لماذا يكره العالم الأمريكيين أو على الأقل الحكومة الأمريكية على هذا النحو؟ هل السبب ان وزارة الخارجية الأمريكية تعتقد بأن عليها التصرف بفظاظة وبأسلوب مهين ومتغطرس؟
في آذار الماضي، سجلت وزارة الخارجية الأمريكية رقماً قياسياً جديداً إذ أهانت مواطني 123 دولة في وقت واحد. ووردت الإهانة في “تقرير إستراتيجية مكافحة المخدرات الدولي: المجلد الثاني، تبييض الأموال والجرائم المالية”.
وفي التقرير المؤلف من 450 صفحة، نوقشت تصرفات الدول الأخرى للتقليل من حجم تبييض الأموال والجرائم المالية، ما يُعتبر أمراً جيداً. ولكن بعد ذلك، ألقى واضعو التقرير محاضرة مجانية على كل دولة من الدول التي ذُكرت بالاسم حول الطريقة التي يمكن من خلالها إنجاز تلك الأمور في شكل “أفضل”. ولكي يُفهم النفاق الكلي للمناكدين في وزارة الخارجية الأمريكية، من المهم الإشارة إلى ان حجم تبييض الأموال المصرّفة في الولايات المتحدة أكبر منه في أي مكان آخر على وجه الأرض، وأن الولايات المتحدة أكبر سوق للمخدرات غير الشرعية في العالم.
والتقرير، الذي أعده مناكدون عالميون في وزارة الخارجية الأمريكية، مليء بطلبات لا نهاية لها يجب على الدول الأخرى ان تلبيها لتحقيق المهمة في شكل أفضل، وتشمل تطبيق قوانينها النافذة، وإصدار مزيد منها، وتوقيع مزيد من المعاهدات الدولية، والاشتراك في ممارسات تعتبر غير قانونية وغير دستورية في الولايات المتحدة.
وشن واضعو التقرير هجوماً حاداً على الأصدقاء والأعداء على حد سواء، كما لو ان الفساد وعدم الكفاءة غير موجودين في واشنطن ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية وغيرها. وفي ما يلي بعض الأمثلة التي أوردها التقرير:
بالنسبة إلى البلجيكيين، “عليهم تعزيز التمسك بالمتطلبات الخاصة بالتبليغات التي تُقدم من قبل بعض الهيئات غير المالية كالمحامين وكتاب العدل”، وهذا ما تقوله وزارة الخارجية الأمريكية بينما تتجاهل تماماً أهمية سرية عمل المحامين.
أما بريطانيا، فتفيد وزارة الخارجية أيضاً “بأن على المملكة المتحدة ان تطور التشريع لديها وتطبق الأنظمة لضمان تغطية كاملة لقطاعات المقامرة والمراهنة مثلما هي الحال مع الأعمال التجارية والمهن المالية والأعمال المخصصة لغير الشأن المالي”. وربما لم يخطر على بال العاملين في وزارة الخارجية الأمريكية ان البريطانيين يتمتعون بالديمقراطية منذ أمد طويل وأنهم قادرون على ان يقرروا في شكل جيد تماماً اعتماد تلك القوانين والأنظمة التي يفضلون ان يعيشوا في ظلها.
ثم يأتي دور الصين، التي تفيد وزارة الخارجية الأمريكية بأن عليها “تنفيذ العقوبات الجنائية بحق عدم الممتثلين لشروط تحديد هوية الزبون من قبل المؤسسات المالية والمواظبة ومسك الدفاتر”. وهكذا، فإن لدينا أفراداً في الحكومة الأمريكية يقولون بأن على دولة بوليسية ان تعزز العقوبات “الجنائية” الخاصة بالجرائم التي يجب، بحسب اعتقاد خبراء قانونيين كثيرين، ان تكون جرائم مدنية، سواء في الولايات المتحدة أم في أي مكان آخر في العالم.
كما ترى الخارجية الأمريكية ان على الألمان ان “يقوموا بتعديل التشريع والتخلي عن القيود المفروضة على تجميد الموجودات لدى غرفة مقاصة الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى الجرائم المالية والإرهاب بحيث لا تستدعي عملية تجميد الموجودات إجراء تحقيقات جنائية”.
ربما لم يكن لدى المرشدين الروحيين في وزارة الخارجية الأمريكية دراية بأن هناك أسباباً تاريخية معينة تجعل الألمان يصرون في الوقت الحالي على الحمايات القانونية ضد أي خداع محتمل من دولة أخرى.
ويقول واضعو التقرير ان على حكومة جمهورية الدومينيكان “أن تتخلص من برنامج حق المواطنة الاقتصادية الصادر عنها”. لكن، أيضاً وأيضاً، ربما لم يكن لدى هؤلاء علم بأن عدداً كبيراً من الدول، ان لم يكن معظمها، بما في ذلك الولايات المتحدة، تسمح بالإقامة الدائمة و/أو المواطنة لغير المواطنين الذين يستثمرون مبلغاً معيناً من المال في المكان الذي اتخذوه موطناً لهم.
ودعا التقرير سنغافورة إلى “إضافة الجرائم الضريبية والمالية إلى قائمة الجرائم الخطيرة الخاصة بها”. وهنا أيضاً، ربما لم يخطر على بال أفراد وزارة الخارجية الأمريكية بأن مواطني سنغافورة المتعلمين تعليماً عالياً والذين يعيشون في ازدهار اقتصادي، قادرون تماماً على ان يقرروا بأنفسهم نوع الجرائم التي يجب ان تُعتبر قانونياً “جرائم خطيرة”.
ومع كل ذلك، وجدت فعلاً بنوداً متعددة في التقرير أقبلها وأتفق معها. فعلى سبيل المثال، هناك بند يقول: “على إيران ألا تدعم الإرهاب أو تموله”. وإنني بكل تأكيد آمل ان تقرأ هذه الجملة في طهران وأن تأخذ على محمل الجد. هناك إشاعة مفادها أن تقرير السنة المقبلة سيطالب المزارعين في إفريقيا بوقف إنتاج مادة الكاكاو الخاصة بصنع الشوكولاته وأن يوقف البرازيليون إنتاج مادة السكر نظراً لأن هاتين المادتين تجعلان الأمريكيين بدناء!
© معهد كيتو، منبر الحرية، 18 نيسان 2007.