ليون هادار

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

شكلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وما تبعها من ’حرب على الإرهاب‘ الفرصة السانحة لمؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، والتي افتقدت منذ نهاية الحرب الباردة لخطر العدو. كانت فرصة لخلق عدو و بعبع جديد متمثلا بالإسلام الراديكالي، أو ما يعرف ب”الخطر الأخضر” . مصطلح كنت قد استخدمته في مقال قبل 15 عاما في مجلة الشؤون الخارجية في ربيع العام 1993. فقد شكَّكتُ بنظرية صموئيل هنتنغتون بخصوص صدام الحضارات. نظرية تتوقع أن الغرب والإسلام سينخرطان في صراع دموي طويل من أجل السيطرة على الشرق الأوسط، بما في ذلك منابع النفط.
لقد اعتنق المحافظون الجدد المتحمسون، والذين هيمنوا على مؤسسة السياسة الخارجية للرئيس جورج بوش الابن، فكرة هنتغتون حول المجابهة بين الإسلام والغرب. فهم ينظرون إليها على أنها سبيل يمكن من خلاله تبرير استخدام القوة العسكرية الأمريكية لبسط سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وفرض القيم الأمريكية أو ما يعرف بـ”أجندة الحرية” للتعامل مع احتمال ظهور خميني جديد من الفاشية الإسلامية، مسلحا بالفكر الراديكالي، مزودا بالأسلحة النووية، راغبا في شن هجوم جهادي عنيف ضد الحضارة الغربية.
واستنادا إلى معتقدات المحافظين الجدد، التي حاول بوش تطبيقها في بلاد الرافدين، سيكون العراق الحر والديمقراطي مثالا يحتدى في الإصلاح السياسي والاقتصادي للعالم العربي، وللشرق الأوسط برمته، وسيطلق العنان لسلسلة من الثورات السلمية الديمقراطية من الحدود الإسلامية المتاخمة للصين، مرورا بإيران وسوريا ولبنان وفلسطين وصولا إلى حدود البلقان. لذا توقع أنصار بوش، واضعين نصب أعينهم التغيرات الكبرى التي حصلت في أوربا الشرقية بعيد انهيار الاتحاد السوفيتي، توقعوا أن تسقط قطع دومينو الديمقراطية في كل من سوريا وإيران بعد سقوط صدام حسين. ورأوا أن “ثورة الأرز” اللبنانية، والانتخابات المخطط لها في فلسطين إنما يعكسان الشكل الجديد الذي ستكون عليه الأمور.
في الوقت نفسه، أصر حتى العديد من النقاد الليبراليين وخبراء السياسة الدولية، من أمثال توم فريدمان أحد أبرز كتاب الأعمدة الصحفية في صحيفة نيويورك تايمز، والمنتقد لكثير من جوانب أجندة المحافظين الجدد، أصرّوا على أن الولايات المتحدة بحاجة لإطلاق حملة ضخمة للمساعدة على تحديث/ دمقرطة / تحرير / علمنة الشرق الأوسط وبالتالي العالم الإسلامي برمته، ويفضل أن يتم ذلك من خلال الدبلوماسية والسياسات التعليمية، أو بالقوة العسكرية كآخر الحلول.
وعلى خلفية التدخل الأمريكي في حربين كبيرتين في الشرق الأوسط، والوضع المتفاقم في إيران وحلفائها الإقليميين، بدأ يتشكل إجماع متنامي بين أوساط المتحدثين في واشنطن حول ضرورة إطلاق حملة لنقل الشرق الأوسط للعصر الحديث، و القضاء في نفس الوقت على الإسلام الراديكالي. فالارتفاع السابق و المطرد لأسعار الطاقة زاد من قلق واشنطن وأثار مخاوفها حول الوصول إلى منابع النفط في الخليج العربي، وبالتالي اكتسبت نظرية صدام الحضارات بعدا جيواقتصاديا. تصوروا لو أن أسامة بن لادن سيطر على مصادر الطاقة في الشرق الأوسط، والتي تسمى أيضا “نفط العرب” واستخدمها كسلاح ضد الغرب! كما أن إخفاق واشنطن في القضاء على الإسلام الراديكالي سوف لن يعرض لخطر محدق سوى إسرائيل والحلفاء الآخرين.
إن السياسة الخارجية الجديدة، شأنها شأن الإيديولوجيات الدينية والسياسية الجديدة، تصنع من قبل مقاولين فكريين يتطلعون للفوز بمكانة وحظوة لدى الساعين خلف السلطة. وفي الوقت نفسه، يقوم السياسيون باستخدام هذه الآراء ليحشدوا الدعم الشعبي بصفتهم قادة الأمة / أو الشعب ضد تهديد خارجي يزعمون بأنه يهدد مصلحة وقيم البلد. ومن وجهة النظر هذه ، فان البعبع الإسلامي الجديد المزعوم، الذي نشره وروج له المقاولون من المحافظين الجدد، قد أسهم فعلا في خدمة مصالح مثلث واشنطن الحديدي المتمثل بالبيروقراطيين، ومشرّعي القوانين، وجماعات الضغط، فضلا عن جهات خارجية ضغطت باتجاه توسيع التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط.
لقد ساعد التهديد الإسلامي المزعوم المثلث الحديدي – تماما كما فعلت الشيوعية خلال الحرب الباردة – على خلق ضغط واسع على الميزانية المخصصة للدفاع والعمليات العسكرية السرّية ولمجموعات الضغط ، بينما سمح هذا التهديد الإسلامي – لأطراف خارجية كإسرائيل والهند والعديد من بلدان أسيا كباكستان، أفغانستان …– لإبراز أدوارهم الخاصة كبديل وحليف إقليمي لواشنطن. وفي نفس الوقت، تمكن مثقفو المحافظين الجدد بمساعدة زبانيتهم “الخبراء في تحليل الإرهاب” تمكنوا من الوصول إلى مرحلة تمكنهم من التأثير على الإعلام وعملية صنع القرار الحكومي، وحصد المزيد من الجوائز السياسية والمالية.
