ريتشارد دبليو. ران

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

بينما كنت أحدق بعيدا نحو “البلدة القديمة” المزدهرة والرائعة من هذه المدينة الأثرية (سلوفينيا)، والتي هي في الوقت الحالي عضو في الاتحاد الأوروبي، فقد بدا وكأنها قد ابتعدت كل البعد عن جمهورية يوغسلافيا والتي كانت تشكل جزءا منها لغاية العام 1991، عندما نالت سلوفينيا استقلالها بعد معركة قصيرة. وبالنسبة للتوترات الحاصلة بين صربيا وكوسوفو، وهما من البقايا الأخيرة من يوغسلافيا، فلم يكن الإحساس بها اشد عمقا هنا من تلك التوترات القائمة في معظم الأنحاء الأخرى من الاتحاد الأوروبي.

قامت معظم دول الاتحاد الأوروبي بالاعتراف باستقلال كوسوفو، باستثناء إسبانيا وقليل من الدول. وسوف تقوم سلوفينيا بالاعتراف بشكل رسمي باستقلال كوسوفو بينما هناك الكثير من مواطنيها، بما في ذلك غالبية الأفراد من ذوي التراث الصربي، سيبقون معارضين لذلك.

وهكذا، فانه لأمر يدعو إلى السخرية إلى حد ما أن يكون الرئيس الحالي لمجلس الاتحاد الأوروبي، الذي يتم التناوب عليه كل ستة شهور، هو رئيس سلوفينيا، التي كانت أول دولة من الدول الشيوعية السابقة تنضم إلى الاتحاد الأوروبي في العام 2004 والتي قامت أيضا بتبني اليورو كعملة لها في بداية العام 2007.

وبموجب كافة المقاييس تقريبا، حققت سلوفينيا نجاحا اقتصاديا خلال السنوات الثمانية عشرة الأخيرة وهي الآن تتمتع بدخل للفرد الواحد (حسب تكافؤ القوة الشرائية) يساوي تقريبا لدخل الفرد في أية دولة عادية في الاتحاد الأوروبي، ولما يقارب نسبة 60 في المائة مما يتمتع به الفرد الأمريكي العادي!

وبالرغم من نجاح سلوفينيا، فهي في الوقت الحالي تواجه الكثير من نفس المشاكل المتواجدة في دول أكبر حجما في الاتحاد الأوروبي. وعودة إلى العام 1991، فقد كان لدى سلوفينيا، الدولة الممتدة أمام ثنايا جبال الألب النمساوية، هدف يتمثل في أن تصبح “سويسرا مصغرة” بوجود ازدهار اقتصادي لديها وتحرر على المستوى الشخصي. ومع ذلك، وبمضي السنوات العشرين الأخيرة، فإن النظام الاقتصادي في سلوفينيا يشبه ذلك الموجود في فرنسا بدرجة أكبر مما هو في سويسرا.

أما الموقف تجاه رأس المال الأجنبي فهو في أفضل الأحوال موقف مختلط، وهو في بعض الحالات يكون عدائيا بشكل صريح. فهناك الكثيرون من السياسيين السلوفانيين يجادلون، كما هو حال سياسيو فرنسا، بأن هناك “مصلحة وطنية” في إبقاء العديد من الشركات السلوفينية بعيدة عن الأيدي الأجنبية. ومثلها مثل الكثيرين في “أوروبا العجوز” فإن البطالة فيها ذات نسبة مرتفعة بشكل مزمن، بحيث تبلغ أكثر من 7 في المائة بسبب أسواق العمل الجامدة، وبسبب الممانعة في تسهيل الاستثمار بالنسبة للشركات الأجنبية، وبسبب العوائق البيروقراطية والتنظيمية أمام تشكيل شركات جديدة.

ومن الممكن ملاحظة الفجوة “الفكرية” في الشد الحاصل بين الدول ذات المعدلات الضريبية المنخفضة في الاتحاد الأوروبي والمؤلفة بشكل أساسي من دول وسط وشرق أوروبا الشيوعية السابقة (ذات الضرائب الثابتة والمعدل الضريبي المنخفض المفروض على دخل الأفراد والشركات لديها)، وبين الدول ذات المعدلات الضريبية المرتفعة وأسواق العمل الجامدة ممثلة نموذجيا بألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا.

وفي الأسابيع الماضية، رأينا كيف أن هذه الفجوة قد لعبت دورها في نزاع جرى بنحو غير ملائم إلى حد ما بين ألمانيا وليشتنشتاين. فقد قامت الحكومة الألمانية، معتمدة بذلك على وجهة نظر واحدة، بدفع أتعاب أو رشاوى بلغت عدة ملايين من الدولارات إلى موظف سابق في بنك في ليشتنشتاين ليقوم بالإبلاغ عن مواطنين ألمان يحاولون التملص من دفع الضرائب الألمانية.

وبفعل تصرف الحكومة الألمانية، فقد أصيب البعض في أوروبا بالرعب، مذكرين بأن قوانين سرية البنوك السويسرية الأصلية التي صدرت في سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي بهدف إبعاد “الغستابو” (البوليس السري النازي) عن تقديم رشاوى إلى موظفي بنوك سويسرية، وكان عددا قليلا منهم (أي الموظفين) قد كشفوا عن ملكية الأموال الهاربة التي تم وضعها في هذه البنوك من قبل يهود ألمانيا وألمان آخرين كانوا معادين لهتلر. أما البعض الآخر في أوروبا فقد تحيزوا إلى جانب الألمان ضد ليشتنشتاين، مجادلين بأن من الخطأ أن يتم استخدام الشروط الخاصة بالسرية المالية لحماية أموال ضريبية هاربة.

ويقوم الألمان ودافعو ضرائب مرتفعة آخرون بتجاهل حقيقة أن بني البشر ينزعون بشكل طبيعي تماما نحو نقل شركاتهم وأموالهم (وحتى أجسامهم!) من مناطق ذات معدلات ضريبية مرتفعة إلى مناطق ذات معدلات منخفضة. وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل ولايات أمريكية مثل تكساس وفلوريدا ونيفادا ونيوهامبشير تنمو بسرعة أكبر من ولايات ذات معدلات ضريبية مرتفعة مثل نيويورك ونيوجيرسي وكاليفورنيا.

وبما أن حرية حركة الأفراد والشركات تتسارع داخل الاتحاد الأوروبي وكذلك لدى الدول المجاورة له، فإن البلدان الدولانية (المنادية بتركيز السلطة الاقتصادية لتكون بيد الدولة) تسلك نهجا يؤدي إلى أن تجد نفسها، وبشكل متزايد، محرومة وفي ظروف غير مواتية. فهل ستقوم هذه الدول باللجوء إلى ردود أفعال مشكوك فيها إلى حد ما من النوع الألماني، أم ستقوم باتخاذ إجراءات بناءة مثل خفض معدلات الضريبة الهدامة كما فعل الإيرلنديون وتحرير أسواق العمل كما فعل الدنماركيون؟

© معهد كيتو، منبر الحرية، 22 تموز 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

إسبانيا واحدة من أعظم قصص النجاح الديمقراطي والاقتصادي خلال العقود الثلاثة الأخيرة. ولكن هنالك الآن بعض الأسباب للخشية فيما يتعلق بمستقبلها. وفيما يلي لماذا:

كانت إسبانيا من أوائل الدول القومية، بعد أن أتمت إعادة فتح شبه جزيرة آيبيريا من المسلمين في عام 1492. كانت إسبانيا الإمبراطورية القوة الأوروبية الأولى خلال القرن السادس عشر وعلى امتداد جزء كبير من القرن السابع عشر. وقد شملت الإمبراطورية الإسبانية أمريكا الوسطى بكاملها، ومعظم أمريكا الجنوبية، والفلبين، وأجزاء من ألمانيا المعاصرة، وبلجيكا، ولوكسمبورغ، وهولندا، وغيرها.

بعد ذلك، ونتيجة لمحاصرتها من قبل أعدائها وبسبب سوء الحكم الداخلي، دخلت إسبانيا في مرحلة تقهقر طويلة الأمد، انتهت بخسارتها لمعظم ما تبقّى لها من مستعمرات، إبان الحرب الإسبانية-الأمريكية في عام 1891.

