ديفيد باوز

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

توفي عن عمر يناهز الـ94 عاماً، ميلتون فريدمان، الذي يعتبر ربما أعظم علماء الاقتصاد في القرن العشرين. وعلى امتداد عمره الطويل كان له حظ رؤية العالم متجهاً نحو أفكاره.
وُلد فريدمان في نيويورك عام 1912، في نهاية فترة طويلة من السلام والرخاء. فقد شهد النصف الأول من حياته سلسلة من التراجعات الكارثية بالنسبة لتلك الأفكار: الحرب العالمية الأولى، الانقلاب البلشفي في روسيا، قيام الفاشية والاشتراكية الوطنية، اندلاع الحرب العالمية الثانية، والسيطرة الشيوعية على نصف العالم. ولكن لحسن الحظ كان والدا فريدمان قد هاجرا من أوروبا الشرقية، وبالتالي تجنبا الأحوال الكارثية التي حلت هناك.
بيد أن فريدمان ظل يواجه التحدي في وطنه الجديد أيضاً. فقد بدأ تطبيق ضريبة الدخل الفيدرالية في عام 1913. وقد أدخلت الحرب العالمية الأولى التخطيط الحكومي على نطاق لم يسبق له مثيل. ثم جاء منع المشروبات الروحية، و”الصفقة الجديدة”، واقتصاديات العالِم كينز، والاعتقاد الذي أصبح سائداً بأن الحكومة الفيدرالية تستطيع حل أية مشكلة.
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، ومع عقلية الحكومة الكبيرة سائدة بلا تحدٍ أو منازع في الولايات المتحدة، بدأ ميلتون فريدمان كتاباته. كتب أولاً حول القضايا الاقتصادية من النواحي التقنية، بحيث وضع الأسس لتحول لاحق في سياسة الولايات المتحدة النقدية. ومن ثم في عام 1962، وفي خضم الحماس لطرح جون إف. كينيدي حول “الحدود الجديدة”، نشر كتابه بعنوان الرأسمالية والحرية، والذي اقترح بموجبها إعطاء قسائم مدرسية من أجل جلب منافع المنافسة إلى التعليم، وفرض ضريبة محددة بحيث تصبح ضريبة الدخل أقل عبئاً، ثم تعويم نسب تبادل العملات من أجل تحسين الأوضاع المالية الدولية.
وعلى امتداد الـ40 سنة اللاحقة، بقي فريدمان أحد أهم دعاة الحرية الشخصية في أمريكا. كان يكتب عموداً في مجلة النيوزويك، كما كان يلقي محاضرات في مختلف أنحاء العالم وكان يظهر على التلفاز، وبشكل دائم يدعو إلى مزايا السوق الحرة والمجتمعات الحرة. وقد تم ضمه كمستشار للرؤساء والمرشحين من الحزب الجمهوري، بيد أنه كان يرفض تلقيبه بـ”المحافظ” مصراً على أنه ليبرالي مثل ليبرالية ثوماس جيفرسون وجون ستيوارت ميل، أو ليبرتاري في التعبير المعاصر.
وقد كانت آراء ونصائح فريدمان تُطلب من مختلف أرجاء العالم. وأكثر تلك النصائح كان في عقد 1970 من القرن الماضي، عندما قدم نصيحته إلى حكومة تشيلي العسكرية (والتي لقي بالمقابل لها سنوات من الإدانة) وحكومة الصين الشيوعية (ولا يبدو أن أحداً قد اعترض على ذلك). ولحسن الحظ فإن الحكومتين أخذتا بنصائحه، وكلتاهما حققتا ما سمي بـ”المعجزة الاقتصادية”. تشيلي الآن تتمتع بأنجح اقتصاد في أمريكا اللاتينية، كما أن مسيرة الصين على الطريق الرأسمالية قد جعلها أكثر رخاءً مما كان يتخيله أي إنسان في عام 1976، وهي السنة التي توفي فيها ماوتسي دونغ، والسنة التي نال فيها فريدمان جائزة نوبل.
