ملهم الملائكة

peshwazarabic18 نوفمبر، 20100

إذا كانت حكايا الف ليلة وليلة قد لخصت التأريخ الاجتماعي للمجتمع الاسلامي قبل بضعة قرون، فإن “الف لولا ولولا”  لا تكفي لإيجاز وقائع مجتمعات الأسلام الحديث.
يصعب التفريق بين التأريخ العربي وبين التأريخ الإسلامي لأسباب لسنا بصددها، لكن الثابت أنّ المسجل من التأريخين هو تأريخ المسلمين فقط ، ويجب ان لا تغيب عن بالنا حقيقة خالدة مفادها أنّ التأريخ المكتوب هو سجل مآثر وبطولات القادة و الزعماء.
ما وصلنا من تأريخ المسلمين غير الرسمي ( وهو نبض المسلمين على مدى مئات السنين ) تتوزع وقائعه في كتاب “الف ليلة وليلة”. في هذا السفر الذي لا يعرف كاتبه ولا زمن كتابته ولا أبطال وقائعه يتلمس الإنسان تفاصيل حياة الناس، أو على الأقل أمانيهم واحلامهم وتصوراتهم .
ولا تتفق النصوص المنشورة من هذا السفر مع بعضها وتتباين وترجماتها التركية والاوروبية والهندية والفارسية تباينا يفوق تباين الأناجيل المسيحية والقصص التوراتية وتناقل الاحاديث النبوية ( ويقال أنّ عبد الله أبن سبأ ولا أحد يعرف من هو بالضبط قد دسّ في الاحاديث النبوية ستة عشر ألف حديث! )
ولولا أنّ الملك السادي شهريار لم يكن ينام الا بعد أن يقتل عذراء من بنات الشعب كل ليلة لما عرف العالم أول مسلمة تقصّ بكل تلك الجرأة قصص الحب واللذة المحرمة حتى ينام الملك.
ولولا قصص شهرزاد لظنّ الناس على مدى العصور أنّ العالم الأسلامي هو جنة سماوية من الفضيلة والصدق والعفاف، وكل بناته عذارى وكل متعه لا تتجاوز منابر المساجد وكل صوت يتردد في شوارع وأزقة مدنه هو القرآن والآذان والدعاء، حيث لا غناء ولا فسق ولا فجور.
ولولا قصص شهرزاد لما وجد الشعب المسكين متنفسا للمتعة واللهو (البريء وغير البريء) ، فمجالس الرجال والنساء في القاهرة ودمشق وبغداد وطهران والأستانه ( حيث كان الاختلاط من المستحيلات ) كانت تقص على مدار السنين حكايا شهرزاد وتتناقلها محورة في الأغلب الأعم لسبب النسيان أوعدم أمانة النقل أو لكليهما.
ولولا تناقل تلك الحكايا عبر عقود من الزمن لبقي الشعب المسكين أسير فتاوى لا أحد يعرف كيف تشكلت وأسير حكايا تناقلتها كتب التأريخ الرسمي ( الطبري والمسعودي وابن خلكان و…) .
لولا ليالي شهرزاد ( وتسمى في الغرب الليالي العربية) لم يطلع مارد الدخان من قمقمه ليفتح بوابة اسرار المعرفة على مصراعيها.
لولا حكايا الف ليلة وليلة لما عرف الغرب شيئا عن سحر الشرق وأسراره ولما توله المستشرقون بهذا الجزء من العالم وتاهوا به حبا.
ولولا عشق المستشرقين لما نقلوا للغرب كل علوم الشرق، فطار الغرب ( بفضل تلك العلوم) الى المريخ وتراجع الشرق الى القرن السابع للميلاد بحثا عن تأريخ قمري لا يثبت في تفاصيله (لسبب أثر جاذبية الأرض على القمر) فتتفاوت مواقعه من شهر لآخر ويبقى تأريخه مائعا حائرا بين ليلة غائمة لا يظهر فيها الهلال وبين ليلة صحت سماها فظهرت فيها نجمة الزهرة لتفسح للهلال أن يظهر.
