محمد حلمي عبد الوهاب

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

في بحثِنا لظاهرةِ الأصوليّةِ، علينَا أن نُقرَ بداية بأنّها لا تزالُ تسببُ العديدَ من اللّبس حتى لدى المنتمين إلى البيئاتِ العلمية الأكاديمية. وفي اعتقادي أنَّ هذا اللبس ناشيءٌ في الأساس، ليْسَ فقط من معنى الكلمّةِ أو ماهِيتهَا، وإنَّما أيضاً من مسيرةِ تشكُلِها وسيرورةِ اشتغالِها في النصِّ والوعيِّ والتَّاريخِ معاً. وبالتالي، يبدو أن الجدلَ سيطولُ، بحُكمِ ما سَبق، ولن يكون بمقدور أحدٍ ما أن يقولَ الكلمَة الفصْل في هذا السّياق.
يَسْتتبعُ ما سبقَ الإقرارُ كذلك بضرورة بذلِ المزيدِ من الجهدِّ والتحليل لإزالة هذا اللبس من ناحية، وللتقدم خطوة أخرى نحو فهم الظاهرة بصورة أدق من ناحية ثانية. فعلى الرُغم من سيطرة هذا المفهوم على حيّز كبير جداً من التداوُّل الثقافي، الصحافيُ منهُ بخاصة، إلا أنَّ ذلكَ لمْ يَحُلْ دونَ انتقال المفهوم من الوضوح الصّارم إلى الغموض المُربِك في بيئتنا العربية.
ومن مظاهر هذا الغموض اتّساعُ الجدالِ حولَ التسميّة التي تقترنُ بالظاهِرة، وما يتبَعُ ذلكَ من الكشفِ في كل تسميّةٍ عن خلفيّةٍ فكريّةٍ مُحدّدة: ابتداءً من “الأصولية Integrisme”، ومرورا بـ “الجذرية Fondamentalisme”، وليس انتهاءً بـ “الإسلاموية Isalmisme”. حيث، يرتبطُ كلُ تصوُّر من التصوراتِ السابقةِ بمجموعةٍ من الإشكاليّاتِ المُتعلقةِ به، خاصة حين تثارُ الأسبابُ التي تُعيدُنا في الغالِبِ إلى التأكيدِ على وجودِ سِمةٍ مُميزَةٍ متضّمنَة في الإسلام ذاتِه، أو ما يُطلِقُ عليها مكسيم رودنسون لفظة Virus، باعتبارها مسئولة عن توّلدِّ التعصُب الديني!.(راجع كتابه الإسلام سياسة وعقيدة).
ويُعَدُّ جيل كيبل من أول الباحثينَ الغربيينَ الذين لفتوا الانتباهَ إلى انتقالِ مُصْطلحِ الأصوليّة إلى العالم العربي دون الأخذ بالاعتبار أنهُ ولدَ ونشأ أساساً في الغربِّ الكاثوليكيّ والبروتستاني، وذلكَ في كتابِهِ “يومُ الله، الحركاتُ الأصوليّة المعاصرة في الدّياناتِ الثلاث: اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام”. مؤكدا أنَّ استخدامه على سبيلِ الاستعارة خارجَ العالَمِ المسيحيّ لا يعْني ضرورة أنه مفهومٌ عالميّ، وأنَّ إطلاقُ المصطلح على الحركات الدينيّة الإسلامويّة قد أدّى إلى تشويهِ هذهِ الحركات واختزالِ مفهومِهَا إلى مفهوم الأصوليّة لدى العالَم المسيحيّ.
وخروجاً من هذا الإشكال نذهبُ إلى القولِ بأنَّ الاتيانَ على مُصطلحِ “الأصوليّة” مُجرداً من إضافةِ “الإسلامويّة” لا يصلحُ لوصفِ الحركات الإسلاميّة المُعاصِرة بتياراتِها المختلفة. وهو ما يحل الإشكالَ الحاصِلَ أيضاً على مستوى الجِذر اللغويّ للمفهوم في المعاجِم العربيّة حيث الأصل يُقابِلُ الفرعَ ولا يصّحُ وصفُ الظاهِرة الإسلاموية (وهي فرع) بالأصل فقط (الإسلام) تمييزا لها عن الأصوليات الأخرى.
وفي كل الأحوال، فإنّ كافة الحركاتِ الأصوليّة ربما تشتركُ في ثلاثة أمور هي: الشموليّة، والنصوصيّة، والانحيازُ المطلق. فالشمولية تعني أنَّ جميعَ الأسئلةِ التي تفرضُها الحياة الخاصّة والعامّة تجيبُ عنها تعاليمُ الدّينِ أو الأيديولوجيّة،وهو ما يبدو واضحا من خلال النظر إلى القرآن الكريم من قبل أتباع الأصوليّة الإسلامويّة باعتباره متضمنا كافة المعاني الدينية وغير الدينية، وهو ما يبدو واضحا أيضا من خلال كثرة الحديث مؤخرا حول الحقائق العلمية في القرآن الكريم والنظر إليه باعتباره كتابا في الاحياء والفيزياء بل وفي المسائل النووية! .
أمّا النصوصيّة فتعني أنَّ النصوصَ المُقدّسَة يجبْ أنْ تؤخَذَ حَرفيّاً، ومن دونِ الدخولِ في تأويلٍ أو تفسير بما يتضمنُهُ ذلكَ من استكشافِ مُلابساتٍ أو طرحِ تساؤلاتٍ…إلخ. ومن المعلوم أن ثمة مذهباً فقهيا كاملا اسمه “المذهب الظاهري”، أسسه الفقيه أبو داود الظاهري، يقوم على التفسير الحرفي للآيات القرانية والأحاديث النبوية وعدم القبول بتاتا بإعمال الرأي فيها إلى جانب رفض منطق التأويل الصوفي. وأخيراً يعني الانحيازُ الرفضَ المُطلق لأيّةِ مُسَاءَلةٍ نقدّيّةٍ لمنظومةِ المَبادئ التي يعتقدُها الأصوليُّ، ونفي كلِّ ما عداها.
وبهذا المعنى، تلتقي كافة الأصوليّات المعروفة حول فكرة أنَّ النصَ المرجعي بالنسبةِ لكل واحدةٍ منها يحتوى على مجموعةٍ من الحقائق الحيّةِ الخالِدة، والتي هي صالِحة لكلّ زمان ومكان كمؤشر وضمان لمعصوميتهَا من الخطأ. ومن ثم، تعتبرُ الأصوليّة أنَّ الكتابَ أو النصَ الذي يُتخذ كمُرشِدٍ مُكتفٍ ذاتيّاً، بمعنى أنهُ توجَدُ فيهِ كافة الإجابَاتِ على كافةِ الأسئلةِ الماضية والحاضرة والمستقبلية معاً.
وتبعا لذلك أيضا، فإنَّ النزعة الأصوليّة حاضِرة بلا انقطَاع في كافةِ البُنَى الأيديولوجيّة ذاتِ النمطِ الكنسي/الديني، حتى ولو كانت عِلمانيّة!، أي أن الأصوليّة الدينية تُفرزُ المناخَ الملائِمَ لظهور أصوليّةٍ مُضادّةٍ لهَا ذات بُنَى عِلمانيّة.
ولعل ذلك ما دفع مكسيم رودنسنون لأن يُطالِبَ بضرورَةِ “ضمِّ التجمعاتِ المبنيّةِ من هذا الصِنف في مقولَةٍ واسعةٍ واحدةٍ هي الحركاتُ الإيديولوجيَّة التي تجمَعُ الذينَ يؤمنونَ بالسماءِ والذينَ لا يؤمنون، أو بالأحرى لكُلِّ امرئٍ سماؤه” (الإسلام سياسة وعقيدة).
ولتأكيدِ ذلكَ، لنأخُذ مسألة رفض التعدديّة نموذجاً. فقد شاعَ اتهام الإسلامويّة الحركيّة بادّعاءِ امتلاكِها للحقيقة على الرغم من أن أغلب الأيديولوجيات تدّعي امتلاك الحقيقة أيضاً.
وفي المحصلة، يمكن القول إن علاقة الدين بالسياسة كاتهام تُوصم به الإسلاموية من قبل الدارسين الغربيين إنما هو قائم أساسا على مفهوم الدّين الكنسي المسيحي وليس على مفهوم الدّين الإسلاميّ، والذي (بحسب الأصوليّة) يقضي بترابط الأمرين معا (الدّين والسياسة) بحيث لا يتم فهم أحدهما من دون الآخر، وهو بطبيعة الحال فهم مغلوط ومؤدلج لطبيعة العلاقة بين الدين والسياسة في الإسلام.
© منبر الحرية، 29 مارس 2009

