية للمرحلة الراهنة، الغائبة عن قلب المسرح السياسي المتخم بأشكال الألاعيب السياسية المختلفة المفتقرة لأرضية رصينة يمكن أن تبنى عليها القواعد والمقبوليات والتراضي، فالتلويح بأوراق ضغط متنوعة ومتعاكسة سمة التباري السياسي الحالي وشكله الفضفاض. والحقيقة أن افتقار المسار السياسي إلى جملة مبادئ منطلقة من روحية البناء الديمقراطي ومصالح البلاد أدت إلى انهيارات جليدية على أكثر من صعيد وجبهة، فالمفروض أن تكرس القوى السياسية على اختلاف تلاوينها جل جهودها باتجاه بناء البلاد، وتعافيه من جروحه ألآمه وعديد أزماته المتفاقمة، إلى جانب إعادة البنية المجتمعية المنتهكة على أكثر من محور قيمي وأخلاقي واجتماعي ، ومده بأسباب التعافي القادرة خلق حوافز ذاتية لضمان مشاركته الفاعلة في حركة البناء والتغيير ومنحه مرونة التبادل بين الفرد والمحيط، بغية استيعاب طبيعة التحولات الممهدة للتفاعل الجدي والحقيقي بما ينعكس آثاره وتداعياته نحو خلق حركة نهضوية لانتشال البلاد من حضيض مستنقع الفقر والجهل والمرض والتخلف.
إن أخطبوط الأداء السياسي المتمرس خلف واجهات وشعارات شتى، قد مد أخاديده في زوايا المجتمع، لا لأجل تحفيز منطلقات الوعي الوطني ، وإنما لتكريس سياسات تهدف إلى مصالح جهوية ضيقة احتلت جزءً من تاريخ الأداء السياسي للماضي المفوت البغيض، والتي أدت تراكماتها الصدئة إلى جر البلاد نحو ويلات وكوارث ماحقة، أضاعت الثروات الطبيعية والبشرية، وزرعت تكسرات اجتماعية ستكلف عملية ترميم بناءها التاريخي،  وغسل أدرانها آماداً ليست بالقصيرة.
إن ظاهرة التوجه نحو الفئات، والطبقات، وأنماط التراتبية المجتمعية، ومحاولة تعبئتهم لأضيق الأهداف المصلحية وبالضد من التوجهات العامة وبما يخلق أجواء التوترات المقلقة المنذرة بسوء العواقب، ظاهرة سياسية قديمة- جديدة في التاريخ العراقي، وإذا ما استمر الساسة الجدد بلعبة العبث، لعبة  تجديد الموبقات السابقة، فستشكل عقبة صعبة ومعقدة على طريق التنمية السياسية المنشودة.
أن تبني أشكال السياسات المستندة على استراتيجيات مختلفة ومتنوعة، لكنها على درجة من الفهم الديناميكي القادر على اجتراح آليات خلاقة تطرح أكثر من معادلة جديدة تهتم بخلق شتى التجاذبات المجتمعية والنخبوية، مما ينبئ بالخروج من تجربة رصينة معززة بالخبرات، وبقدر ما يتم التوغل أفقياً وعمودياً في شكل هذه السياسات بقدر ما تطفو على السطح أولى الثمار الناضجة، بدلا من جر المجتمع وزجه في صراعات خلف أهداف انتهازية ونفعية وتضادية، في محاولة لمصادرة الأهداف العامة لصالح أهداف جزئية وفئوية لعينة، والتي تلعب دور البكتريا في الجسم المريض، وهي بكلية الأمر جزء من سياسات بالية ترجع بتاريخها إلى عهود الاستعمار الغابرة، ويبدو أن الساسة الجدد بات يزعجهم الاتعاظ من دروس الماضي، ولا يكلفون أنفسهم عناء قراءة التاريخ بوعي.
سبع سنوات عجاف مرت كسنين النبي يوسف في مصر، وما تزال البلاد في حقبة ما بعد الدكتاتورية غافية على شواطئ النسيان والإهمال، وتداعيات معدلات الفساد التي هبطت إلى أسفل درك، وعلى نحو مخجل أساء إلى توايخ نضالية لعديد القوى والأحزاب، والتي أفرغ الأداء السياسي والحكومي لها، الشيء الكثير من محتوى مضامينها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا شيء جديد سوى الدوران في حلقة الصراعات السياسية الجارفة والفارغة من أي محتوى، والمعبرة عن لغة الامتيازات، فامتيازات الصفوة أو النخبة هي شكل البيروقراطية الجديدة التي تجتاح البلاد من كل صنف ولون وحيث كل يبكي ليلاه على حساب الوطن.