ومشكلة الخطط السياسة الخارجية ونماذجها هي أنها لا تعكس بالضرورة الواقع، ولكنها تراكيب فكرية لا تعكس إلا ما يدور في خيال صانعيها ومصالح مروجيها. ونتيجة لذلك، و عندما يتم تطبيق هذه السياسات التي صيغت على أساس مثل هذه الأطر المفاهيمية، فإن الواقع سيميل إلى نبذها، بل والانقلاب عليها. ففي هذا السياق، و خلال الحرب الباردة، فرضت فكرة الشيوعية العالمية التي تقودها قوة كبرى كالاتحاد السوفيتي على الولايات المتحدة حتمية الخلط بين المصالح الوطنية التي توجه سياساتها في فيتنام والصين وكوبا، والمصالح العالمية مع الاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى نتائج كارثية على السياسة الأمريكية. وعلى نحو مشابه، بعد السقوط المدوي للاتحاد السوفيتي، اكتشف الأمريكيون أن انهيار الشيوعية لم ينتج عنه انتشار الحرية السياسية والاقتصادية في دول الإمبراطورية السوفيتية السابقة. فقد التحقت كل من هنغاريا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا ( سابقا) بركب النادي الغربي كنتيجة لثقافاتها السياسية الأوربية، بينما اعتنقت أكثر الدول رجعية في أسيا الوسطى أنظمة سياسية شمولية وأنظمة اقتصادية مركزية. أما روسيا فتبدو وكأنها اختارت طريقا ثالثا متفردا خاصا بها، ألا وهو رأسمالية الدولة.
في تسعينيات القرن العشرين، ساد في واشنطن لغط كبير حول التحديات التي كانت تواجه الغرب على يد نموذج شرق آسيوي جديد يمتثل باليابان والقوى الاقتصادية الأخرى الناشئة في المنطقة. رواد هذا النموذج بما فيهم لي كوان يو قائد سنغافورة و هونتنغتون الذي اعتنق فكرة الحضارة الـصينية، يؤكدون بان القيم الكونفوشوسية المتفردة في الشرق الأقصى، كقيم العائلة، والتعاون، والولاء الوطني، وتفضيل مصلحة المجتمع واستقراره وازدهاره على المصالح والحريات الشخصية، وأخلاقيات العمل الجاد والتوفير ، تمثل الأسباب وراء دعم الآسيويين للحكومات الشمولية و مبدأ الرفاه الجماعي بدلا من الديمقراطية. كما يدافعون عن الفكرة القائلة أن الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية التي تديرها الدولة هي أكثر نجاحا من الأنظمة الانجلو-أمريكية. ولكن الأزمة المالية الآسيوية في عقد التسعينيات والسياسات الإقليمية المتباعدة والأنظمة الاقتصادية في سنغافورة بالمقابل مع تايوان، قوّضت مفهوم نموذج آسيوي بارز وناجح، بالرغم من أن الصعود الاقتصادي الصيني ربما يكون قد أنعش هذه الفكرة من جديد.
في هذا السياق، يبدو الوقت مناسبا لانتقاد الفكرة المشهورة القائلة بان العالم الإسلامي أو الشرق الأوسط، أو العالم العربي – وهي بالمناسبة مصطلحات تستخدم بطريقة متشابهة و على نحو تبادلي في الإعلام الأمريكي- عالم يمتلك ثقافة سياسية واقتصادية أحادية متجانسة متفردة تجعل منه ندا مقاوما لتأثيرات التجديد الغربية. نلاحظ هنا أيضا انه يتم استخدام مقدار من العناوين والتوصيفات، بما فيها الديمقراطية، الرأسمالية، العلمانية والحقوق المرأة، مقترنة بالحداثة والتغريب.
ويقترح أنصار هذه الفكرة أن الجهد الذي تقوده أمريكا هو وحده القادر على إحداث التغيير الثقافي والسياسي المطلوب والإصلاحات الاقتصادية، وجعل الشرق أوسطيين/ العرب/ المسلمين “أكثر شبها بنا”. ولكن الخطأ هو أن هذه الـ (بنا) لا تمثل غربا موحدا ومتجانسا، بل خليط من : الجنوب الأمريكي البعيد والذي سادت فيه التشريعات العنصرية حتى ستينيات القرن العشرين، وسويسرا التي لم تمنح النساء حق التصويت حتى العام 1971، ونموذجا رأسماليا أنجلو- سكسونيا، ورأسمالية اشتراكية ألمانية، مدينة خليعة كلاس فيغاس، و مدينة مفرطة بالاحتشام كمدينة ليك ، وشمال أوربا “الملتزمة بالقانون”، وجنوب أوربا التي يكتسحها الفساد، وهكذا.
إن حقيقة عدم وجود نموذج غربي وحيد وفريد يمكنه تمثيل الغربيين تساعد على إدراك عدم وجود نموذج وحيد للعالم العربي أو للمسلم. حقيقة يستعصي إدراكها من قبل المسلمين الراديكاليين المتطرفين الذين يبشرون بفكر القاعدة، وأقصى اليمين المسيحي الغربي المتطرف الذي يبشر بعقيدة محافظة جديدة.
على الرغم من دعاية واشنطن للفكرة القائلة بأن الفاشية الإسلامية تشكل تهديدا شاملا، فليس هناك أسس إيديولوجية عامة توحد البلدان العربية و الإسلامية بكافة أنوعها. وتتضمن هذه البلدان، المختلفة على نحو كبير، الحركات القومية العربية العلمانية كالبعثية والناصرية، اللتان جمعتا بين الإيديولوجيات الاشتراكية والفاشية المستوردتان من أوربا، فضلا عن المذهب الوهابي السعودي المتشدد، والمبادئ الثورية الذي تحرك الشيعة الحاكمين في إيران و أتباعهم في الشرق الأوسط. كما نجد جمهورية كمال أتاتورك التركية و تقاليدها العلمانية التي تواجه الآن تحديات من قبل الأحزاب الإسلامية الحداثوية الديمقراطية المؤيدة لحرية السوق والتي تريد لتركيا الالتحاق بركب الاتحاد الأوربي. كما تتضمن هذه البلدان مجتمعات رأسمالية متسامحة ومتعددة الثقافات كاندونيسيا وماليزيا، وجماعات إسلامية متطرفة في جنوب ووسط آسيا، كما نجد النموذج اللبناني المتغرِّب المتعدد الطوائف والأديان، وأخيرا نموذج معمر القذافي الغريب و المتشدد.