وفي عام 1980 وسّع فريدمان من جمهور مستمعيه بنشره لكتاب بعنوان أنت حر الاختيار، كما صاحب ذلك سلسلة من الحلقات التلفزيونية أُلقيت من تلفزيون الـ بي. بي. إس. ملايين الناس شاهدوا ذلك البرنامج وأصبحوا يتفهمون كيف يعمل نظام السوق. وقد قال أحد مشاهدي البرنامج وكان ممثلاً صغير السن أصبح فيما بعد حاكماً لولاية كاليفورنيا اسمه آرنولد شوارزنغر في عام 1994: “في النمسا لاحظت بأن الناس يقلقون هناك حول متى سوف يحصلون على تقاعدهم. في أمريكا فإن الناس يقلقون إذا كانوا سوف يحققون قدراتهم. أما كتب فريدمان فقد أوضحت لي كيف أن نظاماً رأسمالياً ديناميكياً يتيح للناس تحقيق أحلامهم”.
ظهر ذلك البرنامج بعد أن أصبحت مارغريت ثاتشر رئيسة وزراء بريطانيا، وقُبيل انتخاب رونالد ريغان رئيساً للولايات المتحدة. ثاتشر وريغان مثّلا ثورة كان ميلتون فريدمان قد ساعد في خلقها: وقد تجسدت في الابتعاد عن التخطيط المركزي ودولة الرفاه باتجاه تقدير متجدد للمبادرة والأسواق الحرة والحكومة المحدودة.
ليس فقط في إنجلترا والولايات المتحدة، فقد أثر نجاح السوق الحر في تشيلي على بلدان أمريكا اللاتينية الأخرى وحفزها على الابتعاد عن تقاليدها القديمة في التدخل في الشؤون الاقتصادية. وبعد عقد من انتخاب ريغان انهارت الإمبراطورية السوفييتية، وتبين أن العديد من قادة شرق وأواسط أوروبا الجدد كانوا من قرّاء ميلتون فريدمان!
لقد أصبحت إستونيا بسرعة قصة نجاح في عهد ما بعد الاتحاد السوفييتي. وعندما زار رئيس وزرائها الشاب مارت لار واشنطن، سُئل من أين جاءت له فكرة الإصلاحات المبنية على نظام السوق، فكان جوابه “لقد قرأنا ميلتون فريدمان وإف. إيه. هايك”. وقد وصف مُصلِح اقتصادي ناجح آخر هو فاسلاف كلاوس، رئيس وزراء التشيك، بأنه “فريدماني مع مستشارين من أتباع هايك”.
لقد كافح فريدمان ضد الإكراه في جميع أشكاله. وقد كان الأب الفكري لإنشاء جيش جميعه من المتطوعين، حين أقنع عضو كونغرس صغير السن آنذاك، دونالد رامسفيلد، بأن يصبح قائداً في الجهود الرامية إلى إنهاء التجنيد الإجباري. وقد كان خصماً عنيداً وصريحاً في الحرب ضد المخدرات والتي قال إنها اعتداء على حقوق الفرد كما أنها تساعد على ارتكاب الجرائم والفساد.
وقد أعلن فريدمان في إحدى المناسبات قائلاً “إن العنصر الجوهري في دعوتي العامة كانت تنمية الحرية الإنسانية”.
اليوم لن نعود نستمع إلى صوته. ولكن في خضم برامج الخيارات المدرسية المتنامية في أوهايو وأريزونا وما بعدهما، وانتشار الليبرالية الاقتصادية على امتداد العالم، فإن من الصعب أن لا تُرى أعماله.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 4 كانون الأول 2006.