ولولا التأريخ القمري لما أهتمت الولايات المتحدة الأمريكية بالقمر فأنزلت في 20 تموز عام 1969 “نيل آرمسترونغ” أول أنسان على سطح القمر ليسير على التابع الأرضي الرمادي الميت ويثبت أن لاشيء فوقه وفيه سوى رمل رمادي محترق، ليفسد بذلك أحلام الشعراء بالكوكب الفضي والعشاق بسميرهم الذي لا ينام حتى ينامون.
ولولا الولايات المتحدة الامريكية لما تمكنت أوروبا العجوز أن تقضي على “هتلر” الذي قاد التحالف النازي الفاشي الياباني .
ولولا أكبر كارثتين في التأريخ (هيروشيما وناغازاكي) لأبتلعت اليابان التي كانت نمرا متوحشا طموحا  كل آسيا وحوّلت كل شعوبها الى عبيد و”فتيات جيشا” في قصور الساموراي وحمامات الساونا.
ولولا خطة مارشال لما بزغت اوروبا لتصبح ثاني أكبر قوة اقتصادية وسياسية في العالم.
لولا نتائج الحرب العالمية الاولى وسقوط آخر قياصرة المانيا وآخر قياصرة روسيا وآخر سلاطين الأمبراطورية العثمانية لما قامت دولة تركيا الحديثة.
ولولا نهضة تركيا القومية لما قامت النهضة العربية ولما تمرد العرب على آخر خلفاء المسلمين فاقاموا دولهم القومية التي يريدون العودة بها اليوم الى الاسلام.
ولولا مجازر الهولوكوست النازية ، لما سمح العالم بقيام الدولة العبرية .
ولولا دولة اسرائيل لما تمتع القادة القوميون العرب بحق فرض قوانين الطواريء على شعوبهم لآجال غير معلومة ولما عاشوا طيلة مدد حكمهم في ظل الدساتير المؤقتة.
ولولا جيش اسرائيل الذي يهدد كل دول العرب لما باعت مصانع السلاح الغربية والشرقية ملايين الأطنان من الحديد والعتاد والبارود الذي نجح الى حد بعيد في اخضاع شعوب الشرق الاوسط لحكوماته.
ولولا سابقة الرئيس المصري الراحل أنور السادات بزيارة اسرائيل لما عقد مؤتمر كامب ديفيد عام 1978 برعاية الرئيس الامريكي جيمي كارتر ولما حدث التقارب العربي الاسرائيلي الذي جعل الحديث يدور اليوم عن مشروع دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل كأمر واقع لم يتجاسر أحد على مجرد التفكير به قبل كامب ديفيد.
ولولا الرئيس الأمريكي الديمقراطي “جيمي كارتر” ( المسيحي المتدين ) لما قامت أول جمهورية  اسلامية في العالم ولما تحول الصراع الدولي من صراع بين الغرب المسيحي المؤمن وبين الكتلة الشيوعية الملحدة ، الى صراع بين الغرب والعالم المتمدن وبين الدول والمنظمات المتأسلمة عبر العالم.
ولولا سياسة الاحتواء التي انتهجها الرئيس الامريكي جورج بوش الأب ومن بعده الرئيس ( الديمقراطي) بيل كلينتون لما اضطرت الولايات المتحدة ان تخوض حرب تحرير العراق لأسقاط نظام صدام حسين ، ولما احتار العالم الغربي بالمشروع النووي الايراني.
ولولا سلطة الاعلام الحديث لما عرف العالم بجريمة الرئيس الامريكي  الديمقراطي “باراك اوباما ” بحق الذباب حين قتل ذبابة في المكتب البيضوي بالقصر الأبيض أمام أنظار الملايين.
عود على ذي بدء ، لولا حكايا شهرزاد لما عرفنا أنّ أختها “دنيا زاد” كانت تنام خلف ستار مخدع الملك وتستزيدها لتقص المزيد  ثم تبقى تنصت لما يحدث بين شهريار وجاريته شهرزاد . وحين يخرج الملك مع طلوع الصباح لإدارة شؤون الرعية ( ولا ندري كيف اذا كان قد قضى الليل ساهرا مسهدا ينصت لحكايا شهرزاد ويواقعها!) ، تنام الأختان متعانقتان.