من هذا المنظار، نجد أن العالم الإسلامي، أو الشرق الأوسط هو عبارة عن فسيفساء من الدول والأمم، الجماعات العرقية و القبلية، مجموعة من الطوائف الدينية، و خليط غير متجانس من الإيديولوجيات السياسية والأنظمة الاقتصادية و التوجهات الثقافية. فقد التحق بعضهم بركب العصر الحديث، وهم يلعبون دورا فاعلا في الاقتصاد العالمي كماليزيا، واندونيسيا وتركيا والأمارات العربية المتحدة. بينما بقي الآخرون على هامش الثورات الاقتصادية والتكنولوجية كالسودان، وموريتانيا، وقطاع غزة، واليمن. بينما تجد معظم الدول الأخرى ذات الغالبية المسلمة نفسها في الوسط بين هاتين الفئتين مثل مصر والأردن والسعودية وليبيا.
لا شك بأن بعض أجزاء الشرق الأوسط “معروفة بوضعيتها الاقتصادية المقلقة ” على حد قول زاكاري كارابيل، المستثمر البنكي و الخبير بشؤون الشرق الأوسط. لأنه من المتوقع، من منطقة يبلغ تعداد سكانها 350 مليون نسمة، تقع في نقطة التقاء أوربا واسيا وإفريقيا، فضلا عن تمتعها بإرث تاريخي كبير بوصفها مهدا للحضارة، ناهيك عن مصادر الطاقة الضخمة التي تمتلكها، من المتوقع أن تنمو هذه المنطقة لتحقق مستوى نمو يتماشى و مستوى الاقتصاديات الناشئة (emerging economies). فإجمالي ناتجها المحلي يبلغ 900 مليار دولارا في العام الواحد، ومعدل نموها الاقتصادي يبلغ حوالي 5 بالمائة.
كما أن الارتفاع السابق لأسعار الطاقة كان لصالح بعض دول المنطقة، لا سيما دول الخليج العربي النفطية. وعلى عكس الطفرة النفطية في سبعينيات القرن الماضي، بدأت هذه الدول تستثمر عائداتها في المنطقة، مما شجع على نمو سوق الأوراق المالية، وانطلاق موجة من التحديثات العقارية، وإنشاء بنى تحتية اقتصادية ساعدت على تحويل الإمارات العربية المتحدة وبعض دول الخليج إلى مراكز عالمية للتجارة والمال على غرار سنغافورة.
في نفس الوقت، هنالك بعض العلامات التي تدل على أن الأنظمة الاقتصادية العربية التي كانت خاضعة ولعقود طويلة للحكم العسكري الديكتاتوري – كمصر وتونس، بل وحتى العراق الآن، وسوريا وفلسطين وليبيا – قد بدأت باتخاذ خطوات جادة نحو إصلاح اقتصادها وجعله أكثر انفتاحا على الاستثمار الأجنبي والتجارة العالمية. و بمساعدة فرنسا وبعض دول الاتحاد الأوربي، يمكن إحداث إتحاد اقتصادي أورومتوسطي أن يسهّل هذه العملية ويشجع عودة المهاجرين الذين يضمون العديد من الكفاءات ورجال الأعمال من أوربا إلى دولهم.
كانت القوى الغربية مسؤولة، بشكل أو بأخر، عن وصول بعض الدكتاتوريات العسكرية إلى سدة الحكم في دول الشرق الأوسط و التي أدت إلى تراجع الإصلاح الاقتصادي لفترات طويلة من الزمن. وقد شجعت المنافسة الجيو-إستراتيجية ما بين القوى الخارجية، ولا سيما إبان الحرب الباردة، شجعت أمريكا وحلفاءها على استغلال الصراعات الإقليمية كالصراع العربي الإسرائيلي و شجعت أيضا على توفير الدعم العسكري والاقتصادي لبعض القادة المحليين الذي كان من المفترض منهم أن يخدموا المصالح الخارجية. ولكن الوقت قد حان للقوى الغربية، ولا سيما الاتحاد الأوربي، لتركز اهتمامها وجهودها على إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وخلق الحوافز للمنطقة لتنفتح على الاقتصاد العالمي. ويشمل هذا الأمر تحرير أنظمتها الاقتصادية، وتقليل الحواجز التجارية، والتعرفة الجمركية، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر.
على الرغم من أن التجارة الحرة ليست الحل الناجع لكل المشاكل، إلا أنها يمكن أن تشكل قالبا ضروريا لبناء شرق أوسط ينعم بالسلام ويرفل بالازدهار. إذ يمكنها أن تشجع على ظهور طبقة وسطى محترفة ذات قيم أكثر تناغما مع الأفكار والتكنولوجيا الحديثة. ويمكن لهذا الجهد أيضا أن يساعد على خفض الفقر و اللامساواة الاقتصادية، فكل هذه الأمور يمكن أن تعجّل بما سماه الاقتصادي الكندي ايريك غارتزكي. ب”السلام العالمي في ظل الاقتصاد الحر”.
في الحقيقة، و عندما تبدو العولمة معرقلة في منطقة الشرق الأوسط، علينا أن لا ننسى أن هذه المنطقة كانت ذات يوم مركزا للتجارة العالمية، وأن تجارها – السوريون، واللبنانيون، واليهود والأرمن، والإغريق وآخرون – قد ساعدوا في نشر ثقافة الممارسة التجارية عبر البحر المتوسط والعالم.
ففي كنف السلام الممكن في ظل اقتصاد حر، يمكن بعث الجذوة في روح المشرق العريقة، والمساعدة على تحويل الشرق الأوسط من منطقة راكدة تعيش على هامش الاقتصاد العالمي إلى واحد من أقوى محركاته.
نشرت هذه المقالة للمرة الأولى في صحيفة انيرجي تربيون في الثالث من نوفمبر (تشرين الأول) 2008.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008.

