peshwazarabic20 ديسمبر، 20100
لا حاجة للحديث عن ضوابط للنزاهة ولا عن ضرورة توافر الشفافية لضمان خروج الانتخابات المصرية المرتقبة بدون تزوير، فالحد الأدنى لمتطلبات التغيير لم يتوافر بعد لذا ليس من المنطقي أن نطالب –الآن- باعتماد صناديق زجاجية لجمع الأصوات، وتسجيل عملية التصويت بـ "الصوت والصورة"، وبأن يجري فرز كل صندوق وإعلان نتيجته داخل لجنته وتجميع النتائج قبل نقل الصناديق من مكانها.

لا حاجة للحديث عن ضوابط للنزاهة ولا عن ضرورة توافر الشفافية لضمان خروج الانتخابات المصرية المرتقبة بدون تزوير، فالحد الأدنى لمتطلبات التغيير لم يتوافر بعد لذا ليس من المنطقي أن نطالب –الآن- باعتماد صناديق زجاجية لجمع الأصوات، وتسجيل عملية التصويت بـ “الصوت والصورة”، وبأن يجري فرز كل صندوق وإعلان نتيجته داخل لجنته وتجميع النتائج قبل نقل الصناديق من مكانها.
ذلك لأن الهدف من عملية الانتخاب –في الأصل- ألا تنفرد فئة قليلة العدد بالتحكم في مصائر بقية فئات المجتمع، وألا تطغى المكتسبات الخاصة على المنافع العامة.. ومن أسبابها اختلاف المواطنين في المواقف والآراء والأفكار والسياسات وتفاصيل الأمور العامة، ووجوب أن يكون لهذا الاختلاف قنوات شرعية يتحتم عدم الخروج عليها حفظاً للأمن والاستقرار ودفعاً للفوضى ودرءا لتعكير صفو الحياة. وتتمثل هذه القنوات في تشكيلات سياسية علنية من أحزاب متعددة وتيارات متباينة وفصائل مختلفة تعمل جميعها في النور بعيداً عن سراديب التنظيمات السرية.
ومن متطلبات العملية الانتخابية، التي يجب توافرها لدى جميع الأطراف (أغلبية قادرة أو أقلية قليلة الوسائل)، احترام الآخر وعدم السعي لتهميشه أو التشكيك في نيّاته أو تسفيه آرائه، وأن يسلِّم كل مهتم بالشأن العام وكل لاعب في الساحة السياسية بأن كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد، وأن “رأي الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها”، كما قال شاعر النيل.. وفي مقابل حق الأقلية في النقد والاعتراض يجب التسليم بحق الأغلبية في تحديد كيفية تسيير الأمور، وأن على أي تيار يعارض الوضع القائم أن يطرح بديلاً يحظى باقتناع أغلب الناس وأن يقدم لكل موقع الشخص المناسب القادر على تحمل المسؤولية بأمانة واقتدار.
والأهم من كل ما سبق أن يعلم جميع الأطراف أن نيل المطالب ليس بالتمني، فلا بد للفكر من قوة تدعمه وتدفعه، ولا بد لكل تيار من آليات وإمكانات عليه أن يوجدها ثم يحسن توظيفها في مواجهة أهداف الآخرين وسياساتهم.
والنتيجة الطبيعية لغياب هذه الأسس هي استمرار الأوضاع على ما هي عليه إن لم تنحدر إلى الأسوأ..
هذا عن المبررات المنطقية والأسس الفكرية والحدود الطبيعية لخوض الانتخابات. أما في الواقع فإن بعض مرشحي هذا الزمان -سواء للمحليات أو المجالس التشريعية- يشبهون سائقي سيارات الأجرة بين المحافظات والصبية الذين يقودون الميكروباصات في شوارع المدن، ففي البداية ينادي الواحد منهم على الركاب في توسل واضح وباحترام مبالغ فيه… وما إن يكتمل عدد الركاب ويصعد السائق إلى عجلة القيادة حتى تتبدل نبرات الخطاب، وتظهر علامات التحكم والاستعلاء على كل من يطلب التوقف أو يقترح تعديلا على خط السير أو يفكر في مناقشة قيمة “الأُجرة”.. وقبيل انعقاد “مزاد الحصانة” يكثف كل مرشح تواجده بين الناس ويقابل الجماهير بالأحضان والقبلات ومعسول الكلام، مبعثراً وعوداً وردية وشعارات براقة.. ثم يذهب بعد ذلك كل في طريقه ليدخل الخاسر في مرحلة “بيات سياسي واجتماعي” ويتفرغ الفائز لتعويض ما أنفقه على الدعاية واستمالة رؤوس العائلات، ويحرص أول ما يحرص على استثمار العلاقات العامة من موقعه الجديد في تحقيق المصالح الخاصة تحت ظلال الحصانة الوارفة.. ويحدث كثيرا أن يبدل النائب انتماءه ويغير شعاراته حتى لو كان الانتماء الجديد يناقض تماماً ذلك الانتماء الذي اختاره الناخبون على أساسه. وبعد انقضاء فترة الصلاحية لهذا المجلس أو ذاك يعود الخاسرون والفائزون على السواء لتكرار السيناريو نفسه من جديد..