وتنتهي الليلة الواحدة بعد الألف بقصة الجارية شهرزاد ، حيث جثت على ركبتيها أمام الملك العادل وقالت له إنها تنام معه ( بحق ما ملكت يمينه) منذ ثلاث أعوام وقد أنجبت منه ثلاثة ابناء ذكور لذا فهي تطلب منه الصفح وعدم قطع رقبتها بالسيف ( وهي العقوبة المفضلة عند المتأسلمين حتى في يومنا هذا). أجابها شهريار بالدموع والعفو والغفران لأنها قد شفته من مرضه السادي ، وأخبرها في النهاية السعيدة أنه وجدها شريفة عفيفة ( رغم أنه قد ضاجعها دون زواج الف ليلة) لذا فقد قرر الزواج بها وقبول ابنائها ابناء له، وانتهت الليالي بافراح دامت ثلاثين يوما عمت مملكة شهريار لتزيح عن قلب الشعب هموما واحزانا راكمتها مصارع بناتهن المؤمنات العذارى في مخدع شهريار.
© منبر الحرية، 30 أكتوبر/تشرين الأول2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20101

التأريخ الذي يتحدث عنه الناس في كل مكان لم يكتب بعد، وحين يكتب سيتعلم أحفادنا أنّ كلّ ما ورثوه ليس أكثر من خرافات واساطير.
يجب أن نتفق أولا أنّ الحضارات تكمل بعضها على مدى التأريخ.
ويجب أن نعترف ايضا أنّه لم يصلنا شيء يدل على الحضارة العربية، فالمدنيات العربية التي قامت قبل الاسلام (السبأية والحميرية ودولة الغساسنة والمناذرة وغيرها) لم تخلف ما يدل على تحضر ولم تصنع حضارات أورثت العرب المعاصرين شيئا من تمظهرها، كل ما بنيت عليه حضارة العرب هو إسلامي، نشأ بنشوء الدول الاسلامية المتعاقبة  ورفده الاف المبدعين من العرب وغيرهم ممن إشتملت عليهم امبراطوريات الاسلام المتعاقبة.
آخر امبراطوريات المسلمين كانت الدولة العثمانية ( 1299-1924) والتي سادت منطقة الشرق الاوسط وأسيا الوسطى والحجاز والشام وشمال افريقيا بالأضافة الى السودان والصومال وأوروبا الشرقية علاوة على النمسا وايطاليا واليونان. حين انهارت هذه الامبراطورية المترامية ألاطراف لم تخلف سوى ولايات بدائية قبلية وأمارات بدوية، وبقي منجزها الحضاري محصورا في تركيا نفسها وبشكل لا يتعدى المساجد العثمانية وتركة ثقيلة من الإرث الاداري  المتخلف الفاسد.
مصانع الكولونيالية
واصطلح على تسمية القرنين السابع عشر والثامن عشر بعصور الإستعمار الكولونيالي ( وهو مصطلح ملتبس في الغالب يرتبط في اذهان العرب وغيرهم بمفاهيم الإستعباد وانعدام السيادة، في حين أن معنى “إستعمار البلاد” بالعربية هو اعمار البلاد ونشر التمدن فيها فكيف روّج السياسيون العرب المتخلفون مطلع القرن العشرين أن الاستعمار يعني الإستعباد؟).  بعد أن رفعت الحرب العالمية الأولى أوزارها أدرك ألاوروبيون وهم من حاولوا استعمار دول العالم عدم جدوى نشر التمدن والحضارة والديمقراطية بالقوة، فقرروا أنّ يصنعوا من الولايات والامارات التي خلفها العثمانيون دولا على نمط الدول العصرية الحديثة، ومضوا ليصنعوا في تلك الأصقاع كيانات سياسية قد تنجح في خلق تنافس سياسي داخل تلك الكيانات بما يحتمل أن يتنج عنه دولا متحضرة قد تلحق بركب الحضارة. بدأوا بتركيا مركز الأمبراطورية حيث جاءوا بكمال اتاتورك وعلموه كيف يخرج بعقول الناس عن 7 قرون من فساد وتخلف السلاطين بأن يخاطب فيهم الشعور القومي، وهذا ما كان، فنشأت تركيا الحديثة التي يحاول الأسلاميون اليوم العودة بها الى عصور السلاطين، الا أن جنرالات الجيش الذين طبختهم افران “الأستعمار” ما برحوا السد المنيع الذي يتصدى لمحاولات العثمنة.