لقد خاض الإسبان حرباً أهلية بشعة ما بين 1936 إلى 1939، بين القوى اليسارية التي نالت تأييد الاتحاد السوفييتي والمكسيك من جهة، والوطنيين بقيادة الجنرال فرانسيسكو فرانكو بتأييد من الألمان والإيطاليين من جهة أخرى. أصبح الجنرال فرانكو دكتاتوراً، وحافظت إسبانيا على حيادها إبان الحرب العالمية الثانية. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، ظلت إسبانيا معزولة سياسياً واقتصادياً حتى عام 1955، عندما أصبحت حليفاً في الحرب الباردة للولايات المتحدة ولأوروبا الغربية.

وفي عقد الستينيات، انتعش الاقتصاد الإسباني، وأخذت إسبانيا تنمو بسرعة، بحيث أصبحت دولة صناعية حديثة. في العام 1975، توفي الجنرال فرانكو، وتولى الحكم الأمير خوان كارلوس، الذي أصبح ملكاً ورئيساً للدولة. وقد شرع منذ اللحظة الأولى في تحويل إسبانيا إلى مملكة ديمقراطية، وهو ما تم تحقيقه في العام 1978 بإقرار من الدستور الإسباني الجديد.

لقد نجحت إسبانيا في تحقيق تحول سلمي نحو ديمقراطية حديثة فاعلة، كانت فيها الحكومة المركزية تتأرجح قدماً وإلى الخلف بين قوى اليسار المعتدلة واليمين، نتيجة تفاهم ضمني بعدم إعادة معارك الاقتتال الماضية.

إسبانيا عضو في الاتحاد الأوروبي، وقد تبنت اليورو كعملة لها منذ مطلع العام 2002. الإسبان الآن أغنياء، على أساس دخل الفرد مقارنة بالمداخيل الأوروبية الأخرى. وقد تحوّل الإسبان على امتداد جيلين من كاثوليك محافظين يؤمون الكنائس إلى شعب من أكثر الشعوب ليبرالية على وجه الأرض في حياتهم الاجتماعية (“كاليفورنيا أوروبا”!). الاستطلاعات التي جرت مؤخراً أظهرت أن الإسبان هم من أكثر الشعوب سعادة في العالم. مجمل القول أن إسبانيا، على ما يبدو، تملك كل شيء في صالحها، ولكن هنالك مشاكل في الجنة!

فعلى الرغم من أن مواطنيها هم من أقدم مواطني الدولة القومية، فإن كثيرين منهم يرتبطون بأقاليمهم أكثر من ارتباطهم بالدولة المركزية. يوجد في إسبانيا أربع لغات رسمية: القسطالية، والإسبانية، والكتالونية، والجليشية ولغة الباسك، بالإضافة إلى عدد من اللغات غير الرسمية. والعالم الخارجي كان على علم بأعمال الباسك الانفصاليين بسبب نشاطات منظمة إيتا.

إسبانيا، وعلى النقيض من معظم البلدان، قد أصبحت أكثر لامركزية بشكل متزايد خلال العقود الأخيرة الماضية، بحيث أخذت الحكومة المركزية في الانكماش نسبة إلى حكومات الأقاليم: حكومة مركزية صغيرة، بينما تتولى الحكومات الإقليمية والمحلية تسيير معظم النشاطات الحكومية. ربما يكون هذا الترتيب جميلاً، كما هو الحال في سويسرا خلال عدة قرون ماضية، شريطة أن يتواجد توافق وطني فيما يتعلق بكيفية المشاركة وتوزيع السلطة. بيد أن هذا التوافق ليس قائماً حتى الآن في إسبانيا.

الحكومة الاشتراكية الجديدة، بقيادة خوسيه لوي رودريجز ثاباتيرو، التي جاءت إلى السلطة بشكل غير متوقع بعد الحادث التفجير الإرهابي في مدريد في آذار من عام 2004، فتحت بغير ضرورة الجروح القديمة عن طريق اقتراح قانون يحمل اسم “قانون الذاكرة التاريخية”، والذي بموجبه تُعاد كتابة تاريخ حقبة الجنرال فرانكو ويتم شطب الاعتراف بالكثيرين ممن عانوا من الفريقين في الحرب الأهلية. إن العديد من الإسبان يرون في هذه المبادرة محاولة لإبطال العقد الضمني التاريخي الذي كان قائماً والذي ينص على عدم إعادة المعارك القديمة، كما أن من شأنه إشعال المزيد من الاصطفاف السياسي والتوترات.

حوالي 30 بالمئة من الإسبان يؤيدون تقليدياً الأحزاب اليمينية، و30 بالمئة آخرون يؤيدون الأحزاب ذات الميول اليسارية (وهي السلطة الحاكمة الآن). معظم الأصوات الباقية موزعة بين عدد من الأحزاب الإقليمية المختلفة، والذي يتيح لها أن تصبح حَكَماً بين القوى المتصارعة في الحكم. لقد استخدمت هذه الفئات هذه السلطة لإحداث مزيد من اللامركزية في الحكم كما عملت على تنمية سياسات أكثر انفصالية.

الاقتصاد الإسباني كان مزدهراً جداً خلال حكومة خوسيه ماريا أزنار في الأعوام 1996-2004، والتي أجرت إصلاحات هيكلية وانتهجت سياسات مالية حكيمة. ومع ذلك، فما زالت هنالك تدخلات حكومية أكثر مما يجب في الاقتصاد وبالأخص فيما يتعلق بسوق العمل (ترتيب إسبانيا هو 27 في مؤشر الحرية الاقتصادية العالمي). كما أن الاقتصاد الإسباني يواجه الخسارة في التنافسية الدولية وبالنسبة لانخفاض الإنتاجية، وهما مؤشران لا يبشران خيراً في المستقبل.

الأسئلة المطروحة أمام إسبانيا هي: هل ستعود إلى سياسات النمو العالية التي شهدتها في سنوات أزنار، وتزيد من الحريات الاقتصادية، أم تعود إلى تبني مزيد من التدخلات الحكومية القاتلة للنمو؟ وهل سوف تتجه نحو لامركزية بناءة مع تسامح نحو الأقاليم واللغات، كما فعلت ذلك سويسرا بنجاح، أم هل أن الصراعات حول سلطات الأقاليم واللغات سوف تشل البلد مثلما يحصل الآن في بلجيكا؟

© معهد كيتو، منبر الحرية، 12 شباط 2008.

peshwazarabic11 نوفمبر، 20100

أتظن أن العالم يتطور نحو الأفضل أم يزداد سوءا؟ على الرغم من شعور التشاؤم اللامتناهي بعدم تطورالأوضاع الذي يثيره العديد من الإعلاميين والسياسيين، فإن الدليل الموضوعي هو أن العالم، بأي مقياس تقريبا، كان مكانا أفضل لمعظم سكانه العام الماضي.

صحيح أن الثري يزداد ثراءا، ولكن الفقير يزداد ثراءا أيضا بشكل كبير، بحيث أن عدد الفقراء يقل بشكل ملحوظ عاما بعد عام، كما أن مزيدا من الناس يعيشون في دول حرة أكثر من أي وقت مضى. ومن الجيد أن نذكّر أنفسنا، برغم عدم رضانا عن قادتنا السياسيين، أن الأمور تتحسن. ويمكن رؤية ذلك من خلال الجدول التالي:

ولا يحصل النمو الاقتصادي، والأهم من ذلك النمو الاقتصادي للفرد، في كل مكان تقريبا فحسب، وإنما يزداد معدل النمو أيضا. فبمعدل نمو يبلغ 2% سنويا، يحتاج الدخل إلى 35 عاما ليتضاعف، ولكن بمعدل 5% سنويا، يحتاج الدخل إلى 15 عاما فقط ليتضاعف. حتى أن هنالك أملا ونموا في أوروبا “القديمة” بوجود القيادتين الجديدتين في فرنسا وألمانيا.

إن طول العمر (وهو تمثيل جيد للتطورات الحاصلة في قطاع الرعاية الصحية وتراجع الفقر)، ونسبة سكان العالم الذين يعانون من سوء التغذية، ونسبة سكان العالم الأميين تتحسن في كل مكان تقريبا بشكل سنوي. وفي الوقت الراهن، ثمة نمو اقتصادي كبير في كل دولة على وجه الأرض باستثناء بعض الدول الصغيرة التي يسود فيها الاستبداد.

