فاسلاف كلاوس

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

يوجد لدى كل شخص قائمة من القضايا والمشاكل والتحديات التي يعتبرها ملحة، وموضوعية، ومقلقة وذات صلة، بناءا على خبراته وتحيزاته وحساسياته وأفضلياته وأولوياته.
أعتبر أنه من الأهم والأجدر التحدث عن تحديات الأمم الداخلية، والتي يعتبر ثلاثة منها من التحديات الرئيسية في هذا العصر.
يرتبط الموضوع الأول بـ”السيطرة الدولانية الجديدة”. اضطرت الجمهورية التشيكية، وعلى غرار سائر الدول الشيوعية السابقة، إلى أن تخضع إلى عملية انتقال صعبة. ولقد أدركنا في مرحلة مبكرة جدا أن هذا الانتقال يجب أن يصنع محليا حيث يستحيل استيراد نظام مصنوع في الخارج. وأدركنا أيضا أن هذا التغيير الجوهري لم يكن مجرد تمرين في الاقتصاد التطبيقي، بل هو عملية تطورية من صنع الإنسان، وأن علينا أن نجد طريقنا، “طريق التشيك”، نحو مجتمع واقتصاد فاعلين.
لقد نجحنا في التخلص من الشيوعية، ولكننا افترضنا بشكل خاطىء، مثلما فعل آخرون، أن محاولات قمع الحرية، وتنظيم وضبط والسيطرة على المجتمع والاقتصاد بشكل مركزي هي أمور من الماضي وبقايا كاد أن يطويها النسيان. وللأسف، لا تزال الدوافع التي تحث على المركزية موجودة فيما بيننا. وأرى أمثلة على وجود هذه الدوافع في أوروبا وفي معظم المنظمات الدولية بدرجة أكثر من الولايات المتحدة، وإن كانت موجودة في أمريكا أيضا.
إن سبب قلقي هو ظهور أفكار ونظريات جديدة وشائعة ورائجة جدا، تقدم، مرة أخرى، مختلف القضايا والرؤى والخطط والمشاريع على الحريات وحقوق الأفراد. فهناك الديمقراطية الاجتماعية، التي لا تعدو أن تكون نسخة أخف وأكثر اعتدالا من الشيوعية، وهناك الـ”حقوق الإنسانية”، المبنية على فكرة الحقوق الإيجابية المطبقة في جميع أنحاء العالم. وهناك أيضا الأممية وتعددية الثقافات والـ”حركة النسائية” والنظرية البيئية، وأيديولوجيات أخرى مماثلة.
انتهت الشيوعية، ولكن محاولات الحكم من أعلى ما زلت هنا، أو ربما أنها قد عادت.
التحدي الرئيسي الثاني أجده مرتبطا مع تجربتنا مع الاتحاد الأوروبي، بل ويمتد إلى أبعد من الاتحاد الأوروبي، لأنه يشكل جزءا من اتجاه أوسع نحو إزالة الدول القومية ونحو فوق-قومية وحوكمة شاملة عالمية الانتشار.
تجعلني الحساسية الخاصة التي أملكها والكثير من أبناء وطني، تجعلني أنظر إلى العديد من الاتجاهات الحالية في أوروبا نظرة ناقدة. ويبدو أن المعارضين لي لا يستمعون إلى حججي. فهم يرفضون الآراء التي لا يريدونها. يتطلب فهم انتقادي معرفة التطورات التي حدثت في الاتحاد الأوروبي وتحوله التدريجي من مجتمع مكون من أمم متعاونة إلى اتحاد أمم غير سيادي، وكذلك معرفة الاتجاهات فوق القومية السائدة.
لقد كنت دائما من مؤيدي التعاون والمشاركة الودودة والمسالمة والتي تؤدي إلى إثراء متبادل بين الدول الأوروبية. ومع ذلك، أوضحت عدة مرات أن التحرك نحو أوروبا أقرب وأكثر ارتباطا من أي وقت مضى، وهو ما يسمى بـ”تعميق الاتحاد الأوروبي”، فضلا عن السرعة في تحقيق التكامل السياسي وميول أوروبا فوق القومية التي لا تدعمها هوية أوروبية أصيلة أو مثل أوروبية، تضر بالديمقراطية والحرية.
لا يمكن تأمين الحرية والديمقراطية، هذه القيم النفيسة والعزيزة، بدون ديمقراطية برلمانية داخل حدود وأراضي دولة واضحة المعالم. إلا أن هذا هو بالضبط ما تحاول النخبة السياسية الأوروبية الحالية ورفاقهم التخلص منه.
أرى تهديدا رئيسيا ثالثا لحرية الفرد في النظرية البيئية. أفهم تحديدا القلق إزاء التدهور البيئي النهائي، ولكنني أيضا أرى مشكلة في النظرية البيئية، كفكر وأيديولوجيا.
تتظاهر النظرية البيئية بأنها تتعامل مع حماية البيئة. ولكن، وراء المصطلحات الرفيقة بالإنسان والصديقة بالطبيعة، يقوم أنصارها بمحاولات طموحة من أجل إعادة تنظيم وتغيير العالم والمجتمع البشري وسلوكياتنا وقيمنا بصورة جذرية.
