اليمن: حيث تنتشي الحركات الإرهابية وتتكاثر

peshwazarabic11 نوفمبر، 20100

لو كانت الإدارة الأميركية تدرك، على نحو الدقة، حقيقة النظام الشمولي القائم في الجمهورية اليمنية، لكانت فضلت الإمساك بهذا النظام بوصفه المسؤول الأول عن التفجير الإرهابي الذي حدث للسفارة الأميركية بصنعاء يوم الأربعاء 17 سبتمبر 2008، كما هي عليه الحال للتفجير التخريبي الذي لحق بالمدمرة كول قبل عدة أعوام، خاصة وأن الإدارة الأميركية تتعامى عن طبيعة النظام الشمولي المنافق القائم في صنعاء عبر عقود طوال فاقت عقود حكم حزب البعث في العراق “الجمهوري”، وهو النظام العشائري الذي امتد ليتجاوز الأنظمة الأبوية الشمولية، الملكية والجمهورية، التي تواصلت على سدة الحكم لعقود ثقيلة أشبه بتلك العقود التي هيمن خلالها الدكتاتور الكوبي كاسترو على السلطة في هافانا.
ان من يحاول رصد ودراسة هذا النظام الذي سيطر على السلطة بحركة عسكرية، فإنه لابد وأن يلاحظ حالة التكلس السياسي أو التحجر fossilization الإجتماعي التي غلفت الأوضاع داخل الشمال اليمني، ثم إمتدت لتشمل الجنوب وحضرموت حتى بحر العرب عبر هذه المرحلة الرجوعية. لذا فإن المتابع للشأن اليمني سيجد التالي من الحقائق المهمة:
(1)    إن النظام القائم قد هيمن على السلطة في صنعاء بانقلاب عسكري بقيادة “الأخ” العقيد علي عبد الله صالح قبل عقود.
(2)    أن الأخ العقيد بقي رئيساً للجمهورية طوال هذه الحقبة المستطيلة دون أن يسمح لمن ينافسه بضايقته على كرسي الرئاسة وعلى طرائق تشكيل النظام الذي سيبقى يسمح له بالرئاسة أو بالترئيس، لما لا نهاية من السنوات.
(3)    أن الأخ العقيد، وعلى سبيل الإبقاء على سيل المساعدات المالية المتدفقة على حكومته من المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى (والعراق قبلذاك) إعتمد سياسة منافقة hypocrite ومتقلبة، متأسسة على عدد من المباديء، وأهما: 1.مغازلة وتشجيع الحركات الإسلامية الأصولية من نوع الحركة “الوهابية” التي تعتمدها أغلب الأنظمة الشمولية في المنطقة، ؛ 2.محاربة ولجم أو بتر القطاعات الإجتماعية التي تمثل الغالبية الطائفية الدينية في اليمن (الشيعية الزيدية)، وهو جزء من تبرعمات النفاق الذي يعتمده النظام اليمني، خاصة وأن الرئيس اليمني نفسه، زيادة على رئيس البرلمان والشخصيات المهمة الأخرى هم من أتباع هذه الطائفة الزيدية برغم تحفظهم وإنكارهم المنافق لهذه الحقيقة (لاحظ تمرد الحوثيين).
إن من يحظى بزيارة إلى اليمن، فإنه سيلاحظ بلا أدنى مجال للشك كيف تنشط المنظمات الإرهابية الأصولية هناك بكل حرية، دون رادع أو خوف أو ضوابط على نحو الإطلاق، بالرغم من أن اليمن الجنوبي الذي غالبيته من أتباع وأدعياء الحركة الإشتراكية والشيوعية، بإعتبار النظام الذي كان سائداً في عدن قبل الوحدة.
لقد بقي الحكم اليساري، نصف الشيوعي، سائداً في اليمن الجنوبي لعقود، إلاّ أنه لم يتمكن من أن يغير طبيعة العقلية أو الذهنية القبلية اليمنية التي فضلت البقاء متكلسة على ما هي عليه لقرون، الأمر الذي يفسر “الردة” أو الإرتجاع retreat الإجتماعي السريع الذي حدث مباشرة بعد قيام نظام صالح الشمولي بضم ودمج جمهورية اليمن الجنوبية إلى الجمهورية اليمنية الموحدة، بداية تسعينيات القرن الماضي.