ومنذ زمن الثورات السياسية الاقتصادية في عهد ريغان/ثاتشر وانهيار الشيوعية/الاشتراكية، بدأ الناس يتوقعون ارتفاع دخولهم بشكل سنوي. إلا أن هذا الوضع المريح كان مجرد نموذج في الربع الأخير من القرن. فحتى قبل بضعة مئات من السنين، إلى أن جاءت الثورة الصناعية، بالكاد ارتفع الدخل الحقيقي للفرد الواحد.

نعم ثمة مشاكل؛ فالناس في دارفور يُجوعون حتى الموت ويُقتلون، والناس في كوريا الشمالية وكوبا وزيمبابوي وفنزويللا يعانون من حكام مستبدين، وبالطبع يتواصل القتل في العراق وأفغانستان. ولكن برغم مأساة هذه الأوضاع، فإن إجمالي عدد ضحايا العنف الناتج عن الدول والإرهاب يُقاس الآن سنويا بالآلاف وليس بالملايين وهو ما يُعطي طابعا مميزا للقرن العشرين.

لطالما وقف المتشائمون في صفنا، وسيكونون يوما ما على حق—العالم سينتهي! ولكن برغم مبالغة الإعلام والمدونات الالكترونية، فإن الرهان الأضمن هو أن الأمور سوف تتطور للأفضل بالنسبة لكم ولعائلاتكم وليس للأسوأ. إلا أن هنالك ثلاثة مخاطر تهدد سعادة ورفاهية الناس في المستقبل: الإرهاب، والمناصرة اللاعقلانية للبيئة العالمية، والكونغرس الأمريكي.

إن استطاع الإرهابيون تدمير عدد من منشآت النفط الكبيرة أو أجزاء كبيرة أخرى من الاقتصاد العالمي، فسوف يعاني الكثير. وسيكون الرد المناسب، من وجهة نظر اقتصادية، معالجة الحادث كما لو كان كارثة طبيعية مثل تسونامي الذي حصل في المحيط الهندي. وهذا يعني تقديم الإغاثة والمعونات الإنسانية والانتقال إلى التنظيف وإعادة الإعمار ومن ثم المضي قدما في الحياة. والخطر الحقيقي يكمن في مبالغة الحكومات في ردة فعلها بفرض الرقابة على الأسعار ورفع الضرائب وتدمير الحريات المدنية وهو ما يؤدي إلى تحويل حادث يمكن التعامل معه إلى كارثة عالمية حقيقية.

والخطر الكبير الثاني هو فرض الحكومات أنظمة رقابة بيئية من دون إجراء التحليلات المناسبة للكلفة والمنفعة. وقد حول عدد كبير من مناصري البيئة والمتحمسين لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي قضيتهم من علم إلى مذهب ديني، وهو ما يستغله السياسيون المتشائمون لأهدافهم الخاصة المتعلقة بالسلطة. فيمكن للأنظمة الحمقاء أن تتسبب بارتفاع كبير في البطالة والصعوبات الاقتصادية.

أما الخطر الكبير الثالث والأخير فهو الكونغرس الأمريكي، الذي له يد كبيرة في الجهل الاقتصادي عن طريق اقتراح الفكرة الهدامة والحمقاء تلو الأخرى. فعلى سبيل المثال، قام أربعة من أكبر مؤيدي حماية الإنتاج الوطني في الكونغرس الأمريكي، الجمهوريان السيناتور تشارلز غراسلي من أيوا والسيناتور ليندسي غراهام من جنوب كارولاينا، والديمقراطيان السيناتور ماكس بوكاس من مونتانا والسيناتور تشارلز شومر من نيويورك، باقتراح تشريع من شأنه فعليا أن يجعل الحكومة الأمريكية تفرض أسعار صرف وفق أهوائهم.

ويبدو أن هؤلاء الأربعة، وكثيرا من زملائهم، مصممون، من خلال دعمهم للمعونات الزراعية وفرض قيود على التجارة، على تقليص الدخول الحقيقية للبشرية. فعدد كبير من أعضاء الكونغرس يريدون زيادة الضرائب وتضييق الخناق على الشركات المحلية والدولية—وجميعها وصفات لكارثة اقتصادية.

سوف يستمر التحسن الاقتصادي والإنساني بسبب رغبة معظم الناس في التطور بشكل كبير، وهو ما ثبت حتى الآن، ولحسن الحظ أنه قوة أقوى من الطبقة السياسية المتعطشة للسلطة والإرهابيين والمناصرين للبيئة الذين سيدمرون حرياتنا ورفاهيتنا الاقتصادية.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 18 كانون الأول 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20101

