هل تعتقد بأنه يتوجب إلغاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؟ من الواضح لكل إنسان بأن المنظمتين كليهما في ورطة كبيرة.
لقد تم تشكيل المنظمتين في مؤتمر بريتن وودز في ولاية نوهامبشر، الذي انعقد في تموز من عام 1944. لقد أعطي صندوق النقد الدولي المسؤولية الرئيسية لضمان استقرار النظام النقدي والمالي الدولي، وبشكل محدد إدارة نسب تبادل محددة للعمولات مرتبطة بسعر الذهب والتي أُقيمت يومئذ (ولكنها أُلغيت في عام 1973).
أما البنك الدولي فهو في الحقيقة مجموعة من منظمات دولية خمس مهمتها الرئيسية تقديم التمويل للتنمية وإسداء النصح من أجل القضاء على الفقر على امتداد العالم. وعلى مدى عقود عدة كان نقاد البنك (بما في ذلك عدد من كبار موظفيها السابقين، مثل كبير الاقتصاديين السابق، والحائز على جائزة نوبل، جوزيف ستيغليتز، وعالِم الاقتصاد البارز وليم إيسترلي) كان هؤلاء النقاد قد قدموا إثباتات كثيرة بأن المؤسسة قد خلقت مشاكل أكثر كثيراً مما كانت قادرة على حلها.
الرسالة الأساسية للبنك الدولي قد تم تصورها بشكل خاطئ منذ البداية، وبالتالي فقد كان محكوماً عليها بالفشل. فبالرجوع إلى عام 1944، كان هنالك اعتقاد واسعٌ بأنه إذا ما زوِّدت حكومات البلدان الفقيرة بمبالغ من المال لإقامة البنى التحتية وغيرها من أسباب التطوير فإن بإمكانها أن تصبح أكثر رخاءً وبسرعة. وكما نعلم الآن فإن موظفي الحكومات الذين ينفقون أموال شعوب غيرهم على مشاريع يتم تقريرها على أسس سياسية تؤدي في نتائجها إلى إنفاقٍ زائد وأداء ضعيف، حتى في البلدان الديمقراطية الغنية. أما في البلدان الفقيرة، فإن النتائج هي على الدوام أسوأ من ذلك. لذا فإن أموالاً كثيرةً جداً اكتسبها البنك الدولي من دافعي الضرائب من الطبقات الوسطى في البلدان الغنية إنما ذهبت لإثراء موظفي الحكومات وقادتها الفاسدين في البلدان الفقيرة.
إن البنك الدولي، وبسبب غياب رقابات حسابية والإشراف المناسب والشفافية، قد ساهم في إذكاء الفساد والاضطهاد في القارة الإفريقية وغيرها. يُضاف إلى ذلك أن الناس الفقراء الذين لم يستفيدوا مما أنفقه البنك قد انتهى بهم الأمر بأن أصبحوا مُكبّلين بديون توجب عليهم إعادة دفعها إليه.
في عام 1990، كنتُ رئيساً مشاركاً للفريق الاقتصادي البلغاري الإنتقالي، الذي كانت ترعاه مؤسسة الغرب الوطنية التجارية والحكومة البلغارية. وكجزء من جهودنا، كنا نحاول خصخصة معظم الشركات التي تمتلكها الحكومة، بما في ذلك شركة الهواتف التي تملكها الدولة. ومن وراء ظهورنا قدم البنك الدولي قرضاً إلى احتكار الدولة للهاتف، يرافقه شرط بأن الحكومة لا يمكن أن تسمح بالمنافسة الخاصة. وعندما واجهت المسؤول في البنك الدولي، قال لي أن الأكثر أهمية للبنك هو أن يسترجع ما قدمه وليس أن يكون لشعب بلغاريا نظام اتصالات منافس خاص (أي أسعار أقل وخدمة أفضل). وحتى هذا اليوم ما زالت هذه العقلية تهيمن بشدة على البنك الدولي. لقد تم تحقيق بعض التقدم في الإشراف والشفافية خلال السنين الأخيرة، ولكن كثيراً جداً من مشاريع البنك الدولي كانت ضعيفة الدراسة وسيئة الإدارة وبطبيعة الحال فاسدة.
عندما تسلم بول وولفويتز رئاسة البنك الدولي في حزيران عام 2005، جعل مكافحة الفساد من قبل المقترضين من البنك الدولي، والمتعاقدين معه، وحتى من موظفي البنك أولوية مركزية. بطبيعة الحال فإن الحكومات الفاسدة ومؤيديها، والمتعاقدين الفاسدين، وحتى بعض موظفي البنك قد اشتكوا. عندها ارتكب السيد وولفويتز خطأً أحمق بإعطاء عدد من الأشخاص الذين جلبهم معه وصديقته (وهي موظفة في البنك الدولي) زيادات كبيرة في الرواتب وبالتالي أساء إلى حملة مكافحة الفساد ووضع نفسه على المشرحة ليتم ذبحه من قبل أعدائه.
قضية صندوق النقد الدولي هي أكثر تعقيداً من حيث أنه ارتكب أخطاءً فادحةً، من حيث أنه أرغم البلدان الفقيرة على زيادة الضرائب، ومن حيث كونه الملجأ الأخير لتقديم القروض لبلدان غير مسؤولة وبالتالي زيادة المخاطرة بالنظام العالمي. بيد أن صندوق النقد قد حقق بعض النجاحات من حيث المساعدة في إقامة أنظمة بنكية ومالية ونقدية في عدد من البلدان الشيوعية السابقة. إلا إن مشاكله الحالية تتأتى من حقيقة كونه يتلقى أمواله العاملة من القروض التي يكون قد منحها إلى الحكومات في حالات عُسرها، وحيث أن معظم المدينين الكبار للصندوق قد أعادوا دفع تلك القروض، فإن دخل صندوق النقد الدولي هو بضع مئات من ملايين الدولارات أقل من نفقاته. وعندما كانت محفظة الصندوق عامرة، انغمس في سلسلة لا تنتهي وغير ضرورية من الانتفاخ البيروقراطي العام وبأعداد كبيرة جداً من الموظفين الذين يتلقون رواتب عالية.
فإذا استطاع صندوق النقد الدولي أن يُخفض تخفيضاً راديكالياً من حجمه وأن يُقيّد نفسه بمهمة جمع المعلومات، وتشجيع الدفعات الدولية المنتظمة، وتوسيع التجارة وبعض مهام المساعدات التقنية المحدودة (وجميع تلك المهام يُمكن إنجازُها بِعُشر عدد جهاز صندوق النقد وموازنته) فإنه يمكن عندها للصندوق أن يُبرر استمرار وجوده.
إن قول “وداعاً” للبنك الدولي وإلى جزء كبير من صندوق النقد الدولي سوف يكون لهما نفس الفوائد والنتائج التي تمخضت عنها الإصلاحات التي أُدخلت في برامج المساعدات الاجتماعية في الولايات المتحدة. عندما لا يعود أمام الحكومات، مثل الأفراد، أي خيار لديهم سوى تحمل مسؤولياتٍ أكبر إزاء أفعالهم، فإن معظمهم سوف يفعلون ذلك.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 أيار 2007.