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

ما احتاج العقلُ الأصوليّ إلى كثير من إعمال الفكر ليهتمّ بالآخر “المغاير” له دينيا وثقافيا، وإنّما بادر بإعلان “جاهلية العالم” منذ اللحظة الأولى لتشكله متذرعا في ذلك بسيادة وهيمنة ما أسماه “عقلية الغاب” على مقدراتِ العالم. ومن المفارقات الغرائبيّةِ في هذا الإطار أنّ العقل الأصوليّ، وفيما يسوق براهينه لتبرير نظريتهِ هذه، قد تذرّع بالقول: إنّ الجاهليّة الجهلاء التي باتت تسود عالم اليوم ستؤدي حتما إلى نشأةِ حروب وحشيّة وطاحنة، على النحو الذي عانت منه البشرية إبان الحربين العالميتين: الأولى والثانية!
في مقابل ذلك، زاوجتِ الأصوليّة في طرحها بين مصطلحين مهمين في إطار القول بجاهليّة العالم وهما: الجهاد والسلام، مؤكدة أنّ تعطيلَ دور الإسلام قد أدّى إلى تحريك النعراتِ القوميّة والمذهبيّة وصولا إلى الطائفية. ممّا يعني أنّه في حال “عدم تعطيل دور الإسلام” لن يكون لمثل هذه التنويعاتِ والتعددّات السياسيّة والثقافيّة أيّ وجود يُذكر نظرا لسيادة المنظور الأحاديّ والمنطق الاقصائيّ الاختزاليّ الذي يُفهم الإسلام من خلاله لدى العقل الأصوليّ.
وبحسب الأصوليّة الإسلامويّة أيضا، فإنّ الإسلام لا يجوز له أن يخضع بدوره إلى الواقع العالميّ “الجاهلي”، وإنّما يتوجبُ عليه أن يواجهه لا ليتحاور معه وإنما ليُخضعه لتصوراته ومفاهيمه ومنهجه فيُبقي منه ما هو فطريٌ وضروريّ ويتركُ ما هو “طفيلي” ومؤدٍ إلى فساد العالم. وبهذا تتحدد ملامح النظرة إلى النظام العالميّ لدى الأصوليّة في إعمال مبدأ المواجهة لا الحوار، والإقصاء لا القبول بالتعددية، في احتواء الآخر لا تركه يختار طريقة حياته وإلا سيتابع خطى الجاهلية التي تهيمن على العالم!
وتلك معركة مصيرية بحسب الأصولية التي تؤكد أنّه هكذا كان الإسلام يوم أن واجه جاهلية البشرية منذ قرون، وهكذا هو اليوم يواجه الجاهلية في كل زمان ومكان. فالمجتمع الجاهلي، سواء في القرن السابع الميلادي/الأول الهجري أو في القرن العشرين/الرابع عشر الهجري، يتمتع بنفس صفات الجاهلية، وعلى رأسها ظهور الخلل في العقيدة وتعدد صور الشرك العقدي.
وفي المحصلة، تعتبر الأصولية الإسلاموية (سواء في شكلها الحركي أو في شكلها المؤسساتي) عدم الخضوع للقوى الحاكمة واجبا مقدسا لا يمكن المساس به. ليس غريبا إذاً، والحالة هذه، أن يُصدر رموز هذه الحركات بيانات تكفيرية للغرب فيما هم يتمتعون بحق اللجوء السياسي فيه!
وإلى جانب ذلك، تعاملت معظم الحركات الأصولية الإسلاموية مع الأنظمة السياسية القائمة، منذ أوائل العشرينات وحتى اليوم، على أنّها أنظمة جاهلية حتى وإن ادعت عكس ذلك.
وفي السياق ذاته تؤكد الأصولية رفضها القاطع لكافة أشكال التعددية السياسية والدينية (والاقتصادية أيضا حيث لا مجال للحديث عن أية أنظمة اقتصادية أخرى بخلاف ما يسمى بالنظام الاقتصادي الإسلامي)، وذلك بحجة الخوف على المجتمع المسلم من الوقوع في “الفتنة” (فتنة التحزب بالنسبة للسياسة، والتمذهب بالنسبة للدين، وفتنة الوقوع في فح المعاملات الربوية بالنسبة للاقتصاد…إلخ).
ليس غريبا إذا أن تؤكد الأصولية أن انتشار النزعة القومية تعد من أهم النكسات الحديثة التي لحقت بالأمة الإسلامية. وتبعا لذلك، فإن ظاهرة الشخصية الإقليمية أو القومية هي برأي الأصولية “صنعة الاستعمار الكافر، وتقوم على أساس تعميق الفواصل اللغوية والمذهبية والعرقية بما يخدم مصالح الاستعمار المتجددة، ولهذا فإن القومية هي عنصر إضعاف وإثارة تناقضات”.
القومية بهذا المعنى مرفوضة جملة وتفصيلا لدى الأصولية بذريعة أن مهمة الإسلام لا تكمن في الذوبان التام ضمن تضاعيف المفاهيم الإنسانية المفتعلة برأيها داخل أو خارج العالم الإسلامي (تعددية، عِلمانية، ديمقراطية، ليبرالية…إلخ) وذلك بحكم “الأمانة” أو “المسئولية” التي ألقاها الله على عاتق هذه الأمة والتي تستوجب، ضمن ما تستوجب من أمور أخرى بطبيعة الحال، أن لا تُذَل لأحد وألا تُستعبد لأحد لأنّ الله قد قضى أنْ لا “يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا”.
وهذا المعنى تحديدا يتردد كثيرا في أدبياتهم، بمعنى أنه لا يجوز للمؤمن الذي رضي بالاحتكام لشريعة الله مطلقا أن يحتكم لأية شريعة إنسانية أخرى كمرجعية حاكمة لتوجهاته العلمية والعملية “فالمؤمن لا يستحق لقب الإيمان حتى يجعل منهج الله منهجه وشريعة الله شريعته فلا يتخذ من عند بني الإنسان منهجا ولا شريعة ولا نظما لأنّه ما إن اتخذ أيا منها كفر على الفور بألوهية الله”!
بمعنىً آخر، فإنّ كل من يرفض إفراد الله بالإلوهية إنما يكفر معه كل من يُقره على ادعاء حق الألوهية لنفسه، فالطاغوت هو كل سلطان لا يستند إلى سلطان الله وكل وضع لا يجعل شريعة الله أساسا للحياة.
ومن ثم، لا يجوز الاحتكام مطلقا إلى التشريعات العالمية بزعم أن الإنسان لا يملك لا القدرة ولا حتى الاستعداد الذي يؤهله لوضع منهج عادل ومتكامل فيما هو يجهل مآلات رغباتِه وأعمالِه مدللين على ذلك بقوله تعالى: “ثم جعلناك على شريعةٍ من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون”.
وانطلاقا مما سبق، ترى الأصولية في الجهاد حلا مناسبا لمواجهة هذا الواقع وتقويمه ليناسب منهج الله ويزيل الجهالة عن المجتمع العالمي المعاصر. ووفقا لهم، فإنّ كل مجتمع تتجمع فيه الناس لروابط لا تتعلق فيه الإرادة الإلهية، كرابطة المال والعاطفة واللغة والإنتاج والأرض والانتماء المذهبي أو العرقي أو حتى السياسي، فهو مجتمع “جاهلي”.
من أجل هذا يتوجب على المسلمين اليوم، وكل يوم، ملاحقة الأصل الذي شرّعه الله “وفتح المواجهة مع الجاهلية التي لا تتحدد بزمان أو مكان. المواجهة التي تهدف إلى هدم الجاهلية واقتلاع جذورها من أجل الشروع في بناء بنيان راسخ وعادل”. ( سيد قطب: المستقبل لهذا الدين)
فالإسلام، بنظر الأصولية، مكلف
أولا بالدفاع عن الأمة والذود عنها ماديا ومعنويا
ثانيا بضمان حرية الدعوة للإسلام وإزالة كل قوة طاغية تمنع وصول هذه الدعوة للعالمين
ثالثا بإقرار سلطان الله في الأرض ومقاتلة المعتدين على هذا السلطان الذين يدّعون “حق التشريع من دون الله”.
يتحصل مما سبق أن الفكر الأصولي ينزع في مجمله لنفي كل تعددية قائمة أو حتى محتملة مستقبلا وهو ما يعبر عنه سيد قطب في عبارة مكثفة يقول فيها: “إنَّ المؤمن هو الأعلى..الأعلى سندا ومصدرا، فمَا تكونُ الأرضُ كلها؟ وما يكونُ الناس؟ وما تكونُ القيمُ السائدةُ في الأرض؟ والاعتباراتُ السائدةُ عند الناس؟ وهْوَ من اللهِ يتلقى، وإلى اللهِ يرجع، وعلى مَنْهَجِهِ يسيْر؟”.
* د. محمد حلمي عبد الوهاب باحث وكاتب مصري
© منبر الحرية، 17 أبريل 2009