ما مقدار التأثير الذي يطرأ على الاقتصاد الأمريكي بفعل السياسات التي يقررها رؤساء الولايات المتحدة؟ المرشحون لتولي الرئاسة الأمريكية هم قيد المباشرة بوضع سياساتهم الاقتصادية المفترضة، ويقول كل مرشح أو مرشحة للرئاسة بأن سياسته أو سياستها سوف تؤدي إلى ازدهار أكبر وإلى مزيد من الوظائف. والحقيقة هو أن لدى الرئيس في أمريكا صلاحيات محدودة فقط للتأثير على مجريات الأحداث، إلا أنه ما زال بإمكانه صنع فرق حقيقي. فكل زيادة في النمو الاقتصادي ستكون عرضة للتأثر بمعدلات الضريبة وبالإنفاق الحكومي وبالسياسات التنظيمية والتجارية، والتي تتطلب كلها القيام بعمل مشترك من قبل الكونغرس والرئيس معا. كما أن الفروع الحكومية كلها ستكون مقيدة بشكل كبير في حال عدم وجود بعض التعاون من قبل الفروع الأخرى، بما في ذلك المحاكم.
بإمكان القرارات التي تصدرها المحاكم أن تؤثر بشكل كبير على قدرة الشركات التجارية في العمل بشكل سليم وفي خلق وظائف جديدة. وهناك متغيرات غير قابلة للتحكم والتي تكون خارج سيطرة كافة الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الرئيس كالطقس والزلازل والحروب والسياسات الاقتصادية التي تقررها دول أخرى. هذه المتغيرات تستطيع أن تؤثر بدرجة كبيرة على نمو الاقتصاد الأمريكي. كما أن كل الرؤساء الأمريكيين الذين يتولون مناصبهم الجديدة يرثون عن أسلافهم (الرؤساء السابقين لهم) الضرائب التي قام هؤلاء الأسلاف بفرضها وكذلك الإنفاق الحكومي والسياسات التجارية والتنظيمية، وسوف يكون الرؤساء الجدد بحاجة إلى سنة واحدة فأكثر لكي يقوموا بتطبيق سياساتهم. وعليه، سيقدم الجدول التالي لقطة سريعة بالتركات الاقتصادية لرؤساء أمريكيين من خلال عرض أداء الاقتصاد خلال السنة التي غادرت فيها إدارة كل رئيس منهم.
عندما تولى الرئيس كارتر منصبة بتسلمه رئاسة الولايات المتحدة من الرئيس فورد، كان الاقتصاد الأمريكي ينمو بسرعة بعد ركود حاد، إلا أن التضخم كان مرتفعا جدا. بعد ذلك، قام الرئيس كارتر بتعيين جيه. وليم ميللر كرئيس للبنك الاحتياطي الفيدرالي، والذي استطاع أن يقدم لنا في العام 1979 تضخما قياسيا (بنسبة بلغت 13.3 في المائة)! وكان الفريق الاقتصادي للرئيس كارتر قد أخفق في هذا المجال بحيث كان يغير سياساته كل بضعة اشهر، والذي نجم عنه حدوث كساد في العام 1980، وإعداد المرحلة الخاصة بالكساد الكبير الذي حدث في العام 1982، عندما قام بول فولكر، رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الجديد (الذي عينه الرئيس كارتر عند نهاية مدته تقريبا)، بالتنزيل التدريجي للنمو النقدي بغرض انتزاع التضخم من الاقتصاد.
أما الرئيس ريغان فقد قام بعد أن تولى منصبه بدعم السياسات النقدية “الصارمة” التي وضعها فولكر وأوصى بالقيام بتخفيضات كبيرة في الضريبة بغرض الوصول إلى تحريك للأنشطة الاقتصادية. وكان الكونغرس الذي كان تحت سيطرة الديمقراطيين قد أخفق في الموافقة على الكثير من الخفض الذي قام به الرئيس ريغان في معدل نمو الإنفاق المقترح، إلا أنه قام بالفعل بدعم الزيادة في إنفاقه العسكري بما يقارب نسبة 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وبمجرد وضع خفض الضرائب التي طلبها الرئيس ريغان موضع التنفيذ، انطلق الاقتصاد بحيث أدى إلى معدل نمو اقتصادي مذهل بلغ نسبة 7.2 في المائة في العام 1984. وقد تم توجيه الانتقاد إلى الرئيس ريغان بشأن الزيادات في العجز التي حدثت في السنوات القليلة الأولى من فترة رئاسته، لكن حقيقة الأمر تكمن في كون هذه الأمة تقوم دائما باستخدام التمويل من القروض بغرض شن الحروب. ولم تكن الحرب الباردة استثناء من ذلك.
وقام الرئيس بوش الأول بنسف الكثير من تركة الرئيس ريغان التي تم تسليمها له بفعل إخفاقه في الوفاء بوعد “التجميد المرن” الذي قدمه في حملته الانتخابية والمتعلق بالإنفاق وبـ”لا ضرائب جديدة”. كما قام آلن غرينسبان، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، بارتكاب خطأ أيضا اقترن مع أخطاء السياسة الاقتصادية التي اتبعها بوش، مما أدى إلى حدوث كساد غير حاد في العام 1990.
أما الرئيس كلينتون فقد استفاد من الأخطاء الاقتصادية التي ارتكبها بوش، حتى وإن كان الاقتصاد في حالة نمو منذ سنتين قبل الانتخابات الرئاسية. قام كلينتون بزيادة الضرائب حتى وإن قدم وعدا بأنه لن يقوم بذلك، ثم قام بعد ذلك بعكس وجهة السير بمجرد أن تولى الجمهوريون أمور الكونغرس من خلال التوقيع على خفضهم لمعدل ضريبة النماء الرأسمالي. وقام الكونغرس الجمهوري الجديد بالانضمام إلى إدارة الرئيس كلينتون الضعيفة بالتضييق على نمو الإنفاق العام مما أدى إلى هبوط كبير في الإنفاق كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، والذي كان في معظمه عائدا إلى هبوط الإنفاق العسكري. وبالفعل، فقد نما الاقتصاد بشكل سريع خلال معظم فترة إدارة الرئـيس كلينتون، والسبب في ذلك يعود جزئيا إلى سياساته بالنسبة للتجارة الحرة ولتقييد الإنفاق، إلا أن النمو في الضرائب كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي والأخطاء الجديدة التي ارتكبها غرينسبان قد وضعت الاقتصاد في حالة ركود في الوقت الذي كان كلينتون يغادر منصبه.
أما بالنسبة للرئيس بوش الحالي، فقد قام، وبشكل صحيح، بخفض معدلات الضريبة كي يخرج الاقتصاد من الركود وليستعيد النمو الاقتصادي، إلا أنه ولغاية الأشهر الأخيرة قد أخفق في فرض تقييد على نمو الإنفاق. وكانت نتيجة ذلك وجود اقتصاد نامٍ، لكن تشغيله كان دون إمكانياته. وسوف لن تكون تركة بوش الحالي الاقتصادية معلومة بالكامل لمدة سنتين، إلا أنه إذا ما استمر في مكافحة زيادة الإنفاق، فسيكون العجز قريبا من الصفر، وسينتعش النمو في السنة القادمة بما أن الاقتصاد قد أنجز المطلوب خلال مأزق الائتمان الذي تسبب به غرينسبان.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 23 كانون الثاني 2008.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

هل تعتقد بأن الدولار الأمريكي سيستمر في الهبوط أمام اليورو؟ النمو الاقتصادي في الربع الأول في الولايات المتحدة خُّفضَ إلى 0.6 في المئة ونما الناتج المحلي الاجمالي في منطقة اليورو، 3.1 في المئة، ووصل الدولار إلى أدنى سعر يُسجل للآن مقابل اليورو (في تموز 2001، كان سعر اليورو 84 سنتاً أمريكياً، وفي الأسبوع الماضي وصل سعره إلى 1.37 دولار).
الذين يتشاءمون تجاه الاقتصاد الأمريكي (وبعضهم من بداية عهد رونالد ريغان) يؤكدون أنهم كانوا على حق في ضوء نتائج الربع الأول. لكن، قبل أن نحكم على الولايات المتحدة بالفشل، قد يكون من الحكمة التطلع إلى البيانات المتوافرة، لأن التغييرات في النمو الاقتصادي تأتي غالباً نتيجةً لتغيرات في الضرائب والأنظمة والتجارة، والإنفاق الحكومي وسياسات البنك المركزي، تماماً مثل سرعة العدّاء التي تنخفض عندما يزداد وزنه وتزداد عندما يخففه.
في خمسينات وستينات القرن العشرين، كانت أوروبا متعبة وجائعة وتجري بسرعة لإعادة بناء اقتصاداتها التي دمرتها الحرب. وفي بداية السبعينات، بدأت تزيد وزنها ممثلاً بضرائب أعلى، وإنفاق حكومي وأنظمة. ونتيجةً لذلك، هبط معدل نموها. وعلى امتداد الربع الأخير من القرن الماضي نمت أوروبا ببطء أكثر من الولايات المتحدة.
في المقابل، أقدمت المؤسسة السياسية في واشنطن على عدد من الأمور الغبية على امتداد السنوات الأخيرة، أثّرت سلباً على المنافع التي تضمنتها خفوضات بوش الضريبية. فتسببت إجراءات الإدارة والكونغرس برفع الإنفاق بمعدلات كبيرة، ما أدى إلى تقليص الموارد الإنتاجية في القطاع الخاص ونقلها إلى قطاع قليل الإنتاج أو لا ينتج كلياً، كما في القطاع الحكومي، وإلى رفع الضرائب على الشركات الكبرى، وانغمست الإدارة في أنظمة مالية مدمرة (على سبيل المثال، قانون “سيربانيس-أوكسلي” الذي يطلب تسعير خيارات الأسهم)، ما أدى إلى هروب قطاعات رئيسية من المؤسسات المالية إلى لندن وغيرها.
في غضون ذلك، أخذ بعض الأوروبيين يرى فوائد سياسية واقتصادية في تحرير الاقتصاد (مثلما تعلم البريطانيون من مارغريت ثاتشر). واعتمد أكبر اقتصادين في منطقة اليورو، وهما الألماني والفرنسي، سياسات تشجيع النمو، بانتخاب قادة مؤيدين للسوق—مثل أنغيلا مركل في ألمانيا ونيكولا ساركوزي في فرنسا. وبعد سنوات من الجمود حققت ألمانيا وفرنسا نمواً اقتصادياً يتجاوز 2 في المئة—وهي نسبة تحقق تقدماً كبيراً على رغم تواضعها.
وما يثير الإعجاب أكثر، ازدياد نسبة النمو في الاقتصاد العالمي، حيث تبتعد بلدان كثيرة، مثل الصين والهند، عن الاشتراكية، وتتجه الى الأسواق الحرة وحقوق الملكية المؤمّنة.
ترتبط معظم العملات العالمية في شكل مباشر أو غير مباشر باليورو أو الدولار. الجنيه البريطاني والين الياباني هما العملتان المهمتان الوحيدتان المتبقيتان اللتان تثبتان وجودهما. والمعروف أن قيمة أي عملة مقابل عملة أخرى مسألة تعود إلى العرض والطلب.
المصارف المركزية تُقرر إلى حد كبير كمية العملات المطروحة، بيد أن الطلب يعتمد على عدد من العوامل مثل نسب التضخم المتوقعة، ونسب الفوائد الحقيقية، وقوة الاقتصادات التي تدعم العملة، وإيمان الناس بالحكومة التي تصدر العملات وباستقرارها وحكمتها.
ويعتقد عدد من أفضل الخبراء في المستقبل الاقتصادي مثل بريان وزبري وديفيد مالباس أن الولايات المتحدة عانت من بُطء موقت، وأن الاقتصاد سينمو بسرعة أكبر مما هو متوقع. فإذا كانا على حق في وجهة نظرهما، وهو ما أتوقعه، فإن مجلس الاحتياط الفيديرالي الأمريكي سيعتمد على سياسة مالية أكثر تشدداً من أجل كبح زمام التضخم، ما يؤدي إلى فوائد تزيد جاذبية الدولار. وعلى المدى الطويل يُتوقع أن يستمر الاقتصاد الأمريكي في تجاوز الاقتصاد الأوروبي للأسباب الآتية:
أولاً، الوضع الديموغرافي في الولايات المتحدة أكثر صحة بكثير—أي أن نسبة العمال إلى المتقاعدين ستبقى أفضل بكثير من نسبتها في المجموعة الأوروبية بسبب معدل نمو السكان الأعلى في الولايات المتحدة.
ثانياً، سيبقى معدل الضريبة على العمال أقل كثيراً في الولايات المتحدة (نحو 60 في المئة من مثيلاتها في المنطقة الأوروبية). ومع أن الأوروبيين يحاولون خفض الضريبة العمالية، فإن متطلبات برامجهم في حقل الخدمات الاجتماعية تحد قدرتهم على تحقيق ذلك.
ثالثاً، الأوروبيون يرفعون ببطء مرونة سوق العمل، بالضرورة، بيد أن من غير المحتمل أن تضاهي أسواق العمل الحرة عندهم مثلما مثيلاتها في الولايات المتحدة بسبب المعارضات السياسية (تذكروا الاضطرابات الفرنسية).
ويبالغ كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في إصدار الأنظمة والقوانين، لكن الأوروبيين أكثر عرضة للمرض من الأمريكيين. لذا، من غير المحتمل أن يكونوا منفتحين على المبادرات الحرة مثلما هي الحال في الولايات المتحدة.
وأخيراً، وعلى أساس القوة الشرائية المتساوية، فإن اليورو والجنيه الإسترليني مُقومان بشكل واضح أعلى من قيمتهما الحقيقية مقابل الدولار، ما شعر به كل أمريكي سافر إلى أوروبا في الآونة الأخيرة.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 9 آب 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