ضياع البرامج الملتزمة وانعدام تحديد الأولويات هو التوصيف الأنسب لحركية الأحزاب والقوى السياسية المتصارعة التي تعودت أن تظهر عكس ما تبطن.
صراع السلطة، وتراخي لغة الاتفاق والبناء السياسي البناء، لحساب مشاريع سلطوية رخيصة تعكس أزمة بنيوية وسياسية حادة، وذهنية مفتقرة لمجموعة روابط سياسية قائمة على قواعد وطنية قادرة على لعب دور فعال في صياغة مشاريع وطنية سياسية وتنموية حاضنة لكل القوى السياسية، مع مقاربة لخطواتها وحركتها، مما يطلق شارة انطلاق عجلة الدوران الجديدة نحو فضاءات رحبة ترسم شكل المنافسة السياسية، بعيداً عن أنماط الصراعات التناقضية المتحولة بحتمية حركة التاريخ إلى صراع بقاء ووجود وفناء، لتهدد وتسحق أية حيوية نابضة في حركة المجتمع وقواه السياسية، إلى جانب تراكماتها وإرثها ذات التاريخ الموجع والسيئ في الذاكرة الجمعية.
الذاكرة والمذاكرة السياسية الجديدة بحاجة إلى شحن وطني جديد، يمنحها القوة والقدرة على التواصل مع أشكال الحياة الجديدة وترسم للمستقبل العراقي خطوطاً عابرة لأزماته ومعاناته، وتؤسس لثقافة وطنية متأصلة وأصيلة تمتلك مفاتيح  السؤال والجواب، لحزم الأسئلة المثيرة للدهشة والارتياب المانعة لشد اللحمة الوطنية ومد خيوط التعايش البناء وكفى الله المؤمنين شر القتال.
*كاتب وصحفي من العراق
‎© منبر الحرية،27 أكتوبر/تشرين الأول 2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

مع مضى شهرا حوليا كاملا مؤثرا بكل الحسابات في بلد  كالعراق ، ما تزال السجالات والتراشق السياسي الناري الذي يتصاعد مستعرا ، وينخفض متراجعا ، تبعا لمؤشرات الغزل والاحتدام السياسيين . فيما المشاورات المتباطئة لا تشير إلى تقدم جدي ملموس. على الطريق مشروع تشكيل الحكومة الجديدة . المباحثات ، والمشاورات ، والجولات المكوكية تجرى بحذر على نار هادئة إلى ما شاء الله دون النظر إلى الاستحقاقات الانتخابية ومتطلبات المرحلة ، التي تبدو هي الأحرج في الروزنامة السياسة العراقية الجديدة لما بعد نيسان  2003. فالجدل الببيزنطي حول أولوية القائمة أو الكتلة في مسألة التكليف بالتشكيل الحكومي اخذ حيزا غير منطقي وغير مبرر ، إذ اتسعت ضروب الاجتهادات السياسية المفضية إلى تخريجات سياسية مغلفة بغايات سياسية طامحة للسلطة وركوب  موجتها  عبر المنصب الأثيري ( رئيس الوزراء ) ، وطرح إشكال سيناريوهات، وعلى طريقة كل الطرق تؤدي إلى روما  دون النظر في تبعات هذه المواقف وتداعياتها ، فالغريب أن تحصر أية جهة سياسية كل برامجها ، وطموحها ، واستراتجياتها المستقبلية بشخص تريد له أن يكون رئيس الوزراء، فهي بهذا تنظر إلى مشكلات البلاد الكبرى من خلال مشكلتها أو عقدتها هذه وهي مجازفة لا تستحق هذا القدر من المغامرة لتنافيها مع النسق ا لسياسي الجديد الذي لا تقبله التجربة الوليدة لأنها تتناقض  مع جوهرها وخطاها .