مما لا شك فيه أن من واجبنا حماية الطبيعة بشكل رشيد من أجل الأجيال القادمة. ولكن، يستمر أتباع الأيديولوجية البيئية بعرض سيناريوهات كارثية مختلفة بقصد إقناعنا على تنفيذ أفكارهم. وهذا أمر غير عادل، بل أيضا في غاية الخطورة. والأمر الأخطر في رأيي هو المظهر شبه العلمي الذي تتخذه توقعاتهم التي كثيرا ما يتم دحضها.
ولو تمعنا في المعتقدات والفرضيات التي تشكل أساس أيديولوجية حماية البيئة، لوجدنا أنها تتمركز حول المظاهر التالية: عدم الإيمان بقوة اليد الخفية للسوق الحرة والإيمان بالسيطرة الكلية للدولة على الاقتصاد والأمور الاجتماعية؛ تجاهل الدور الهام والفعال للآليات والمؤسسات الاقتصادية، وخاصة تلك المتعلقة بحقوق الملكية والأسعار؛ سوء الفهم لمعنى الموارد والفرق بين الموارد الطبيعية المحتملة والحقيقية التي يمكن استغلالها اقتصاديا (التشاؤم المالثوزي فوق التقدم التقني)؛ الإيمان بهيمنة الآثار الجانبية على الأنشطة البشرية؛ تشجيع ما يسمى بمبدأ الوقاية الذي يعظم تجنب الخطر دون الالتفات إلى التكاليف؛ الاستخفاف بأهمية تحسين نمو الدخل ورفاه الإنسان طويل الأجل، مما يؤدي إلى تحول أساسي في الطلب تجاه حماية البيئة، والذي يستدل عليه من خلال ما يسمى بـ”منحنى كوزنتس البيئي”؛ وأخيرا، الإهمال الخاطئ للمستقبل، والذي ظهر بوضوح من خلال “تقرير ستيرن” الذي نال تغطية إعلامية كبيرة قبل بضعة أشهر.
إن جميع هذه المعتقدات والفرضيات مرتبطة بالعلوم الاجتماعية وليس العلوم الطبيعية. وهذا هو السبب الذي يجعل حماية البيئة، خلافا للإيكولوجية العلمية، لا تنتمي إلى العلوم الطبيعية ويمكن تصنيفها كأيديولوجية. تلك حقيقة لا يمكن أن يفهمها الشخص العادي والعديد من السياسيين.
ليس في نيتي هنا أن أعرض الحجج لدحض تلك الفرضية. الأمر الذي أعتقد أنه جدير بالاهتمام هو الاحتجاج ضد جهود ومحاولات أنصار البيئة التلاعب بالناس والتأثير عليهم. ستعيدنا توصياتهم إلى عصر سيطرة الدولة وتقييد الحرية. ولذلك، يتحتم علينا أن نضع خطا واضحا ونفرق بين الأيديولوجية البيئية والإيكولوجية العلمية.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 9 أيار 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20101

بصفتي ناقدا قديما لمفهوم العملة الأوربية الموحدة، لم يغامرني البتة شعور بالفرح والسرور للمشكلات الحالية التي ضربت منطقة اليورو، والتي تهدد اليورو وبقاءه. وقبل أن أتطرق للأحداث التي صاحبت أزمة الدين اليونانية بالمزيد من النقاش، عليّ أن أقدّم هنا تعريفا عمليا لمعنى كلمة “انهيار”. ففي سياق اليورو، هنالك تفسيران على الأقل يتبادران إلى الأذهان. التفسير الأول يرى بأن مشروع منطقة اليورو، أو مشروع صك عملة أوربية موحدة قد انهار مسبقا، وذلك بسبب إخفاقه في تحقيق النتائج الإيجابية التي كانت متوقعة منه.
إن عملية إنشاء منطقة اليورو قد تم تقديمها على أنها منفعة اقتصادية لا لبس فيها لجميع البلدان الراغبة في التخلي عن عملاتها النقدية التي كانت موجودة لعقود، أو قرون. لقد نُشرت دراسات مكثفة، ولكنها منحازة، شبه علمية، قبيل الشروع بإطلاق العملة الموحدة. وقد وعدت هذه الدراسات بأن اليورو سيساعد على النمو الاقتصادي، ويقلل التضخم، وأكدت بشكل خاص على التوقعات بأن الدول الأعضاء في منطقة اليورو ستكون في مأمن من جميع أنواع الأزمات الاقتصادية غير المرغوبة والصدمات الخارجية.
لم يؤدِ اليورو إلى نمو ٍ مرتفع في منطقة اليورو:
من الواضح جدا أن شيئا من هذا القبيل لم يحدث. فبعد تأسيس منطقة اليورو، تباطأ نمو دول الأعضاء الاقتصادي مقارنة مع ما كان عليه الحال في العقود السابقة، مما زاد في حجم الفجوة بين سرعة النمو الاقتصادي في بلدان منطقة اليورو ونضيره في الاقتصاديات الكبرى كاقتصاد الولايات المتحدة والصين، والاقتصاديات الأصغر في جنوب شرق آسيا وبعض الدول النامية، فضلا عن دول أوربا الشرقية والوسطى، التي لم تنضو ِ إلى منطقة اليورو. منذ ستينيات القرن العشرين، تباطأت معدلات النمو الاقتصادي في بلدان منطقة اليورو، ولم يؤد وجود اليورو إلى الحد من هذا التباطئ . وحسب بيانات البنك المركزي الأوربي، كان معدّل النمو الاقتصادي السنوي في بلدان منطقة اليورو 3.4 % في عقد السبعينيات، و2.4% في الثمانينيات، و 2.2 % في التسعينيات، و1.1 % منذ عام 2001 وحتى عام 2009 (عقد اليورو). لم يحدث أي تباطؤ مشابه في أي مكان آخر في العالم.