ن الانخفاضُ الذي حدث مؤخراً على أسعار النفط والسلع الأخرى، جعل من شبه المؤكد أن تصل بعض البلدان غير المستقرة والمُصدِّرة للسلع إلى مرحلة الأزمة في غضون الأشهر القليلة القادمة. السؤال هو فقط أيُّ هذه البلدان ستنفجر فيه الأزمة أولاً؟
يمكن الرهان بثقة على حدوث انفجارٍ في منطقة الشرق الأوسط، ولكن هناك فرصةً كبيرة جداً لأن يحدث الانفجار التالي في إفريقيا، وعلى الأغلب في الكونغو ثم السودان. في أميركا اللاتينية تتجه الأرجنتين نحو انهيار مالي وعجز آخر عن تسديد ديونها بينما يتواصلُ التدهورُ السريع في فنزويلا. وهناك روسيا أيضاً، التي يُرجَّح أنها لن تُحسِن التصرفُ في وقتٍ يمضي فيه اقتصادها نحو ركود شديد. وستتصاعدُ الضغوط على الولايات المتحدة من أجل التدُّخل، خصوصا في إفريقيا، عندما تبدأ المجازر الجماعية مرة أخرى.
لقد كانت الأسعارُ المرتفعة للنفط والسلع الرئيسية الأخرى بمثابة غطاءٍ واقٍ خلال السنوات القليلة الماضية، أخفى توتراتٍ متزايدة داخل البلدان المصدِّرة للسلع الرئيسية. أما وقد انخفضت العائداتُ الكبيرة بشدة من هذه الصادرات الآن، فإن القتال سيتصاعد لاقتسام حصصٍ من كعكةٍ يتضاءلُ حجمُها باستمرار.
في الوقت الذي تراجعت فيه أسعار النفط، بحساب معدل التضخم، من 100 دولار تقريبا للبرميل الواحد عام 1980 إلى 16 دولارا فقط للبرميل عام 1997، كانت الولايات المتحدة ومعظم البلدان الأخرى المستوردة للنفط تتمتع بنموٍ اقتصادي سريع. ولكن عندما ارتفعت الأسعار الحقيقية للنفط، أخذت أضرارُها تظهر على النمو الاقتصادي في أوروبا والولايات المتحدة، خصوصاً في السنة الأخيرة عندما تضاعفت أسعار النفط تقريباً. الارتفاعُ السريع في أسعار النفط وَخَزَ فُقاعةُ أسعار العقارات في الولايات المتحدة وأوروبا بأسرعَ مما كان لذلك أن يحدث لو كانت أسعارُ النفط أكثر استقراراً.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

إن المشكلة المالية العالمية الناجمة عن أزمة الرهن العقاري هي نتيجة مباشرة نشأت بفعل عدم مسؤولية وعدم كفاءة الكونغرس الأمريكي والذي يعمل في الوقت الحالي على جعل الوضع السيء أكثر سوءا.

ولكي يتم فهم كيفية قيام الكونغرس بهذا العمل، دعونا نبدأ بالأمور الأساسية. فعلى مدى كثير من السنوات، كانت البنوك والمؤسسات المالية الأخرى التي تقدم الرهون حريصة على أن تتأكد من أن الممتلكات العقارية التي يتم رهنها غير مغالى فيها وأن يكون للمقترض سجلا سابقا من الحساب الاستداني الجيد ودخلا كافيا للقيام بمدفوعات الرهن دون وجود عراقيل مخيبة للآمال، بما أن أصحاب البنوك لا يريدون أن تضيع أموالهم ولا أن تضيع أموال مودعي بنوكهم.

وعلى مدى الزمن، أصبحت المؤسسات المالية أكثر تخصصا. فبعضها تخصص في إصدار القروض والبعض الآخر تخصص في جمع رأس المال بغرض تمويل القروض. ثم بعد ذلك بدأت المؤسسات التي كانت جيدة في جمعها لرأس المال بشراء الرهون من تلك المؤسسات التي كانت جيدة في إصدارها. وهكذا، فقد بدأ التطوير في سوق الرهن الثانوية.

وكانت المشاكل قد بدأت بالعودة إلى العام 1938، وبخاصة إبان إدارة الرئيس روزفلت، بالرغم من أن الأدارة والكونغرس قد توصلا إلى فكرة “مثيرة للإعجاب” آنذاك، وهي أن يتم توسيع الملكية الإسكانية من خلال إشراك الحكومة. فقد قاموا بإنشاء “الجمعية الفيدرالية للرهن العقاري الوطني” والمعروفة بشكل أكثر شيوعا باسم مؤسسة “فاني ماي”، بغرض شراء الرهون من البنوك كما كانت تفعل الشركات الخاصة، ولكن باستخدام دولارات دافعي الضرائب. وكان لدى “فاني ماي” ميزة عظيمة على اعتبار أن بإمكانها أن تقترض الأموال من الحكومة الفيدرالية بشكل أرخص مما تستطيع المؤسسات الخاصة أن تحصل على أموالها. وهكذا، كانت مؤسسة “فاني ماي” قادرة على احتكار سوق الرهن الثانوية بسرعة تقريبا.

أما البنوك التي كانت جيدة في إصدار الرهون فقد حبذت هذا الترتيب لأنه وفر لها سوقا جاهزة يتم به إعادة بيع الرهون مع الحصول على الربح. وكما كان متوقعا، فقد هبطت مستويات ومعايير الائتمان على مدى السنوات لأن أولئك الذين قاموا بتسيير أمور مؤسسة “فاني ماي” لم يستخدموا أموالهم الخاصة بهم بل استخدموا أموال دافعي الضرائب وكانوا قادرين على تبرير سلوكهم الهائم بشكل متزايد على أساس أنهم يعملون “عملا صالحا اجتماعيا” بفعل تيسير الأمور على الناس لكي يشتروا منازل لم يكونوا (هؤلاء الناس) في واقع الأمر يتمتعون بمصداقية ائتمانية.

