إستعراض المثليين: تفويض لقضية أوسع حول مستقبل المجتمع الروسي

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

يحمل الجدل حول ما إذا كانت موسكو ستشهد استعراض تفاخر للمثليين في شهر أيار المقبل العديد من المضامين المهمة لمستقبل روسيا. التهديدات باستخدام العنف موجودة ولابد من مقاومتها. إن كيفية استجابة السلطات الروسية للتهديدات باستخدام العنف التي أصدرها تالغات تاج الدين الذي ينتمي للقيادة الروحية المركزية للمسلمين في روسيا، لهي قضية مهمة في شأنها الخاص. وبحسب السيد تاج الدين: “يجب عدم السماح بالاستعراض، وإذا ظهروا في الشوارع رغم ذاك، حينها لا بد من ضربهم.” ليس لمثل هذه التهديدات مكان في مجتمع يحكمه القانون. لا يجوز أن يتعرض الفرد للعنف لأنه يمشي مشابكاً يديه في الشارع، أو لأنه يمشي بسلام في استعراض. يجب أن يكون هذا واضحاً. (وهو واضح لدى المسلمين الآخرين، مثل السيد نفج الله آشيروف، المفتي الأعلى للجزء الآسيوي من روسيا، الذي رفض علناً الدعوات للعنف). ففي حديث إذاعي، قال السيد آشيروف إن المسلمين سوف لن يلجأوا للعنف ضد المشتركين في استعراض المثليين، على الرغم من أنهم (أي المسلمين) ضد هذا الأمر تماماً. فقال في محطة إذاعة موسكو: “لا أعتقد أن لدينا الحق في “جَلد” أي شخص أو قتله. فهذه الأشياء غير مقبولة لدينا لأنها ضد القانون.”
ولكن مسألة ما إذا كان الاستعراض سيُسمَح به أم لا، تتضمن أيضاً قضية كبرى عن المجتمع الروسي: ما إذا كانت روسيا ستصبح رائدة في مجال الصناعة، والتكنولوجيا، والآداب والعلوم، أم إنها ستتراجع نحو التعصب والتخلف. إنها قضية أن تصبح مجتمعاً منفتحاً أم منغلقاً. والإجابة عليها تحتوي على بعض المضامين التي تمتد إلى أبعد من حب البعض أو كرههم للمثليين.
لقد أوضحت دراسات المدن الأمريكية والكندية، وبشكل فاعل، أن المدينة أو الإقليم المنفتح يتقبل التنوع بأسلوب سلمي، ويُتوقع أن يكون أكثر إنتاجية اقتصادية، وأكثر ثراء وازدهاراً وتطوراً، تكنولوجياً وتجارياً. وفي دراسة رائدة للحياة الحضرية في أمريكا أجراها ريتشارد فلوريدا من جامعة جورج ميسن، وغاري غيتس من المعهد الحضري، ونشرت في حزيران عام 2001، ابتدع فلوريدا وغيتس مقياساً لحضور الشذوذ الجنسي الذكري في مجتمع سكاني حضري، ومن ثم ربطاه بوجود الصناعات التكنولوجية، والنمو الاقتصادي. واستنتجا بأن: “الشاذين جنسياً لا ينبئون بتركيز الصناعات التكنولوجية المتقدمة فحسب، بل إنهم مجسات للتنبوء بنموها أيضاً.” خمسة من المدن العشر التي تحتل المراكز الأولى في نموها في التكنولوجيا المتطورة ما بين عام 1990 وعام 1998، سجلت مواقع متقدمة بين المدن العشر الأولى في مؤشر المثليين.” وفي الدراسة نفسها، وجدا أيضاً معامل ارتباطٍ وثيقٍ بين وجود المبدعين من الناس (مثل الكتّاب، المصورين، النحاتين، الممثلين، وغيرهم)، وبين صناعات التكنولوجيا المتطورة –ذات الأهمية الخاصة لروسيا التي تواجه أزمة ديموغرافية طويلة الأمد– كما اكتشفا أن هناك معامل ارتباط قوي بين نسبة السكان الأجانب بالولادة وبين نجاح الصناعات التكنولوجية.
يبدو أن القضية ليست قضية الكليشية القديمة التي تقول إن “هؤلاء القوم” مبدعون أصلاً، ولكن ظهر أن الأماكن التي تستعرض أو تمتلك الكثير من الإبداع هي تلك الأماكن المفتوحة للإبداع، وهذا يعني الأماكن المتسامحة والمنفتحة لتعبيرات التنوع، بما فيه التنوع الإثني والتنوع الجنسي.
وكما قال غاري غيتس في مؤتمر المعهد الحضري حول “ديموغرافيا التنوع،” إن وجود الرجال المثليين والنساء السحاقيات بين السكان أمر مهم لأنهم:
“يضيفون مناخاً اجتماعياً من التسامح إزاء التنوع في المدن، ولهذا الأمر نتائج اقتصادية ايجابية لمختلف الأقاليم والمدن. ونقطة الجدل هنا أن مجتمع المثليين والسحاقيات الحيوي يوفر واحدة من أقوى الأدلة للتنوع والتسامح، فيما بين المناطق السكنية وفي المدن على حد سواء.”