اقتصاديات منطقة اليورو لم تندمج:

حتى الاندماج المتوقع في معدلات التضخم لبلدان منطقة اليورو لم يحدث. وتشكّلت مجموعتان مختلفتان من الدول ضمن منطقة اليورو – إحداهما بمعدل تضخم منخفض، والأخرى (والتي تشمل اليونان، واسبانيا، والبرتغال، وإيرلنده، وبعض الدول الأخرى) بمعدل تضخم مرتفع. ورأينا أيضا زيادة ً في حالات عدم التوازن التجاري الطويلة الأمد. فمن ناحية، هنالك بلدان ذات ميزان تجاري يفوق فيه حجم الصادرات حجمَ الواردات، ومن ناحية أخرى، هنالك بلدان تستورد أكثر مما تصدّر. لذا فليس من قبيل المصادفة أن تعاني البلدان الأخيرة أيضا من معدلات تضخم أعلى. لذا فإن تأسيس منطقة اليورو لم يؤدي إلى أي تجانس أو انسجام فيما بين اقتصاديات الدول الأعضاء.
ولم تقم الأزمة المالية العالمية إلا بمفاقمت وكشف جميع المشكلات الاقتصادية في منطقة اليورو – لكنها لم تتسبب في خلق تلك المشكلات. غير أن هذا الأمر لم يشكّل مفاجأة بالنسبة لي. فمنطقة اليورو، التي تتضمن 16 بلدا أوروبيا، ليست “منطقة عملة مثلى” كما تزعمه بعض النظريات الاقتصادية المغلوطة.
أوتمار إيسينغ، العضو السابق في المجلس التنفيذي، وأحد الاقتصاديين الكبار في البنك المركزي الأوربي، قال مرارا وتكرارا (مؤخرا في خطاب له في براغ في ديسمبر – كانون الأول عام 2009) إن تأسيس منطقة اليورو كان قرارا سياسيا في المقام الأول[ii].  لكن ذلك القرار لم يأخذ بالحسبان مدى ملائمة هذه المجموعة الكاملة من الدول لمشروع عملة واحدة. ولا شك أن تكاليف تأسيس منطقة العملة الموحدة وإدامتها ستفوق الفوائد المتوخاة منها.
واختياري لمفردتَي “تأسيس” و “إدامة” ليس اختيارا عرضيا وبمحض المصادفة. فمعظم المعلقين الاقتصاديين (ناهيك عن المعلّقين غير الاقتصاديين) كانوا قانعين وراضين عن سهولة وانخفاض كلفة الخطوة الأولى (أي تأسيس منطقة عملة واحدة). وقد ساعد هذا على تشكيل انطباع خاطئ بأن كل شيء على ما يرام في ما يتعلق بمشروع العملة الأوربية الموحدة. كان هذا خطأ أشار إليه بعضنا على الأقل منذ لحظة ولادة اليورو. ولسوء الحظ، فإن أحدا لم يُصغ لنا.
لم أشكك أبدا بحقيقة أن أسعار الصرف في البلدان التي انضمّت لمنطقة اليورو كانت تعكس بشكل أو بآخر حقيقة الوضع الاقتصادي في أوروبا في زمن ميلاد اليورو. ولكن، خلال العقد الأخير، اختلف الأداء الاقتصادي لبعض أعضاء منطقة اليورو، وأصبحت التأثيرات السلبية “الإجبارية” لفرض عملة واحدة على الدول الأعضاء أكثر وضوحا. فعندما ساد ’الجو الجيد‘ (بمعناه الاقتصادي)، لم تظهر أية مشكلات. ولكن ما إن وصلت الأزمة، أو ’الجو السيئ‘، أخذ الافتقار إلى الانسجام بين أعضاء منطقة اليورو يتجلى بوضوح. ومن هذا المعنى، أستطيع القول إن منطقة اليورو قد أخفقت – كمشروع  واعد بالنفع والفائدة الاقتصادية الكبيرة لأعضائه.
التكاليف الخفية لليورو:

من المسائل المثيرة بالنسبة إلى السياسيين وغير المختصّين (وليس بالنسبة إلى الاقتصاديين) هي التساؤل عن إمكانية انهيار منطقة اليورو كمؤسسة. وجوابي على هذه المسألة هو ’لا‘ سوف لن تنهار. لقد استـُثمِر الكثير من رأس المال السياسي في وجود اليورو ودوره بوصفه ’الإسمنت‘ الذي يربط الاتحاد الأوربي في طريقه نحو (ما فوق الأممية) بحيث لن يُتخلى في المستقبل المنظور عن منطقة اليورو بكل تأكيد. هذه المؤسسة سوف تستمر، ولكن بثمن باهظ للغاية سيدفعه مواطنو بلدان منطقة اليورو (كما سيدفعه بشكل غير مباشر الأوربيون الذي ابقوا على عملاتهم النقدية الخاصة).