وفي العام 1968، قامت الحكومة الفيدرالية بـ”خصخصة” مؤسسة “فاني ماي” وبدأت بالطلب منها بأن تقوم بجمع رأس المال من أسواق القطاع الخاص. ولكن بما أن كل فرد كان على علم بأن الكونغرس سوف لن يسمح بإفلاس “فاني ماي” (وهو ضمان لا يتم بشكل صريح بل ضمنيا)، فإن موردي رأس المال من القطاع الخاص كانوا راغبين في تقاضي أجور من مؤسسة “فاني ماي” بمقادير أقل من المنافسين الآخرين لها نظرا لأن هؤلاء الموردين كانوا يشعرون—وهم على صواب—بأن المخاطر كانت أقل. وهكذا، فقد أصبحت “فاني ماي” هي المحتكر الفعلي في سوق الرهن الثانوية. ولكن بدلا من أن يقوم أعضاء الكونغرس بتفكيك مؤسسة “فاني ماي” وتحويلها إلى مؤسسة خاصة على نحو حقيقي، قاموا في العام 1970 بتبني شركة أخرى هي “فريدي ماك” لتكون المنافس لها.

وقد استمرت المؤسسات المالية التي قامت بإصدار الرهون بالسماح للمعايير بالهبوط نظرا لوجود مشترين اثنين. وبحلول العام 2002، قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بعرض مقادير من الأموال غير محددة فعليا على البنوك بأسعار فائدة بلغت في بعض الأحيان حتى دون التضخم، وهكذا، فقد تم دعم الرخاء الإسكاني بشكل مصطنع بفعل إصدار ما نسبته 100 في المائة من الرهون إلى مقترضين لا يتمتعون بمصداقية ائتمانية.

وبإمكان البنوك التي قامت بإصدار الرهون أن تقوم بعرض بيع خداعي لهذه الرهون العقارية شبه الممتازة على مؤسستي “فريدي ماك” و”فاني ماي” اللتين ستقومان بوضعها في “مجمعات” من الرهون العقارية، وهي التي، بدورها، سوف تباع إلى صناديق استثمارية وإلى عامة الجمهور على كونها استثمارات “رفيعة الدرجة” تتميز بأدنى حد من المخاطر المالية.

إنها عبارة عن لعبة كراسي موسيقية يحصل بموجبها المشاركون في عمليات السوق بشكل ضمني على أموال دافعي الضرائب المدعومة بالإعانات، وطالما توفرت لديهم القدرة على تمرير المخاطر بسرعة إلى اللاعب التالي قبل أن يحدث التقصير النهائي والمحتوم في السداد، فإنهم سوف يظهرون كرابحين. وقد كان هذا الأسلوب الذي سمي بـ”خطة بونزي” أسلوبا مشهورا اتبعه بونزي في السابق بإعطاء ربح على مال شخص من مال شخص آخر، كما هي الحقيقة عندما كانت مؤسستا “فاني ماي” و”فريدي ماك” في السنوات الأخيرة موطنا لسلسلة من الفضائح الكبرى من الفساد المحاسبي والمالي. وكان السياسيون قد استفادوا من مناصب مجالس الإدارة في هاتين المؤسستين بغرض مكافأة أصدقاء سياسيين حميمين لهم (فكان رئيس مجلس إدارة “فاني ماي” الذي تم طرده من منصبه وتوجيه الاتهام له مديرا لإدارة وموازنة مكتب الرئيس بيل كلينتون). كما كانت مؤسستا “فاني ماي” و”فريدي ماك” كلتاهما بالفعل من أكبر المساهمين لحملات الكونغرس.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 9 كانون الثاني 2008.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

يواجه المستشارون الاقتصاديون لمرشّحي الرئاسة الأمريكية معضلة عندما يتعلق الأمر بالإصلاحات الضريبية. فلكي يرتفع الدخل الحكومي إلى حده الأعلى، يجب أن تكون نسبة الضريبة منخفضة على الفقراء والأغنياء معاً، لأن الفقراء ليس لديهم المال، والأغنياء يمكنهم دائماً أن يجدوا طريقة للتهرب من دفع نسب ضريبية عالية. وبنفس الوقت، فإن الطبقة المتوسطة، ولأسباب مفهومة، لن تساند فكرة أن تدفع ضريبة أكثر من الأغنياء!
وقد كتب وارن بافيت، ثاني أغنى رجلٍ في البلاد، مقالة مؤخراً ذكر فيها أن معدل نسبة الضريبة على دخله كان 17.7 بالمائة فقط، في الوقت الذي دفعت فيه سكرتيرته 30 بالمائة على دخلها! وأثناء الحملة الانتخابية لعام 2004، تم الكشف عن أن متوسط نسبة الضريبة لجون كيري (أغنى رجل ترشح للرئاسة في التاريخ الأمريكي) وزوجته كان 12 بالمائة فقط، وهي نسبة أقلّ بكثير مما يدفعه معظم الأمريكيين من الطبقة الوسطى!
إن العديد من الساسة اليساريين واتباعهم في الإعلام مشغولون في التشدّق بأن على الأغنياء أن يدفعوا أكثر. ولكن عندما تدقق في اقتراحاتهم المتعلقة بزيادة الضريبة على الأغنياء، تجدها على الدوام تتضمن زيادة الضرائب بشكل كبير على أولئك الذين يحاولون أن يصبحوا أغنياء، لكنها بالكاد تطال الأغنياء أنفسهم، مثل عائلة كينيدي أو عائلة كيري. ولاختبار حسن النية في أيّ اقتراح برفع الضرائب على الأغنياء، فأنا أستعمل مثال كيري، إذ أعود إليه وأنظر إلى ما دفعه لأرى إن كان لذلك أثر عليه وعلى زوجته (لاحظ أن أعلى 1 بالمائة من أصحاب المداخيل يدفعون 37 بالمائة من المجموع الكلي لضريبة الدخل).
إن الجدل السياسي حول وضع سياسة ضريبية تساعد على النمو الاقتصادي، بدل إعادة توزيع الضريبة، جدل بسيط. فاستطلاعات الرأي العام خلال العقود القليلة الماضية تبين، وبشكل ثابت، أن أكثر الأمريكيين يعتقدون أن لا أحد يجب أن يدفع أكثر من 25 بالمائة من دخله للحكومة.
وأسباب هذا أن أكثر الأمريكيين يعتقدون أنه من غير العدل أن تأخذ الحكومة أكثر من رُبع دخلِ أي فرد، وهناك كثير من الأمريكيين من غير الأغنياء ممن يعتقدون بأنه من الممكن لهم أن يصبحوا أغنياء ذات يوم—وذلك بالعمل لحسابهم، أو بتحقيق النجاح في مجال الترفيه أو الرياضة، أَو حتى الفوز باليانصيب! وأكثر الأمريكيين (بخلاف العديد من الأوروبيين) لا يستاؤون من الأغنياء؛ بل يعجبون بهم ويريدون أن يكونوا مثلهم. لذلك، يميل المرشّحون الذين يطالبون بالنمو الاقتصادي إلى تحقيق نتائج أفضل في الانتخابات من أولئك الذين يطالبون بإعادة التوزيع.
إذا كنت مستشاراً لمرشّح جمهوري، يجب عليك أن تلاحظ أن أكثر الناخبين في قاعدة الجمهوريين لا يهتمون بفرض ضريبة أعلى على الأغنياء؛ بل بتخفيض الضرائب التي يدفعونها هم أنفسهم وإلى كبح جماح الصلاحيات الاستبدادية لدائرة ضريبة الدخل. وفي الانتخابات العامّة، قد يصوّت البعض لصالح مرشّح أو مرشحة لأنهم يعِدونهم بجعل الأغنياء يدفعون أكثر، لكن من المؤكد تقريباً أن مثل هؤلاء الناخبين سيصوّتون لصالح مرشح ديمقراطي على أية حال. ومن غير المحتمل لمرشح جمهوري أن يكسب الأصوات بلعب لعبة صراع الطبقات، لأن هذا سيقوّض قاعدته بالتأكيد.
إن الجدل الاقتصادي لصالح عدم رفع نسب الضريبة على الأغنياء أكثر إلحاحاً، لأن نسب الضريبة العالية يمكنها تحطيم فرص خلق الثروة، وبنفس الوقت، فهي لن تضمن أن الأغنياء سيدفعون أكثر. فإحدى الميزات لكونك غنياً جداً أنك تتمتع بخيارات في الطريقة التي تستلم فيها دخلك، ومن أين تكسبه، وأي جزء منه يخضع للضريبة. والعديد من السويديين والفرنسيين الأغنياء هاجروا من بلدانهم الأصلية تهرباً من دفع الضريبة. عندما يهاجر الغني، فإن حكومته تحصل على لا شيء. وعندما يظن الناس أن معدلات الضريبة عالية جداً، فانهم يميلون إلى تفضيل الراحة على العمل، والاستهلاك على التوفير والاستثمار، وهذا بدوره سيؤدي إلى أن تصبح عوائد الحكومة أقل.
لقد حاول الاقتصاديون حساب نسبة الضريبة المثلى لكل شريحة دخل. وإذا كنت ممن يعتقدون أن الأغنياء يجب أن يدفعوا جزءاً أكبر من دخلهم من ذلك الذي يدفعه الفقراء، فأنت ستواجه مشكلة: فعندما تزيد نسبة الضريبة، فإن الحوافز للبحث عن طرق قانونية، أو غير قانونية، لتفاديها تنمو معها؛ وكلما زاد غنى الشخص، أصبح من الأسهل عليه أن يتجنب الضريبة. لذلك، إذا كان هدف الحكومة على المدى الطويل هو زيادة الدخل المتأتي من الضريبة، يجب عليها احتساب نسب منخفضة على ذوي الدخل المنخفض ونسب أعلى على الطبقة المتوسطة، ثم العودة لنسب أقل على الطبقة الغنية جداً.
السبب في هذا أن فرض مستوى ضريبة أعلى على الأغنياء سيدفعهم إما إلى التوقف عن التوفير أو إلى نقل مدخراتهم من شريحة الضريبة العالية. والتوفير بما ينتجه من أثر على الاستثمار هو ما يسميه الاقتصاديون بالتشكيل الرأسمالي، والتشكيل الرأسمالي الأكبر يمكن ترجمته إلى وظائف أكثر ورواتب أعلى. وهكذا، إذا فرض بلد ما نسب ضريبةٍ عالية جداً على الأغنياء، يصبح نموه الاقتصادي أبطأ.
وسياسياً، فإنه من غير المقبول أن تكون نسبة الضريبة على ذوي الدخول المتوسطة أعلى من تلك المفروضة على الأغنياء جداً بشكل واضح، لكن فرض نسبة ضرائب عالية جداً على الأغنياء له أثر مدمّر.
إن المخرج الوحيد من المعضلة هو التحول إلى نسبة متوسطة ثابتة أو نظام ضريبي مربوط بالاستهلاك، تحكمه ضوابط باستثناءات أو خصميّات لذوي الدخل المنخفض. ومرشّحو الرئاسة الذين يتمتعون بالحكمة سيقترحون سياسات كهذه—أما أنصاف الآلهة فلن يفعلوا ذلك.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 24 تشرين الأول 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

