كانت شركة غوغل للبحث في الانترنت هي واحدة من قصص النجاح الأكبر في الاقتصاد الأمريكي في العقد الماضي. فبعد بداية متواضعة في غرفة سكن طلابي في جامعة ستانفورد، طُرحت أسهمها للاكتتاب العام سنة 2004 ووصل سعر السهم لديها إلى 370 دولاراً.
أصبح مؤسسو الشركة، لاري بيج، وسيرجي برن والعديد من مدراء الشركة الأثرياء، أصبحوا أغنياء بالطريقة الوحيدة التي تستطيع أن تثرى بها في السوق الحرة: من خلال إنتاج شيء يريده الآخرون. فقد عمل العديد من الناس الأذكياء لساعات طويلة لينتجوا برنامج تشغيل حاسوبي اختار استخدامه مئات الملايين من الناس، في خضّم سوق تنافسية للغاية قدّم الكثير من الخيارات الأخرى.
ولكن في نظامنا الاقتصادي السياسي—الذي يسميه جوناثان راوتش، الصحفي في ناشيونال جورنال “الاقتصاد المتطفل”—لا يمر عمل جيد بلا عقاب. فقد أراد بعض الناس أن يسموا غوغل منفعة عامة يجب تنظيمها في المصلحة العامة، ربما من خلال مكتب فيدرالي لآلات البحث. تريد إدارة بوش من غوغل أن تسلمها أكثر من مليون عنوان إلكتروني عشوائي وسجلات لكل عمليات البحث على أساس أسبوع واحد. ويحقق الكونغرس في كيفية تعامل الشركة مع طلب الحكومة الصينية بمراقبة ناتج بحث المستخدمين الصينيين.
لذا قررت غوغل أن تبدأ لعبة واشنطن، كما فعلت مايكروسوفت وشركات أخرى من قبل. فقد فتحت مكتباً في واشنطن ووظّفت خبراء مجاميع ضغط (لوبي) من ذوي العلاقات الجيدة. إحدى أفضل شركات البحث التنفيذية في البلاد تبحث عن مدير سياسي للشركة.
ما يجب أن يقلقنا هنا هو كيف أن الحكومة قد استمالت شركة غوغل نحو القطاع السياسي للاقتصاد. لقد مضت الشركة في عملها لقرابة عقد من السنوات، تُطورُ برامج التشغيل، وتخلق آلة بحث أفضل من أية آلة كان قد حلم أي واحد منا، وتكسب المال ببراءة. ولما أثار حجمها وثروتها انتباه المنافسين، والناشطين المضادين للعمل التجاري، والسياسيين، أُجبرتْ على البدء بإنفاق بعض أموالها وتفكيرها لتتقي الهجمات السياسية. وهي نفس العملية التي مرت بها مايكروسوفت قبل سنوات قليلة، عندما واجهت نفس النوع من المشاكل. والآن مايكروسوفت هي جزء من “مؤسسة واشنطن”، بنفقات لوبي تزيد على تسعة ملايين دولاراً في العام.
وفقاً لمعايير واشنطن، مازالت غوغل لاعباً صغيراً، بكُلَف لوبي لا تبلغ المليون دولاراً فقط في العام الواحد. لقد كان لاعبو واشنطن المحنكون يرعون البراءة السياسية لغوغل. قال خبير اللوبي التكنولوجي ريت داوسون إن الشركة “تمضي بسرعة نحو مرحلة النضج… وهي تدفع لكي تجذب الانتباه في واشنطن.” أما لورين مادوكس، معاون سابق لشركة نيوت غينغريتش استخدمته غوغل مؤخراً، فقال إن لوبيّي الشركة يشرحون لهم أن “عملية السياسة هي امتداد لساحة معركة السوق.”
لقد مرت مايكروسوفت بنفس الضباب، رغم أنه كان أكثر حديةً. قال أحد المعاونين من الكونغرس، “إنهم لا يريدون أن يلعبوا لعبة العاصمة، هذا شيء واضح، وقد نجوا بفعلتهم لحد الآن. ولكن المشكلة هي أنهم لن يتمكنوا من ذلك على المدى البعيد.”
شيء على غرار: “(هاي) بيل، لديك شركة صغيرة جميلة هناك. من العار أن يحدث لها أي شيء.” وتفهم الشركات الرسالة: إذا أردت أن تنتج شيئاً في أمريكا، فلا بد أن تلعب اللعبة. ساهِمْ في حملات السياسيين، وظِّفْ أصدقاءهم، إذهبْ وقبعتك بيمينك إلى جلسات الاستماع في الكونغرس، واعتذرْ عن نجاحك.
المأساة هي أن العامل الأكثر أهمية في مستقبل أمريكا الاقتصادي—في رفع مستوى معيشة الجميع—ليس الأرض، أو المال، أو الكومبيوترات؛ بل الموهبة البشرية. بعض من الموهبة البشرية في شركة أخرى من أكثر شركات أمريكا ديناميكية يتحول الآن من النشاط الإنتاجي إلى حماية الشركة من النهب. وهكذا فإن الاقتصاد المتطفل امتص مشروعاً إنتاجياً آخر.
يمكن أن يعزى تباطؤ الاقتصاد الأمريكي خلال العقود القليلة الماضية إلى حد بعيد إلى هذه العملية فقط—توسع الاقتصاد المتطفل على حساب الاقتصاد المنتج. ارتفع عدد المؤسسات التي لديها مكاتب في واشنطن، إضافة إلى عدد المدراء التنفيذيين الذين يزورون واشنطن بشكل منتظم. وإذا كنت تعتقد بأن نمو الاقتصاد المتطفل سيتباطأ في ظل حكومة الجمهوريين، فإنك على خطأ. يصل عدد الشركات ذات خبراء اللوبي المسجلين إلى 58% في ست سنوات، وارتفع الإنفاق الرسمي من مليار ونصف إلى مليارين ومائة مليون دولاراً في ذلك الوقت.
كتب بيل غيتس عام 1998، “لقد مر عام على آخر زيارة لي إلى واشنطن العاصمة. أعتقد أن علي من الآن فصاعداً القيام بهذه الرحلة بشكل أكثر تكراراً.”
وهذا ما يكلفه الاقتصاد المتطفل لأمريكا. فمؤسسو مايكروسوفت وغوغل وغيرها من الشركات الخلاقة الأخرى سيهدرون عقولهم في حماية شركاتهم وليس بالتفكير بمنتجات جديدة، وطرق جديدة لتقديمها.
إن حضور غوغل الجديد في واشنطن مفهوم تماماً، ولكنه رمز تراجيدي لتحول موارد أمريكا الإنتاجية إلى عالم غير منتج من النهب السياسي والصراع لمقاومة هذا النهب.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 24 حزيران 2006.