النفط يخلط الاوراق
جاء النفط ليضيف الى مفهوم الدول التي صنعها الاستعمار عنصرا لم يكن في الحسبان، اذا أضحت معظم الكيانات المتخلفة البدائية فجأة مجتمعات غنية لامدنية، الأمر الذي دفع بأوروبا الى أن تستعجل نضوج طبخة الدول الجديدة، فسارع البريطانيون والفرنسيون بالذات في تشكيل دول الخليج لتظهر المملكة العربية السعودية الى وجه الصورة، ثم تعاقبت الكويت والبحرين وقطر والامارات وعمان لأعلان استقلالها ( أي خروجها من مصانع الاستعمار وهي لمّا تزل بعد فطائر لم تنضج!)، فيما لم تقع اليمن في دائرة اهتمام المستعمرين سوى في اجزائها الجنوبية المطلة على مضيق عدن، وغادرها الأنجليز عام 1967 لأسباب جيوسياسية تتعلق باغلاق قناة السويس عقب حرب الايام الستة . وصنع البريطانيون والفرنسيون من الشام والهلال الخصيب دول العراق العربي وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين وقسمّوها بما يضمن لكل منها منفذ بحري وما يتناسب مع علاقاتها بدول الجوار. ثم التفت “المستعمران ” بمصانعهما الى افريقيا فصنعوا مصر العربية وتونس والجزائر وليبيا والمغرب ( ولم يجدوا في المغرب ما يمكن أن يصنع دولة بمعنى الكلمة فتركوه ملتبسا بأرض شاسعة إنقسمت فيما بعد الى موريتانيا والصحراء الغربية ومملكة المغرب)، كما صنعوا السودان الكبير ودول القرن الافريقي الذي صارعتهم عليه بتخلفها الرث الأمبراطورية الأثيوبية وآخر اباطرتها “هيلاسي لاسي” – وهو اسم مسيحي يعني بالأثيوبية الثالوث المقدس-. ثم تعاقبت دول افريقيا كلها دون استثناء في الخروج من مصانع الأستعمار( وهنا كان للأسبان والبرتغاليين والهولنديين مصانعهم التي ساهمت في صنع الدول!) لتصبح 51 دولة لا يجمعها سوى التخلف والفقر والحروب الاهلية و حكام جلّ اهتمامهم أنّ يجمعوا الأموال من خزائن ” مشاريع الدول”.
واستمر مشروع صناعة الدول وامتد الى عمق آسيا الشاسعة، فصنع “المستعمرون” اندونيسيا وتايلاند وكوريا الجنوبية وبورما والفليبين وهونغ كونغ وتايوان وماليزيا وسنغافورة وافغانستان، فيما لم يهتموا بالنيبال ومنغوليا وتركوا فيتنام وكوريا الشمالية وكمبوديا ولاوس للشيوعيين كي يجربوا أن يصنعوا فيها دولا على طريقتهم. فخرجت علينا كوريا الشمالية -التي انخفض فيها معدل اعمار الناس الى 42 سنة! -بمشاريعها النووية، وطلعت فيتنام ولاوس بتصدير الخادمات والأيدي العاملة الأرخص في العالم.
وطلعت ناضجة من المصنع دولة الهند التي سرعان ما انفصل عنها المسلمون ليقيموا بنغلاديش وباكستان وهما كيانان ما برحا يطوران قدراتهما الحربية لحروب لا يعلم الا الله متى تبدأ ومتى تنتهي، كما اقاموا دولة الشاي في سيلان(سيريلانكا لاحقا) التي تمزقها الحروب الاهلية صراعا على مزارع الشاي ونشر الاسلام منذ قيامها حتى اليوم . أما الهند فمضت قدما وقد تأهلت لتصبح دولة عصرية في مصنع بريطاني بامتياز،وأضحت اليوم واحدة من أكبر وأقوى اقتصاديات العالم.