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

على عكس بديهيات العالم، بدلا من أن تؤدي كثرة النقاش حول قضية ما إلى المساهمة في ثرائها ومن ثم الوصول إلى حل بشأنها؛ لا يزيد النقاش المحتدم في عالمنا العربيّ حول الدينيّ والسياسيّ إلا في ازدياد ضبابية المواقف والقضايا وبالتالي عدم إمكانية حسمها، على الأقل في الوقت الراهن.
غير أنَّ لكلِّ زمان “وقته الراهن” ولكل جيل زمنه الخاص والنتيجة الطبيعية لتتابع الأوقات “الراهنة” هي البقاء “محلك سر”، كما يقول المصريون، بحيث تتأبد “الراهنيَّة” ويتأبد معها الإشكالُ موضعَ الخلافِ أو التساؤل!!.
وربما يحِّقُ للقارئ أن يتساءل: إذن ما الحل الذي بإمكانك أن تقدمه هنا؟ وما الجديد الذي يمكن أن يحمله مقالكَ في ضوء تقديم استفزازيٍّ كهذا؟!. واقع الأمر أنني لن أسعى إلى إعمال مبدأ المراوغة الفكرية والإجابة عن تساؤل القارئ بطرح سؤال آخر. لكني أعتقد أنه من دون مصارحة الذات والحديث عن القضية محل النقاش بوضوح شديد والتنفيس عمَّا يعتمِلُ في نفس الكاتب والقارئ معا فلا إمكانية لحل مثل هذه القضايا.
وهنا سأضطر آسفا للرجوع مرة أخرى لسياق الأسئلة الشائعة وعلى رأسها: لماذا نجحت اليابانُ وفشلت مصر (بطبيعة الحال ليس في مجال كرة القدم!!)؟! ولماذا نجحت أيضا المجتمعات الأوربية إبان عصر النهضة في الانتقال إلى نمط العلمنة فيما فشلنا نحن؟ ولماذا كل هذا الوقت والجهد الذي يبدو للبعض أنه لا طائل من ورائه في الحديث عن الإسلام والعلمنة؟ أليس من المريح القول بأننا شعوب إسلامية وكفى!، وأنه لا حاجة بنا إلى التعويل على أية أنظمة أخرى؟!.
لنعكس وجهة السؤال الأخير كي ما تتضح الصورة أكثر فأكثر: وما الذي أفضت إليه أفكار العقلانية والتنوير والعلمانية التي أخذ بها البعض في مجتمعاتنا العربيّة الإسلاميّة؟!، وهو ما يجرنا إلى تساؤل آخر: هل المشكلة تكمن في بنية مجتمعاتنا أم في الأنساق الفكرية أولا، السياسية ثانيا، التي تتبعها الدولة في تسيير شؤونها؟ ولماذا يُنظر إلى الدين لدى البعض باعتباره عائقا يحول دون إحراز التقدم فيما على العكس من ذلك تماما ينظر إليه الآخرون باعتباره قوة دافعة للإنجاز والعمل؟!.
سأتوقف عن إثارة المزيد من الأسئلة، ربما لأنَّها بدورها لا تنتهي، محاولا إلقاء الضوء على بعض جوانب المشكلة. ولنبدأ بتحليل مأزق “العلمنة” في عالمنا العربيّ مقارنة بعصر النهضة الأوربي لنتعرف على السياقات والتمايزات وأوجه الاتفاق والاختلاف ما بين التجربتين التاريخيتين.
غير أنه يتعين علينا أن نوضح بداية أنَّ تمايز الأوضاع في عالمنا العربيّ عن نظيره الأوربيّ لا يصِح أنْ يُتخذ ذريعة، كما يروقُ للبعض، لرفض العِلمانية كليَّة، أو التذرع بما يسمى الخصوصيّة/ “الاستثنائيّة العربيَّة” لتفسير تعثر حدوث التحول الديمقراطي بدول المنطقة. ففي الحالتين معا نحن إزاء التفافٍ على موضع الإشكال وهروبٍ من مواجهة الذات ليبقى التساؤل كما هو: لماذا فشلنا وتقدم غيرنا؟!.
وفي الواقع، لا يزالُ البعض يتوهم أنَّ الدول الأوربيَّة التي أنجزت في مراحلَ تاريخيّة معينة فصلا وظيفيا ما بين المؤسسات السياسيّة والدينيّة، خاصة ما يتعلقُ بوضعيّة الرموز الدينيّة في الفضاء الرسميّ وما ارتبط بذلك من صراع دامٍّ توزّع بين منطق الاستبعاد الكامل (الحالة الفرنسية) أو محاولة البحث عن حلول وسطى (الحالة الألمانية)؛ يُخيَّلُ للبعض أنَّ هذه الدول لا تدور في رحاها اليوم نقاشات ثرية حول وضعية الدين في المجتمع المعاصر، أو بالأحرى استمرارية الانشغال بالظاهرة الدينية ككل!
فعلى العكس من ذلك تماما، وعلى الرغم من الطابع العلماني للمجال السياسيّ في الدول الأوربيّة الحديثة، لا تزال هناك مساحة من التداخل بين الدينيّ والسياسيّ في الخارطة الثقافية للمجتمعات الأوربيّة وهو ما يبدو واضحا من خلال التشكيلات الحزبيّة ذات الطابع المسيحي، وأيضا من خلال تعاظم الدور العام والوزن النسبي للمؤسسة الدينيّة وخطابها المجتمعي، كما في حالتي إيطاليا وألمانيا على وجه الخصوص.
ومع الأخذ في الحسبان تنوع الخبرات التاريخيّة في العالمين العربيّ والغربيّ، إلا أنَّ الفارق الرئيسي بين التجربتين ربما يتعلق بتوافر أو غياب آلياتٍ مؤسسيّة مقبولةٍ مجتمعيا تساهم في تطوير صياغات توافقية للعلاقة الحاكمة بين كل من: الدّين والمجتمع والسيّاسة.
غير أنَّ محاولات العلمنة التي تمت في إطار ما يسمى بالنهضة العربيّة الحديثة تختلف في الواقع اختلافا كبيرا عن منظومة التحولات الشاملة التي تمت في أوربا وعلى مستوياتٍ عدة من بينها: أنّ علمنة المجتمعات الأوربيّة كانت جزءا من عمليات تحول شامل حيث لم يقتصر الأمر على تغيير بُنى العلاقة القائمة ما بين الكنيسة والدولة فقط، وإنما شملت أيضا وضع حدّ قانونيّ لحق الملوك في السيادة وبالتالي التحول إلى الجمهورية وانتقال السلطة إلى الشعب (حالتي فرنسا وأميركا) أو إلى البرلمان (حالة بريطانيا).
الملمح الثاني من ملامح اختلاف الخبرتين التاريخيتين يتمثل في طول حقبةِ عمليات التحوّل الشاملة بأوربا مقارنة بالعالم العربيّ حيث امتد النضال الإصلاحيُّ من القرن الثالث عشر حتى قيام الثورة الفرنسيّة في القرن الثامن عشر الميلاديّ، أي قرابة خمسة قرون متتالية بدأت بظهور حركة الإصلاح الدينيّ، مرورا بظهور الفكر السياسيّ العقلانيّ التجريبيّ، وليس انتهاءً بظهور موجات الحداثة والتنوير المعاصرة، فيما لم تتعدَّ الخبرة العربيَّة المعاصرة حدود قرنين من الزمان.
أضف إلى ذلك أيضا أنَّ المؤسسة الدينيّة الغربيّة قد تفاعلت مع التحولات المجتمعية بصورة مباشرة فقامت بعلمنة رؤاها الدينيّة وغيّرت من هياكلها التنظيميّة في ضوء هذه العلمنة. أمّا في التجربة العربيّة الإسلاميّة، فلا يزال الكثيرون داخل المؤسسات الدينيّة وخارجها يحاجونَ ضد القول بوجود ما يسمى بطبقة “رجال الدَّين” في الإسلام، فضلا عن الارتباط الوثيق بينهم وبين كل من القداسة والأنظمة السياسيّة.
وفي ضوء هذا الملمح الأخير يتعذر القول بإمكانيّة علمنة المؤسسة الدينيّة، مثلما يتعذر على رجال الدّين الإقرار بوجود قواسم مشتركة، أو على الأقل مساحات تقريب، بين الإسلام والعِلمانيّة. لكن ماذا عن اجتهادات المصلحين والمجددّين؟ وما حقيقة موقفهم من إشكالية السياسة والدّين؟ وهل من الممكن أن تتضمن رؤاهم الإصلاحيّة حلا لمعضلة الدّين والدّولة، والتي أعيت الإسلاميين والعِلمانيين معا؟ .. تلك أسئلة تبقى قائمة.
© منبر الحرية، 27 فبراير 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

