حكام المنطقة

نوح الهرموزي8 مارس، 20110

في مطلع هذه السنة توقفت عجلة تاريخ العالم العربي عن الدوران، وصارت ثمار الثورة ناضجة بعد طول انتظار، وحل موسم الحصاد العربي الذي انطلق من قرطاج، يقتلع الاستبداد والقهر والفساد والطغيان، ويزرع شتائل الحرية والتعددية والكرامة والمساواة ودولة الحق والقانون...

peshwazarabic28 يناير، 20110

مهما أعُطيت ثورة تونس من أوصاف، فإنها ومن دون مبالغة، تعد الثورة الأهم في التاريخ العربي المعاصر، فلأول مرة يستطيع شعب عربي إسقاط نظام لطالما وصف بأنه الأكثر قسوةً بين أقرانه في المنطقة عن طريق التظاهر والمسيرات الشعبية. وتتضاعف هذه الأهمية من كونها تؤسس لمرحلة جديدة في تعاطي الشعوب العربية مع أنظمتها، فالثورة التي قام بها الشعب التونسي من شأنها أن تعطي الطامحين للتغيير في العالم العربي أملاً في غد مختلف. ولعل هذا الأمر هو ما يزعج الأنظمة العربية التي تعاملت مع هذه الثورة بكثير من التجاهل والتشكيك، حيث تم وصمها بثورة الجياع تارةً، وبانقلاب قام به الجيش في اللحظات الأخيرة تارةً أخرى، فيما الحقيقة أن الشعب التونسي قرر التخلص من سلطة الأمر الواقع التي احتكرت كل شيء والتي واجهته بالرصاص على مدى شهرٍ كامل، وليس ذنبه أن يقف الجيش في نهاية المطاف على الحياد ويرفض أن يكون أداة قمع في يد شخص مهووس بالسلطة.
لا شك أن هذا التربص بالثورة التونسية وراءه خوفٌ عميقٌ من أن تمتد تأثيراتها إلى هذه الدول التي تغرق في الفوضى والاستبداد، والتي لا تنفك أنظمتها التأكيد على أن تونس حالة خاصة، وأن ما حدث لن يتكرر بأي صورة من الصور في أيٍ منها، وأن ما يقوله البعض من أن هناك تشابهاً بينها وبين تونس ليس إلا مجرد كلام فارغ.
والحال، إن التقليل من ما حصل في تونس ليس سوى محاولة بائسة لإبقاء الحال على ما هو عليه في تلك الدول، وهو الأمر الذي لا يبدو أنه يلقى تأييداً من الشعوب التي اكتشفت فجأة أنها قوية بما يكفي لإسقاط أنظمتها برغم ما تملكه من جبروتٍ وقوة.
لقد أسقط التونسيون أساطير كثيرة، لعل أهمها أن ثمن التغيير كبير وباهظ بحيث لا يقدر على دفعه أحد، ومثّل سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين على يد القوات الأميركية وحلفاءها في العام 2003، وما تبع ذلك من حرب أهلية وانقسامات حادة ما تزال تهيمن على المشهد العراقي دليلاً على صحة هذه النظرية. ومن ضمن الأساطير التي أسقطتها الثورة التونسية استحالة التغيير في ظل انعدام حياة سياسية حقيقية، وما يترتب على ذلك من وجود أحزاب معارضة تقود الشارع في مواجهة السلطات القائمة، فقد قام الشعب التونسي بثورته متجاوزاً الطبقة السياسية التي تخلت عن دورها في تأكيد مبادئ وقيم الديمقراطية والحرية. وقد شكّل الشباب التونسي الفارق في هذا السياق، إذ تمكن من خلال شعارات غير مؤدلجة تتعلق بالخبز والحرية وبالكرامة الوطنية من إقناع فئات مختلفة من الشعب التونسي بالانضمام إلى حركة التغيير، فضلاً عن لعبه دور مؤثر في الدعاية لهذه الثورة من خلال تبادل الرسائل والصور عبر التويتر والفيسبوك وبث كل ذلك إلى العالم.
لكن أخطر هذه الأساطير التي أسقطتها الثورة التونسية، هي تلك التي تتعلق بالقوة المتخيلة للحاكم في الشرق، حيث دأبت كثير من النصوص “المقدسة” -أو التي اعتبرت كذلك في فترات مختلفة من التاريخ- على إعطاءه صفات خارقة، وقدرات استثنائية، ومزايا تختلف عن غيره من البشر.
والواقع أن كثير من حكام المنطقة قد استغلوا هذا الجانب على نحو سيء، فقد قدموا أنفسهم باعتبارهم نواب الله في الأرض يسألون الناس ولا يُسألون. وبالإضافة إلى هذه القوة المزعومة، فإن امتلاك الحاكم العربي لعشرات الأوصاف قد جعلته في أحيان كثيرة يبدو وكأنه رجل كل المهمات. فهو رئيس البلاد ورئيس الحكومة والقائد الأعلى للجيش، وزعيم الحزب الحاكم، وكبير القضاة، وراعي الفنون، والرياضي الأول، والمواطن البسيط عندما يتطلب الأمر ذلك. وهو فوق ذلك يملك الحكمة والقرارات الصائبة والحلول الناجعة لكل مشكلات الناس الكبيرة والصغيرة.
وقد ساعد في ترسيخ هذه الصورة، جيش من المنتفعين يتوزعون على أجهزة أمن قمعية، ووسائل إعلام تمارس قدراً كبيراً من التضليل، وكذا نخب سياسية تنازلت عن وعيها وعن وظائفها في الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، وكهنة لا يرون أبعد مما يراه الحاكم.
ولا شك أن تحالف هذه القوى المؤثرة والمؤيدة للنظام قد جعل المواطنين العاديين تحت ضغط عنيف ومستمر طوال الوقت، بحيث باتوا مطالبين في مناسبات كثيرة بتقديم آيات الشكر والعرفان لأنهم يعيشون تحت سلطته. والأخطر من ذلك كله، أن كثير من المواطنين العرب آمنوا بقدرة هذه الأنظمة على التحكم في حياتهم بشكل تام، بل ومعرفة ما في دواخلهم. لكن انهيار نظام بن علي على هذا النحو المفاجئ و بهذه السرعة أثبت للتونسيين ولشعوب المنطقة أن كل ما كان يقال عن قوة هذه الأنظمة أمرٌ مبالغٌ فيه. وهو الأمر الذي يؤشر إلى إمكانية حصول ذلك في دول عربية أخرى حتى ولو حاول زعماءها إقناع أنفسهم وإقناع الآخرين بعكس ذلك.
© منبر الحرية،28 يناير/كانون الثاني 2011

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018