أما ثمن إدامة اليورو فسيكون النمو الاقتصادي المتدني في منطقة اليورو.  إن النمو الهزيل في منطقة اليورو سيتسبب في خسائر اقتصادية في بلدان أوربية أخرى، مثل جمهورية التشيك، وفي سائر أنحاء العالم. وسيكون سعر اليورو المرتفع ملحوظا جدا في حجم التداولات المالية التي يتوجب إرسالها إلى بلدان منطقة اليورو التي تعاني من أكبر المشكلات المالية والاقتصادية. أما الفكرة القائلة بأن هذه التحويلات لن تكون سهلة دون وجود اتحاد سياسي فكانت معروفة لدى المستشار الألماني هولمت كول منذ عام 1991 عندما قال إن ” التاريخ الحديث، ليس في ألمانيا فحسب، يعلّمنا أن فكرة إيجاد اتحاد اقتصادي ونقدي على المدى البعيد، دون وجود اتحاد سياسي، ما هي إلا مغالطة كبيرة.” ولكن يبدو أن كول قد نسيها، لسوء الحظ، مع تقادم الزمن.
إن حجم المال الذي ستتلقاه اليونان في المستقبل المنظور يمكن أن يقسم على عدد سكان الاتحاد الأوربي، ويمكن لكل شخص أن يحسب مساهمته بسهولة ويُسر. ولكن تكلفة “الفرصة” البديلة الناجمة عن خسارة معدّل نمو اقتصادي محتمل أعلى، وهو أمر يصعب حسابه وتأمله على غير الاقتصاديين، ستكون – أي تكلفة الفرصة البديلة – أكثر إيلاما بكثير. مع ذلك، لا أشك بأنه، ولأسباب سياسية، سيتم دفع هذا الثمن الباهظ لليورو، وأن سكان منطقة اليورو سوف لن يعرفوا على وجه الدقة حجم تكلفة اليورو عليهم.
وللإيجاز، فإن الإتحاد النقدي الأوربي لن يكون مهددا بالإلغاء. وسيستمر  ثمن الإبقاء عليه بالارتفاع.
غير أن جمهورية التشيك لم ترتكب خطأ عندما تجنبت اللحاق بركب منطقة اليورو حتى الآن. ولسنا البلد الوحيد الذي ينحى هذا المنحى. ففي الثالث عشر من أبريل نيسان، 2010 نشرت ’الفاينانشال تايمز‘ مقالا لمحافظ البنك المركزي البولندي الراحل سلاومير سكرازيبيك – وهو رجل تشرفت بمعرفته جيدا. لقد كتب سكرازيبيك هذا المقال قبيل موته المفجع في حادث تحطم الطائرة الذي أودى بعدد من رجال الدولة البولنديين قرب سمولنيسك في روسيا. في ذلك المقال، كتب سكرازيبيك: “بولندا، بوصفها دولة ليست عضوا في اليورو، كانت قادرة على الاستفادة من مرونة أسعار صرف الزلوتي (العملة البولندية) بطريقة ساعدت على النمو وخفّضت من العجز دون استيراد التضخم.” وأضاف أن “القصة التي استمرت لعقد من الزمن والتي توضح كيف خسر أعضاء منطقة اليورو قدرتهم التنافسية بشكل كبير هي درس وعبرة مفيدة.” وليست هناك حاجة إلى قول المزيد.
© منبر الحرية ، 18 يونيو / حزيران 2010

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

1. عملية التحـــول

إن ما سأطرحه في هذه الورقة سوف لن يكون لا أكثر ولا أقل ملخصا نموذجيا وصفيا للمرحلة الراهنة من عملية التحول في بلادي وفي كل مكان في أوروبا الوسطى والشرقية. لقد وجدت من المناسب أن أقوم بالدفاع عن النتائج التي تحققت، نظرا لان عملية التحول التاريخي هذه، بالرغم من كافة المشاكل القائمة، تعتبر عملية تحول ناجحة من الناحية المبدئية. ومن هنا، فإن من واجبنا أن نفهم بشكل أكثر عمقا الآلية الاجتماعية المذهلة التي تجعل من تحقيق مثل تلك العملية ممكنا وتصف التفاعل الدقيق بين العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية أثناء التطبيق.
إن خلفيتي النظرية وخبرتي العملية تنبئاني بان التغير في النظام، والذي كنا قد خبرناه عندما كان يجري تفكيك الشيوعية في بلادنا، هو عملية تطورية وليس عبارة عن ممارسة في مجال الاقتصاديات التطبيقية أو في العلوم السياسية. فالتغير في النظام يعتمد على مزيج معقد جدا من الأحداث المخطط لها وغير المخطط لها والمقصودة وغير المقصودة، أو هو، عند صياغته بطريقة مختلفة، قائم على مزيج من النوايا المقصودة والعفوية. ومن خلال المشاركة في مثل هذه العملية قمنا بفتح فصل آخر من فصول كتاب لم يجر إكماله مطلقا مخصص لدراسة الدور النسبي للعمل الإنساني والتصميم الإنساني في تاريخ البشرية، وقد تم تكريس الكتاب لدراسة “الأنظمة الصنعية” و”نظريات المبادلات” (من الاقتصاد السياسي)، عند استخدام المصطلحات “الهايكية” الشهيرة (نسبة إلى عالم الاقتصاد هايك). وآمل أن نتمكن من إضافة شيء ما إلى تلك الدراسة. وربما يجوز لنا أن نؤكد بأن التحول الناجح لا يكون نتيجة برامج عمل إصلاحية تفصيلية موضوعة بين أيدي سياسيين إصلاحيين من ذوي السلطة المطلقة، والأصح هو أن النجاح يعتمد على نشاط غير مقيد تقوم به كائنات بشرية إضافة إلى “استدلالية متواضعة” في انتقاء قواعد أساسية وفي تشكيل سياسة تحولية.