لقد وصف غيتس أهمية هذا التسامح، قائلاً:
“وما هي نتائج التسامح؟ حسناً، إن تصدقوا زميلي ريتش فلوريدا، فإن أحد أكبر النتائج هو الإبداع. ويذهب (أي فلوريدا) إلى أن الإبداع هو ما تحتاجه المدن–وليس ما تحتاجه هو رأس المال البشري فقط–بل إنها تحتاج لرأس المال الإبداعي. ومثلما كانت المدن والمجتمعات البشرية تستقر حول مناجم الفحم والحديد الخام والممرات المائية، من الناحية التاريخية، فإن مدن اليوم تحتاج لأن تستقر قرب المبدعين. والمبدعون متنقلون، لذا فإن المدن تحتاج لأن تكون فضاءات تستقطب المبدعين وتجذبهم للعيش والاستقرار. وهؤلاء هم الذين سيقودون النجاح الاقتصادي.”
كيف للتسامح مع المثليين أن يظهر أو يؤثر في النجاح الاقتصادي؟ إنه تفويض جيد للانفتاح والتسامح مع المجتمع بوجه عام. وهذا الانفتاح وذاك التسامح يبعثان على ازدهار المجتمع. كما لاحظ ريتشارد فلوريدا، من جامعة جورج ميسن، أن “هناك عدة أسباب جعلت مؤشر المثليين [كنسبة مئوية للشاذين جنسياً من مجموع السكان]، مقياساً جيداً للتنوع. لقد تعرض المثليون لمستوى عالٍ من التمييز. كما أن محاولاتهم للاندماج في الاتجاه العام للمجتمع قد جوبهت بمعارضة شديدة. وإلى حد ما، يمثل الشذوذ الجنسي الحد الأخير لحدود التنوع في مجتمعنا، لذا فإن المكان الذي يرحب بالمثليين يرحب بكل أنواع الناس.”[1] لقد بات من الواضح أن الترحيب بالموهبة أو الكفاءة شرط أساسي لجذبها.
وليست هذه القضية بالقضية الجديدة. فالعلاقة بين التسامح والازدهار موغلة في القدم، كما هو معروف. لقد برزت هولندا كقائد في أوروبا على صعيد التجارة والفنون والتكنولوجيا والصناعة، منذ عدة سنوات خلت، بسبب الدرجة العالية من التسامح الذي أظهرته في التعامل مع الأقليات. فقد وصف الفيلسوف الهولندي الكبير بينيديكت دي سبينوزا، إبن الزوجين الفارين من الاستقصاء الاسباني،[2] وصف حرية الهولنديين عام 1670 قائلاً: “تحصد مدينة أمستردام ثمار هذه الحرية في ازدهارها العظيم، وفي إعجاب الآخرين بها. ففي هذه الدولة الأكثر ازدهاراً، والمدينة الأكثر روعة، يعيش أناس من كل أمة ومن كل دين، يعيشون بسلام سوية في أعظم انسجام، فلا يسألون أي سؤال لأخيهم المواطن قبل ائتمانه على بضاعتهم، سوى عما إذا كان غنياً أم فقيراً، أو أنه يتصف بالنزاهة أم لا. أما دينه وطائفته، فلا أهمية لهما: إذ ليس للدين تأثيراً في كسب قضية أو خسرانها أمام القضاة، وليست هناك طائفة محتقرة إلى الحد الذي يُحرَم فيه أبناؤها من حماية السلطة الموقرة للمدينة، شرط أن لا يلحقوا ضرراً بأحد، وأن يدفعوا لكل فرد مستحقاته، وأن يعيشوا باستقامة.” فهل سينعم مجتمع المثليين في موسكو بحماية السلطة الموقرة للمدينة بوجه تهديدات العنف، أم أن قادة المدينة سيسمحون بتعصب البعض أن يلحق الضرر بحرية ورفاهية الجميع؟
إن القرار حول السماح بالاستعراض في شارع تفيرسكايا من عدمه، ليس مجرد قرار حول تأييد أو عدم تأييد الفرد لرؤية المثليين وهم في العلن. إنه لقرار مرتبط بمستقبل روسيا. قبل ثلاثة عشرة عاماً، انتخبت روسيا، وبشكل ديمقراطي قادة قاموا بالخيار الصحيح في عدم تجريم الشذوذ الجنسي. وبعملهم هذا، فقد أوصلوا مجتمعهم إلى مراتب متقدمة من الحداثة، والتقدمية، والانفتاح. إن الجدل حول السماح باستعراض المثليين في موسكو هو مدخل أو تفويض لجدل أوسع بكثير، جدل حول خيار روسيا: إما أن تختار أن تُعدّ من بين الأمم المعروفة بالإبداع في التكنولوجيا، والعلوم، والأدب، والثقافة، والثروة، أو بين الأمم التي تُعرف بالتعصب، والغطرسة، والفقر، والرجعية. يبدو أن هنالك أمور على المحك أكثر مما يدرك الناس.
ملاحظات:
[1] ومن النتائج المشابهة التي تبين العلاقة بين الانفتاح والتسامح، من ناحية، وبين الإبداع الاقتصادي من ناحية أخرى، قد بينها ميريك إس. غيرتلر من جامعة أونتاريو، الذي وجد أن النسبة المئوية للمقيمين الأجانب بالولادة هي أيضاً مؤشر جيد للرفاه الاقتصادي.
[2] الاستقصاء الإسباني هو المحكمة الدينية التي أقامتها الكنيسة الكاثوليكية، في إسبانيا من 1542 وحتى 1834 والتي أدانت عدداً كبيراً من الناس بتهمة الهرطقة أو الكفر، وحكمت عليهم بالتعذيب والإعدام.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 8 آذار 2006.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018