وبالجملة فقد أضاف هذا التعصب الحزبي والجهوي عنصرا آخر في العقدة التي تشد إليها بممارسات كهذه المزيد من التعقيدات وسباق ضياع الوقت ، فصفقة تصفير الزمن لأجل كسب المزيد من الوقت الضائع المهدور هي الأكثر توصيفا للحالة السياسية- الاجتماعية في العراق اليوم، ومن هنا بدأ تأخر البلاد واشتداد حالة التخلف والفقر الضاربة أطنابها عمقا في التربة العراقية حتى لتخال أن الحديث عن دولة العراق الذي يملك ثاني مخزون احتياطي عالمي من النفط في المنطقة ، حديثا عن دولة قابعة على أطراف القرن الإفريقي وتعيش في فقر مدقع. إن تجربة الديمقراطية العراقية ما زالت تحبوا وسط زوابع من فلسفات وايديولوحيات ومخلفات فكرية وعقدية بالية ومع حالة كهذه يمكن أن يتحول فيه الحبو إلى كبوة ما لم يتم تأطير الحالة بمحددات ومؤشرات دقيقة وواضحة ،  تدفع بالتخريجات السياسية المتحذلكة بعيدا من أجل سلامة النمو الديمقراطي من جهة وعدم إفساح المجال لخمائر المخلفات الفكرية من النمو الفوضوي بمواجهة المد الديمقراطي، ومن هنا ضرورة وضع المحددات وآليات تشكيل الحكومة وفق منظومة قانونية ، شفافة ، واضحة بعيده عن الشد والجذب وأشكال المهاترات و السجالات السياسية واللجوء إلى التصريحات النارية المنافية مع تطلعات بلد وشعب يعاني الأمرين من آثار جروح خطيرة ونكبات إنسانية ومجتمعية على كل صعد . مع التأكيد على ضرورة التجديد، وبخاصة منصب رئيس الوزراء تحديدا لامتلاك العراق إرثا تاريخيا سيئا في مجال الزعامة  والحكم . ومن شـأن احتكار المنصب السلطوي لفترات متعاقبة تجديد أشكال الدكتاتورية ، ونشؤ لعبة جديدة لا طاقة للبلاد بحملها فالفواتير الماضية باهظة، وهي رهن التسديد بكفالة الدول الراعية للتجربة إلى جانب الركض المتهافت في أرجاء المسرح الدولي طلبا لإطفاء ديون سابقة ترتبت  بسبب سياسات عدوانية ، وعنصرية وليس من المنطقي التفريط بمستقبل البلاد ونهضتها لأجل طموحات شخصوية سلطوية تحت أية ذريعة ،  ومهما قيل عن مسألة تمثيل الشعب والغزل على هذا المنوال . ففي عراق اليوم يتسابق أكثر من ثلاثمائة حزب ، وحركة ، وكيان سياسي رئيسي ، و ثانوي ويتحدث الجميع بلغة تمثيل الشعب . ومهما كان حجم قاعدة الدعم الشعبي فليس بمقدور أي جهة الادعاء بأنها الممثل الأوحد . على أن مسار التجربة الديمقراطية ، وظهور حكومات مرحلة ما بعد الدكتاتورية لم تنجح في إعادة الروح إلى مفاصل البلاد الممزقة وبناها التحتية المدمرة وإطلاق شيء من الراحة،  في مجال إنعاش الاقتصاد الوطني وتحسين الحالة المعاشية للشعب الذي يرزح تحت خط الفقر بمؤشرات المنظمة الدولية وبشهادة الواقع العياني العراقي ، وهو واحد من أهم أسباب تباطآ دينامية التجربة الديمقراطية ،وفشل البرامج الحكومية  التي تعاني تشكيلاتها الوزارية من انفصام في الشخصية من ناحية الولاءات والتوجيه ، وعدم الانطلاق من أرضية مؤسساتها بحاجاتها واحتياجها ، وتسيير الأمور بمناهج حديثه لعدم كفاءة العديد من الوزراء من جهة وانعدام المرجعية الموحدة ، فالوزراء تعود مرجعيتهم  إلى كتلهم السياسية الواقفة خلفهم ومنها يستمدون الحركة والتوجيه ، ولما كان السباق يقتضي بالعرف السياسي المعمول ، الجري لتحقيق اكبر قدر من المصلحة الفئوية أو الجهوية ، وتحصينها ، فقد ضاع الخيط والعصفور في المعادلة. إن