فعلتها إسرائيلُ مجددا ورفضت الانصياعَ لآخر قرار رقم 1860 الصادر عن مجلس الأمن، القاضي بوقف العمليات الحربيّةِ فورا، والذي يُفترضُ أنه كان “ملزما” بطبيعته. وهاهي علامات الاستفهام تتزايد معدلاتها يوما بعد يوم حول مدى فعالية وجدية الامتثال للقانون الدوليّ في عالم اليوم، وإلى متى يحولُ التحيّز الأمريكيّ المطلق لصالح إسرائيل دون تقديم المسئولين الإسرائيليين عن جرائم الحرب والإبادة التي يقومون بها ضد الشعب الفلسطينيّ الأعزل للمحاكمة الدوليّة؟! وإلى متى أيضا ستظل الدول الكبرى تستخدم “المعايير المزدوجة” في تقييم الصراعات المشتعلة في الشرق الأوسط حاليا ومستقبليا؟!.
وإذا كان معلوما أنّ الحرب بحدّ ذاتها هي جريمة عدوان، وفقا لتعريف الأمم المتحدة، وأن استهداف المدنيين والمرافق غير العسكرية هو أمر تحرمه مواثيق جنيف الأربعة أيضا، فضلا عن استخدام أسلحة محرمة دوليا أو لا تزال خاضعة بدورها للتجارب، إلا أنه على الرغم من انتهاك إسرائيل كافة المواثيق الدولية هذه إبان عدوانها الغاشم على لبنان لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دورا مهما في تعطيل مهام عمل مجلس الأمن خلال حرب تموز 2006 حيث حالت دون اتباع المجلس تقليدا دبلوماسيا راسخا بأن يصدر قرارا بوقف الحرب أولا قبل أن ينظر في إدعاءات أطرافها المختلفة.
وبطبيعة الحال كان موقف إدارة بوش مفهوما تماما تبعا لسياق ما سماه بالحرب على الإرهاب وتشكل الشرق الأوسط الجديد ونكاية في حزب الله أملا في أن يتم القضاء عليه نهائيا. لكن الغريب في الأمر أنه ما إن أثبتت المقاومة اللبنانية صمودها المذهل في وجه العدوان منتصرة عليه نهاية الأمر حتى هرولت الدول الكبرى الداعمة للكيان الصهيونيّ بزعامة الولايات المتحدة لإنهاء حالة الحرب بين الطرفين ووقف القتال.
غير أن الطريقة ذاتها التي تم بها إنهاء القتال وما تضمنته من شروط على الجانبين لم تأخذ في الحسبان لا فطرة العدالة ولا القانون الدوليّ ولا حتى حسابات الربح والخسارة، وإنما على العكس تماما منح القانون رقم 1701 إسرائيل (وهي المعتدية على لبنان) أكثر مما تأمَلْـهُ لقاء عدوانها هذا، على عكس ما تملية الاعتبارات القانونية الدولية التي تعاقب على جريمتي العدوان واستهداف المدنيين والأفراد العزل بالملاحقة والمحاكمة قضائيا.
ليس غريبا إذاً، والحالة هذه، ألا تجد إدارة بوش، اللامأسوف على رحيلها، حرجا في تجاهل حكم محكمة العدل الدولية المتعلق بجدار الفصل العنصري الإسرائيليّ، بل إنّها دفعت إسرائيل دفعا لتجاهله أيضا! كما لو أن أمن إسرائيل مقدم لديها على حساب سلام المنطقة بل والعالم أجمع. وفي السياق ذاته، لم تنجح الدعوة لعقد اجتماع للدول الموقعة على اتفاقيات جنيف الرابعة كذلك للنظر في خروقات إسرائيل لهذه الاتفاقية بفضل انحياز بعض الدول الأوربية للجانب الإسرائيلي.
وبطبيعة الحال، تكمن الخطورة هاهنا في إمكانية عدم امتثال دول أخرى على غرار إسرائيل، خاصة تلك التي تنتشر بها النزعات المسلحة والحركات والانفصالية، والبحث عن التمتع بالحصانة نفسها التي تمتلكها إسرائيل اليوم مما يعني ببساطة شديدة سقوط خطاب القانون الدولي في الحضيض ومن ثم انحدار البشرية في مهوى سحيق من شريعة الغاب.
أما على الجانب العربي فتتفاوت المواقف في الحكم على، وتقييم، مثل هذا الانحياز. فمن جهة، تتذرع الحكومات والأنظمة العربية بقوة التحالف الغربيّ الإسرائيليّ الذي يحول دون تقديم المسئولين الإسرائيليين للمحاكمة الدولية. ومن جهة ثانية، تواصل الجماهير والشعوب العربية الإسلامية تظاهراتها وإداناتها ضد التحيّز الأمريكيّ الصارخ بحق القضية الفلسطينية. ومن جهة ثالثة، هناك إلى جانب الإدانة المتواصلة من قبل الإسلاميين للإدارة الأمريكية نلاحظ إنكارا ضمنيا، وصريحا في بعض الحالات، بشرعية القانون الدوليّ استنادا إلى عدم فعاليته الحالية.
أما على صعيد موقف الإدارة الأمريكيّة الحاليّة برئاسة أوباما، فيبدو أن المؤشرات تدل على استمرار هذا الانحياز حتى وإن بدا بصورة أقل حدة عما كانت عليه الإدارة السابقة. ومما يؤكد ذلك أنه في الوقت الذي خرج علينا أوباما بتصريحات يدين فيها التفجيرات التي وقعت بمنطقة مومباي قبل فترة، التزم على العكس من ذلك صمتا مريبا إزاء محرقة غزة الحالية بحجة أن لأمريكا رئيس واحد ولا يود مشاركته المسئولية مما خيب الآمال المعقودة عليه، بحسب الحسابات العاطفية لا السياسية، من جانب المسلمين الذين تعالت أصواتهم على امتداد العالمين العربي والإسلامي متساءلة عن موقفه من الحرب الدائرة، مثلما تعالت من قبل مهللة لفوزه في الانتخابات الرئاسية!.
ومن ثم يبدو أن التعويل المفرط على أوباما ليس مجديا بحال من الأحوال ويكفي النظر إلى مسيرة حملته الانتخابية والتي تجاهل فيها تماما الاتصال بالجاليات الإسلامية (تقدر بحوالي 7 ملايين نسمة) خشية أن يستغل ماكين شيئا كهذا ضده بموازاة الحديث عن خلفيته الإسلامية مفضلا خسارة مليون صوت انتخابيّ على الدخول في مغامرة كتلك، ومعلنا لاحقا (من قلب مستوطنة سيدروت) أن أمن إسرائيل قضية مقدسة مُطالبا ببقاء القدس عاصمة موحدة (أبدية) لها!.
ومما يزيد الأمور تعقيدا حالة الانقسام العربي حاليا بحيث لا يمكن على الأقل تكوين جبهة موحدة تعمل على توظيف آليات القانون الدولي في خدمة قضية فلسطين المركزية. ويبدو أنه في ضوء المتاح حاليا ليس أمام الدول العربية والإسلامية سوى تجميد عضويتها في الأمم المتحدة احتجاجا على عدم إلزامية قراراتها بالنسبة لإسرائيل في مقابل التزامهم ببنود القوانين الصادرة عنها.
لكن المشكلة أعمق من ذلك بكثير لأن كافة المؤسسات الدولية التي تعمل على تطبيق القانون الدولي بحاجة ماسة إلى مراجعة شاملة خاصة ما يتعلق بمنح حق الفيتو للدول الكبرى وما يترتب على ذلك انعدام المساواة بين الدول الأعضاء.
© منبر الحرية، 7 فبراير 2009