ويبدو أن ما يشيع بين أبناء اليمن الجنوبي، الممتعضين من النظام القائم، بأن علي عبد الله صالح إنما هو، في حقيقته، “تلميذ” صدام حسين إنما هو حقيقة لا شك فيها: حيث يذكر العديد من اساتذة الجامعة العراقيين العاملين هناك أنه من بين كل ثلاثة طلبة في الجامعة، هناك طالب واحد يعمل لصالح أجهزة الأمن والإستخبارات اليمنية لينقل كل صغيرة وكبيرة للجهات المختصة. وهذا يعني أن الرئيس صالح إنما كان تلميذاً نجيباً لصدام حسين، حيث اتبع وبدقة متناهية طرائقه في الحكم وفرض الأمن من خلال الإرتكان إلى جهاز بوليسي دقيق العمل يبتلع نصف ميزانية الدولة، مرتبات ومكافآت ورشاوي! لقد برهن الرئيس صالح على حقيقة أنه تلميذ صدام من خلال الطريقة التي تعامل بها مع حلفائه ومنافسيه السابقين في قيادة حكومة اليمن الجنوبي، إذ تم القضاء عليهم وإقصائهم بأبشع الطرق، دون إستذكار لرفقة أو لمواطنة مشتركة! لم تفعل الحكومة اليمنية القائمة، برغم أنها حكومة “مزمنة”، شيئاً لتغيير أو لتحسين البنية القبلية للمجتمع اليمني، وهي بنية يمكن أن نتابعها إلى القرون المبكرة من العصر الوسيط: فبقيت البنية القبلية الأوية هي المهيمنة على العمارة الإجتماعية، بينما بقي “القات” Cat هو “المنظم” غير المرئي لمجتمع سكوني راكد stagnant غير قابل للتغيير أو غير مرحب بالتحوير. هذا النوع من المجتمعات المترهلة يمثل أفضل بيئة لنشاط ولتنشيط الحركات الأصولية الرجوعية المتبرقعة بغطاء الدين، حيث يرى ذلك بوضوح في الجمهورية اليمنية دون حاجة للكثير من التمحيص أو التقشير. بل أن سطوة هذه الحركات الإرهابية تتجلى على نحو أوضح فيما تعاني منه المرأة اليمنية من نظرة دونية مشحونة بالإحتقار، خاصة وأنها حيث أنها توضع في الدرجة العاشرة أو أدنى في سلم البناء الإجتماعي: فالمرأة في اليمن هي مخلوق لا مرئي ولا مسموع، اشبه بفئة المنبوذين untouchables في الهند القديمة، حيث أنها تعمل وتكافح في البيت والحقل بينما يقعد الرجال متكئين على أرائكهم وهم يمضون الوقت في قضم وتخزين القات منذ الساعة الثانية عشر ظهراً حتى مابعد منتصف الليل، إذ يعودون إلى زوجاتهم ليروهن وقد إستسلمن للنوم دون توقع شيئاً من الإحترام ورفقة الحياة العائلية.
هذا الوضع الإجتماعي، وهذا التكريس لتخلفه من قبل حكومة غير قادرة على إحداث أو حث التغيير هو السر الذي يجعل اليمن واحدة من أفضل الآنية الإجتماعية لنشاط ولتناسل الحركات والتنظيمات الأصولية التي حطمت آفاق التقدم وأحالت اليمن إلى مفقس للإرهاب والإرهابيين حيث تصدرهم اليمن إلى مختلف دول الجوار، زيادة على دور النظام اليمني الخطير اليوم في إحتضان بقايا قيادات حزب البعث العراقي المنحل داخل اليمن، حيث وجدت هذه القيادات الترحيب والتوظيف والتشجيع من قبل السلطات اليمنية بطريقة تفوق ما قامت به أنظمة عربية أخرى سبق وأن اتُهمت بإيواء وتشجيع الحركات المضادة للديمقراطية ولتحرر العراق ولإنتقاله من فصيلة الأنظمة الشمولية الدكتاتورية إلى فصيلة الأنظمة الديمقراطية الليبرالية.
إن بقاء اليمن على هذه الحال ينذر بالكثير من الخطر خاصة وأن النظام القائم هناك غير قادر على تغيير منطلقاته النظرية وعاجز عن القضاء على مسببات التحجر والتخلف التي تمثل أفضل حاضنات الحركات الرجوعية regressive والإرهابية، حيث تبدو هذه الحركات وكأنها تباشر عملية “تصدير” الإرهاب إلى دول الجوار.
© منبر الحرية، 08 سبتمبر/أيلول 2009

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018