عبدالعزيز السباعي صالح

peshwazarabic20 ديسمبر، 20100

لا حاجة للحديث عن ضوابط للنزاهة ولا عن ضرورة توافر الشفافية لضمان خروج الانتخابات المصرية المرتقبة بدون تزوير، فالحد الأدنى لمتطلبات التغيير لم يتوافر بعد لذا ليس من المنطقي أن نطالب –الآن- باعتماد صناديق زجاجية لجمع الأصوات، وتسجيل عملية التصويت بـ "الصوت والصورة"، وبأن يجري فرز كل صندوق وإعلان نتيجته داخل لجنته وتجميع النتائج قبل نقل الصناديق من مكانها.

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

لا يكل صديقي “صابر أيوب” من شكر الله شكراً كثيراً وحمده بُكرةً وأصيلاً، لأنه ما زال يحتمل ما يتعرض له من مواقف وأحداث دون أن يستسلم لليأس والإحباط كما فعل زميله “عبد الحميد” الذي ألقى بنفسه من أعلى أحد الكباري إلى قاع النيل.
وعبد الحميد –لمن لا يعرف- شاب مكافح، فقد تحمَّل بنفسه توفير مصاريف دراسته حتى تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بتفوق.. ونال شهادة تقدير (الطالب المثالي) في دورة تشجيع العمل الحر، وشهادة أخرى لمشاركته في منتدى الشباب بقرطاج ممثلا لبلاده، وثالثة من دورة تكنولوجيا المعلومات، ورابعة في تنظيم دورة تأهيلية للالتحاق بالسلك الدبلوماسي، وكان على وشك مناقشة رسالة الماجستير، وجميع أساتذته يقدرونه ويتوقعون له مستقبلا عظيما.
لهذا تصور أن بمقدوره أن يتقدم للالتحاق بوظيفة “ملحق تجاري” بوزارة الخارجية. ومن المصادفات الجديرة بالملاحظة أن بقية المتقدمين لشغل هذه الوظيفة كانوا من الحاصلين على الدورة التأهيلية للالتحاق بالسلك الدبلوماسي، التي نظمها وشارك فيها محاضراً، لذا كان طبيعياً أن يتخطى الامتحان التحريري والشفوي بجدارة، بيد أنه الوحيد من بين 43 متقدما الذي رسب في النهاية. وفي كشوف النتيجة المعلقة على الحائط الخارجي ظهر اسمه كاملا: “عبد الحميد علي شتا”، وبجواره السبب الوحيد بارزاً في صلافة: “غير لائق اجتماعياً”!!
… بعد تعرُّضه لهذه الصدمة وُجدت جثته في قاع النيل.
انشغل الناس بهذه الحادثة ثم -كما يحدث في كل قضايانا المصيرية- تضاءل هذا الاهتمام إلى أن طواه النسيان، واستمرت الأمور على وتيرتها الرتيبة إلا مع صديقي الذي ظل يتذكر الحادث المؤلم، وفي كل مرة يأخذ شهيقاً عميقاً ويحتفظ به في صدره لفترةٍ ثم يطلقه زفرةً حارةً ويكرر في حسرةٍ: “ليت زميلي عبد الحميد عاش في زمن الجواري والعبيد، فكم من جارية مجهولة النسب وصلت بذكائها أو بجمالها أو بمجرد إجادتها للعزف والغناء، إلى سدة الحكم والرياسة، وكم من عبد لا يعرف أسياده هويته شق طريقه بنباهته وشجاعته حتى أصبح قائدا للجيوش أو حاكما للبلاد أو مؤسس دولة تستمر بعد موته لأجيال وأجيال”..
ثم يبدأ صاحبي صابر في سرد المواقف المشابهة التي تعرض لها، فقد حاول في صباه أن يلتحق بـ “الثانوية العسكرية” لكي يسهل عليه بعدها التقدم لإحدى الكليات “السيادية”، وعجز وقتها عن الحصول على “تزكية” رغم تفوقه الدراسي وارتفاع لياقته البدنية وإجادته للعديد من الرياضات.. ورغم حصوله على الثانوية “العامة” بمجموع كبير جعله من بين العشرة الأوائل على مستوى الجمهورية عاوده حنينه الأول ففشل ثانية للسبب نفسه فاضطر لمواصلة الدراسة في كلية مدنية لا تحتاج لـ “كارت توصية”. وتفوق كعادته وظل يتقدم لأي وظيفة يسمع عنها ودائما كان يسبقه إليها من هم أعلى منه في طبقات الهرم الاجتماعي.