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

لعل من المناسب جيدا قبل الحديث عن أيّة ظاهرة فكرية أن يبدأ الباحث بوضعها أولا ضمن سياقاتِها التاريخيّة والمعرفيّة وصولا إلى الوقوف على أسبابها ومسبباتها، فضلا عن دراستها بصورة مقارَنةٍ مع الظواهر الموازية لها، والتمييز قدر الطاقة بين الأنماط والأشكال التي تكتسبُها، والتي تتفاوت من ناحية خطورتها وقابليتها للإدانة.
فهذا مطلبٌ منهجيٌ في الأساس يوفر علينا الدخول في زحمة التفاصيل الكثيرة الشائكة المرتبطة بظاهرة الأصوليّة من جهة، ويحولُ في الوقت نفسه دون الانطلاق من موقفٍ أيديولوجيٍّ مُسبق يؤثر سلبا في الحكم عليها أو قراءتها خارج سياقاتها العامَّة من جهةٍ ثانية.
ومن ثم، فإنَّ ما يُهِمُنا في هذا المقال، وبالدرجة الأولى، هو التعرف على موقف الأصوليّة الإسلامويّة من التعدديّة بمعناها العام والذي ما يزالُ يمثلُ بؤرة مُهمة مسكونة بالعديد من الالتباسات ومثقلة في الوقت ذاته بعبءِ الأحكام التاريخية.
صحيحٌ أنَّ الرفضَّ الأصوليّ القاطع للتعددّية الدينيّة خاصة، والسياسيّة عامَّة، يبدو للوهلة الأولى الموقفَ الأصوليَّ الموحد؛ لكن هذا لا ينسينا أنه حتى في سياق هذا الرفض هنالكَ على الأقل تنويعاتٍ شتى تتأرجحُ عادة ما بين تغاير الأسبابِ تارة، وأسلوبِ المعالجةِ وطرح البدائل تارة أخرى.
ومن الثابت تاريخيا أنه لم يكن لدى الأصوليين وقتٌ للديمقراطية أو التعددية الحزبية، ولا حتى للتسامح الديني أو الحفاظ على السلام. فالأصوليون المسيحيون، على سبيل المثال، قاوموا بشدة الاكتشافات العلمية الخاصة بعلوم الأحياء والفيزياء، وأصروا على أن كتاب “سفر التكوين” يبدو علميا في جميع تفاصيله ولا يحتاج إلى أية إضافات أخرى. وبالمثل أظهرَ الأصوليونَ اليهود أنَّ قانونهم المقدس، والذي مارسوه بصرامةٍ وتشدُّد، هو القانون الدولي الوحيد القابل للتطبيق (ولعل ذلك يفسر عدم اعتبارهم بما يسمى بالقانون الدولي الإنسانيّ).
نصلُ في مقاربتنا الأوليّة هنا إلى شرح ما يتعلقُ بتعريف التعدديَّة Pluralism، والتي على الرغم من أنها تعني : التسليم بالاختلاف واقعا لا يسع عاقلا إنكاره، وحقا للمختلفين لا يملك أحد- أو سلطة ما- حرمانهم منه، إلا أن وتيرة الخلاف حولها تشتد رفضا وقبولا، أخذا وتعاطيا في آن معا.
لكن يبقى التساؤل فيما يتعلق بموضوعنا قائما وهو: كيف، ولماذ،ا تنبثق الأصوليات، أو لا تنبثق، لدى أمة من الأمم دون غيرها أو في منطقة ثقافية معينة أو تشكيلة اجتماعية ما؟! ولماذا تهتزُ وتنكمشُ قاعدة التجديد والاجتهاد في بقعةٍ جغرافيةٍ ما فيما تتسعُ ضمنَ مناطق أخرى مرت تقريبا بنفس الظروف والملابسات التاريخية؟! وهل الأصوليّة ظاهرة عامّة في كل دين، أم  أنها بحسب البعض سِمة مميزة للفكر الإسلاميّ بصفةٍ خاصة؟! وما موقف الأصولية الإسلاموية من قضايا العلمنة والديمقراطية والحداثة والتعددية…إلخ؟!.
واقعُ الأمر، أنَّ ثمة منظومة فكرية كاملة يُناصبها الأصوليون الإسلامويون العداءَ على رأسِها: العِلمانية، الديمقراطية، التعددية بحيث يصح القولُ إنَّ هذا الثالوث، اللامقدس بنظر الأصوليين، قد استحقَ صرف أغلب جهودهم في اتجاه محاولة دحضِه وبُغية تحطيمه.
وبطبيعة الحال، فإنَّ الهحوم على هذه المنظومة هو أمرٌ مفهوم تماما بالنظر إلى طبيعة الأصولية ذاتها كحركةٍ تدعو إلى تفكيكِ البنية التأسيسية للتاريخ وبالتالي إنكارُ شرعيةِ إلزامية النظريات، في موازاةِ الحث على استخلاص المعنى الحقيقي للإسلام من النصوص المفسِرة مباشرة ومن منظور التجربة الحديثة لواقع الأمة ومعاناتها.
هذا ويمكن تلخيص البنى التأسيسية التي ينبني عليها تصور الأصوليين للآخر ونفيهم التعددية الدينية والسياسية في أربعة عناصر رئيسية، حسب ما يؤكد أحمد الموصللي، وهي: عالمية الرسالة (الحقيقة المطلقة التي يجب إنشاؤها)، وجاهلية العالم (الحقيقة الجزئية الفعلية التي يجب التخلص منها)، والجهاد (السبيل الوحيد لإنهاء الحقيقة الجزئية الفعلية “جاهلية العالم”)، وأخيرا السلام (كسبيل إلى تحقيق الحقيقة النظرية المطلقة “عالمية الإسلام” ونتيجة لها في آن معا!!).
والحال أنَّ عالمية الإسلام وجاهلية العالم لا يمكنهما التعايش معا بصورة شرعية، لأن كل واحدة منهما تسعى جاهدة إلى نفي الأخرى حيث تنطلق الأصولية الإسلاموية من الإيمان بأحقية قيادة الأمة الإسلامية للعالم على اعتبار أنها “خير أمة أخرجت للناس” متجاهلة أنها بذلك تسعى إلى تحقيق قطبية أحادية يخضع لها الجميع وينضوون تحت لوائها، حتى مع التذرع بأن مهمة الإسلام “انقاذية” والزعم بأن الأمة الإسلامية “أمينة على رسالة الله في العالم”!!.
عالمية الإسلام، بهذا المعنى، مبنية إذاً على مبدأ “الحاكمية” القائل بمطلق سلطة الله في الكون بما أنه المشرع ابتداءً. ومن ثم، يجب أن يتمحور عمل البشر حول تطبيق التشريع الإلهيّ “وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون” أما سلطة التشريع فلا تجوز إلا لله. أي أنَّ عالمية الإسلام تتضمن بداهة معارضة كل نظام إنسانيّ، فلسفيّ أو سياسيّ، لا يقفُ عند حكم الله!.
لذلك يقسم الأصوليون كلا من الفكر والممارسة إلى قسمين: الأول، ذلك الذي شرّعهُ الله. والثاني: ذلك الذي لم يشرعه. وتبعا لذلك، ينقسم البشر إلى قسمين: المتبعونَ لمنهج الله الذين ينظمون حياتهم وشؤونهم طبقا لشرائع الإسلام وهم “حزب الله”. أما “الآخرون” الذين يستمدون منهجهم من دستور أو نظام سياسيّ أو قانونيّ فهم أتباعُ دين الملِك، أو العشيرة، أو الشعب (باعتباره مصدرا للسلطات في النظم الديمقراطية)، أي يمثلون “حزبَ الشيطان”!!.
ومُضيا في هذا الطريق إلى آخِره، تجنحُ الأصولية الإسلاموية إلى القول بعدم جواز جمع الإسلام، أو حتى مقارنته، مع غيره من الأنظمة السياسيّة أو العقديّة ضمن نسق واحد بحجة أنَّ عدمَ الخلط سيؤدي إلى سُهولةِ تحدي الشر في حال عدم اختلاطه مع الخير!! فيما يؤدي اجتماعهما معا في “سلة” واحدة إلى عدم تجنب الأخطاء وصعوبة القضاء نهائيا على الشر!.
وتبعا لنفي التعددية أيضا يتأتى رفضُ الأصولية الإسلاموية مبدأ “الحق في تشكيل الأحزاب السياسية” بدعوى أنها تعملُ على تفريق “شمل الأمة”. وأنه، استنادا إلى القاعدة الفقهية الأصولية “مالا يتم الواجبُ إلا به فهوَ واجب”، ليس ثمة ضرورة في وجود الأحزاب السياسية على الرغم من أن “المذاهبَ أحزابٌ في الفقه، والأحزابُ مذاهب في السياسة”.. وتلك قضية أخرى!.
© منبر الحرية، 13 مارس 2009