العالم الجديد
ولو التفتنا الى الأمريكتين فأن “مصانع الاستعمار” هي التي انتجت الولايات المتحدة الامريكية في امريكا الشمالية، والتي هي في الحقيقة 52 دولة اتفقت على الاتحاد في القرن الثامن عشر متأثرة الى حد كبير بمباديء الثورة الفرنسية ومختارة ان تتبنى لغة المنشأ، فصارت الانجليزية لغة البلاد الرسمية رغم ان سكانها جاءوا بدءا من كل اوروبا. كما اقتسم ” المصنعان” صناعة دولة كندا التي هي نموذج متواضع عن الولايات المتحدة الامريكية ما زالت الانجليزية والفرنسية لغتيها الرسميتين. اما المكسيك وهي موطن حضارة عريقة تعرف ب”الأزتيك” فقد خضعت لمدة 300 عام للأستعمار الأسباني، ثم قرر المستعمرون (قبل عصر الدول) في عام 1810 منحها الاستقلال لتصبح جمهورية المكسيك، إحدى أقدم الجمهوريات في العالم، لكنها ولدت خديجا وما زالت حتى اليوم تضج بالمشكلات والفقر وتخضع في الغالب لسلطة مناطقية تحددها العصابات، وفقدت لغتها الأم لتتبنى لغة المنشأ الأسبانية.
وفي امريكا الوسطى والجنوبية، لم يختلف الوضع كثيرا فقد صنعت مصانع اسبانيا والبرتغال ( ويلاحظ أنّ المانيا لم تكن دولة استعمارية على امتداد تأريخها وقد تفسر هذا حقيقة أنّ الالمان أنفسهم لم يصلوا الى مفهوم الدولة الحديثة الا في وقت متأخر)، فاحتل البرتغاليون البرازيل 500 عام وصنعوا منها دولة كبيرة رخوة، واحتل الأسبان الارجنتين وبيرو وبوليفيا وتشيلي لثلاثة قرون ليصنعوا منها دولا لا تقوى على أن تكون عصرية وبقيت مذبذبة بين الحداثة وبين روح المستعمرات الموروثة. وتنافست مصانع اسبانيا الخائبة مع مصانع البرتغال المتخلفة على صناعة الدول الاخرى في اورغواي وبارغواي والهندوراس وفنزويلا والاكوادور وسورينام وترينداد وتوباغو، وغويانا، وجاءت كل الطبخات التي تمت قبل قيام عصر الجمهوريات بنتائج مخيبة للآمال، أما كوبا فقد حاول الشيوعيون أن يصنعوا فيها دولة، ونجحوا في أن يضعوا لها رئيسا ما زال يحكم البلاد منذ استقلالها عام 1958، وقد أورث أخيه مؤخرا لكي يتولى عنه الحكم بالنيابة، لتصبح حين وفاته جمهورية شيوعية وراثية، تؤرّق الولايات المتحدة وتقض مضجعها بسياراتها المتحفية التي تنتمي الى خمسينات القرن الماضي ولا يستطيع الناس استبدالها لأن الحكومة لا تجيز التعامل مع الغرب!!
اما دويلات امريكيا الوسطى( هندوراس، جامايكا، غواتيمالا، كوستاريكا، بليز، بنما، السلفادور، نيكاراغوا) فقد جمعها مشروع دولة اقترحه الأسبان في القرن التاسع عشر،عرفت تلك الدولة ب(الولايات المتحدة في امريكا الوسطى)،الا أنها عاشت ثماني أعوام فقط لتسلم الدويلات الى مافيا الموز والمطاط والمخدرات والدعارة.
في أقصى جنوب الكرة الارضية قارة صغيرة تدعى”استراليا” تضم دولتين، “استراليا” و”نيوزيلنده” كلاهما تتكلمان الأنجليزية وكلاهما من دول الكومنولث، فهذه القارة باكملها بريطانية بامتياز.
ومن تم يمكن أن نعرف من صنع تأريخ العالم الحديث، ومن يكتب الآن مستقبله، إنها ليست الولايات المتحدة الامريكية، بل أوروبا التي لم تعد تحتاج الى قوات عسكرية لتثبّت الاوضاع في كل العالم، فكل دول العالم تقريبا صنعت في مصانع أوروبا، والولايات المتحدة الامريكية ليست استثناء. والسيادة والاستقلال الذي يتشدق به قادة كل هذه الدول ونخبها السياسية هو بركة المصانع الكولونيالية، لكن الجحود صفة بشرية ترمي بصاحبها الى مفاوز مجهولة في مغامرات لا تنتهي في الغالب الا بكوارث، وهذا حال عالمنا اليوم وغدا.