هل تعتقد بأنه يتوجب إلغاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؟ من الواضح لكل إنسان بأن المنظمتين كليهما في ورطة كبيرة.
لقد تم تشكيل المنظمتين في مؤتمر بريتن وودز في ولاية نوهامبشر، الذي انعقد في تموز من عام 1944. لقد أعطي صندوق النقد الدولي المسؤولية الرئيسية لضمان استقرار النظام النقدي والمالي الدولي، وبشكل محدد إدارة نسب تبادل محددة للعمولات مرتبطة بسعر الذهب والتي أُقيمت يومئذ (ولكنها أُلغيت في عام 1973).
أما البنك الدولي فهو في الحقيقة مجموعة من منظمات دولية خمس مهمتها الرئيسية تقديم التمويل للتنمية وإسداء النصح من أجل القضاء على الفقر على امتداد العالم. وعلى مدى عقود عدة كان نقاد البنك (بما في ذلك عدد من كبار موظفيها السابقين، مثل كبير الاقتصاديين السابق، والحائز على جائزة نوبل، جوزيف ستيغليتز، وعالِم الاقتصاد البارز وليم إيسترلي) كان هؤلاء النقاد قد قدموا إثباتات كثيرة بأن المؤسسة قد خلقت مشاكل أكثر كثيراً مما كانت قادرة على حلها.
الرسالة الأساسية للبنك الدولي قد تم تصورها بشكل خاطئ منذ البداية، وبالتالي فقد كان محكوماً عليها بالفشل. فبالرجوع إلى عام 1944، كان هنالك اعتقاد واسعٌ بأنه إذا ما زوِّدت حكومات البلدان الفقيرة بمبالغ من المال لإقامة البنى التحتية وغيرها من أسباب التطوير فإن بإمكانها أن تصبح أكثر رخاءً وبسرعة. وكما نعلم الآن فإن موظفي الحكومات الذين ينفقون أموال شعوب غيرهم على مشاريع يتم تقريرها على أسس سياسية تؤدي في نتائجها إلى إنفاقٍ زائد وأداء ضعيف، حتى في البلدان الديمقراطية الغنية. أما في البلدان الفقيرة، فإن النتائج هي على الدوام أسوأ من ذلك. لذا فإن أموالاً كثيرةً جداً اكتسبها البنك الدولي من دافعي الضرائب من الطبقات الوسطى في البلدان الغنية إنما ذهبت لإثراء موظفي الحكومات وقادتها الفاسدين في البلدان الفقيرة.
إن البنك الدولي، وبسبب غياب رقابات حسابية والإشراف المناسب والشفافية، قد ساهم في إذكاء الفساد والاضطهاد في القارة الإفريقية وغيرها. يُضاف إلى ذلك أن الناس الفقراء الذين لم يستفيدوا مما أنفقه البنك قد انتهى بهم الأمر بأن أصبحوا مُكبّلين بديون توجب عليهم إعادة دفعها إليه.
في عام 1990، كنتُ رئيساً مشاركاً للفريق الاقتصادي البلغاري الإنتقالي، الذي كانت ترعاه مؤسسة الغرب الوطنية التجارية والحكومة البلغارية. وكجزء من جهودنا، كنا نحاول خصخصة معظم الشركات التي تمتلكها الحكومة، بما في ذلك شركة الهواتف التي تملكها الدولة. ومن وراء ظهورنا قدم البنك الدولي قرضاً إلى احتكار الدولة للهاتف، يرافقه شرط بأن الحكومة لا يمكن أن تسمح بالمنافسة الخاصة. وعندما واجهت المسؤول في البنك الدولي، قال لي أن الأكثر أهمية للبنك هو أن يسترجع ما قدمه وليس أن يكون لشعب بلغاريا نظام اتصالات منافس خاص (أي أسعار أقل وخدمة أفضل). وحتى هذا اليوم ما زالت هذه العقلية تهيمن بشدة على البنك الدولي. لقد تم تحقيق بعض التقدم في الإشراف والشفافية خلال السنين الأخيرة، ولكن كثيراً جداً من مشاريع البنك الدولي كانت ضعيفة الدراسة وسيئة الإدارة وبطبيعة الحال فاسدة.
عندما تسلم بول وولفويتز رئاسة البنك الدولي في حزيران عام 2005، جعل مكافحة الفساد من قبل المقترضين من البنك الدولي، والمتعاقدين معه، وحتى من موظفي البنك أولوية مركزية. بطبيعة الحال فإن الحكومات الفاسدة ومؤيديها، والمتعاقدين الفاسدين، وحتى بعض موظفي البنك قد اشتكوا. عندها ارتكب السيد وولفويتز خطأً أحمق بإعطاء عدد من الأشخاص الذين جلبهم معه وصديقته (وهي موظفة في البنك الدولي) زيادات كبيرة في الرواتب وبالتالي أساء إلى حملة مكافحة الفساد ووضع نفسه على المشرحة ليتم ذبحه من قبل أعدائه.
قضية صندوق النقد الدولي هي أكثر تعقيداً من حيث أنه ارتكب أخطاءً فادحةً، من حيث أنه أرغم البلدان الفقيرة على زيادة الضرائب، ومن حيث كونه الملجأ الأخير لتقديم القروض لبلدان غير مسؤولة وبالتالي زيادة المخاطرة بالنظام العالمي. بيد أن صندوق النقد قد حقق بعض النجاحات من حيث المساعدة في إقامة أنظمة بنكية ومالية ونقدية في عدد من البلدان الشيوعية السابقة. إلا إن مشاكله الحالية تتأتى من حقيقة كونه يتلقى أمواله العاملة من القروض التي يكون قد منحها إلى الحكومات في حالات عُسرها، وحيث أن معظم المدينين الكبار للصندوق قد أعادوا دفع تلك القروض، فإن دخل صندوق النقد الدولي هو بضع مئات من ملايين الدولارات أقل من نفقاته. وعندما كانت محفظة الصندوق عامرة، انغمس في سلسلة لا تنتهي وغير ضرورية من الانتفاخ البيروقراطي العام وبأعداد كبيرة جداً من الموظفين الذين يتلقون رواتب عالية.
فإذا استطاع صندوق النقد الدولي أن يُخفض تخفيضاً راديكالياً من حجمه وأن يُقيّد نفسه بمهمة جمع المعلومات، وتشجيع الدفعات الدولية المنتظمة، وتوسيع التجارة وبعض مهام المساعدات التقنية المحدودة (وجميع تلك المهام يُمكن إنجازُها بِعُشر عدد جهاز صندوق النقد وموازنته) فإنه يمكن عندها للصندوق أن يُبرر استمرار وجوده.
إن قول “وداعاً” للبنك الدولي وإلى جزء كبير من صندوق النقد الدولي سوف يكون لهما نفس الفوائد والنتائج التي تمخضت عنها الإصلاحات التي أُدخلت في برامج المساعدات الاجتماعية في الولايات المتحدة. عندما لا يعود أمام الحكومات، مثل الأفراد، أي خيار لديهم سوى تحمل مسؤولياتٍ أكبر إزاء أفعالهم، فإن معظمهم سوف يفعلون ذلك.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 أيار 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