إنني اعتقد بأن أي موقف سلبي تجاه أية استدلالية طموحة وتجاه كافة أشكال تنظيم مواطنين أحرار هو أحد إفشاءات الحقيقة الأساسية بالنسبة لنا جميعا. ولقد تعلمنا بأن لهذه الفكرة صلة وثيقة بموضوع توضيح التغيرات التي تطرأ داخل نظام قائم بقدر صلتها بالانتقال من نظام اجتماعي إلى نظام اجتماعي آخر. وبالنسبة لبلداننا التحولية، يجب عليها، مرة بعد مرة، أن تأخذ حذرها ضد محاولات إتباع قواعد تتابعية يتم إعدادها بطريقة علمية بهدف إعادة هيكلة وبناء مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية.
إن قدرتنا على التحكم بأحداث اجتماعية تعتبر قدرة مقيدة وأن من غير الممكن أن يتم القيام بإجراءات إصلاحية (أو انتقالية) بشكل مدبر. إنني أشدد على هذه الاستحالة لأننا، من الناحية التقليدية، كان لدينا “إقرار مسلم به” ضد كافة أشكال الاستدلالية السياسية والهندسة الاجتماعية. إضافة لذلك، لقد تعلمنا من الخبرة بأنها من الناحية العملية غير قابلة للتحقيق. ولكي تتم المساعدة في استحداث وسيلة نظام اجتماعي جديد فإن علينا أن نقوم بتنفيذ إجراءات لبرلة ورفع قيود التنظيم (وهي مساهمة غير فعالة تقريبا). ومع ذلك، يجب علينا أيضا أن نستنبط وأن نسن أحكاما جديدة تعمل على تحديد ملامح تلخيصية معينة للنظام الجديد (وهي أكثر من مساهمة إيجابية). وفي النهاية، يجب علينا أن نقبل وجود عملية تطورية عفوية تعمل على تأسيس ترتيبات سياسية واجتماعية واقتصادية جديدة.
والسؤال الذي يتم طرحه هو هل يتوجب وكيف يتوجب على الآليات المتعددة أن تتفاعل وكيف يمكن للجانب العفوي من عملية التحول أن يكتمل بفضل العقل والإجراءات المقصودة التي تهدف إلى الابتعاد عن الفوضى وعن التكاليف الباهظة للتحول. إنني، قطعا، من خلال طرح هذا السؤال، لا ارغب في الدفاع عن مبدأ الاستدلالية الاجتماعية اليوتوبية بل بالأصح أرغب في التركيز على إجراءات مقصودة منتظمة تعمل على التقصير في عملية التحول والتقليل من تكاليف التحول.
إن التغير في النظام، الذي يبدأ عادة وبشكل غير متوقع بانفجار فجائي من عدم الرضى على المستوى الشعبي، عبارة عن مزيج معقد من النوايا المقصودة والعفوية. ويبدو لي بأن عملية التحول تنتقل عبر ثلاث مراحل أساسية حيث يوجد لكل مرحلة جانب عفوي وآخر مقصود.
2. المرحلــــة الأولى

الجــانب العفوي

تبدأ كامل العملية بانهيار يحدث في مؤسسات وقواعد قديمة بحيث يتم سحبها بعيدا أو جعلها غير فعالة. ولتحقيق هذه النتيجة في الأيام الأخيرة من الشيوعية، كان الوصول إليها بسيطا إلى حد ما ولم يكن الخطر الوشيك يكمن في احتمالية رجوعها بل كان بدلا من ذلك في المبادأة التي بدرت عن دائرة فاسدة من دوائر أنصاف الإجراءات ودوائر التغيرات التطورية المبتورة والتي أدت إلى عدم تحسن سواء في الخصائص الأخلاقية أو في خصائص الفعالية للنظام الجديد. وهذه اللحظة هي التي تمثل أول خطر من أخطار التحول الحاسم. والبديلان الكامنان لذلك هما: وجود عملية فوضوية طويلة، من جهة، والقيام بتشكيل سريع ومحدود تقريبا لنظام جديد متماسك، من جهة أخرى.
من الناحية السياسية، سيتوقف الحزب الشيوعي الحاكم عن السيطرة (حتى أنه في بعض الأحيان يتوقف عن الوجود) ويتم الوصول إلى موقف سياسي بسيط ومحبب جدا والذي هو عبارة عن وحدة مؤقتة على نطاق الوطن. ومع ذلك، سيكون وجود هذه الوحدة وجودا وفق إحساس سلبي فقط (أي أنها ستكون ضد النظام القديم).
عندئذ، سوف تسود غبطة نفسية فريدة جدا من نوعها لا تتكرر وسيكون هناك استعداد كبير للمشاركة الفعالة في السير عكس الماضي وفي التخلص من المؤسسات القديمة وغير الشعبية وحتى في “شد الحزام” وستكون هذه اللحظة هي اللحظة المناسبة من أجل التنفيذ السريع لإجراءات عديدة ومؤلمة.