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

سألني صحفي قبل أيام قليلة عن رأيي بمقترح قدمه بعض المجتمعيين الأدعياء لـ “تأجيل استحداث حقوق جديدة”. فكرت متسائلاً: بكم من الطرق يمكن لهذا المقترح أن يُخطئ؟ يبدو المجتمعيون وكأنهم يرون الحقوق على أنها صناديق صغيرة: عندما يكون لديك الكثير منها فإن الغرفة ستمتلئ. وحسب رأيي، فإن لدينا حق واحدٌ فقط—أو عدد لا محدود من الحقوق. أما الحق الإنساني الواحد فهو حقك في أن تعيش الحياة التي تختارها طالما انك لا تخالف الحقوق المتساوية للآخرين.
ولكن لهذا الحق الوحيد مضامين لا حصر لها. وكما قال جيمس ويلسون، وهو أحد الموقعين على الدستور (الأمريكي)، في استجابة لمقترح بإضافة لائحة حقوق للدستور: “نعدد كل حقوق الإنسان؟! أنا متأكد أيها السادة، أن ليس هناك من رجل في المؤتمر السابق قد حاول القيام بمثل هذا الشيء”. وعلى العموم، من حق الإنسان أن يرتدي قبعة—أو لا يرتدي؛ أن يتزوج أو لا يتزوج، أن يزرع البازلاء أو التفاح؛ أن يفتح دكاناً لبيع لوازم الخياطة. من المستحيل حصر وتعداد جميع الحقوق التي لدينا، فعادة ما نتجشم عناء تحديد أو تعريف هذه الحقوق فقط عندما يقترح أحدٌ ما فرض قيود معينة على هذا الحق أو ذاك. إن معاملة الحقوق على أنها مزاعم ملموسة يجب تحديدها أو حصرها في رقم معين سيؤدي إلى إساءة فهم للمفهوم برمته.
إن كل حق من الحقوق يحمل مسؤولية مترابطة به. إن حقي في التكلم بحرية يدل ضمنياً على مسؤوليتك في عدم التلصص عليّ. كما أن حقك في المُلكيّة الخاصة يدل بشكل ضمني على مسؤوليتي بعدم سرقتها، أو أن أجبرك على استخدامها بالطريقة التي أريد. باختصار، إن حماية حقوقي تتضمن احترامي لحقوق الآخرين. لذلك لماذا اشعر بعدم الارتياح عندما أسمع المجتمعيين وهم يتحدثون عن “الحقوق والمسؤوليات”؟ تكمن المشكلة في أن هناك ثلاثة معانٍ لمصطلح (لمسؤولية) وكثيراً ما يتم الخلط بينها.
أولاً، هنالك المسؤوليات آنفة الذكر، الإلتزامات المرتبطة بحقوق الناس الآخرين.
ثانياً، هنالك “المسؤوليات” التي يصر البعض على أننا نمتلكها كمستلزمات أساسية لممارسة حقوقنا. ويستذكر هذا المعنى، الذي كثيراً ما نجده في كتابات المجتمعيين، الطريقة السياسية في فرنسا ما قبل الثورة والقائمة على الفكرة القائلة بأن الحقوق هي الامتيازات التي نحتفظ بها طالما كنا نستخدمها بمسؤولية. إن هذه الفكرة تحط من شأن التقاليد الفردانية الأمريكية. فهي تدل على أننا نمتلك حقوقنا فقط عندما يقوم شخص آخر—وهو الحكومة في الواقع—بتأييد الطريقة التي نستخدمها فيها والمصادقة عليها. في الحقيقة، وكما يخبرنا إعلان الاستقلال (الأمريكي)، أن لدى البشر حقوقاً قبل أن يدخلوا في الحكومات التي وجدت لأجل حماية تلك الحقوق.