ما حدث مع عبد الحميد، وما زال يقع مع صابر، هو الوجه الآخر لحوادث “التوريث” المتجذرة في حياتنا اليومية دون أن ينكرها أو يلتفت لوجودها أحد. وهذا الوجه يترتب بالضرورة على الوجه الأول، فمعنى أن يحصل شخص ما على وظيفة لا يستحقها، أن هناك من كان يستحق هذه الوظيفة وتم حجبها عنه أو منعه من الوصول إليها، حتى أصبح أمثال صابر وعبد الحميد يشكلون نسبة كبيرة من أبناء الوطن منهم من قضى نحبه، ومنهم من تأقلم مع الظروف القائمة، ومنهم من اختصر الطريق فاحترف التسول أو بيع السلع التافهة، ومنهم أيضا من سوَّغ لنفسه طرق الانحراف وبرع فيها لأن النابغ أينما توجهه الأحداث لا يعدم الحيلة.
وللتوريث في حياتنا بوجهيه (منح من لا يستحق، ومنع من يستحق) مظاهر كثيرة يتناقلها الجميع ولا ينكرها أحد وتتمتع بقوة أعلى من قوة القانون.
من بين هذه المظاهر أن بعض المؤسسات الحكومية تعطي لأبناء العاملين فيها أولوية مطلقة في شغل ما يشغر بها من وظائف، وهناك ما يعرف بـ “الإعلانات الداخلية” عن الوظائف المطلوب شغلها، وبالطبع لا يعلم بهذه الإعلانات إلا العاملون داخل هذه الهيئة أو تلك الإدارة، وبالتالي لن يخبروا بها إلا أقرب الأقربين، ناهيك عن الانتهاء من اختيار المحظوظين قبل الإعلان الشكلي عن الوظيفة التي كانت شاغرة.
وهناك عائلات شهيرة في أكثر من “جمهورية” عربية لا يخلو منها أي تشكيل وزاري، وبعض الدوائر الانتخابية تظل حكرا على عائلات بعينها لا ينازعها عليها أحد، وأحياناً يتم تقسيم المقاعد النيابية في هذه الدوائر بين عدد محدود من العائلات، وفي الساحة الإعلامية تتعاقب الأجيال وتبقى أسماء معروفة للمتابع البسيط. ولا يمنع ذكر أمثلة لهذه الأسماء إلا الحرص على عدم شخصنة القضية.
وبعيدا عن الكليات السيادية –إن صح هذا التعبير الذي وصفها به صاحبنا- حدث غير مرة، في أكثر من كلية -وبشهادة أشخاص عدول- أن قرر مجلس أحد الأقسام عدم تعيين معيدين لمدة ثلاث سنوات لتفريغ هيئة التدريس حتى يضمن أحد المسؤولين النافذين تعيين نجله الذي التحق بهذا القسم وهو لا يزال في الفرقة الأولى.
ولا تختلف شروط الالتحاق بسلك القضاء عن مثيلتها في السلك الدبلوماسي ولا في الكليات السيادية، ولا المؤسسات الرسمية.
وثمة نوع آخر من أشكال التوريث يختلف قليلا عن الأنواع السابقة بغياب عصبية النسب واعتماد التوجه الأيديولوجي –إن صح الوصف ووُجد الموصوف- ويتمثل في سيطرة بعض التنظيمات السياسية أو الجماعات الدينية على بعض القطاعات فيقتصر إسناد الوظائف فيها على “الرفاق” أو “الإخوة” –بحسب الجبهة المهيمنة- ولا يحق لمن عداهم الوصول إلى هذه الأماكن، وهو ما يُطلَق عليه لفظ “الشللية”.. ويظهر هذا النوع من التوريث أكثر ما يظهر -للأسف الشديد- في المؤسسات الإعلامية والثقافية..
لا تقتصر خطورة هذه السلوكيات على ما يلحق بالأفراد المحرومين من غبن وظلم، إنما تمتد إلى ما يلحق بالمجتمع من خسائر نتيجة حرمانه من جهود وكفاءات وعقول ومهارات تم استبعاد أصحابها من العمل في أماكن تحتاج لإمكاناتهم.
يبقى السؤال الملح: ما مستوى أداء أي شخص قَبِلَ أن يبدأ حياته العملية بهذه الطريقة المشبوهة، وما مدى إخلاصه لأبناء المجتمع الذين خطا فوق رقاب بعضهم ليصل إلى ما وصل إليه؟
أما مناوئو توريث رئاسة الجمهورية فعليهم أن ينظروا للصورة بكل تفاصيلها وأن يعلنوا موقفهم صراحة، دون مناورة، من أشكال التوريث البغيضة على جميع المستويات وليس فقط على مستوى الإمامة الكبرى..
‎© منبر الحرية،24 أكتوبر/تشرين الأول 2010