© منبر الحرية، 4 آب-أغسطس 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

“تعرض علينا شاشات التلفزة كل يوم صورا عن الدمار في الجانب الفلسطيني. وأنا أتساءل : أين هي الصور التي تظهر عمق المصيبة والرعب في الجانب الإسرائيلي”.
بهذه الكلمات تحدثت رئيسة مجلس اليهود المركزي في ألمانيا شارلوته كنوبلوخ إلى نحو 1500 يهودي اجتمعوا في التاسع من يناير 2009 في ميونخ لدعم إسرائيل في حرب غزة. وهذه الكلمات هي انتقاد واضح لوسائل الإعلام التي غطت القتال لأكثر من ثلاثة أسابيع.
نشاط الأعلام في مناطق الأزمة بشكل عام  مشروط دائما بقدرته على جمع المعلومات وقدرته على النفوذ الى مناطق القتال، وهو ما كان صعبا في حرب غزة الأخيرة.
وأغلب ما كتب في الصحف وما  نقلته شبكات التلفزة والإذاعات ومواقع الإنترنت كان انطباعات ساقها كتاب وصحفيون ألمان بناء على ما وجدوه في متناولهم من معلومات.
فتحت عنوان “إسرائيل تسرق الغاز الفلسطيني” كتب راينر روب بصحيفة “يونغا فيلت” الألمانية اليسارية يقول”إن إسرائيل شنت حملتها العسكرية الدموية الأخيرة على غزة بدافع رئيسي هو وضع يدها والسيطرة الكلية على احتياطيات الغاز الهائلة الموجودة أمام ساحل غزة”، وقد نشرت ترجمة المقال في موقع الجزيرة نت.  ويدرك المرء منذ الوهلة الأولى أن هذه هي مقالة رأي، و هذا الرأي يصدر غالبا بناء على أحكام جاهزة وهي أحكام مبنية على آراء شخصية ومتأثرة إلى حد كبير بنظرية المؤامرة التي تجد لها رواجا في العالم الثالث.
من جانب آخر، علّق مراسل صحيفة “يديعوت احرنوت” في برلين “ايلداد بيك” على ما قالته السيدة شارلوته كنوبلوخ بالقول :
“إن الإعلام الألماني تباين في تناوله لموضوع الحرب في غزة، وما قالته السيدة كنوبلوخ صحيح، وقد لحظنا هذا الأمر في مراحل أخرى من النزاع في الشرق الأوسط، وأعني بذلك الحرب في لبنان وما يسمى بالانتفاضة الثانية، والسبب هو حقيقة أن الأعلام الألماني في الغالب لم يكن يصل إلى مواقع الحدث في غزة، من هنا كان عليهم أن يتوخوا مزيدا من الحذر في الاعتماد على مصادر خبرية فلسطينية، وقد رأينا في مناسبات أخرى من التغطية الصحفية لأحداث الشرق الأوسط  أن الفلسطينيين لم يكونوا مصدرا موثوقا في نقل الحقائق والأرقام، بل أنهم كانوا يوظفون الأعلام لأغراضهم، لذا اكرر القول انه كان على الأعلام الألماني وغيره أن يتوخى الحذر في اعتماد المصادر الفلسطينية. وأعتقد أن المرء يمكن أن يلحظ بوضوح الفرق في التغطية الصحفية في الصحافة الألمانية المكتوبة، فالصحف الليبرالية والمحافظة حافظت على تغطية معتمدة محايدة للحدث، فيما تمادت الصحف الأخرى كصحيفتي ” زود دويتشه” و” برلينر تسايتونغ” وبعض الصحف التي أضعها في صف اليسار والتي تتبنى بشكل دائم خطا مناوئا لإسرائيل، و ذهبت بعيدا في تغطيتها للأحداث الأخيرة في غزة”
واستأنفت السيدة كنوبلوخ في خطابها بميونخ الهجوم على الأعلام الألماني بالقول:
” وما لايعرفه احد في هذا البلد (ألمانيا) أن هناك قتلى في الجانب الإسرائيلي أيضا، والضحايا هم من الجنود ومن المدنيين على حد سواء، وإذا كان عدد الضحايا في إسرائيل محدودا لحد الآن فذلك لأن الدولة اليهودية قد نجحت في وظيفتها التي قامت لأجلها وهي حماية مواطنيها”