من الناحية الاقتصادية، سوف يختفي التخطيط المركزي (وقد استخدمت هذا التعبير مع بعض التردد نظرا للغياب المطلق لشيء شبيه بحالة التخطيط المركزي التي تقررت دراسيا في بلادنا) وسيكون اختفاؤه بشكل عملي وفي ليلة وضحاها وستختفي معه الآلية الاقتصادية القديمة وغير الفعالة تماما، لكنها، بالرغم من ذلك، تنسيقية، فتبدأ الأسواق غير المعلنة بالعمل والتي ستكون ضعيفة جدا ومقيدة إلى درجة كبيرة. ومع ذلك، نظرا لعدم رفع قيود التنظيم بشكل رسمي ولعدم لبرلة الأسعار ولعدم التطبيق الواسع لحقوق الملكية المعلنة فسوف يتم منع الأسواق من أداء وظائفها بفعالية. ولكي يتم خلق أسواق حقيقية، يجب على المرء أن يتفاعل وان يطبق مجموعة متماسكة من إجراءات تغييرية للنظام.
الجانب المقصـــود

بالنسبة للنظام السياسي، إننا نفهم بأن اتخاذ إجراءات غير مباشرة ضد الحزب الشيوعي يعتبر غير ضروري أو حتى أنه سوف لن يكون مساعدا، لكن القيام بلبرلة البيئة السياسية يعتبر شيئا كافيا، أي بمعنى أن يتم تأمين دخول حر لأحزاب سياسية ناشئة حديثا. ونتيجة لذلك، فان الحزب الشيوعي، الذي لم يتم إصلاحه أساسا، سيبقى كيانا سياسيا غير هاما وفي المعارضة، في حين إذا تم منع الحزب الشيوعي الأصلي فإن الشيوعيين في الأحزاب التي تمت إعادة تسميتها سوف ينجحون في السيطرة على البرلمان في وقت لاحق كما حدث في في بولندا وهنغاريا.
تبدأ الأحزاب السياسية الجديدة التي يتم إنشاؤها بشكل عفوي في تشكيل رؤى إيجابية عن المستقبل وتحاول أن توضح هذه الرؤى أمام مواطنيها، وهذا يمثل الطريق الوحيد المتبع كي تتحول الوحدة الوطنية (والإجماع) من أمر سلبي إلى أمر إيجابي.
وفي المجال الاقتصادي، يعتبر إنهاء الطريقة الأبوية الاقتصادية القائمة والتي تم انتهاجها—كإجراء راديكالي جريء إلا أنه إجراء “غير بناء”—أمرا حاسما. فالتخلص السريع من الإعانات المالية بكافة أنواعها، والتي تجلب معها تغيرا صاعدا مفاجئا في الأسعار، يجب القيام به دون تردد حيث سيكون في وقت لاحق من الصعب أو من المستحيل القيام بذلك نظرا لأن مجموعات الضغط التي تشكلت حديثا سوف تحاول اعتراضه بطريقة ناجحة. ويجب على السلطات أن تقاوم الالتماسات الخاصة التي تطالب بإجراءات تكميلية “بناءة” بهدف مد يد المساعدة للمؤسسات التي تواجه مشاكل من خلال انتقاء فائزين وخاسرين مستقبليين. وستعمل مثل هذه الحركة المفاجئة على تغيير مناخ البلاد الكلي الذي سيعمل، من الناحية العملية، على تغيير النظام نظرا لأن السلع والخدمات وجميع أنواع الملكيات الاقتصادية سوف تحوز على القيم الحقيقية لها وبشكل فجائي، وسوف لن يكون في هذه العملية مكانا بالنسبة لأي شكل من أشكال النهج التدرجي وبهذا يتوجب القيام بهذا الإجراء الخاص وفق أسلوب “المعالجة الصدمية”. بعد ذلك، سوف تظهر النتيجة والتي هي عبارة عن نشوء طريقة تفكير مغايرة كليا والتي تكون بالضبط ما يعتبر ضروري لكسر السلوك والعادات القديمة، فليس هناك بديل عن ذلك، وليس من الممكن أن تؤدي أية “تعاليم” إلى إتباع سلوك جديد بل يمكن تحقيقها كنتيجة لضرورة محضة فقط.
ويجب، مع إزالة الإعانات المالية، أن يتم البدء باستقرار الاقتصاد الكلي لكونه شرطا مسبقا من شروط لبرلة الأسواق ورفع قيود الأنظمة عنها. وبعد عقود من اختلال التوازنات الاقتصادية الجسيمة على مستويي الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي كليهما، فإن السياسات المالية والنقدية يجب أن تكون تقييدية جدا، وإلا فان التضخم السريع سيبدأ بالسيطرة على الأمن الاقتصادي والاجتماعي. ففائض الموازنة (أو، على الأقل، الموازنة المتوازنة) والسياسة النقدية الحذرة جدا (بحيث يكون معدل نمو عرض النقد أكثر بطئا من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي) ليس بالإمكان تجنبهما. وعلى النقيض من ذلك، يجب أن تكون الماليات العامة مستقلة بالكامل. وبدون اتخاذ مثل تلك الخطوات التمهيدية، فان إجراءات لبرلة الأسعار والتجارة الخارجية سوف تمثل حركة غير مسؤولة لا تحل شيئا بل تعمل على تفاقم الصعوبات الاقتصادية القائمة وتجعل من الإجراءات الإصلاحية الأخرى مستحيلة من ناحية التنفيذ.