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

وسط الأحداث المتلاحقة ثمة مفارقات يستعصى فهمها دون التخلي عن حسن الظن في أبطالها. بعض هذه المفارقات كانت مادة للحوار بين حشد من البشر أمام أحد منافذ توزيع الخبز المدعوم عندما تساءل شيخ وقور -والعرق يتصبب من جبينه: حتى متى يضطر الضحايا تسديد ضريبة صمت الرقباء على تجاوزات المخربين؟!
كان الطابور طويلا، وقد مل الناس من الانتظار.. وكعادة المصريين، يلجأون في مثل هذه الظروف لتزجية الأوقات الضائعة رغما عنهم بتجاذب أطراف الحديث حول أحداث الساعة وأحوال المعيشة، جاء الكلام في معظمه عفويا وسطحيا لمجرد تخفيف وطأة الانتظار، فقد تحدث الواقفون في كل شيء من جنون الأسعار وسرطان الفساد وتشفير كأس العالم إلى جلسات البرلمان ومظاهر الحراك السياسي، وكانوا يتكلمون بود واضح وحميمية ظاهرة وكأنهم أصدقاء – أو على الأقل زملاء – منذ زمن بعيد. ومع كثرة موضوعات الحوار وتداخل أصوات المتحدثين استوقفني ذلك السؤال نظرا لكثافته اللغوية الواضحة، وعلى الفور دارت في الذهن أسئلة أخرى: وهل بعد التخريب من تجاوز؟، ولماذا يسكت الرقباء على تصرفات المخطئين؟، مع أنهم مكلفون بالتصدي لهذه المخالفات، وكيف يسدد الضحايا تكاليف الاعتداء عليهم؟!
للوهلة الأولى توقعت أن الرجل يفلسف مشكلة تسرب الدقيق المدعوم إلى السوق السوداء تحت سمع وبصر مفتشي التموين، فقلت لصاحب السؤال “الفزورة”: “البشر خطاءون بطبعهم وصاحب المخبز لا يعنيه رضا المستهلك عن الرغيف، وكذلك الرقيب المعين من قبل الحكومة، ولهذا تتغلب المصالح الخاصة على القيم والمبادئ والأصول والأعراف نظرا لانعدام الرقابة الشعبية، وبالتالي فإن الضحية مشارك في الجريمة وعندما يدفع ضريبة صمت الرقباء فهو يدفع في الوقت نفسه ضريبة صمته هو أيضا. قال الرجل الطيب وهو يبتسم: المسألة أكبر من ذلك بكثير فأنا أتحدث عن صمن الرقيب الذي انتخبه الجمهور في مواجهة الفساد الكبير والتخريب المنظم، ألم تسمع بما حدث مؤخرا في مجلس الشعب من احتدام الزعيق والصياح حتى دخل الحذاء ضمن مفردات التفاهم؟ ثم فجأة أطبق السكون على الجميع وكأن شيئا لم يكن وأن صاحب الهجوم الخطير حامل الحصانة والاسم الشهير قد رضي من الغنيمة بثمن السكوت؟