نهضة المجتمع تنطلق من تلاحم ووحدة المجتمع والدولة في مهمة بذل إخلاص الجهود من اجل تعويض الوقت الضائع وإيجاد لغة المصلحة الواحدة ، قولا وفعلا من اجل اختزال الزمن . إن امتلاك القوى السياسية لنظرات عابرة لمحيطها ، و محدداتها ، وتوجهاتها الجهوية ، الفئوية الضيقة وباتساع حركة المجتمع من شانه خلق الاستقرار السياسي المنشود واللحاق بالآخرين دولا ومجتمعات ، ويبدو أن هنالك ما تزال مصالح بإبقاء البلاد رهينة هذه الأوضاع المزرية . في المجال التراشق السياسي واتهام القوائم والكتل لبعضها بعودة البعث أحيانا كما في الحالة السنية والارتماء في الحضن الإيراني كما في الحالة الشيعية، فان العراق بحاجة إلى رئيس وزراء مستورد على طريقة الملك فيصل لدى تشكل دولة العراق في أب عام    1921. إن محاولة التمسك بأهداب السلطة والدخول في صراعات من اجلها من شأنه إصابة  العملية السياسية بمقتل ، من خلال تجميد مبدأ التدوال السلمي للسلطة مع ما تحمله من ترسيخ للديمقراطية في العمق ، والتي تحمي الدولة المجتمع من مخاطر الانزلاق إلى العنف من جهة وإعطاء مساحة المنافسة الحيوية المطلوبة من جهة أخرى . في السباق السياسي وحيث لابد من ظهور آليات مبدعة وبرامج قابلة للتحقيق من اجل امتلاك زمام المبادرة في أي عملية انتخابيه قادمة .
في الانتخابات المنصرمة وبعد الاتفاق السياسي بين القوى السياسية الوطنية التي وجدت ضرورة لاستبدال رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري بأحد الشخصيات من كتلته وهي الفرصة التي أظهرت المالكي إلى المواجهة ، ترى ماذا كان سيترتب لو أن الجعفري تمسك بأهداب السلطة ؟ وما هي فاتورة الحساب بالنسبة لكيانه السياسي وتداعيات ذلك على الساحة السياسية ؟. إن مسالة الاستبدال وإعطاء الآخرين الفرص تعكس الروحي الحقيقية للسلوك الديمقراطي ، فالديمقراطية ليست شعارات بلهاء وحفنة كلمات قابلة للمزايدة ، وإنما هي وحدة السلوك والممارسة والتعود على قبول النتائج كما هي تصب مصلحة الكيان السياسي نفسه ، من خلال تبنيه قدرا من المرونة يتطلبها المناخ السياسي الديمقراطي ، ومحاولة ترسيخ هذا التقليد السياسي كإحدى ثوابت العهد الجديد . نأمل أن تنتهي السجالات قريبا ، وان تكون الروح الوطنية سابقة للعواطف والرغبات ، وان يكون السلم السلطوي طريقا لخدمة الناس وليس دالة لخلق نزعات فردية كلفت أثمانا باهظة وخاصة في الحالة العراقية التي أصبحت دراما إنسانية معاصرة .
© منبر الحرية ،24أبريل /نيسان2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

إن سير العملية السياسية بهذا الشكل المهادن والبطيء، لا يتناسب مع ما يمر به العراق من تحديات جمة من جهة وحاجات ورغبات وأماني الشعب العراقي من جهة أخرى.
فالبلاد  ما تزال معطلة، فالوضع الاقتصادي المتسم بالكساد والركود يحتاج إلى آلية فعالة كي تجري الدماء في عروقه مجدداً من اجل أن تنهض البلاد من جديد، ومن الغريب أنه في لجة تداخل هذين المنطقتين وأشكال الصراعات الطافية على السطح، فإن الخطابات السياسية وتصريحات البعض مازالت في غفوة غافية فما مشروع سياسي أو موقف معين إلا ونجد أشكالا من التباري السياسي والتصريحات العنترية، ويا ليت لو هناك مثل هذه الهمة في مجال العمل وتقديم الخدمات للشعب العراقي المبتلى والمنكود.