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

يمكن للسلام أن يؤدي في إسرائيل و فلسطين (كما في كشمير، سريلنكا، دارفور…) إلى مزايا هائلة، أما الحرب فإنها لا تؤدي إلا إلى خسائر بشرية و مالية ضخمة. و رغم كل هذا، لا يبدو أن هناك حل في الأفق، كما أن الوضعية ظلت “جامدة” مند زمن طويل. فالسبب يرجع إلى كون الأطراف الفاعلة في مثل هده الصراعات تعتقد أن الخسائر التي تنجم عن مواجهة تحديات الوضع القائم تتجاور الأرباح التي يمكن الحصول عليها بعد إنهاء النزاع (سواء عن طريق انتصار عسكري، أو عن طريق مفاوضات للسلام).
هذا النوع من التحليلات الذي يعتمد على قياس التكلفة و الربح يمكن أن يفسر السبب الذي جعل الرئيس جورج بوش و محيطه يقررون بعد 11 سبتمبر عدم تخصيص الوقت والموارد البشرية من أجل حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لقد كانوا متأكدين من الفرضية (أو الوهم) القائلة بأن تشجيع “أجندة الحرية” سيخلق الظروف المناسبة لحل هذا الصراع. لقد كان يقال “إن طريق القدس يمر عبر بغداد”. فظل الاعتقاد السائد بين مستشاري بوش أن ما هو جيد لأمريكا فهو جيد لإسرائيل (و العكس صحيح). بالنسبة لهم فإن سلاما على الطريقة الأمريكية في المنطقة قد يرجح كفة تل أبيب في ميزان القوى. ترجيح سيدفع بالفلسطينيين إلى القبول بتوافق قد يخدم مصالح الإسرائيليين.
و من هذا المنطلق لم يكن هناك داع لتسخير الرأسمال الدبلوماسي لواشنطن من أجل الضغط على حليف استراتيجي في “الحرب على الإرهاب” كإسرائيل من جهة، و من جهة ثانية من أجل تخفيف الضغط على القادة الفلسطينيين و قبول القيام بتنازلات.
بدل ذلك فضلت واشنطن ترك المشكلة الفلسطينية جانبا و في نفس الوقت حاولت إعادة تشكيل الشرق الأوسط باستعمال القوة. و في المقابل، و بتنحيتها للمشكلة الفلسطينية من أجل مواجهة ما تسميه التهديد “الإسلاموي الفاشي”، اتبعت إدارة بوش سياسات غالبا ما أدت إلى تأجيج الصراعات بين إسرائيل و الدول العربية.
و قد حاولت هده الإدارة دحض إسرائيل عن الاستمرار في التفاوض مع سوريا (دولة تصنف في “محور الشر”) بوساطة تركية. كما منحتها الضوء الأخضر لتهاجم حزب الله في لبنان مما نتج عنه مأزق استراتيجي لم يرجح بكل تأكيد كفة التحالف الأمريكي الإسرائيلي في ميزان القوى. و قد اصطدمت أجندة الحرية للرئيس بوش بالواقع المرير الذي خلفه فوز حماس في فلسطين و تقوية إيران و حلفاؤها في المنطقة.
و حتى في ظل وجود إدارة أمريكية مقتنعة بضرورة إيجاد حل لهذا الصراع، فهي سترى أنه من شبه المستحيل التحرك في اتجاه توافق في وقت أصبحت فيه القيادة السياسية ضعيفة في الجانبين.
وبالرغم من العديد من المؤشرات التي تدل على احتمال توافق الطرفين على بعض النقاط مثل المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية و على الحدود الإسرائيلية الفلسطينية فإنه لم تظهر هناك أية بوادر للتقارب بين الجانبين بشأن جوهر المشاكل الوجودية التي تفرق بينهم، مثل مآل القدس و حق العودة بالنسبة للاجئي سنة 1947. و في نفس الوقت يبدو أن العديد من الملاحظين العارفين بحقائق الميدان الذين كانوا يسخرون من التصميمات الكبرى لبوش و المحافظين الجدد بشأن تحويل العراق و إعادة تشكيل الشرق الأوسط، انضموا إلى صفوف المتفائلين الذين يضعون في باراك أوباما آمالهم لإعادة السلام إلى الأرض المقدسة. بالنسبة لهم، فإن الرئيس أوباما سيقوم بالإجراءات الضرورية لإصلاح الروابط مع الشرق الأوسط وذلك بسحب القوات الأمريكية من العراق و فتح الحوار الدبلوماسي مع إيران. إذن، وبعد تقويته لمكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإن أوباما سيصبح في وضعية تسمح له بنهج إستراتيجية تبادر بقوة نحو إعادة الروابط بين الفلسطينيين و الإسرائيليين و بالطبع، فإن ما يستطيع الرئيس الأمريكي القيام به في السياسة الخارجية سيرتبط بشكل كبير بقدرة إدارته على السيطرة على الانكماش الأمريكي والعالمي. لأن عودة ركود كبير قد يضعف من احتمال حدوث تحرك دبلوماسي أو عسكري أمريكي.أما إذا ظهر أن مواجهة الانكماش أسهل من المتوقع، فان إدارة أوباما قد تبادر إلى الدخول في أجندة أكثر طموحا في الشرق الأوسط، أجندة تسرع الانسحاب من العراق في إطار جهوي عام قد يضم إيران. دفعة دبلوماسية كهذه، و في بيئة جهوية مستقرة قد تؤدي إلى انطلاقة جديدة للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. لكن على أوباما و مستشاريه أن يزيدوا من ضغطهم على القادة الإسرائيليين و الفلسطينيين من أجل الحصول على اتفاق يحوي تنازلات؛ تنازلات يرى الجانبان لحد الآن أنه لم يحن الوقت للقيام بها. إيجاد حل لهذه المشاكل الوجودية قد يكون بالطبع أصعب مما كان عليه الأمر سنة 2000 (إبان مفاوضات كامب ديفيد2).
في جميع الأحوال، يجب على إدارة أوباما أن تعترف أنه في أحسن السيناريوهات ستضل هناك صعوبات جمة لجلب و تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط. لذا فإن خلق الولايات المتحدة لاعتقاد مفاده أن لديها سلطة معنوية و قدرة على فرض السلام في المنطقة، سيجعلها تصنع آمالا غير واقعية ومن الصعب تحقيقها. بل إن الأسوأ من ذلك هو أن تكرار الفشل قد يؤدي إلى تصعيد ردود الفعل العنيفة المعادية لأمريكا التي تزيد من حدة الضغط على واشنطن.
يجب على الولايات المتحدة أن تصبح أكثر استعداد للعمل مع فاعلين دوليين آخرين من أجل إيجاد حل لمعضلة الشرق الأوسط. لكن السلام لن يحدث إلا إذا كانت إسرائيل وفلسطين على استعداد له. فإذا توفرت للطرفين إرادة حقيقية لتحقيق السلام، حتى و إن كان هشا، فيمكن لهما عندئذ التقدم بهذا المسلسل مع أو دون تدخل أمريكي لأنهما فقط المسئولان عن الفشل.
© منبر الحرية، 26 دجنبر/كانون الأول2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

