"ربيع طهران" ما بين تطلعات التغير و إكراهات الواقع

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

المشهد في طهران، ألاف الغاضبين يتظاهرون يوميا بعد إعلان فوز محمود احمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية. وسائل الإعلام الغربية رأت في ذلك “ربيع طهران” حيث المناقشات العلنية والمظاهرات والشعارات المؤيدة للإصلاحيين كشفت الانقسام الكائن في المجتمع الايراني وكشفت أيضا عن “طبقة وسطى غاضبة وجيل من الشباب يتوق للحرية”. هذه المظاهرات ليست الأولى في طهران مع أنها الأكبر والأخطر. ففي أوائل شهر يوليو من العام 1999 شهدت إيران مظاهرات طلابية وصفت بأنها الأعنف في تاريخ الثورة الإيرانية منذ نجاحها في عام 1979. هذه المواجهات تعاملت معها قوات الأمن بشكل عنيف مما أدى إلى سقوط عدد من الطلاب صرعى والقبض على عدد آخر، وما زاد من إحباط الحركة الطلابية موقف الرئيس الإصلاحي (آنذاك ) محمد خاتمى الذي اختار الانحياز إلى جانب الدولة والقانون والنظام في ما اعتبر تخليا منه عن جموع الطلاب الإيرانيين الذين حملوه إلى منصب الرئيس قبل عامين من هذه المظاهرات.
وبعد أربعة أعوام تجددت التظاهرات إحياء لذكرى من سقط في الجولة الأولي، بالرغم من قرار الحكومة الإيرانية بمنع أية تظاهرات، خاصة بعد الاحتجاجات الطلابية التي سادت العاصمة طهران وغيرها من المدن الكبرى في الفترة من العاشر وحتى العشرين من شهر يونيو 2003. هذه المظاهرات (مظاهرات شهر يونيو و يوليو ) ثم المظاهرات الحاشدة الحالية التي تشهدها طهران منذ الإعلان عن فوز نجاد بفترة رئاسية ثانية وتشكيك منافسه الإصلاحي مير حسين موسوي في نتيجة الانتخابات يعدها البعض علامة على بداية انهيار النظام الإيرانى في ظل الضغوط الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعانى منها النظام. ينظر البعض للفترة التي بدأت منذ يونيو 1997 وحتى تاريخه على اعتبار أنها تمثل الجمهورية الثالثة في التاريخ الإيراني المعاصر. هذه الفترة التي شهدت على عكس توقعات الداخل والخارج انتصار الرئيس محمد خاتمى الإيراني شهدت بشكل متواز تصعيد الصراع بين ما عرف بتيار الإصلاح الذي بلوره الرئيس الجديد وتيار المحافظين الذي كان من أهم رموزه الرئيس السابق هاشمى رفسنجانى والمرشد الأعلى على خامنئي.
فأهم القضايا الخلافية التي ميزت الفترة الرئاسية الأولى من 1997 – 2001 كانت تدور حول قضايا الحريات الاجتماعية والعامة. وبالرغم من العقبات التي واجهت الرئيس خاتمى في تنفيذ برنامجه الإصلاحي، إلا أنه قرر أن يخوض معركة الانتخابات الرئاسية لفترة رئاسية ثانية التي نجح فيها ولكنه أخفق مرة ثانية. ومن أبرز الإخفاقات فشله في توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية كي يستطيع تطبيق ما يراه مناسبا من إجراءات لحماية الدستور من منتهكيه على حد تعبيره  عازيا فشله في تحقيق ما وعد به من خلال برنامجه إلى حدود الصلاحيات الممنوحة لمنصب رئيس الجمهورية بموجب الدستور الإيراني.  هذا الدستور الذي يكاد لا يعطى لرئيس الجمهورية صلاحيات حقيقية في مقابل الصلاحيات شبه المطلقة للمرشد الأعلى باعتباره أعلى منصب في الجمهورية الإيرانية. بالإضافة إلى الصلاحيات الموسعة المعطاة لمجالس تخضع للمرشد الأعلى كمجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس الرقابة على القوانين.
فكانت أول خيبة أمل للإصلاحيين الذين انزووا بعد ذلك وسيطر المحافظين على الرئاسة عبر الرئيس محمود أحمدي نجاد وعبر البرلمان الإيراني المحافظ. ولم يظهروا الا قبل شهور من الانتخابات الرئاسية التي جرت في يونيو 2009.
أحد خصائص المتجمع الإيراني هو تميزه بقطبية ثنائية بين معسكر للإصلاح في مقابل معسكر للمحافظين.  إنها  ليست مجرد خلاف على السلطة أو توزيع موارد القوة في المجتمع وإنما تعكس في جوهرها اختلافا ( ولا نقول بالضرورة تضاربا ) في الرؤى حول كيفية إدارة الثورة/الدولة من خلال الحفاظ على كل من جوهرها ومظهرها. من أبعاد إدارة الثورة/ الدولة إدارة علاقاتها بالخارج وهو الأمر الذي فاضت العديد من الدراسات في وصفه وتحليله والتنبؤ بمستقبله.
وقد أستمر الصراع بين التيارين و أتخذ أشكالا عنيفة في بعض الأحيان ( مثل الاغتيالات والاعتقالات التي طالت رموزا من التيار الإصلاحي وخاصة الصحفيين والمثقفين الإيرانيين وكذلك المظاهرات والاحتجاجات التي تظهر بين حين وآخر في حرم الجامعات الإيرانية وبعض تجمعات الطلاب ). و قد أدى إلى ما أطلق عليه بعض الساسة الإيرانيين حالة من اليأس لدى قطاعات متزايدة من الشعب الإيراني وخاصة سكان المدن الكبرى. فالتيار الإصلاحي لم يستطع تحقيق الكثير مما وعد به سواء على مستوى الحريات أو مستوى الأداء الاقتصاد، وانشغل بموقف المدافع عن وجوده في مواجهة خصومه. وفي المقابلة لم يستطع التيار المحافظ حسم المعركة لصالحه وإقصاء التيار الإصلاحي تماما عن الساحة السياسية كما حدث في لحظات تاريخية سابقة. هذا اليأس والإحباط ترجم نفسه في تدنى نسب المشاركة في الانتخابات المحلية والبرلمانية وهزيمة الإصلاحيين. وبالرغم من التبريرات التي ساقها التيار الإصلاحي أو مؤيديه لأسباب تدنى المشاركة فإنها عكست المأزق الذي يعيشه ذلك التيار. إلا أن هذا التيار رأى –في الانتخابات الرئاسية الأخيرة – وسيلة لتقليص الهوة مع المحافظين. خاصة على ضوء قراءته للمتغيرات الداخلية من حيث ضعف الأداء الاقتصادي والخلاف بين الرئيس نجاد و الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني الذي يرأس مجلس تشخيص مصلحة النظام. ومتغيرات دولية تمثلت في إستراتيجية التواصل الدبلوماسي للرئيس أوباما تجاه إيران في محاولة لإقناع إيران بوقف جهودها لتطوير أسلحة نووية حيث يرى الإصلاحيون أنهم الأقدر على التفاوض مع الجانب الأمريكي. ومن ثم فقد حشد الإصلاحيون جهدهم في محاولة لقلب الموازين و فرض ما يسمى صار يسمى بربيع طهران.
© منبر الحرية، 21 يونيو/حزيران 2009

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018