في بعض الأحيان يقع المحافظون—كما هو حال المجتمعيون—في هذه الطريقة من التفكير. فصديقنا ستيوارت بتلر، من مؤسسة التراث، يدافع عن التأمين الصحي الذي تتولاه الحكومة على أساس أن “الحرية تتضمن المسؤولية أيضاً”. ولكن إذا استطاعت الحكومة أن تطلب منا أو تلزمنا بالتصرف بطريقة تعتبرها مسؤولة من خلال شراء التأمين الصحي، فأي نوع من الحرية نملك؟
نادراً ما يحاول الناس أن يأخذوا حقوقنا عندما يعتقدون أننا نستخدم هذه الحقوق بطريقة مسؤولة. لا يحاول أحد أن يراقب الكلام العام السائد، ولكن الكلام البذيء أو الراديكالي هو الذي يتعرض عادة للتهديد. علينا أن نحمي حتى الاستخدام غير المسؤول للحقوق والسبب أنها حقوق وليست امتيازات. لا تقدم الحكومة مطلقاً على الاستحواذ على حريات المواطنين العاديين ودافعي الضرائب. ولكن من خلال تأسيس السوابق القانونية عبر الهجمات على حقوق المجموعات الممتهَنة أو المحتقرة، تضع الحكومة حجر الأساس لعملية تضييق حقوق كل فرد من الأفراد.
ثالثاً، هنالك مسؤوليات أخلاقية تقع خارج مملكة الحقوق. كثيراً ما يزعم البعض—وأشهرهم في هذا الخصوص الفيلسوفة المجتمعية ماري آن غليندون—إن “لغة الحقوق هي لغة غير كاملة في العادة”. إنها كذلك بالطبع؛ فالحقوق لا ترتبط بسوى نطاق محدود من الأخلاقيات، وهو في الواقع نطاق ضيق وليست متعلقة بكافة الأخلاق. تؤسس الحقوق بعض معايير الحد الأدنى لمعاملة بعضنا البعض. علينا أن لا نقتل، أو نغتصب أو نسرق أو نبادر الى استخدام القوة ضد بعضنا البعض. وهذا يترك الكثير من الاختيارات الأخرى لتتم معالجتها من قبل نظريات الأخلاق الأخرى. إلا أن هذه الحقيقة لا تعني أن فكرة الحقوق ليست بغير الصالحة أو الناقصة في المجال الذي يمكن تطبيقها فيه، بل تعني فقط أن معظم القرارات التي نتخذها كل يوم تتضمن اختيارات محاطة أو مقيدة بشكل واسع فضفاض ببعض الالتزامات لاحترام حقوق بعضنا البعض.
عادة ما يُتَّهم مؤيدو مبادئ الحرية بإغفال أو إهمال أو حتى رفض المسؤوليات الأخلاقية. قد تكون هناك بعض الحقيقة في التهمة الاولى، فمؤيدو مبادئ الحرية يقضون جل أوقاتهم في الدفاع عن الحرية وبهذا فهُم كثيراً ما ينتقدون الحكومة. ويتركون الأمر للآخرين ليكتشفون الالتزامات الأخلاقية ويحثون الناس على افتراضها. لِمَ ذلك؟ أرى لذلك سببين: الأول هنالك قضية التخصص. فنحن لا نطالب الباحث في مرض الايدز: لماذا لا تبحث عن علاج للسرطان ايضاً؟ وبوجود حكومة بمثل هذا الحجم الكبير الذي هي عليه، يجد مؤيدو مبادئ الحرية أن مهمة تحديد حجمها تستهلك الوقت. والثاني، هو أن مؤيدي مبادئ الحرية قد لاحظوا أن العديد من غير المؤيدين لمبادئ الحرية يريدون تفعيل وتنفيذ كل فضيلة من الفضائل الأخلاقية بشكل قانوني. وكما قال وليام نيسكانين، لقد فشل ليبراليو دولة الرفاه في التمييز بين الفضيلة وبين المطلب الضروري، بينما فشل المحافظون المعاصرون في التمييز بين الإثم وبين الجريمة. (إن الإسهام الأوحد الذي تقدم به المجتمعيون للجدل الحالي هو انهم جعلوا من هذين خطأين فادحين).