peshwazarabic11 نوفمبر، 20100

يُنْسَبُ للإمام عليّ أنه قال: “مَنْ مَلَكَ استبد”!، وهو ما أكدهُ ابن خلدون لاحقاً بقولِهِ: “إنَّ المُلْكَ يعْني التغلُب والحُكم بالقهر، فصاحِبُ العصبيّةِ [السُلطة] إذا بلغَ رُتْبَةً طلبَ ما فوقها؛ فإذا بلغَ رُتْبَةَ السُؤْدَدِ والإتباع ووجدَ السبْيلَ إلى التغلُّبِ والقهر لا يَتْرُكهُ لأنه مطلوبٌ للنفس”.
وما نودُ أنْ نؤّكِدَ عليه من خلال هذين الاستشهادين هو أنَّ “السُلطةَ المُطلقة مَفْسَدَةٌ مُطلقة”. وتبعاً لذلك، تتأتى الأهمية القصوى لمبدأ “تدوُال السلطة” في المجتمعات الإنسانيّة لأنَّ الإِبقاءَ على نظامٍ سياسيٍّ مُعين في السلطة لمدة طويلة من شأنِهِ أن يُفرزَ بمرور الوقت كياناتٍ فاسدةٍ تدور في فلكه، أو تتركزُ من حوله مهما بلغت درجة نجاحه ونزاهته.
غيْرَ أنّ أغلبَ الأنظمةِ العربية، والتي عادةً ما تتشدَّقُ بالديمقراطية، دائماً ما “تُباغت” مواطنيها بإجراءِ تعديلاتٍ دُستوريّةٍ تُتيحُ لها البقاءَ في السلطة إلى الأبد!. ولعل آخر هذه الأخبار “المُباغتة” ما حدثَ مؤخراً من إقْرارِ البرلمانِ الجزائريّ تعديلاتٍ دُستوريّةٍ تُتيحُ للرئيس بوتفليقة الترشح لولايةٍ رئاسيّةٍ ثالثة!!.
وفي الواقع، إنَّ ما يجري في الجزائر الآن ليسَ بعيداً عن مُحاولاتِ التوريث التي تتمُ سراً أو علانيّةً في أكثر من مكان (سواء في ليبيا أو في مصر) اقتداءً بسوريّا بشار الأسد. كما أنهُ ليْسَ بعيداً أيضاً عمّا حدث في الماضي من تأبيدِ السُلطة لصالح أنظمةِ الحِزبِ الواحد.
ومما لا شك فيه، أنَّ جانِباً مُهماً من العقدِّ الاجتماعيَّ الذي تكْشِفُ عنهُ “رُوحُ القوانين”، على حد تعبير مونتسكيو، إنَّمَا يظْهَرُ في البنيّةِ العامَّةِ للسُلطةِ السياسيةِ وكيفيةِ توزيعهَا. وتبعاً لذلك، فإنَ أيَةَ تعديلاتٍ دستوريّةٍ ينْبغي أنْ تنْعَكِسَ آثارُها الإيجابيّة بصورةٍ واضحةٍ على النموذج الكُليّ للنظامِ السياسيّ الذي تنقُلنا إليهِ، أوْ لا تنقُلنا إليه.
ومن ثمَّ، إذا ما قُدِّرَ لأيّةِ تعديلاتِ دُستوريّةِ أنْ تتوافقَ مع‏َ رُوحِ القوانين فسيُفْضي ذلكَ حتماً إلى تحقيقِ أمْرينِ رئيسين‏:‏
الأول: إنتاجُ نمطٍ للعلاقة بين الدولةِ والمجتمع يكونُ بديلاً للنمط السائد في العصور الوسطى والقديمة‏.‏
الثاني: بناءُ نظامٍ سياسيٍّ يُتيحُ للمجتمع تحقيقَ أكبر قَدْر مُمكن من الانسجام الحُر‏،‏ وبناءُ التوافُق من خلال نماذجَ وهياكلَ واضحة تُنظِّمُ التفاوُضَ الاجتماعيّ على المستوياتِ كافةً.
أي أنَّ المحكَ الأساسيّ في أيةِ تعْديلاتٍ دُستوريّةٍ إنمَّا يتلخصُ في التساؤلِ حولَ ما إذا كانت تسْعى إلى إعادَّةِ توزيعِ السُلُطاتِ، أمْ تعْزيزِ مَرْكزيتِها؟!.
ولدينَا بالطبعِ أسبابٌ كافيةٌ للتركيز على هذه الناحية. فبالنظر إلى مُجْملِ التعدّيلاتِ التي تمتْ بمصرَ مؤخراً يتَّضِحُ أنَّها في مُحصلتِها النهائيّة لمْ تُحقِق أيَّاً من الأهْدَافِ التي تمَّ تروِّيجُها من أجلِّ تمريرهَا. بل إنَّها، على العكسِ تماماً، أدَّتْ إلى تقْوّيةِ الاختصاصاتِ الكُليّةِ لرئيسِ الجُمهورية‏، وذلك بعدَمِ تصدِّيهَا لهذِهِ المُشكِلة أصْلاً مُكتفيّةً بتركِ الوضعِ على ما هو عليه، فَضْلاً عن أنَّهَا زادتْ من حِدَّةِ الاحتقانِّ السياسيِّ في المُجتمعِ المِصْريّ.
لِنَقْتَرِبَ الآنَ من وضعيَّةٍ مُغايرَةٍ تماماً في النُظُمِّ الدِيمُقراطيةِ الرائِدة. ففي الولايات المتحدة الأمريكيةِ، على سبيل المثال، استطاعَ الرئيسُ بوش كسْرَ ما يُسمى بـ “لعنةِ الرجلِ الأبيض” والبقاءِ حيّاً حتى نهايةِ ولايتهِ الثانيّة. ومع ذلك، يؤكد البعض أنه ليسَ بمقدورِهِ أن يقْهَرَ قاعِدةَ “قَيْدِّ الوُلايتَيّنِ” والتي نبعتْ من العُرفِ الدُستوريِّ الذي وضعَهُ جورج واشنطن، أول رئيس لأمريكا، حينَ رفضَ البقاءَ لفترةٍ ثالثةٍ، بالرُغمِّ من أنَّ “قيْدَ الوُلايتيّنِ” لم يكُن آنذاكَ قاعدةً قانونيّةً منصوصٌ عليها في الدُستورِ الأمريكيّ.
لكن بمرور الوقت تحوّلَ هذا العُرف إلى قاعِدةٍ ثابتةٍ لم يَخْرِقهَا سُوى رئيسٍ أمريكيٍّ واحد، هو روزفلت، الذي بَقِيَ في الحُكمِ لأربعِ وُلاياتٍ متتالية.‏ ومع أنَّ فترةَ حُكْمِهِ الإجماليةَ، كما لاحظ البعض، لم تَزِدْ على اثنتيْ عشرةً سنةً، وعلى الرُغمِ من أنَّها هي التي صنَعتْ أمريكا كقوَةٍ عُظمى بعد تحررهَا من الكسادِ العظيم وفوزها في الحربِ العالميةِ الثانية، لمْ يترددِّ الأمريكيونُ في وضعِ التعديل رقم ‏22‏ من الدُستور عامَ ‏1951‏ والذي نصَ رسمياً على “قيْدِ الوُلايتين” مُحدِدَاً مجموعهمَا بثماني سنوات‏.‏
ولمْ تكَدْ تَمْضِ أربعونَ سنةً على هذا التاريخ، فيما يؤكد د. محمّد السيَّد سعيد، حتى صارَ هذا القَيْدُ أمراً أساسيّاً بالنسبةِ للغالبيةِ العُظمى من الدساتيرِ الديموقراطية التي تأخُذُ بالنظام الرئاسي‏.‏ وفي أوروبا، لا يقْتَصِرُ هذا القيدُ على الدول القليلةِ التي تأخُذُ بالنظامِ الرئاسي، مثل روسيا ورومانيا، وإنما يمْتَدُ كذلكَ إلى الدُولِ التي تأخُذُ بالنظامِ البرلمانيّ كالنمسا، وإيطاليا، وألمانيا…إلخ.‏
أما فرنسا، فتبْقَي بمثابةِ الاستثناءِ الكبير والمُهم حيث لم يأخُذْ دُستورُها بقيدِ الولايتين‏، وإنْ أصبحَ فيما بعْدُ يُجَسِّدُ نوعاً من‏ “العُرْفِ الدُستوري‏”‏ خاصةً بعد أن التزمَ بهِ الرئيسُ الفرنسيُ الوحيد الذي أكْمَلَ وُلايةً ثانيةً مُتصّلَةً منذ عام ‏1945‏، وهو الرئيسُ ميتران‏.
وحقيقةُ القولِ إنَّ لهذا المبدأ علاقةٌ وطيدةٌ بإمكانيّةِ التحُول الديمقراطي من عدمه. فإذا مسحنا تجاربَ التحُول الديموقراطي خلالَ العِشرينَ عاماً الماضية لوجدْنَا أنَّ الدُول التي حققت انتقالاً ديمقراطيّاً قويّاً قد التزمتْ بهذا القيد، أو على الأقل تركتِ النظامَ الرئاسيَ كليّةً إلى النظامِ البرلمَانيّ‏.‏
أما الدُولُ التي لم تحقق انتقالاً ديموقراطياً، كبلادنا العربية، فقد استمر فيها الحُكمُ الرئاسيُ الأبدي حيْثُ يجثُمُ على صُدور الشُعوب العربيَّة حكامٌ جاوزتْ فتراتُ حُكمِهم رُبعَ قرْنٍ منَ الزمان (كصدام، والقذافي، ومبارك، وآخرون)‏.‏ وهو ما يذكرنا بدول آسيا الوسطى التي تولى رؤساؤُها السُلطةَ أثناءَ الحُقْبةِ السوفياتيّة، ولم يترُكْ أحدٌ منهم الحُكم إلا بسببِ الوفاة!!‏.‏ ونتيجةً لذلك، لمْ تشْهَد أيُّ دولةٍ من الدول الستِ انتقالاً ديموقراطياً نتيجةَ عدمِ التزامِ دُستورِ الاستقلالِ بهذا القيد.‏
أما في دُول شرق آسيا، فكانَ الوضعُ مُختلِفاً تماماً حيثُ أسْرَعَ المُجتمعُ بوضعِ “قيد الولايتين” بعد أنْ حقّقَ النضالُ الديموقراطيُ أولَ انتصارٍ لهُ،‏ وتُجسِّدُ كوريا الجنوبيةُ هذهِ الحقيقة بوضوحٍ تام‏.
ومع إقرارنا بأنَّ الديمقراطيةَ لا تعْني فقط مَحْضَ التداوُّلِ على السُلطة، إلا أنَّ فتحَ البابِ على مصراعيهِ أمامَ توّلي السُلطة الرئاسية دونَ قيدٍ زمنيٍ يؤدي ضرورةً إلى زيادةِ رُقْعَةِ الاستبداد حيث يتمكنُ الزعماءُ الأبديونَ من جمعِ السُلطاتِ الكُبرى ومَرْكَزتِهَا بأيديهم للدَّرجةِ التي يُصْبِحُ فيها من الاستحالةِ بمكانٍ استعادّةُ سيادةِ الشعب، أو تحقيقُ أدنى درجَةٍ من التوازُن المطلوب بين السلطات، أو حتى مُجردَ الدِّفاعِ، إذا ما اقتضتِ الحاجَةُ، عن الحُريّاتِ العامّة‏.‏
هَذا بالطبعِ فَضْلاً عن تحويلِ البلاد إلى ضَيْعَاتٍ شخْصيَّةِ لأسر الحُكام، وانعدام تحْقيقِ الحدِّ الأدْنى لقيم العدَّالةِ والحُريَّةِ والمُسَاوَّاة. إضافةً إلى إضْعَافِ قُدرَةِ الهيئاتِ النيابيّةِ، بَلْ والمجتمعِ المدنيِّ والسياسيِّ بأكمَلِهِ، والعجزِ عن مُوازَنةِ سُلُطَاتِ الرئيس التنفيذية الفعلية ممّا يؤدي إلى تَعَطُّلِ آلياتِ الدِّيموقراطية واعتبارِ القفز عليها أمْرَاً مُسْتَثَاغَاً وشَائِعاً لدّرجةِ أنْ تزداد الشُعوبُ المغلوبةُ على أمْرهَا قنَاعَةً، يوْمَاً بعْدَ يوْمٍ ،بأنَّهُ مَا مِنْ أمَل أو حتى فَائِدةٍ في التغيير، وأنَّهُ لَيْسَ في الإمّكَانِ أفْضَلُ ممَّا كان!!.‏
© معهد كيتو، منبر الحرية، 22 يناير 2009

