عودة الانقلابات العسكرية إلى إفريقيا

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

عادت ظاهرة الانقلابات العسكرية في إفريقيا بقوة في السنوات الأخيرة وآخر سلسة الانقلابات، كان انقلاب النيجر الذي قاده سالو جيبو، قائد وحدة الدعم في نيامي. والذي عين نفسه رئيسا للمجلس الأعلى لإعادة الديمقراطية”.والذي أطاح بالرئيس مامادو تانجا “71 عاما” الذي كان قد  اعتلى سدة الحكم في البلاد منذ العام‏1999‏ ليخلف داودا مالام وانكي في رئاسة البلاد.
ومسمى إعادة الديمقراطية وهو مسمى براق له مسوغه باعتبار أن الرئيس المخلوع قد  أراق دم الديمقراطية اثر الأزمة التي  اندلعت عندما أعلن انه اعتمد “صلاحيات استثنائية” استنادا إلى البند 53 من الدستور الذي ينص على انه “عندما يتعرض الاستقلال والجمهورية للخطر” يمكن للرئيس أن يحكم بالمراسيم.
واتخذ الرئيس هذا الموقف اثر قرار المحكمة الدستورية اعتراض مشروع استفتاء يهدف إلى تعديل الدستور لتمكينه من الترشح لولاية ثالثة  وهذا الدستور يمنحه -أيضا – سلطات أوسع ويمدد فترة حكمه. وفي اليوم التالي سارعت المعارضة المنضوية في جبهة الدفاع عن الديمقراطية، إلى “إدانة انقلاب” نفذه الرئيس ودعت قوات الأمن والدفاع إلى “عصيان أوامر رجل اختار عمدا انتهاك الدستور وفقد بالتالي أي شرعية سياسية وأخلاقية”. وأمر ممادو تانجا بحل المحكمة الدستورية التي اعترضت ثلاث مرات  على مشروع الاستفتاء وحصل  الرئيس بعد ذلك على تمديد مثير للجدل لولايته في ختام استفتاء ‏ولذا رأى سالو جيبو انه وجب خلعه.
ويعتبر هذا ثالث انقلاب تشهده النيجر الغنية باليورانيوم منذ التسعينيات. الطريف أن الاتحاد الإفريقي على خلفية انقلاب غينيا وما سبقه من انقلابي موريتانيا وانقلاب إفريقيا الوسطى  كان له موقف محدد  في هذا الشأن..، وهو أي سلطة تصل إلى الحكم من خلال الانقلاب العسكري لا يتم الاعتراف بها ولا يسمح لها بالتالي بالمشاركة في أعمال القمة. وينظر الاتحاد الإفريقي إلى الانقلابات العسكرية باعتبارها من أكبر معوقات التنمية في القارة التي شهدت 186 انقلابا و26 صراعا كبيرا في الخمسين عاما الماضية، وهو الأمر الذي لم يجد هوى في نفس بعض القادة -مثل – فرنسوا بوزيز رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى الذي استولى  على السلطة في انقلاب عسكري قائلا أن من الصعب على إفريقيا وضع قواعد صارمة على الانقلابات لان كل دولة تختلف عن الأخرى.
وقال بوزيز انه كان مجبرا على الاستيلاء على السلطة في عام 2003 لان الحكومة في ذلك الوقت لم تكن تمارس “حكما رشيدا.” واستولى بوزيز على السلطة بمساعدة مرتزقة من تشاد في عام 2003 عندما اجتاح العاصمة وأطاح بالرئيس انج فيليكس باتاسيه الذي يقيم حاليا في المنفى. وشهدت  إفريقيا الوسطى (المستعمرة الفرنسية السابقة)  11 محاولة انقلاب أو تمرد في الأعوام العشرة الماضية.
ويمكن القول أن التراجع الديمقراطي في إفريقيا هو امتداد للتراجع الديمقراطي العالمي الذي لا تحبذه شعوب العالم التواقة إلى الحفاظ على المثل الديمقراطية. فما الذي يدعو الجيوش إلى التدخل في السياسة في إفريقيا وإلى انتشار ظاهرة النظم العسكرية ولو بلباس مدني ؟
يمكن القول انه يوجد  اتجاهان رئيسيان في هذا الشأن :
– الأول: يرى بأن تدخل العسكريين في نظم الحكم يعود إلى أسباب تخص العسكريين أنفسهم مثل شيوع روح الخدمة العامة لديهم، وبنيان مهاراتهم والتي تجمع بين القدرة الإدارية ومواقفهم البطولية، وأصولهم الاجتماعية المستمدة من الطبقة المتوسطة والطبقة المتوسطة الدنيا، وفضلا عن تماسكهم الداخلي يضاف إلى ذلك أيضا درجة التعليم التي يتمتعون بها، ومدى اعتقادهم في الشرعية، وطبيعة العلاقات المدنية العسكرية القائمة كما يمكن أن يعود تدخل العسكريين في الحياة السياسية إلى أسباب تخص العسكريين كفئة اجتماعية كانخفاض الرواتب، أو المساس بكرامة وشرف المهنة، أو التأثير السلبي على الجيش من جانب المدنيين، أو شعور بعض العسكريين بتهديد مصدره ضباط آخرون. إن هذا الاتجاه ينظر إلى المجتمع كجماعات مستقلة ولكنها متنافرة لكل منها ميدانه الخاص، ومن هنا لم يمد أنصارهم بصرهم إلى المجتمع كله وخصائصه التي قد تدفع العسكريين إلى التدخل أو تبعدهم عنها.
الاتجاه الثاني : ويترأسه هانتنجتون والذي  كان يرى بأن أهم الأسباب التي تدفع إلى تدخل العسكريين في السياسة ليست أسبابا عسكرية، ولكنها أسباب سياسية لا تعكس الخصائص الاجتماعية والتنظيمية للمؤسسة العسكرية، ولكنها تعكس البنيان السياسي والمؤسسي للمجتمع ففي دول العالم الثالث حيث تفقد السياسة أهم خصائصها سواء من حيث الاستقلال الذاتي  أو التركيب، أو التماسك أو التكيف، تنخرط كافة القوى والجماعات الاجتماعية في العمل السياسي المباشر، والدول التي تشهد جيوشا وعسكريين، تشهد كذلك رجال دين سياسيين، وجماعات سياسية، وبيروقراطية سياسية، واتحادات ونقابات سياسية، وشركات كبرى ورجال أعمال سياسيين، ويصير تدخل العسكريين في هذه الحالة بدافع الحرص على مسألة التوزيع الخاص بالقوة والمكانة داخل النظام السياسي، فالدوافع إذن ليست عسكرية، كما أنها لا تقتصر على خصائص العسكريين ولكنها تمتد إلى المجتمع ككل وخاصة ما يتعلق بالبنيان السياسي والمؤسسي للمجتمع، وهو الذي يدفع بالعديد من القوى الاجتماعية إلى الإقدام على العمل السياسي.
© منبر الحرية،14 تموز/يوليو  2010

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018