إن المسؤولين مدعوون إلى اختيار مفردات دقيقة للتعبير، وإلا فإن التهريج يزيد من عمق الفوضى ويغلي البركان ويزيد الأمور اهتياجاً. إن الفهم السطحي للأمور والمفاهيم واختزال زمنها التاريخي ومحتواها الاجتماعي الغني واقتصار كل ذلك على التصريح أمر يدل على أن تلك التصريحات إنما تخرج من مشاعر عاطفية تهدف إلى تثوير الجموع لا إلى حكمة وفلسفة نابعتين من الحياة وتجاربها وربما المشروع الأمريكي الأخير الخاص بتقسيم العراق إلى ثلاث فدراليات نموذجاً لذلك. من المحزن أن يفكر الآخرون بالنيابة عنك كي يحلو لك مشكلاتك.
ودعنا من الحديث عن الاستعمار ودائرته فقد ولى عهد الاستعمار في عالم يشهد النهضة في شتى أرجاء المعمورة، بفضل الثورة الفكرية والمعلوماتية المنتشرة والمتيسرة ما عدا هذه المنطقة التي تأبى الاستفاقة من نومها والاطلاع على العالم من حولها. وهذا الاضطراب الفكري والرئوي يعكس استبطان المراكمات السابقة على أكثر من صعيد، ورسوخها في أذهان العامة أمر طبيعي نظراً لإشاعة التعمية والتجهيل لكن إشاعتها في أذهان بعض النخب أمر تعيس، ويشير إلى عودة قهقرية إلى الوراء باتجاهات شمولية ارتبط بها تاريخ حافل بالمآسي على صعيد العراق والعالم, وحيث أن الدول الشمولية ومفاهيمها ظلت على الدوام ملطخة بدماء غالبية عظمى من الأبرياء الذين حملوا حباً حقيقياً للعراق وضميراً نقياً لخدمته. وأن اختزال التاريخ الاجتماعي والسياسي لعدد من المفاهيم التي ظهرت واستقرت من التاريخ بناءً على ماضي حافل بالصراعات والمآسي على شكل مفردات وكلمات لهو أمر يبعث على الحزن والسخرية معاً.
إن مثل تلك المقولات تبطن في داخلها هاجس كبير من معاناة البشر على أرجاء المعمورة، وهي تتطلب الدرس والجدية لأن قراءة التاريخ بوعي تعزز التجربة الإنسانية وتمدها بأبعاد تاريخية ومصيرية. ويبدو في الأفق أن عدد النخب العراقية ما تزال أسيرة الأفكار البالية عن الدولة الشمولية وعن فضائلها المفترضة والتي تداعت وانقرضت كلية عن مسرح الأحداث العالمية بعد مجازر ومآسٍ وخراب كبير جلبه هذا النظام على العالم من حولنا.
الدولة الشمولية في العراق عبارة عن تاريخ من المآسي و الآلام، وبحار من الدماء المسكوبة بتواريخ محفورة في الذاكرة العراقية الموشومة بتجارب مريرة تقشعر لها الأبدان، ذلك أن الدولة الشمولية في العراق هي مطية القمع والمصادرة واغتيال أشكال التآلف الاجتماعي واغتيال الفكر والحوار وكل مظاهر التمدن والحضارة. إن التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق ووصوله إلى هذه الدرجة التي هي في أواخر إحصائيات الفكر والمرض والجوع على مستوى العالم إنما تكمن خلف الدولة المركزية بلا منازع فهي قد أتاحت لفئات صغيرة ومعزولة من الوصول إلى سدة السلطة ببرامج، ومن ثم الإجهاز على مكوناته وفئاته وبشتى أنواع التفكيك المبتكر والمستورد، وبدلاً من تحقيق البرامج والشعارات صار إلهاء الفئات بالصراعات أحد أساليب تمديد عمر السلطة. إن الدولة الشمولية تمتلك تاريخاً حافلاً بالخزي وجرت على البلاد الويلات والدمار وآن الأوان للمراجعة والاعتبارات.
© منبر الحرية، 16 يناير/كانون الثاني 2010

منبر الحرية3 نوفمبر، 2010

 كاتب وباحث وصحفي من العراق  نشر عدد من الدراسات والمقالات في العديد من الصحف العراقية ( الزمان،الصباح،المدى،التاخي ،الاهرام القاهرية).
اصدار عدد من المؤلفات ( الفيليون بين الماضي والحاضر، ازمة ا لاحزاب العراقية بعد التغيير، الايزديون )
رئيس تحرير جريدة حمرين الاسبوعية الصادرة في بغداد منذ عام

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018