peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

مقارنة مع المخاطر والتهديدات القاتلة في القرن العشرين، فإن التهديد الاستراتيجي الذي يشكله الإرهابيون ضئيل وثانوي. ففي الحادي عشر من أيلول عام 2001، قتل الإرهابيون حوالي 3000 شخص، كما قُتل مئات آخرون في الهجمات اللاحقة في كل من بالي ومدريد واسطــنبول ولندن ومومباي. وعلى رغم هذه الوفيات المفجعة، إلا أنها تصبح باهتة وضعيفة بالمقارنة مع وفاة ما يقرب من 100 مليون شخص في الحربين العالميتين. وكما هو صحيح من لقبهم، فإن الإرهابيين يثيرون الرعب ويمكنهم إلحاق أضرار خطيرة جداً أحياناً، ولكن، كان الإرهاب دائماً استراتيجية تتبعها الأطراف الضعيفة، وليس القوية.
ولا يمكن اعتبار الحربين العالميتين ولا الحرب الباردة أقرب الأحداث التاريخية تشابهاً مع تهديد الإرهابيين، فإن أقرب تشابه تاريخي هو أعمال العنف التي ارتكبتها قوات الثوار في الغرب خلال الثلث الأخير من القرن التاسع عشر. لقد ارتكب الثوار العديد من الاغتيالات البارزة، بما فيها قيصر روسيا، وعضو في العائلة الحاكمة للإمبراطورية النمسوية-الهنغارية، والرئيس وليام ماكينلي. كما أثاروا المؤامرات والاضطرابات العديدة وزرعوا القنابل، وقاموا بأعمال شغب هيماركيت المشهورة في الولايات المتحدة. وغالى أمثال نيوت غينغريتش في ذلك العصر في رد الفعل على الأحداث وحذروا من خطر رهيب يهدد الحضارة الغربية. ولكن، لم يكن الثوار قادرين إلا على التسبب بمضايقات طفيفة على أرض الواقع، واستمرت الحياة.
قوة الإرهابيين وفعاليتهم أكثر قليلاً من قوة الثوار، وتقدر الاستخبارات الأمريكية أنه لا يوجد أكثر من بضعة آلاف من عناصر “القاعدة”، وكثير منهم في براري أفغانستان وباكستان، ويجب أن نُبقي تهديدهم ضمن المنظور مهما كانوا مخيفين.
وحتى في أسوأ السيناريوات البعيدة الاحتمال، والتي يتوقع فيها حصول “القاعدة” على سلاح نووي وتمكنها من كيفية تفجيره (وهي مهمة صعبة)، فإن حجم الدمار المتوقع، وإن كان رهيباً، لن يضاهي أبداً أهوال القرن الماضي الدامية، ولا يمكن أن ينافس أبداً ما كان قد يحدث لو تحولت الحرب الباردة إلى حرب ساخنة. ولا يوجد أي احتمال واقعي لحصول “القاعدة” على آلاف الأسلحة النووية. وبالنظر إلى التهديد الذي شكلته ألمانيا النازية وحلفاؤها في الحرب العالمية الثانية، فقد كانت ألمانيا القوة الاقتصادية الثانية في العالم وتمتعت بقوة وقدرة عسكرية استثنائية، ربما كانت من الأفضل في العالم. وفي ذروة نجاحها، تمكنت قوات الفيهرماخت المسلحة من قهر معظم دول أوروبا، كما اجتاحت حليفتها القوات اليابانية معظم شرق آسيا. لقد تطلب الأمر تضافر الجهود العسكرية لعديد من الدول الكبرى لدحر محاولة الفاشيين للهيمنة على العالم. وبانتهاء المعارك، كان أكثر من 50 مليون شخص قد لقوا حتفهم.
كان الاتحاد السوفييتي القوة العسكرية الثانية في العالم خلال الحرب الباردة. وهيمنت موسكو على دول شرق أوروبا ووسطها، كما كان في استطاعة قواتها التقليدية اجتياح بقية القارة والحكم على ملايين أخرى من الشعوب بـ”عبودية” الشيوعية. وكانت قادرة بترسانتها المكونة من آلاف الأسلحة النووية على تدمير أو طمس معظم المدن الأمريكية وإنهاء الحضارة الحديثة في الولايات المتحدة. كان الاتحاد السوفييتي، ومن قبله ألمانيا النازية، يمثلان تهديداً استراتيجياً من الدرجة الأولى.
وأصبحت التصريحات السخيفة، المتعلقة بتحول نزاع أمريكا مع “القاعدة” وحلفائها الإسلاميين الراديكاليين إلى حرب عالمية مقبلة، صناعة تصعيد. إن نيوت غينغريتش هو آخر من قرع ناقوس الخطر، ولكن، قام كل من نورمان بودهوريتز، ناشر مجلة “كومينتاري”، وشون هانيتي، معلق “فوكس نيوز”، وغيرهما الكثير من السياسيين والخبراء بالإدلاء بالادعاءات نفسها. وفي الواقع، إن الأمر الوحيد الذي يختلف عليه هؤلاء “المنقذون الوطنيون” هو ما إذا كان الصراع الحالي حرباً عالمية رابعة أو خامسة. بدلاً من الحرب العالمية الثالثة.
مع ذلك، فإن معظم الإجراءات المضادة التي نفذتها الولايات المتحدة ودول أخرى كانت في مجال وسائل وتكتيكات إنفاذ القوانين بدلاً من الحرب الشاملة. لقد تم إحباط محاولة تفجير طائرة في بريطانيا السنة الماضية بهذه الطريقة، وكذلك تفكيك خلايا “القاعدة” في هامبورغ ومدريد. وهذه هي طبيعة الحرب ضد الإرهاب، باستثناء غزو الولايات المتحدة أفغانستان. وفي حين عمدنا فيما مضى إلى قصف خصومنا بالقنابل بشكل مكثف، نلجأ الآن إلى اتباع الأساليب غير العسكرية.
يجب أن ندرك أن الإرهاب يشكل تهديداً مخيفاً ومفجعاً للولايات المتحدة؛ مع ذلك، فهو تهديد يمكن ضبطه والتحكم فيه. إن أشخاصا من أمثال غينغريتش وبودهوريتز وغيرهما من الذين يشيعون أجواء الرعب، يسيؤون إلينا عبر تضخيم خطر الإرهاب. والطريقة الوحيدة التي يمكن أن يتحول فيها الصراع الحالي إلى حرب عالمية هي اتباع قادة أمريكا نصائح هؤلاء وتصاعد ردنا باتجاه حرب بين الغرب والإسلام.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 25 أيار 2007.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018