إنها قصة مألوفة: فلإسرائيل وراعيتها العالمية علاقة متينة الوشائج. وقلّما يتذكرُ أحدٌ أن زمنا قد مرّ على البلدين لم تكن فيه عُرى العلاقة بينهما وطيدة. أما سرّ هذه الشراكة فهو تعاون البلدين القوي في احتواء تهديد الأنظمة والحركات الراديكالية في الشرق الأوسط.
وبعد سنوات من الاضطرابات السياسية والمشاكل الاقتصادية، أنتجت جولة انتخابات تاريخية عملية إعادة ترتيب في الدولة الراعية. فقد قام الرئيس المنتخب حديثا، ذو الشعبية الواسعة، ببعض الخطوات الجذرية نحو تحويل سياسة بلاده الخارجية، ولا سيما فيما يتعلق بالشرق الأوسط. حيث سحب قواته العسكرية من بلد عربي مُحتّل، ومضى إلى مسافات كبيرة في طريق تحسين أواصر العلاقات مع البلدان الأخرى في الإقليم.
وفي مواجهة هذا التغيير التاريخي، تزايد قلق إسرائيل حول ما إذا كان الرئيس الجديد سيواصل إدامة العلاقة المتينة الراسخة التي سعى أسلافه إليها، وأداموها. وعلى الرغم من قلقها المتزايد، فقد قررت الدولة اليهودية أن ترمي بنصيحة راعيتها عرض الحائط، وأن تَشُن ضربة عسكرية ضد بلد شرق أوسطي. فما كان من الرئيس الجديد للدولة الراعية إلا أن شجب واستنكر الهجوم، وبدأ مرحلة إنهاء التحالف الدبلوماسي والعسكري مع عميلهم في الشرق الأوسط. مما حدا بإسرائيل أن تبحث عن راع ٍ قوي جديد.
فعندما أتخذ الرئيس الفرنسي تشارلز ديغول بعض الخطوات لإنهاء التحالف مع إسرائيل، الذي امتد لعقدين من الزمن، عشية النصر العسكري الذي حققته الأخيرة في حرب الأيام الستة عام 1967، كان قراره قد أرسل موجات اهتزاز إلى كل العالم. فلطالما كانت إسرائيل وفرنسا صديقتين حميمتين منذ أواخر أربعينيات القرن العشرين، وقد تحوّلت علاقتهما إلى تحالف إستراتيجي مثمر عندما بدأ الضابط المصري جمال عبد الناصر، ذو الشعبية والكاريزما الكبيرين، بتقديم الدعم للمتمردين الذين يقاومون الحكم الاستعماري الفرنسي.
عام 1956، انضمت إسرائيل مع فرنسا وبريطانيا في خطة موسّعة مشؤومة للهجوم على مصر واستعادة قناة السويس بعد أن أممها عبد الناصر. فبالإضافة إلى تزويد إسرائيل بالتكنولوجيا الحربية المتطورة، بما في ذلك طائرات الميراج والميستر الفرنسية الصنع، قام الفرنسيون بمساعدة الإسرائيليين في بناء المفاعل النووي الإسرائيلي ومصنع المعالجة النووية. كان التحالف الفرنسي الإسرائيلي الذي هدف إلى احتواء القوة العربية الوحدوية المتنامية، كان عاملا رئيسا في تحقيق الأمن القومي الإسرائيلي في ذلك الحين.
غير أن انتخاب ديغول عام 1958 غيّر كل هذا. فقد فاجأ ديغول العديد من أنصاره ومؤيديه عندما اعتنق أجندة تحولّية في سياسة بلاده الخارجية، أدّت إلى منح الجزائر استقلالها عام 1962، فضلا عن عملية ترميم العلاقات مع مصر وبقية العالم العربي. ومع التوتر الذي زادت حدته في الشرق الأوسط عام 1967، ضغط ديغول على الإسرائيليين لمنعهم من مهاجمة مصر، وأعلن في الثاني من حزيران (يوليو) حصارا يحرم فيه إسرائيل من الأسلحة، قبيل اندلاع الحرب بثلاثة أيام. لقد لعب موقف ديغول عام 1967 في حرب الأيام الستة دورا في تنامي شعبية فرنسا في أوساط العالم العربي، بينما اتجهت إسرائيل نحو الولايات المتحدة للحصول على الدعم العسكري و الدبلوماسي.
فهل يستطيع الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن يلعب دور ديغول ٍ أمريكي؟ هل سيؤدي قرار إسرائيلي برفض نصيحة أوباما لها بعدم توجيه ضربة عسكرية ضد المواقع النووية الإيرانية المزعومة إلى إعادة تقييم تاريخي للعلاقات بين واشنطن وأورشليم؟
حذّرت المؤرخة مارغريت ماكميلان في كتابها الجديد الموسوم ’استخدامات التاريخ وسوء استخداماته‘ من أن التاريخ، في الوقت الذي يقدّم مقاربات نافعة لفهم الحاضر، فإنها – أي المقاربات- يمكن أيضا أن تؤدي إلى أخطاء جسيمة في الحكم أو التقدير.
إذن، ما الذي يميّز القضية الفرنسية عن الأمريكية؟ حسنا ً، من ناحية، إن السياسة الخارجية الأمريكية كانت تتأثر كثيرا بالقوة المستمدة من الرأي العام، ووسائل الإعلام، والكونغرس، أكثر مما هو الحال مع السياسة الخارجية الفرنسية التي تميل إلى كونها خاضعة لحسن تقدير السلطة التنفيذية القوية والمجموعات النخبوية. إن التوجه المناصر لإسرائيل بين أوساط الكونغرس الأمريكي قد لعب دورا كبيرا، وبشكل واضح، في تقييد أي رئيس أمريكي ومنعه من محاولة إعادة النظر في توجه السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. وعليه، فالتوقعات تفيد بأن الكونغرس سيلعب نفس الدور الراسخ في القدم إذا ما أقدم أوباما على أن “يحذو حذو ديغول.”