إن خطوات اللبرلة ليس باستطاعتها الانتظار، ففتح أسواق محلية (عن طريق لبرلة الأسعار) وفتح أسواق خارجية (عن طريق لبرلة التجارة الخارجية) يجب أن تتبع هذه الخطوات. وبدون اللبرلة، لا يستطيع أفراد السوق أن يتصرفوا بعقلانية ولا تستطيع الحكومة أن تخطو خارج التدخل الاقتصادي وليس من الممكن أن تكون لأية آلية تنسيق جديدة فعالية. ويجب أن يصاحب اللبرلة قابلية تحويل عملات داخلي، وتنبئنا خبرتنا بأنه بالنسبة لأي اقتصاد صغير مفتوح، سيكون من المساعد جدا حينما يكون سعر الصرف ثابتا، وبموجب ذلك سوف يصبح ذلك هو المرتكز الإسمي الذي يرتكز عليه الاقتصاد كله والمتغير الثابت الوحيد في النظام. (هناك مرتكزات إسمية بديلة وهي أقل موثوقية وأكثر صعوبة بالنسبة لإدامتها).
وباختصار، تشتمل المهام الرئيسية للمرحلة الأولى على لبرلة سياسية؛ وإزالة الإعانات المالية القديمة؛ وسياسات استقرار مالي ونقدي؛ واستقلالية البنك المركزي؛ وموازنة متوازنة؛ ولبرلة الأسعار والتجارة الخارجية.
3. المرحلة الثانيـــة
رد الفعل العفوي على مرحلة اللبرلة ورفع قيود التنظيم

سوف تكون توقعات المواطنين هائلة لكن النتائج الإيجابية الملموسة سوف لن تكون ملحوظة. وبعد عقود من انعدام التضخم وانعدام البطالة ونمو اقتصادي بطيء ومختل، لكنه ممتاز، ومعيشة بسيطة وغير مجهدة إلى حد ما، فإنه يتوجب دفع تكاليف غياب انعدام التحول. فالتضخم والبطالة (اللذان تتوقف ضخامتهما على نجاح أو فشل خطوات إصلاحية سابقة) يظهران للعيان ويصبح الهبوط المفاجئ في الناتج المحلي الإجمالي وفي مستويات المعيشة شيئا حتميا لا يمكن تجنبه. ومن الصعب أن نقوم بالتوضيح لعامة الناس بأننا سوف لن نعاني من أزمة اقتصادية أو من ركود في نشاط اقتصادي ناجم عن سوء إدارة الاقتصاد الكلي، بل إننا سوف نعاني من غربلة تحولية صحية تتم في الأنشطة الاقتصادية غير القادرة على البقاء.
وكنتيجة لتكاليف التحول الباهظة وغير السارة، فان الغبطة التي تم الشعور بها في السابق سوف تتبخر وسيتم فقدان الوحدة على نطاق الوطن (في الغالب بحسب المفهوم السلبي لها) وستتم الهيمنة بشكل تدريجي على المشهد من قبل رؤى مستقبلية إيجابية متصارعة، وينتج عن هذا الصراع مدى هائل من التذرية السياسية وعدم الاستقرار السياسي المتزايد.
سوف تقوم مجموعات الضغط التي جرى تشكيلها بالبدء بإساءة استخدام الفراغ المؤسسي المتواجد والأسواق الضعيفة والفجوات والفراغات العديدة الموجودة في التشريع المتغير بسرعة وفي عملية الخصخصة التي تم الشروع بها (وخصوصا أثناء الخصخصة العفوية التي تتم لمؤسسات الدولة في لحظة معاناة خصخصتها). فالتباينات بين الثروة والدخل تنمو وتبقى الأسواق غير كاملة مفتقرة إلى شروط المنافسة الكاملة وتقوم الخصخصة بإحداث ثورة في كامل التركيبة الاجتماعية.
عند تلك اللحظة، تأتي نقطة التحول الثانية وهي: إما الالتزام باستراتيجية التحول الأصلية والموقف المنتصر الإيجابي اللاحق أو الفوضى ودائرة نصف الإجراءات الفاسدة والتنازلات التي سيتم تقديمها إلى جماعات الضغط مع خسارة “الكل” الحتمية.
الترتيبات المقصــودة
يجب أن تستقر قواعد النظام الجديد وأن يقوم تشريع جديد بإعادة تحديد قواعد اللعبة. ويجب على السياسيين مقاومة الإغراء بأن يحكموا عن طريق القوانين بدلا من صنع قوانين بشكل فردي خاصة بتحديد قواعد اللعبة.
ويجب أن يستمر استقرار الاقتصاد الكلي، فليس هناك على نحو جازم مكان خاص لسياسة نقدية توسعية أو مكان خاص لسياسة مالية نشطة. ويجب أن يمضي خفض معدل التضخم قدما وأن تتم المحافظة على سعر صرف ثابت.
ويجب أن لا يتم خلق أية اختلالات سوقية جديدة ويجب عدم التباطؤ في رفع قيود الأنظمة المتبقية عن كافة الأسعار وفي التخلص من الإعانات المالية المتبقية وفي الكفاح الضاري ضد كافة أشكال مبدأ الحمائية، كما يجب عدم تقديم تنازلات إلى مجموعات الضغط التي تضج بالأصوات.