لماذا يكره العالم الأمريكيين أو على الأقل الحكومة الأمريكية على هذا النحو؟ هل السبب ان وزارة الخارجية الأمريكية تعتقد بأن عليها التصرف بفظاظة وبأسلوب مهين ومتغطرس؟
في آذار الماضي، سجلت وزارة الخارجية الأمريكية رقماً قياسياً جديداً إذ أهانت مواطني 123 دولة في وقت واحد. ووردت الإهانة في “تقرير إستراتيجية مكافحة المخدرات الدولي: المجلد الثاني، تبييض الأموال والجرائم المالية”.
وفي التقرير المؤلف من 450 صفحة، نوقشت تصرفات الدول الأخرى للتقليل من حجم تبييض الأموال والجرائم المالية، ما يُعتبر أمراً جيداً. ولكن بعد ذلك، ألقى واضعو التقرير محاضرة مجانية على كل دولة من الدول التي ذُكرت بالاسم حول الطريقة التي يمكن من خلالها إنجاز تلك الأمور في شكل “أفضل”. ولكي يُفهم النفاق الكلي للمناكدين في وزارة الخارجية الأمريكية، من المهم الإشارة إلى ان حجم تبييض الأموال المصرّفة في الولايات المتحدة أكبر منه في أي مكان آخر على وجه الأرض، وأن الولايات المتحدة أكبر سوق للمخدرات غير الشرعية في العالم.
والتقرير، الذي أعده مناكدون عالميون في وزارة الخارجية الأمريكية، مليء بطلبات لا نهاية لها يجب على الدول الأخرى ان تلبيها لتحقيق المهمة في شكل أفضل، وتشمل تطبيق قوانينها النافذة، وإصدار مزيد منها، وتوقيع مزيد من المعاهدات الدولية، والاشتراك في ممارسات تعتبر غير قانونية وغير دستورية في الولايات المتحدة.
وشن واضعو التقرير هجوماً حاداً على الأصدقاء والأعداء على حد سواء، كما لو ان الفساد وعدم الكفاءة غير موجودين في واشنطن ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية وغيرها. وفي ما يلي بعض الأمثلة التي أوردها التقرير:
بالنسبة إلى البلجيكيين، “عليهم تعزيز التمسك بالمتطلبات الخاصة بالتبليغات التي تُقدم من قبل بعض الهيئات غير المالية كالمحامين وكتاب العدل”، وهذا ما تقوله وزارة الخارجية الأمريكية بينما تتجاهل تماماً أهمية سرية عمل المحامين.
أما بريطانيا، فتفيد وزارة الخارجية أيضاً “بأن على المملكة المتحدة ان تطور التشريع لديها وتطبق الأنظمة لضمان تغطية كاملة لقطاعات المقامرة والمراهنة مثلما هي الحال مع الأعمال التجارية والمهن المالية والأعمال المخصصة لغير الشأن المالي”. وربما لم يخطر على بال العاملين في وزارة الخارجية الأمريكية ان البريطانيين يتمتعون بالديمقراطية منذ أمد طويل وأنهم قادرون على ان يقرروا في شكل جيد تماماً اعتماد تلك القوانين والأنظمة التي يفضلون ان يعيشوا في ظلها.
ثم يأتي دور الصين، التي تفيد وزارة الخارجية الأمريكية بأن عليها “تنفيذ العقوبات الجنائية بحق عدم الممتثلين لشروط تحديد هوية الزبون من قبل المؤسسات المالية والمواظبة ومسك الدفاتر”. وهكذا، فإن لدينا أفراداً في الحكومة الأمريكية يقولون بأن على دولة بوليسية ان تعزز العقوبات “الجنائية” الخاصة بالجرائم التي يجب، بحسب اعتقاد خبراء قانونيين كثيرين، ان تكون جرائم مدنية، سواء في الولايات المتحدة أم في أي مكان آخر في العالم.
كما ترى الخارجية الأمريكية ان على الألمان ان “يقوموا بتعديل التشريع والتخلي عن القيود المفروضة على تجميد الموجودات لدى غرفة مقاصة الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى الجرائم المالية والإرهاب بحيث لا تستدعي عملية تجميد الموجودات إجراء تحقيقات جنائية”.
ربما لم يكن لدى المرشدين الروحيين في وزارة الخارجية الأمريكية دراية بأن هناك أسباباً تاريخية معينة تجعل الألمان يصرون في الوقت الحالي على الحمايات القانونية ضد أي خداع محتمل من دولة أخرى.
ويقول واضعو التقرير ان على حكومة جمهورية الدومينيكان “أن تتخلص من برنامج حق المواطنة الاقتصادية الصادر عنها”. لكن، أيضاً وأيضاً، ربما لم يكن لدى هؤلاء علم بأن عدداً كبيراً من الدول، ان لم يكن معظمها، بما في ذلك الولايات المتحدة، تسمح بالإقامة الدائمة و/أو المواطنة لغير المواطنين الذين يستثمرون مبلغاً معيناً من المال في المكان الذي اتخذوه موطناً لهم.
ودعا التقرير سنغافورة إلى “إضافة الجرائم الضريبية والمالية إلى قائمة الجرائم الخطيرة الخاصة بها”. وهنا أيضاً، ربما لم يخطر على بال أفراد وزارة الخارجية الأمريكية بأن مواطني سنغافورة المتعلمين تعليماً عالياً والذين يعيشون في ازدهار اقتصادي، قادرون تماماً على ان يقرروا بأنفسهم نوع الجرائم التي يجب ان تُعتبر قانونياً “جرائم خطيرة”.
ومع كل ذلك، وجدت فعلاً بنوداً متعددة في التقرير أقبلها وأتفق معها. فعلى سبيل المثال، هناك بند يقول: “على إيران ألا تدعم الإرهاب أو تموله”. وإنني بكل تأكيد آمل ان تقرأ هذه الجملة في طهران وأن تأخذ على محمل الجد. هناك إشاعة مفادها أن تقرير السنة المقبلة سيطالب المزارعين في إفريقيا بوقف إنتاج مادة الكاكاو الخاصة بصنع الشوكولاته وأن يوقف البرازيليون إنتاج مادة السكر نظراً لأن هاتين المادتين تجعلان الأمريكيين بدناء!
© معهد كيتو، منبر الحرية، 18 نيسان 2007.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018