وعلى الرغم من هذا، فأن التغيرات الجذرية في العلاقات الفرنسية – الإسرائيلية في ستينات القرن العشرين تقدّم لنا قضية تعليمية في هذا الخصوص. فالعلاقات بين الأمم والدول، ولا سيما بين الدولة الراعية وعميلها، هي علاقات قابلة للتغيير، والعديد من الإسرائيليين يدركون هذا الأمر جيدا، كما اكتشفت من خلال زيارتي الأخيرة للإقليم.
في الواقع، إن التناظر بين ديغول و أوباما طُرح عدة مرات في المقابلات التي أجريتها مع المسؤولين والمحللين السياسيين الإسرائيليين، مما يعكس القلق المتنامي في إسرائيل، وعلى وجه الخصوص حكومة حزب الليكود بقيادة رئيس الوزراء بينامين ناتينياهو، من أن يكون الرئيس أوباما ينوي إعادة صياغة الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.  والحق، أني خلال زيارتي، قد ذُهلت من حالة الحتمية التي يتقاسمها كل من الفلسطينيين والإسرائيليين من أن واشنطن ستتبنى في نهاية المطاف دورا ناشطا في حل الصراع على الأرض المقدّسة.
ولكن على الرغم من مثل هذه المخاوف من الطرف الإسرائيلي – وبارقة الأمل بين أوساط الفلسطينيين—فإن أوباما ومساعديه لم يصدروا حتى الآن أية خطة سلام شاملة في الشرق الأوسط، أو يتخذوا أية خطوات تنبئ بتغيّر تاريخي، على غرار ديغول.
كثيرا ما كرر الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون المواقف الأمريكية، بما فيها حاجة إسرائيل إلى الانسحاب إلى حدود عام 1967 – مع بعض التعديلات الطفيفة—كجزء من الاتفاق العربي- الإسرائيلي، ومعارضة تأسيس المستوطنات اليهودية في الأراضي العربية المحتلة، ودعم فكرة أن تكون السيطرة على القدس، بما فيها الأراضي الدينية، مشتركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
بالرغم من ذلك، فإن هناك إحساس مُدرك في واشنطن وفي عواصم الشرق الأوسط أن “شيئا ما” قد تغيّر في طريقة الولايات المتحدة. ولكن هذا “الشيء” يعكس تغيّرا في النبرة والأسلوب أكثر من كونه تغيّرا في الجوهر. كما أن هناك تناقض حاد أيضا بين أوباما وحكومة جورج دبليو بوش، التي  أكدت بقوة على الروابط الأمريكية – الإسرائيلية والمصالح المشتركة في محاربة التطرّف في المنطقة.  وبالمقارنة بالفنون البلاغية لمستشاري بوش من المحافظين الجدد، فإن فريق أوباما وإعادة صياغته لأهداف السياسة الأمريكية الراسخة يمكن أن يبدو، وبكل سهولة، على أنه يهزّ الأرض.
كما أن انتخاب بنيامين ناتينياهو رئيسا لوزراء إسرائيل قد وفّر لأوباما فرصة لخلق الإحساس بأن “شيئا ما” كان يتغيّر فعلا في طريقة الولايات المتحدة في التعاطي مع الشرق الأوسط. فلطالما كان ناتينياهو مفضّلا لدى المحافظين الجدد. وبعد سقوطهم المخزي من السلطة في الولايات المتحدة، بدا المحافظون الجدد وكأنهم حققوا نصرا سياسيا كبيرا في واحدة من القواعد الأمامية المتقدمة للإمبراطورية الأمريكية بفوز ناتينياهو وأنصاره من المحافظين الجدد، وكانت إدارة أوباما قادرة على تسويق رسالتها في التغيير في العالم العربي.
وتعود القضية السياسية والإيديولوجية بين ناتينياهو والمحافظين الجدد إلى عهد رئاسة ريغان والسنوات الأخيرة للحرب الباردة، عندما عمل ’بيبي‘ ممثلا لإسرائيل في الأمم المتحدة، ثم سفيرا لإسرائيل في واشنطن. وفي ذلك الوقت، كان الجيل الأول من مثقفي المحافظين الجدد – بما فيهم ريتشارد بيرل، جين كيركباتريك، إيليوت إبرامز، كينيث أيدلمان، وماكس كامبلمان – يشغل مناصب قيادية في السياسة الخارجية في إدارة ريغان. وبالنسبة لحزب الليكود الذي كان حاكما آنذاك، كانت سياسات الحزب الجمهوري تبدو وكأنها تمنح إسرائيل الوقت لإحكام قبضتها على الضفة الغربية وغزة، كما رأت واشنطن الصراع العربي الإسرائيلي من منظار الحرب الباردة، معرّفة الحركة القومية الفلسطينية على أنها مجرد امتداد للإرهاب الدولي الذي يرعاه الإتحاد السوفيتي.