عندما يحذف مؤيدو مبادئ الحرية القيم الأخلاقية من تحليلهم الاجتماعي، فإنهم على كل حال يتجاهلون الدروس التي قام جميع عقلاؤهم بتدريسها. فقد كتب آدم سميث كتابه: نظرية العواطف الاخلاقية، وركز فريدرك هايك على أهمية التقاليد والأخلاق. أما إين راند فقد وضعت منظومة صارمة للأخلاقيات الشخصية. وكان عمل توماس ساز يتحدى السلوكيين والتخفيضيين بالالتزام بالافكار القديمة التقليدية حول الخطأ والصواب، والحق والباطل، ومسؤولية الفرد عن اختياراته. ويؤكد تشارلس موري على قيمة وضرورة المجتمع والمسؤولية. على مؤيدي مبادئ الحرية أن يفعلوا المزيد لإيضاح دور المسؤولية الأخلاقية في فلسفتهم. وعلى كل حال، سيواصلون الإصرار على أن الحكومة تستطيع تقويض القيم الضرورية للمجتمع الحر—الشرف، الاعتماد على الذات، التعقل، التوفير، التعليم، التحمل، الانضباط، المُلكيّة، العقد، والأسرة، ولكنها لا تستطيع غرسها.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 2 كانون الثاني 2006.

peshwazarabic5 نوفمبر، 20100

كانت شركة غوغل للبحث في الانترنت هي واحدة من قصص النجاح الأكبر في الاقتصاد الأمريكي في العقد الماضي. فبعد بداية متواضعة في غرفة سكن طلابي في جامعة ستانفورد، طُرحت أسهمها للاكتتاب العام سنة 2004 ووصل سعر السهم لديها إلى 370 دولاراً.
أصبح مؤسسو الشركة، لاري بيج، وسيرجي برن والعديد من مدراء الشركة الأثرياء، أصبحوا أغنياء بالطريقة الوحيدة التي تستطيع أن تثرى بها في السوق الحرة: من خلال إنتاج شيء يريده الآخرون. فقد عمل العديد من الناس الأذكياء لساعات طويلة لينتجوا برنامج تشغيل حاسوبي اختار استخدامه مئات الملايين من الناس، في خضّم سوق تنافسية للغاية قدّم الكثير من الخيارات الأخرى.
ولكن في نظامنا الاقتصادي السياسي—الذي يسميه جوناثان راوتش، الصحفي في ناشيونال جورنال “الاقتصاد المتطفل”—لا يمر عمل جيد بلا عقاب. فقد أراد بعض الناس أن يسموا غوغل منفعة عامة يجب تنظيمها في المصلحة العامة، ربما من خلال مكتب فيدرالي لآلات البحث. تريد إدارة بوش من غوغل أن تسلمها أكثر من مليون عنوان إلكتروني عشوائي وسجلات لكل عمليات البحث على أساس أسبوع واحد. ويحقق الكونغرس في كيفية تعامل الشركة مع طلب الحكومة الصينية بمراقبة ناتج بحث المستخدمين الصينيين.
لذا قررت غوغل أن تبدأ لعبة واشنطن، كما فعلت مايكروسوفت وشركات أخرى من قبل. فقد فتحت مكتباً في واشنطن ووظّفت خبراء مجاميع ضغط (لوبي) من ذوي العلاقات الجيدة. إحدى أفضل شركات البحث التنفيذية في البلاد تبحث عن مدير سياسي للشركة.
ما يجب أن يقلقنا هنا هو كيف أن الحكومة قد استمالت شركة غوغل نحو القطاع السياسي للاقتصاد. لقد مضت الشركة في عملها لقرابة عقد من السنوات، تُطورُ برامج التشغيل، وتخلق آلة بحث أفضل من أية آلة كان قد حلم أي واحد منا، وتكسب المال ببراءة. ولما أثار حجمها وثروتها انتباه المنافسين، والناشطين المضادين للعمل التجاري، والسياسيين، أُجبرتْ على البدء بإنفاق بعض أموالها وتفكيرها لتتقي الهجمات السياسية. وهي نفس العملية التي مرت بها مايكروسوفت قبل سنوات قليلة، عندما واجهت نفس النوع من المشاكل. والآن مايكروسوفت هي جزء من “مؤسسة واشنطن”، بنفقات لوبي تزيد على تسعة ملايين دولاراً في العام.