، وهو مبلغ يحتاج تدوينه لأكثر من ست خانات، وأن تعويض هذا المبلغ على دافعه أسهل من السهولة فلن يكلف نفسه سوى إضافة جنيهات قليلة إلى سعر سلعته الضرورية التي يتحكم فيها بمفرده، وبالتالي فسوف يضطر كل من يحتاج مسكنا يؤويه إلى تسديد ثمن صمت النائب الموقر على تجاوزات المحتكر الشهير – قلت ربما اندفع النائب في غمرة الحماس، ثم بعد الهدوء اكتشف براءة زميله في المجلس فآثر العودة إلى الحق– رد الرجل وقد ارتسمت على وجهه علامات الاستغراب: لو كان ذلك صحيحا لما تنازل الملياردير المطعون في أمانته عن حقه في إقامة دعوى سب وقذف حفاظا على سمعته لكنه اضطر هو الآخر إلى السكوت.
كان الناس من حولنا قد انتقلوا إلى موضوع تشفير كأس العالم وكيف أن الحزب الحاكم لم يقبل بحرمان الناس من مشاهدة مباريات المونديال، فخصص عشرات الساحات ووفر فيها شاشات عملاقة ليتمكن محدودو الدخل من الاستمتاع بهذا العرس الكروي العالمي، وشبَّه أحد الواقفين هذه الساحات بالأماكن التي تخصصها الحكومة لصلاة العيدين في العراء، وأثنى البعض على موقف الحزب الحاكم وعلى شعوره المرهف بمعاناة الجماهير ومحاولته التخفيف من أعبائهم بينما أصر آخرون على اتهام الجهات المعنية بالتقصير في بذل المساعي المطلوبة لنقل مباريات كأس العالم على القنوات الأرضية.
وبقي الشيخ الحكيم صامتا حتى فرغ الجميع من هذا الموضوع وكادوا ينتقلون إلى غيره من الهموم المعيشية، فإذا به يجتذب طرف الحديث ويسأل الناس من جديد: إذا كان الحزب الوطني قد فعل ما فعل انطلاقا من حرصه على مشاعر الجماهير ورغبته في تخفيف معاناتهم، فلماذا لم يتدخل جهابذته لحل مشكلة توريد القمح الوطني من الفلاحين “المصريين” الذين يلفون على الصوامع والمستودعات والمطاحن والشون ولا يجدون من يتسلم منهم محصولهم الوفير؟!
كانت هذه الموضوعات كفيلة بأن تنسي الواقفين لهيب الشمس وارتفاع نسبة الرطوبة، وضجيج السيارات العابرة من حولهم وما تثيره من غبار وتنسيهم أيضا كميات الخبز التي يحملها صبية المطاعم جهارا نهارا أمام أعين المنتظرين في الطابور الطويل، إلى أن وجدت نفسي وجها لوجه أمام موزع الخبز بعد أن سبقني الشيخ وقد حصل على حاجته وانصرف إلى سبيله دون أن يكمل الحوار، وحصلت أنا الآخر على حاجتي وانصرفت، ولكن ما زالت تلك الفوازير تحيرني وقد أعيتني الحيل وخارت قواي العقلية في البحث عن حل منطقي لها أو تفسير مقبول أو معقول.
© منبر الحرية،2 سبتمبر 2010

منبر الحرية3 نوفمبر، 2010

مصري، حاصل على بكالوريوس العلوم من جامعة الزقازيق
يعمل الآن في مجال التدقيق اللغوي والمراجعة الصحفية بجريدة “العرب” القطرية اليومية-مكتب القاهرة منذ الأول من نوفمبر 2007. له العديد من المقالات في مواقع وجرائد عربية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018