وبانتهاء الحرب الباردة، عاد ناتينياهو إلى إسرائيل ليعمل أولا وزيرا للخارجية، ومن ثم رئيسا للوزراء. وقد أثبت مهارة في استبدال التهديد السوفيتي المحتضر ببعبع جديد من الشرق الأوسط، وإقناع العديد من الحلفاء الدائميين بأنه بعد ذهاب الإتحاد السوفيتي، بوسع إسرائيل حماية مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط ضد القوميين العرب (كصدام حسين)، والإسلاميين الأصوليين (كملالي إيران)، ومنظمة التحرير الفلسطينية، التي تحوّلت، في خضّم دوران حزب الليكود المحافظي الجديد، من جناح يساري راديكالي إلى مجموعة إسلامية إرهابية راديكالية. غير أن جورج دبليو بوش ومستشاريه الواقعيين في الشؤون الخارجية لم يشتروا هذه الحكاية ولم يقبلوها، وقرروا مجابهة حكومة الليكود في قضية المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
وبعد إعادة انتخابه عام 1996، قام ناتينياهو بزيارة رمز المحافظين الجدد ريتشارد بيرل في واشنطن. وبحسب الصحفي كريغ أنغير، كان موضوع حديثهم هو ورقة سياسة عمل كان بيرل وبعض المحللين الآخرين قد كتبوها لإحدى مراكز الأبحاث الإسرائيلية الأمريكية، وهو معهد الدراسات الإستراتيجية السياسية المتطورة. وقد اقترحت الورقة الموسومة “انكسار نظيف: إستراتيجية جديدة لحماية المنطقة” رؤية راديكالية جديدة في السياسة الإسرائيلية. فقد اقترحت الورقة أنه من خلال شن الحروب على العراق، وسوريا ولبنان، بوسع إسرائيل- بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية—أن تعيد تشكيل المشهد السياسي وبذلك تضمن أمنها.
لقد اجتمع ناتينياهو مع أوباما في وقت مبكر من هذا العام تحديدا بعد ثمان سنوات من طرح تلك الأفكار التي ساعدت على وقوع واحد من أسوأ الإخفاقات الإستراتيجية في تاريخ الولايات المتحدة—ألا وهو غزو العراق عام 2003. إن قولنا بأن أوباما، على خلاف سلفه جورج دبليو بوش، ليس لديه الكثير من الإهتمام في الإصغاء لمحاضرات رئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن الشرق الأوسط، سيكون تصريحا مجافيا للحقيقة. وبدلا من ذلك، طالب أوباما ناتينياهو بوقف توسيع المستوطنات في  الضفة الغربية.
إن هذا الموقف العادل للولايات المتحدة أغضب ناتينياهو. فخلال زيارته إلى واشنطن، أكد الأخير أن الحاجة إلى التعامل مع التهديد المحتمل الذي تشكّله إيران النووية قبل اتخاذ الخطوات بشأن الصراع مع الفلسطينيين، وهو وضع رفضه أوباما الذي أكد على أن القضيتين يجب التعامل معهما بشكل متوافق.
وبينما أعلن ناتينياهو، وبتذمر واضح، أنه سيدعم خلق دولة فلسطينية محدودة – رغم أنها غير مقبولة من جانب الفلسطينيين — كانت الحكومة الإسرائيلية تواصل مقاومة الضغوط الأمريكية الرامية لإيقاف بناء المستوطنات اليهودية. بقي بعض المحللين السياسيين غير واثقين من أن القائد الإسرائيلي راغب فعلا في تبنّي حل الدولتين، أو أنه يحاول كسب الوقت، ليس إلا.  وعلى كل حال، فإن الحكمة التقليدية في إسرائيل تقول بأن المواجهة بين ناتينياهو وأوباما ستودي بالحكومة الإسرائيلية الحالية إلى الإنهيار، وإلى حدوث انتخابات جديدة في إسرائيل، مما يجبر واشنطن على البدء بضغطها الدبلوماسي نحو السلام الإسرائيلي الفلسطيني.
في الحقيقة، لا الإسرائيليين ولا الفلسطينيين— بقياداتهم المنقسمة بشكل حاد—يمتلكون قادة يتمتعون بالكاريزما والسلطة الكافيتين للقيام بالخيارات الصعبة التي يمكن أن تضع المجتمعين على طريق المصالحة، حتى وإن كانت مصالحة شكلية مصطنعة.
هل يستطيع الرئيس أوباما أن يملأ الفراغ في إسرائيل وفلسطين والبدء في الضغط على الجانبين للنظر في مسألة اتخاذ بعض الحلول الوسط حتى وإن كانت مؤلمة؟ هل ستكون المملكة العربية السعودية، ومصر، والدول العربية الأخرى، قادرة على دعم الأمريكان إذا ما قرروا القفز في المياه الباردة لعملية السلام في الشرق الأوسط؟ وهل ستحاول إيران وحلفاؤها في المنطقة إجهاض الجهود الأمريكية، أو يقرروا الإنضمام إلى الجوقة التي تقودها أمريكا؟ وهل سيكون لدى أوباما القاعدة السياسية الرصينة لمواجهة المجموعات القوية التي تساند ناتينياهو في واشنطن؟
هذا بعض من الأسئلة التي تدور في خلد المراقبين في الشرق الأوسط، وكذلك في الأماكن الأخرى، وهم ينتظرون من أوباما إطلاق مبادرته حول الشرق الأوسط، والتي طال انتظارها، في الشهور القليلة القادمة. ولكن القلق الرئيسي الآخر—بالرغم من النوايا الحسنة للرئيس أوباما —  هو ما إذا كان تآكل القوة الإستراتيجية والاقتصادية الأمريكية قد يضع بعض القيود الهائلة على قدرة الرئيس على تحويل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وجلب السلام إلى الأراضي المقدّسة.
© منبر الحرية، 4 أغسطس/آب 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