هناك مؤسسات خاصة جديدة انبثقت بشكل عفوي لكن الخصخصة المنظمة المستندة إلى مزيج من أساليب نموذجية وغير نموذجية، ما تزال تمثل لب الجانب المقصود من المرحلة الثانية. ويوجد لخصخصة كامل البلاد نطاق وأسلوب ومعنى وهي مختلفة عن الخصخصة في بلاد تكون بها الخصخصة مجرد نشاط هامشي. ويجب أن تكون الخصخصة على نطاق البلاد سريعة وأن تكشف عن مالكين جدد وأن لا تحاول تضخيم إيرادات خصخصة الدولة وعليها أن لا تكون مربكة بحيث تختلط مع إعادة هيكلة (وتحديث) المؤسسات الفردية.
يجب على السياسيين عرض قواعد واضحة وعليهم أن يكونوا عرضة للمساءلة. ويجب عليهم عدم تقديم وعود زائفة. ويجب أن يكون هناك جهدا ناميا لشرح الدور الذي تلعبه الخصخصة بهدف إدامة أو حتى تقوية الإجماع السياسي الهش. وبدون توفر دعم واسع فإن عملية التحول لا يمكنها أن تستمر.
والأحزاب السياسية النموذجية (بدلا من المبادرات المدنية والجبهات الوطنية والمنتديات المدنية) سوف تبدأ بالسيادة، وستتحول، وبشكل بطيء، التذرية السياسية المفرطة إلى بنية سياسية عادية بوجود حفنة فقط من أحزاب سياسية محددة جيدا من الناحية الأيديولوجية (مع حمل أسماء نموذجية).
يجب على السياسة الاجتماعية المعقولة، والتي تتركز على مساعدة أولئك الذين هم فعلا بحاجة إلى المساعدة، أن تلازم التغيرات السياسة والاقتصادية التي تم ذكرها آنفا، ويجب الابتعاد عن برامج الإنعاش المستهدفة بطريقة خاطئة وذات التكلفة الكبيرة بحيث يتوجب إحلال نهج اجتماعي “يسلط عليه ضوء موضعي” محل نهج اجتماعي “تسلط عليه الشمس”، ويجب القيام بسياسة اجتماعية مع بذل الاحترام المطلوب لتلك المجموعات الاجتماعية التي تعتبر خاسرة على المدى القصير في عملية التحول.
يجب، على المستوى الفردي والوطني، أن تتوافق المكافآت مع الأداء، إلا أنه، وعلى المستوى الفردي، لا بد للأجور (وأشكال الدخل الأخرى) أن تكون دون معدل الإنتاجية لبعض الوقت، وأن يبقى، وبشكل مؤقت، سعر الصرف (الذي تم خفض قيمته بشكل مفاجئ قبل لبرلة التجارة الخارجية) دون مستوى تعادل القوة الشرائية. وهذان المبدءان يمثلان أساس “نظرية الفترتين الفاصلتين للتحول” التي قمت بصياغتها مؤخرا. فالأسواق الضعيفة وأصحاب الأملاك الخصوصيين الناشئين حديثا هم بحاجة إلى مثل تلك الفترة الفاصلة لبعض الوقت، فكلما كانت عملية التحول اكثر سرعة كلما كانت الفترة الفاصلة ضئيلة بشكل أكبر. ولتحقيق هذه المهمة، تعتبر الطرق غير المباشرة (سياسات الاقتصاد الكلي التقييدية) مع المقاومة التي تبذل أمام مطالب نقابة العمال المفرطة مهمة أكثر أهمية من الإجراءات المباشرة (تنظيم الأجور).
وباختصار، فان الخصخصة هي ما يميز المرحلتين الأولى والثانية، ويجب أن تتلازم مع استقرار اقتصاد كلي مستمر وترشيد في السياسة الاجتماعية.
4. المرحلة الثالثـــة

إذا كانت الترتيبات المقترحة في القسم السابق ستحقق النجاح فسوف يتم الوصول إلى مرحلة يمكن أن تسمى باسم “مرحلة التحول اللاحقة المبكرة”. والدور الاستثنائي والمؤقت والبناء الذي تلعبه الدولة سيكون قد انتهى وعليها أن تبدأ من جديد بلعب دور نموذجي، بحيث يكون تقريبا غير فعال وغير بناء.
وفي هذه المرحلة أي “مرحلة التحول اللاحقة المبكرة”، من الطبيعي أن تتصف البلاد بوجود أسواق وبنيات اقتصادية وسياسية ضعيفة، وأن تعمُّقها واتساعها (أي الأسواق والبنيات الاقتصادية والسياسية) سوف يعتبر بمثابة التحدي الرئيسي للدولة بما أن من غير الممكن القيام بهما مباشرة من قبل الدولة. ويجب على الحكومة أن تحاول فقط إزالة كافة العوائق أمام الحريات السياسية والاقتصادية قبل أن يستولي في النهاية الأبطال “الشومبيتريون” (نسبة إلى الاقتصادي شومبيتر) على هذه المرحلة وقبل بدء العملية التطورية النموذجية. لقد وصلت جمهورية التشيك إلى هذه المرحلة المبكرة اللاحقة للتحول، ومن الطبيعي أن تكون الأخطار والشراك المتأصلة في هذه المرحلة بحاجة إلى بذل انتباهنا وتدقيقنا بشكل محكم بقدر ما كانت المرحلة السابقة من عملية التحول بحاجة له.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 تشرين الأول 2006.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018