هذا عن المرشحين كأفراد أما على مستوى التنظيمات والتيارات والأحزاب فقد وضحت المعالم الرئيسية والملامح البارزة لبرلمان 2010-2015 الذي سيتشكل بناء على الانتخابات البرلمانية المرتقبة.. ولا علاقة لهذا بـ “قراءة الطالع أو فتح المندل” فالأمر لا يعدو مجرد قراءة سريعة لملامح الخريطة النيابية القادمة وفق قانون “النسبة والتناسب” المعلوم لتلاميذ المدارس بالضرورة.
فإذا علمنا أن الحزب الحاكم (الوطني) قد دفع بعدد من المرشحين يفوق عدد مقاعد البرلمان ما بين القائمة والمستقلين (المهرولين)، في مواجهة أعداد رمزية من بقية الأحزاب والتيارات والجماعات وقليل من المستقلين (الحقيقيين)، فإن الاحتمال المؤكد أن يفوز بالحصانة عدد من كل فريق يتناسب مع نسبة مرشحيه إلى إجمالي عدد المرشحين.
وبناء على ذلك يكون الحزب الحاكم قد حجز الأغلبية الساحقة -كما حدث في البرلمانات السابقة- ولا يتبقى للمعارضة مجتمعة إلا نسبة هزيلة تكاد أن تحفظ ماء الوجه وتؤمِّن الديكور اللازم لإخراج العملية بصورة ديمقراطية.
يتأكد هذا الاحتمال مع وجود أكثر من مرشح من المعارضين على مقعد واحد، رغم ما يصرون على تسميته بـ “التحالف” أو التنسيق فيما بينهم، ناهيك عن أن هذا التحالف أو التنسيق يجافي المنطق القويم، إذ كيف يتحالف اليميني مع اليساري أو الاشتراكي مع الرأسمالي أو الديني مع القومي أو الأصولي مع العلماني أو الليبرالي؟
حتى لو فاز مرشحوا المعارضة بجميع المقاعد التي نافسوا عليها (مع أن هذا الفرض مفرط في التفاؤل) فإن العدد النهائي سيظل دون الأغلبية، بل دون التمثيل المشرف، إذ شتّان بين معارضة تقترب من نسبة الـ50% وبين معارضة لا تزيد على 10 أو 20% أو حتى 30%، لأن هذه النسبة لا تكفي لتمرير قانون أو التصدي لقرار، أو سحب الثقة من حكومة أو حتى من وزير.
فهل اتفق اللاعبون على هذه الحدود، وقبلوا بهذه الشروط، لتظل الخريطة النيابية على حالها الرتيبة وشكلها الثابت دون تغيير في المواقع والصفات وإن تغيرت أسماء بعض شاغلي مقاعد البرلمان.. أم عجز المعارضون عن تغطية جميع الدوائر؟
الاحتمال الأول يعني التواطؤ، أما الثاني فمعناه الضعف.. في الحالين فإن اختلال الخريطة النيابية ما بين أغلبية كاسحة محجوزة مسبقاً مع احتمالات تغيير الأسماء، وبين أقلية هزيلة لا تؤثر في مجريات الأحداث، مرجعه ليس لتغوُّل الحزب الحاكم ولا إلى عوار القوانين المنظمة للانتخابات بل يكمن أساساً في تراجع أداء المعارضة بكامل أحزابها وتياراتها وفصائلها، فإذا كان الناخب هو المسؤول عن اختيار الأصلح فماذا بوسعه أن يفعل إن لم يجد من يرتضيه نائباً من بين المرشحين؟
إن الناخب بطبيعة الحال لن يختار من فراغ ولن ينتخب شخصاَ أو حزباً أو تياراً انسحب من المنافسة أو لم يتقدم –أصلاً- لخوض الانتخابات.. وهذه بديهية لم يكن من اللائق التطرق إليها لولا ما وصلت إليه الأمور من ضبابية واختلال.
© منبر الحرية،15 دجنبر/كانون الأول 2010

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018