قامت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بإرسال إشارة للدلالة على أنهما يريدان من حكومتيهما، وكذلك من الاتحاد الأوروبي، اتباع سياسة اكثر نشاطا في الشرق الأوسط. وبشكل لا يماثل سلفيهما جيرهارد شرودر وجاك شيراك، فهما يصران على العمل مع واشنطن عند التعامل مع التحديات في منطقة شرق البحر المتوسط، بما في ذلك النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والخليج العربي، وأنهما يؤكدان على التزامهما بأمن إسرائيل.

وفي وقت قريب سوف تتاح الفرصة أمام ميركل وساركوزي وزملاءهما في الاتحاد الأوروبي لكي يجيدا العمل بدلا من إجادة التحدث بالكلام حول الشرق الأوسط. كما سيشكل انتخاب رئيس أمريكي جديد فرصة للبدء في رسم خطوط رئيسية لاستراتيجية ما بعد حرب العراق.

وبدلا من “اللا استراتيجية عبر الأطلسي” المتبعة من قبل الرئيس الأمريكي جورج دبليو. بوش وآيديولوجياته الفكرية النابعة من المحافظين الجدد والتي تستند إلى مفهوم أن يكون الأمريكيون هم الذين يتولون قيادة عربة الشرق الأوسط، بينما يقومون بمطالبة الألمان والفرنسيين والبريطانيين بتغيير زيت تلك العربة وبفحص دواليبها، فسوف يكون شاغل البيت الأبيض الجديد بحاجة إلى دعوة الأوروبيين للبدء فعلا للمشاركة في توجيه سياسة أوروبية أمريكية في الشرق الأوسط.

ومن جانبهم، سيكون على الأوروبيين أن يقوموا بالاعتراف بأن المرء عندما يفوز بالمزيد من السيطرة على سياسة معينة، فإنه أيضا سوف يكون بحاجة إلى تقاسم المزيد من المسؤوليات في مجال تنفيذها. وضمن هذا السياق الخاص بالشرق الأوسط، سوف لن يكون الاتحاد الأوروبي قادرا على مواصلة “الركوب المجاني” بالتكسب على ظهر السياسة الأمريكية في المنطقة: أي الانتفاع من الدور الأمريكي السياسي–العسكري هناك، بينما ينأون بأنفسهم عن نواحي السياسة الأمريكية التي تسير بشكل معاكس لمصالحهم.

وحتى ميركل وساركوزي، بالرغم من كلامهما المنمق حول التعاون مع واشنطن في الشرق الأوسط، فإنهما قد اخفقا في تبني سياسة مترابطة والتي تتطلب أيضا القيام باستثمار أوروبي، يتم قياسه بالمال وحتى بالمعايير العسكرية، بالنسبة لإدارة العراق أو حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي الحقيقة، فإن الزعيمين، من خلال رفضهما عضوية تركيا ذات السمة والثقافة الغربية للدخول في الاتحاد الأوروبي، فقد قاما بإضعاف النفوذ الأوروبي-الأمريكي في الشرق الأوسط.

وبتجنيب المشاكل المعقدة في الخليج العربي، بما في ذلك العراق وإيران، التي يتوجب أن تحتل مكانا مركزيا في أية استراتيجية يتم إعادة تنشيطها في الشرق الأوسط، فإن ميركل وساركوزي يمكنهما أن يحاولا السعي إلى استهلال دبلوماسي خلاق في منطقة شرق البحر المتوسط وذلك، على وجه اكثر خصوصية، بفعل إعادة إحياء “عملية السلام” المحتضرة في الأراضي المقدسة من خلال الإعلان عن استعدادهما برعاية مفاوضات بين إسرائيل ودولة فلسطينية مستقلة قد تؤدي إلى ارتقاء تدريجي لإسرائيل وفلسطين لدخول الاتحاد الأوروبي.

وبينما ينظر كل من الإسرائيليين والفلسطينيين إلى واشنطن باعتبارها مركزا بالنسبة لأي حل للنزاع بينهما، فقد بقي الاتحاد الأوروبي مهمشا في هذه العملية. فالاتحاد الأوروبي يُعتبر المانح الأكبر للمساعدات بالنسبة للسلطة الفلسطينية والشريك التجاري الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل. ومع ذلك، فقد اخفق في ترجمة ذلك النفوذ الاقتصادي إلى تأثير دبلوماسي.

إن إرسال إشارة إلى الإسرائيليين والفلسطينيين، بحيث تدل على أن الحل السلمي للنزاع بينهما قد يكون بمثابة بطاقة للدخول في الاتحاد الأوروبي، سوف يكون اكثر من مجرد إغرائهما بالمكافئات الاقتصادية. وان الاشتراط على إسرائيل بالموافقة على الانسحاب من الأراضي المحتلة وبتفكيك المستوطنات اليهودية الموجودة هناك لكي يتم دخولها في الاتحاد الأوروبي سوف يعمل على تقوية أيدي أولئك الإسرائيليين الذين يتصورن بان تكون دولتهم ليست عبارة عن غيتو (حي يهودي) مجهز عسكريا بل هي مجتمع ليبرالي غربي السمة والثقافة.

وبنفس الوقت، سوف يكون الشعب الفلسطيني مجبرا على الاختيار بين الأجندة المتطرفة التي تروج لها حركة حماس وبين برنامج مجهز للإصلاح والذي تتم متابعته من قبل قيادة فلسطينية جديدة تعمل مع الاتحاد الأوروبي كجزء من المفاوضات حول ذلك الارتقاء. وسوف يقوم ذلك البرنامج بإعادة بناء الاقتصاد في الضفة الغربية وغزة من خلال الاستثمار وخلق شراكات تجارية فلسطينية–إسرائيلية–أوروبية. ووفق نفس الطريق التي عمل بها تأسيس منظمة النافتا (إتفاقية التجارة الحرة لشمال أمريكا) على الضغط لإجراء الإصلاحات في المكسيك، فان نشوء وتطور التجارة والروابط المؤسسية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وفي النهاية مع الأردن وسوريا ولبنان، قد يضع الأساسات بالنسبة للتحرك نحو السلام والتغير الاقتصادي والسياسي لكامل منطقة شرق البحر المتوسط، وهو إقليم له روابط تاريخية وجغرافية وديموغرافية وثيقة مع أوروبا.

قد يقوم النقاد بوصف مثل ذلك العرض الخاص بإدخال إسرائيل وفلسطين إلى الاتحاد الأوروبي على انه عبارة عن مجازفة دبلوماسية، وأنه لا يوجد هناك مجال للشك بان ذلك الهدف سوف يستغرق الكثير من السنوات لكي يتم تحقيقه. ولكن، بفعل تبني مثل تلك الاستراتيجية المتمثلة بالمشاركة البناءة طويلة الأجل في الشرق الأوسط، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يحاول، من خلال استخدام المصادر الدبلوماسية والاقتصادية، تحقيق ذلك النوع من الأهداف بدلا من الطريقة الأمريكية في استخدام القوة العسكرية.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 8 نيسان 2008.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018