peshwazarabic11 نوفمبر، 20100

ممّا لا شكَ فيهِ أنَّ مبدأ المُساوّاةِ بينَ البشر، على اختلافِ انتماءاتِهمُ العقديّةِ والفكريّةِ والسياسيّةِ، قد تشكّلَ عبْرَ آلافِ السنين بلْ ولا يزَالُ في طورِ التشكُّل حتى الآن. ولعلّ مرورَهُ بتلكَ الحُقبِ الزمنيّةِ المديدةِ قدْ سَاهَمَ بدورهِ في غموضه للدَّرجة التي أصبح فيها من الصعوبة بمكان الوقوفُ على معْنَاهُ وفهمُ طبيعته. وآيةُ ذلكَ، أنَّ ما نَفْهَمْهُ اليومَ من عبارة ” المُساوّاةِ” يختلِفُ اختلافاً كبيراً عمَّا كانت تَعْكِسْهُ من معنىً لأيٍ من مُواطني أثينا إبّانَ عَهْدِ بيركليز، على سبيل المثال.
بل لعلَّنا نُفاجأ إذا مَا علِمنَا أنَّ أرسطُو لم يَجِد أدْنَى غَضاضةً في أنْ يُصرّحَ في كتابِهِ “السيّاسة” بأنَّ الفِطرَة هي التي أرَادتْ أنْ يكُونَ البرابِرة عبيداً لليونان، وأنَّ الآلهةَ قد خلقَتْ نوعينِ منَ البَشرْ: نوعٌ رفيعُ المقامِ زوّدَتهُ بالإرادةِ والعقل، وهم اليونانُ بطبيعةِ الحال، وآخرٌ لمْ تُزوّده إلا بالقوةِ الجُسمانيَّةِ فقط، وهُم غيرُ اليونانيين!.
أمَّا في الجزيرَةِ العربيَّةِ، في حُقبة ما قبلَ الإسلام، فكانتِ الغَلبَةُ هي المِعيّارُ الوحيدُ لتحقيق السِيَّادةِ ومنْ ثَمَّ لتحديدِ مَنْ هُمُ الأحرارُ ومَنْ يكونُ العبيد، ولدرجة أنَّ بعضَ جبابِرةِ العرب كانوا يقيسُونَ عِزَّهُم بإذلالِهم للآخرين!
ومَعَ أنَّ الإسلام أقرَّ المُساواةَ بينَ الناس بعدم تقرير التَّمايُز بينَ البشر لأي سببٍ كان؛ إلا أنَّ الواقِعَ التطبيقيّ لمبادئِه (خاصَةً في المراحِلِ المُتاخِرة) كانَتْ أبعَدَ مَا تكونُ عن ذلك بحيثُ أدَّتْ، فيما أدَّتْ، إلى إحداثِ نوعٍ من العِلاقاتِ غيْر المُتوازنّةِ على مُستوى كُلٍّ مِن: توزيعِ السُلطة، واختزالِ العِلاقاتِ الاجتماعيَّةِ فى نمطٍ ثُنائِيٍّ من السيَّادَةِ والتّبعيَّةِ، ممَّا أدى إلى تهْمِيشِ القُوى الفاعِلة في عمليَّة الإنتاج، والمُشاركةِ السياسيَّة…إلخ.
صحيح أنَّ الإسلام قد بسَطَ لشعوبِ القرنيْنِ السابع والثامن حيَّاةً أكثَرَ مُساوَاةً وحُريَّةً وأمنَّاً من أي عَصْرٍ مَضَى، وأنَّهُ في كثيرٍ منَ الأحْيَانِ حدَثَ التحوُّلُ الإراديُّ من قِبَل شُعوبِ الأرض للإسلام نتيجةً للخدَماتِ الكبرَى التي قدَّمَها المسلمون أنفسهم دينيَّاً وإداريَّاً وتعليميَّا؛ إلا أنَّ الخيّاراتِ التي كانت مُتاحةً لشعوبِ المناطق التي غزتهَا الإمبراطورياتُ الإسلاميَّةُ لم تكُن تَصُّبُ في اتجَاهِ المُساوّاةِ وتحقيقِ الحُريَّةِ الباحدينيَّة، وهي: (الدخول في الإسلام- دفعُ الجِزيّة- القتال).
أضِفْ إلى ذلكَ انتشار الفَهْم المغلوط لدى معظمِّ المُسلمينَ بأنَّ محلّ التفاضُل بالتقوى، كما هو منصوص عليه في الآية الكريمة “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” (الحجرات: آية 13)، في الحيَّاةِ الدُّنيا!. ممَّا يكونُ له أثرٌ سلبيٌ في آلياتِ تطبيقِ القانون على المواطنينَ، أو في إعْمَالِ مبدأ المُواطنةِ الكامِلة والمُساوَّاةِ التامَّةِ بينهم في تولي المناصب والترقي …إلخ. بينمَا المقصودُ بأنَّ محلَ التفاضُل بالتقوى لا يكونُ إلا في الآخرةِ أمامَ الله، وليْسَ في الحيّاةِ الدُّنيَا.
أمّا في أوربا العصور الوسطى، فقد ظلَّ لورداتُ وباروناتُ الأراضي يتمتعونَ حتى القرنِ الرابعِ عشر بـ “حَقِّ الليلّةِ الأولى”!!، أي قضاؤُها مع كلِ عَروسٍ يَعْقِدُ عليها أحدُ “الأقنَان” ممّنْ يقومونَ بزراعةِ الأراضي وتنتقلُ تبعيتُهم معهَا في حالاتِ البيْعِ والشِّرَاء!.
وفيمَا يتعلَّقُ بالمساواةِ في الحقوقِ السياسيّة، فمنَ المعلومِ أنَّ اليونانيينَ قد بَدأوا باستّخدامِ عِبَارة “Demokratia” بحدُّودِ مُنتصفِّ القرنِ الخَامِس قبلَ المِيلادِ للدّلالَةِ على “حُكمِّ الشَّعب”. فهلْ كانَ ذلكَ يعْني اشتراكُ جميعِ طوائِفِ وطبقاتِ الشَّعب في الحُكم؟، “لا” بطبيعة الحال.
أمّا في ظِلِّ شريعَةِ رُومَا التي سادَتْ لفتراتٍ طويلَةٍ منَ التَّاريخ، فكانَ الناسُ يُقسَّمُونَ إلى أحرارَ وغيرِ أحْرَار، والصِنفُ الأول يُقسَّمُ إلى طبقتين: أحرارٌ أُصَلاء هُمُ الرُومَان، وأحْرَارٌ غيْرُ أُصَلاء هُمُ اللاتين. أمَّا غَيْرُ الأحرار فكانوا أنواعاً أربعة: الأرِّقَاءُ، والمُعْتقُّونَ، وأنْصَّافُ الأحْرَار، والأقْنَانُ التَّابِعُونَ للأرض!
وفي كلِّ الأحوال، لم يكُن “الدّيمُوس” يضُمُ إلا عدداً يسيراً منَ السُكان البالغين في أثينا، حتَّى في أوجِ ازدهار الدِّيمُقراطيَّةِ بها.  وواقِعُ الأمر، أنَّهَا لمْ تكُن فريدَّةً في هذا الإطار فعلى الدَّوام هُناكَ من يتمُّ استثناؤهم من العمليَّةِ السياسيَّةِ برمتها.
ويذكُر روبرت دّال في كتابه “Democracy and its Critics” أنَّهُ حتى حلولَ القرنِّ العشرين، عنَّدما حصلتِ النِساءُ أخيراً على حقِّ الانتخاب، كان عددُ الذينَ يتمُ استثناؤهن يزيدُ كثيراً يوماً بعدَ يوم عن عدد المُشاركات.
أمّا على مستوى الفكر العربي المعاصر، فإنّنا نُلاحِظُ ابتداءً من رفاعة الطهطاويّ في كتابه “تخليصُ الإبريز في تلخيصِ باريز” اهتماماً متزايداً بمسألةِ المُساوّاةِ في الإسلام حيث أعلنَ صراحةً أنَّ مفاهيمَ فرنسيَّةً مثلَ الدُّستور والجُمهوريَّة والحريَّة تُرادِفُهَا في المجالِّ الإسلاميّ قيمُ العدلِّ والإنصافِ والشُورَى والمُسَاوَّاة.
وفي السياق ذاته، يكثُرُ الحديثُ اليوم عن مقاصِد الشريعة وتطبيقاتِهَا العملية المتعلقة بمصالحِ العِباد، وعلى رأسها تحقيقُ العدالةِ الاجتماعيَّة والمُسَاوَّاةِ بين الناس. لكن يبقى الخِطابُ العربيُّ في عُمومِهِ، سياسيّاً كانَ أو دينيَّاً، بعيداً كلَّ البُعدِّ عن الاجتهاداتِ العالميّة الخاصّةِ بنظرياتِ المُساوّاةِ والجِدالُ الذي يتسعُ حولَها يوما بعد يوم، مُحْتفِظاً بتحليقهِ في فوضى اليوتُوبيا.
وبحسب مَا يؤكد نُوحُ الهَرْمُوزيُّ في مقالِه “قِراءةُ لنظريَّاتِ المُسَاوَّاة والعدَّالةِ الاجتماعيَّة”، فإنَّهُ بالإمكان حصْرُ أهمُّ هذهِ النظريات إجمالا في مذهبينِ رئيسينِ يتحدَّدانِ وفْقَ رؤيتِهمَا للمعيار الأنسب الخاص بقياسِ العدَّالةِ وهما: مذهبُ العدَّالةِ التوزيعيَّة، ومذهبُ العدالةِ الإجرَّائيّةِ أو التَّاريخيّة.
ففيمَا تعْتَمِدُ المدرسةُ الأولى في قياسِ العدَّالةِ على وضعيَّةِ النتائِج النِهائيَّةِ للأفراد، أي التساؤُل عَمَّن يملُك وليْسَ عن كيفيَّةِ حصولهِ على ما في يده، تأخُذُ مدرسَةُ العدَّالةِ الإجرائيَّةِ مُجْمَلَ الظُروفِ الزمنيَّةِ التي ساهمتْ في الوصولِ إلى تلكَ النتيجة في الاعتبار. وبالتالي، فإنَّها تُولِي اهتماماً بالغاً بآليَّةِ الحُصولِ على الثرواتِ والمُدَّخراتِ والمُمتلكاتِ، وليْسَ فقط بوضعيَّةِ نتائِجهَا النِهَائيَّة.
يترتَّبُ على ذلكَ أيضاً، أنَّهُ فيْمَا تَعْني العدَّالَةُ لدى الفريق الأول المُساوَّاةَ في النتائِج، يَنْحُو الفريقُ الثاني نَحْوَ تحدِّيدِهَا بعدّالةِ القواعِد والإجراءاتِ المؤديَّةِ إلى حيَازَة الثَروة، وبما يَضْمَنُ أخْذَ الفُروقِ الفردِّيةِ بيْنَ المواطنين/المتنافسين في الاعتبار.
وختامَاً يبقى القُولُ، إنَّ ثَمَّةَ هُوَّةً سحيقةً تفصِلُ ما بينَ نظرياتِ المُساوَّاةِ والعدَّالةِ الاجتماعيَّةِ وبينَ تحقُقِهَا على أرضِّ الواقع. وأبسَطُ دليْلٍ على ذلكَ أنَّه رُغْمَ مُرور ستينَ عامَاً على اعتمادِ “الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان”، والذي يَنُصُ في مادتِهِ الأولى على أنَّهُ “يولدُ جميعُ الناسِ أحْرَاراً ومُتساوينَ في الكرَامَةِ والحُقوق”؛ إلا أنَّ اتسَاعَ دائِرةِ الانتهاكاتِ وارتفاعَ وتيرتهَا في مُعظم أرجاءِ العالَم يَجْعَلُ مِنهَا مُجرَد “حِبْر على ورق”، فضْلاً عن اتبّاعِ المَعاييرِ المُزدوجَةِ في تطبيقها من قِبَلِ الدُّولِ العُظمَى، ولعلّ في الانتهاكاتِ الإسرائيليَّة الأخيرة أبلَغُ دليلٍ على ذلِك.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 02 يناير 2009.