وهذا يعني عمليا أن الأعلام الألماني قد فشل في إبراز صورة الحرب في الجانب الإسرائيلي، وهو ما يعتبر خللا مهنيا لا يمكن السكوت عنه في العمل الصحفي. فهل يتفق هذا الرأي مع الرأي العام في إسرائيل؟
أجاب عن هذا السؤال البروفسور ( موشي تسمرمان) أستاذ التأريخ المعاصر في الجامعة العبرية بالقدس: ” الصحف في العادة غير محايدة، فهي تأخذ موقفا مسبقا، أو منحازا من الأحداث، وفي هذا المثال( أي حرب غزة ) لم تكن الصحافة الألمانية استثناء، فمن وجهة نظر الرأي العام الإسرائيلي، فأن الأعلام الألماني كان أكثر حيادا من الصحافة الأسبانية وغيرها. ويمكن للمرء عموما القول بأن نقل أخبار حرب كهذه جاء في الغالب منحازا إلى الطرف الأضعف في المعركة، والطرف الأضعف في هذه الحالة هو الفلسطينيون الذي يسكنون في غزة، من هنا برز الانطباع السائد عن التغطية الإعلامية بشكل عام وليس الأعلام الألماني حصرا، فالجميع يرى أن التغطية غير عادلة، منحازة إلى سكان غزة ومضادة لدولة إسرائيل”.
الأعلام الألماني، مثله مثل الأعلام في سائر العالم الحر، لا يتبنى خطابا موحدا في تناوله لأي موضوع، والدولة الألمانية لا تملي على وسائل الأعلام لغتها كما تفعل الدول الشمولية التي تفرض لغة الأعلام الواحد على الصحف والقنوات الأخرى. من هنا فأن موقف الأعلام تباين تبعا لتوجهات الكتاب والصحف، فالكتّاب ذوي النزعة اليسارية تبنوا وجهة نظر مدافعة عن سكان غزة معتبرين الحرب القائمة بين إسرائيل وبين حركة حماس التي تحكم غزة حربا على غزة وأهلها،من هنا تقرأ في عناوينهم عبارة ( الحرب على غزة). مراسل صحيفة “يديعوت احرنوت” في برلين “ايلداد بيك” يعرض وجهة نظر تحليلية عن هؤلاء:
” في أوروبا نعاني مشكلة جيل 68،وهو جيل حاضر في الصحافة والجامعات والسياسة وغيرها، وهم أناس يسعون إلى فرض رؤياهم وتصوراتهم عن الأشياء على من حولهم بطريقة غير ديمقراطية، واعتقد أن هذا يلاحظ أيضا بوضوح في الأعلام الأوروبي عموما، لكن هذه المشكلة تظهر بشكل أكثر حدة في اسبانيا، انكلترا، وأيرلندا إلى حد ما، علاوة على دول اسكندنافيا، ويمكنك أن تحس بتأثيرها واضحا في ألمانيا أيضا ولكنه ليس بقوة تأثيره في الدول التي أشرت إليها”
في المقابل، تبنّى كتاب اليمين والمحافظون موقفا آخرا، معتبرين أن الحرب في غزة هي قتال بين الجيش الإسرائيلي وميلشيا حماس التي ألغت اتفاقية الهدنة وبدأت تضرب مدن وسكان إسرائيل بالصواريخ والقنابل..وهكذا فقد اعتبروا ما يجري صراعا بين قوتين وليس هجوما أحادي الجانب كما يميل كتاب اليسار إلى تصويره، وفي وسط الصراع حوصر السكان الأبرياء. لذا فقد حرص هؤلاء الصحفيون والكتّاب على استخدام مصطلح ( الحرب في غزة) لوصف القتال.
© منبر الحرية، 19 مارس 2009

منبر الحرية3 نوفمبر، 2010

بكالوريوس لغة انجليزية وبكالوريوس لغة عربية وبكالوريوس لغة فارسية.
صحفي منذ عام 1976. نشط في الصحافة المطبوعة والمرئية والمسموعة وعلى صفحات الإنترنيت. عمل في عدة بلدان ،ويعمل حاليا في الأعلام الالماني، علاوة على مساهماته المستمرة في الصحف والتلفزة والإذاعات باللغات الثلاثة المذكورة أعلاه.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018