وفقاً لمعايير واشنطن، مازالت غوغل لاعباً صغيراً، بكُلَف لوبي لا تبلغ المليون دولاراً فقط في العام الواحد. لقد كان لاعبو واشنطن المحنكون يرعون البراءة السياسية لغوغل. قال خبير اللوبي التكنولوجي ريت داوسون إن الشركة “تمضي بسرعة نحو مرحلة النضج… وهي تدفع لكي تجذب الانتباه في واشنطن.” أما لورين مادوكس، معاون سابق لشركة نيوت غينغريتش استخدمته غوغل مؤخراً، فقال إن لوبيّي الشركة يشرحون لهم أن “عملية السياسة هي امتداد لساحة معركة السوق.”
لقد مرت مايكروسوفت بنفس الضباب، رغم أنه كان أكثر حديةً. قال أحد المعاونين من الكونغرس، “إنهم لا يريدون أن يلعبوا لعبة العاصمة، هذا شيء واضح، وقد نجوا بفعلتهم لحد الآن. ولكن المشكلة هي أنهم لن يتمكنوا من ذلك على المدى البعيد.”
شيء على غرار: “(هاي) بيل، لديك شركة صغيرة جميلة هناك. من العار أن يحدث لها أي شيء.” وتفهم الشركات الرسالة: إذا أردت أن تنتج شيئاً في أمريكا، فلا بد أن تلعب اللعبة. ساهِمْ في حملات السياسيين، وظِّفْ أصدقاءهم، إذهبْ وقبعتك بيمينك إلى جلسات الاستماع في الكونغرس، واعتذرْ عن نجاحك.
المأساة هي أن العامل الأكثر أهمية في مستقبل أمريكا الاقتصادي—في رفع مستوى معيشة الجميع—ليس الأرض، أو المال، أو الكومبيوترات؛ بل الموهبة البشرية. بعض من الموهبة البشرية في شركة أخرى من أكثر شركات أمريكا ديناميكية يتحول الآن من النشاط الإنتاجي إلى حماية الشركة من النهب. وهكذا فإن الاقتصاد المتطفل امتص مشروعاً إنتاجياً آخر.
يمكن أن يعزى تباطؤ الاقتصاد الأمريكي خلال العقود القليلة الماضية إلى حد بعيد إلى هذه العملية فقط—توسع الاقتصاد المتطفل على حساب الاقتصاد المنتج. ارتفع عدد المؤسسات التي لديها مكاتب في واشنطن، إضافة إلى عدد المدراء التنفيذيين الذين يزورون واشنطن بشكل منتظم. وإذا كنت تعتقد بأن نمو الاقتصاد المتطفل سيتباطأ في ظل حكومة الجمهوريين، فإنك على خطأ. يصل عدد الشركات ذات خبراء اللوبي المسجلين إلى 58% في ست سنوات، وارتفع الإنفاق الرسمي من مليار ونصف إلى مليارين ومائة مليون دولاراً في ذلك الوقت.
كتب بيل غيتس عام 1998، “لقد مر عام على آخر زيارة لي إلى واشنطن العاصمة. أعتقد أن علي من الآن فصاعداً القيام بهذه الرحلة بشكل أكثر تكراراً.”
وهذا ما يكلفه الاقتصاد المتطفل لأمريكا. فمؤسسو مايكروسوفت وغوغل وغيرها من الشركات الخلاقة الأخرى سيهدرون عقولهم في حماية شركاتهم وليس بالتفكير بمنتجات جديدة، وطرق جديدة لتقديمها.
إن حضور غوغل الجديد في واشنطن مفهوم تماماً، ولكنه رمز تراجيدي لتحول موارد أمريكا الإنتاجية إلى عالم غير منتج من النهب السياسي والصراع لمقاومة هذا النهب.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 24 حزيران 2006.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018