peshwazarabic11 نوفمبر، 20101

إن الخلط الشائع بين الشريعة والدستور يثيرُ تساؤلاتٍ شتى على أكثر من مستوى تتعلق عادةً بمدى قدرة الشريعة على استيعاب الطفرات الهائلة التي تنمو باستمرار في عالم اليوم، وما إذا كان بإمكان جملة القواعد التشريعية التي كانت وليدة ظروفها التاريخية الخاصة أن تنتظم هذا الفضاء العام الذي يُعيدُ مرارا وتَكرارا هيكلة الأوضاع وفق أسس ومبادئ لم يعد حتى في الإمكان التنبؤ بها، وما إذا كان سيتم التعامل مع هذه الإحداثيات، والحالة هذه، وفق مبدأ “محدثات الأمور” وأن كل محدثة بدعة …إلخ، أم سيتم تقبلها بمرونة من خلال تقنينها دستوريا؟!.
إن الحل الأمثل لهذا الإشكال يتمثل في إرساء قواعد الممارسة الدستورية والتي تأخذ في الاعتبار الشريعة بإطارها المقاصدي (أينما تكون المصلحة فثم شرع الله) بدلا من القول بأبديتها، كما هي محددة بشكلٍ نهائيٍ في سياق الخطاب السياسيّ الإسلاميّ. أي أننا بحاجة ماسة إلى دستور ليبرالي إسلامي عبر إعمال المزيد من القواعد/الاجتهادات الجديدة والتي تتواءم مع معطيات العصر، إن لم تتجاوزه نحو مستقبلٍ أشد انفتاحاً وأكثر رحابة.
خاصة وأنه يتم اختزال الشريعة عادة في جانبها الجنائي فقط والذي لا يتعدى 2% منها (بواقع 4 آيات من أصل 220 آية تحدد أصولها في القرآن الكريم)، مما يعني أن ثمة 98% منها لا يزال مهملا وغير مطروح بتاتا، الأمر الذي من شأنه الإجحاف بحق منظومة الحقوق المدنية والسياسية وترجيح كفة الواجبات على حسابها.
أضف إلى ذلك، أن التنصيص على الشريعة كمصدر رئيس للتشريع داخل الدستور يفضي إلى إحداث تناقضات صارخة في التطبيقات العملية. فعلى سبيل المثال، لو قدِّرَ لمصرية تمتهن الرقص أن تحتكم إلى قانون الأحوال المدنية في شكواها المتعلقة برفض رئيسها صرف مستحقاتها المالية لصدر الحكم لصالحها استنادا إلى كونها تمارس عملا مشروعا بحكم القانون. لكن في الوقت ذاته لو أنها مثلت أمام قاض تابع للأحوال الشخصية في شكواها المتعلقة بانتزاع أطفالها لصالح زوجها لجاء الحكم في غير صالحها استنادا إلى كونها تمارس عملا غير مشروع بحكم الشريعة الإسلامية. وهكذا يبدو العمل مشروعا وغير مشروع في آن معا لاختلاف وتعدد المرجعية ما بين الدستور والشريعة الإسلامية، تبعا لاختلاف وتعدد المرجعية القانونية في الدستور الواحد.
لكن لا يُفهم مما سبق ضرورة توحيد المرجعية: إما الشريعة أو الدستور! نظرا لأن ذلك لا يحل الإشكال حتى من الناحية النظرية. وآية ذلك، أنه رُغم التنصيص صراحة على كون الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع في بعض الدساتير العربية، لا تزال هذه الدساتير تعاني هي الأخرى من مشكلات كبرى تتعلق غالبا بحجم الحرية الفردية التي تتيحها مثل هذه المنظومة التشريعية.
وفي المقابل، لا تزال الدول الإسلامية التي لا ينص دستورها صراحة على هذا الأمر تواجه تحديات مماثلة، سواء فيما يتعلق بطلب الاحتكام إلى الشريعة من قبل الحركات الإسلامية، أو فيما يتعلق بالشق القانونيّ الخاص بالأحوال الشخصيّة.
أيضا ينشأ عن هذه الصيغة الحاليّة مشكلتين رئيستين: الأولى واضحة بذاتها، وهي أن النص بصيغته يميز بين المواطنين على أساس الدين بمجرد إشارته إلى دين دون آخر. الثانية: فقدان الانسجام الدستوري بين النص على دين معين وشريعة بذاتها للدولة وبقية نصوص الدساتير العربية والتي ينهض أغلبها على فكرة الدولة المدنية الدستورية الحديثة.
فعلى سبيل المثال، تنص المادة الخامسة المُعدّلة حديثا من الدستور المصري على منع نشأة الأحزاب وفق أسس دينية الأمر الذي يتعارض بداهة مع نص المادة الثانية المتعلقة بكون “الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع” والذي يقنن تماما إمكانية نشوء الأحزاب على أساس ديني.
كما يمكننا أيضا أن نرى هذا التعارض الصارخ بين المادتين إذا نظرنا لإمكانية مخالفة نص المادة الثانية أو منازعتها. فلو قام حزب سياسي على أساس يعارض نص هذه المادة ويدعو مثلا لفصل الدين عن الدولة لصار هذا الحزب مناهضا لمبادئ الدستور منطقيا.
ونخلص مما سبق إلى أن نتيجة مؤداها أن الشريعة، وفق التصور السائد عنها لدى حركات الإسلام السياسي، تظل قاصرة عن اللحاق بالعصر، فضلا عن التحكم فيه، كما أنها تظل قاصرة أيضا مقارنة بالدستور وآليات اشتغاله في العالم المعاصر، وهو ما تعجز الجماعات المنادية بتطبيق الشريعة عن قبوله أو حتى تفهمه.
والحل الرئيسيُ في اعتقادنا يكمُن في تعديل هذه المواد إلى: “الشريعة الإسلامية أحد مصادر التشريع إلى جانب الفقه الدستوري والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان”، فنضمن بذلك أن ننتصرَ ابتداءً للاجتهادات المستنيرة التي تفسرُ الشريعة تفسيراً يتوافقُ مع أرقى ما أنتجه العصر من معاييرَ أساسيّة في المجالين السياسيّ والمدنيّ ولا ترى تعارضا يُذكر بين الإسلام وحقوق الإنسان أو بينه وبين أي من مبادئ الليبرالية والديمقراطية الغربية.
وختاما، إن ما ندعو إليه ليس الاصطفاف مع أو ضد الشريعة وتبادل الاتهامات بالرجعية والقصور تارة أو بالعمالة والعلمنة تارة أخرى، وإنما ندعو إلى فتح حوار مشترك حول وضعية الشريعة في العصر ككل وفي الدستور بصفة خاصة. انطلاقا من أحقية كل إنسان يُطلب منه الاحتكام إلى الشريعة أن يجد إجابة شافية عن تلك التساؤلات المعقدة التي تثيرها هذه الوضعية الملتبسة وعلى رأسها: هل يعد الدين مصدرا للقيم أم مصدرا للسلطة، وكيف يكون مصدرا للقانون دون أن يكون مصدرا للسلطة؟!
© معهد كيتو، منبر الحرية، 16 (ديسمبر) 2008.

peshwazarabic1 نوفمبر، 2010

أكاديمي مصري، حاصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة السياسية بمرتبة الشرف الأولى، وإلى جانب بحثه الأكاديمي يعمل مديرا لتحرير مجلة “رواق عربي” التي تصدر عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وهو كاتب مقال رأي بجريدة أوان الكويتية، نُشر له عشرات المقالات بصحف: الحياة، والشرق الأوسط، والبديل المصرية، وبدوريات: التسامح، المجتمع، المجلة العربية للعلوم السياسية، مجلة الثقافات المتوسطية، نشرة الإصلاح العربي…إلخ. كما نُشر له أيضا عشرات المقالات والدراسات بمواقع: الجزيرة، إسلام أون لاين، الأوان، باب المتوسط، بيبليو إسلام، الوسط، وغيرها.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018