ما الذي جرى و يجري في إيران ؟

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

ما الذي جرى ويجري في إيران ؟ سؤال يستثير إهتمام الكثير من المتابعين والكتاب والصحفيين والمحليلين و الباحثيين حول هذا الحدث الذي أربك الجميع في الخارج و الداخل الإيراني لتفسير حقيقة و ماهية الأزمة الإيرانية التي كادت تعصف بالبلاد وشرعية ثورتها الإسلامية، إذ تعد الأخطر والأكبر في عمر الثورة الإيرانية التي تتخطى عقدها الثالث بحذر شديد منذ نجاحها في 1979م.
فرغم كل ما طرح من تحليلات وتفسيرات في محاولة القراءة التحليلية الواعية لماهية الحدث، إلا أنها جميعها لم تقترب من التوصيف الدقيق له، بالدقة والتفسير المنطقي، إذ تبقى المقاربة الدقيقة لفهم الحدث لم تكتمل بعد، رغم اكتمال كل تفاصيل المشهد منذ فترة بعيدة، ظلت خلالها عوامل بزوغه تختمر وتنمو معبرة عن نفسها بين فينة وأخرى بشكل من أشكال الغضب والإحتجاج منذ أكثر من عقد من الزمن.
فالمتابع للمشهد الإيراني جيدا يدرك أو قادر على تعقب بعض خيوط ما جرى من أحداث مؤخرا في بحر إسبوعين من الزمن في موجة من الإحتجاجات الشبابية الصاخبة والعنيفة التي تعد الأعنف والأكبر حتى الآن.
تلك الأحداث التي أعقبت إعلان نتائج الفائز بالإنتخابات الرئاسية التي أبقت على الرئيس المحافظ والمدعوم من الولي الفقية، أحمدي نجاد في موقعه لفترة رئاسية ثانية وبفوز كاسح وبفارق كبير في الاصوات عن اقرب منافسيه الإصلاحي، مير حسين موسوي، والذي تعدى الفارق بينهما الــ 11 مليون صوت .
فالأزمة الإيرانية ليست وليدة اللحظة الراهنة والحرجة، بقدر ما هي تراكمات فترات متباعدة، يقترب عمرها من العمر الفعلي للثورة الإيرانية، لكن ما لا شك فيه، هو أن هذا الحدث ما هو الإ الصورة ربما ما قبل الأخيرة للمشهد الذي يبحث عنه شباب الجيل الثالث للثورة في إيران، وهو الإنتقال بإيران ولاية الفقية إلى إيران حرة لبرالية ديمقراطية تستعيد معها كل مكونات شعوب الدولة الإيرانية هويتها المختطفة في سرداب الإمام الغائب .
وبتالي ما حدث وسيحدث من قبل هؤلاء الشباب ليس هو إحتجاج على نتائج الانتخابات التي ويدركون بأنها لا تعبر عن إرادتهم وما يأملون، لانها لا تعبر فقط إلا عن إرادة الإمام الغايب في سرداب سامرى ممثلا بنائبه أية الله على خامنئي، الذي وجه جموع الشعب الإيراني بفتواه العملية لا اللفظية لإختيار أحمدي نجاد، طاعة وإمتثالا للإمام الزمان الغائب.
ومن هنا تتكشف لنا تفاصيل صورة المشهد الحقيقي للأزمة الإيرانية المعقدة والمتوارية تحت عمامة ولي الثورة الفقية ومرشدها الأعلى و بنادق الحرس الثوري حامي حمى ولاية الفقية السياسية التي إبتدعها ملهم الثورة وقائدها الأول الإمام الخميني ( 1900- 1989م ) كمخرج سياسي وفلسفي لحالة التيه والإرباك التي كانت تحاصر أتباع المذهب الإثنى عشري الجعفري على إمتداد قرون مضت .
فما جرى خلال الإسبوعين الماضيين في إيران لم يكن غير فعل احتجاجي متواصل منذ عقد من الزمان لأحداث مماثله قام بها شباب الجيل الثالث للثورة – القائمة على شرعية ولاية الفقية – التي يحاول هؤلاء الشباب الفكاك من ربقها الثيوقراطي الباوبوي الكهنوتي في صورة القائد الأعلى للثورة الرجل الأول في إيران وحاكمها الفعلي بنص السماء وإجتهاد نائب إمام الزمان ” لا عجل الله قدومه” كالسان حال هؤلاء الشباب التواقين إلى الحرية والإنعتاق.
فأحداث الأسابيع الماضية ما هي إلا امتداد لأحداث يوليو 1999م، التي شهدتها طهران وعدد من المدن الإيرانية الكبرى، والتي وصفت حينها بأنها الأعنف والأكبر منذ قيام الثورة، تلك المظاهرات التي خطط لها وفجرها حركة طلابية من شباب الجامعات والتي إستمرت حينها لأكثر من عشرة أيام، إنتهت بمقتل عدد من الطلاب وإعتقال العشرات منهم على يد الحرس الثوري.
إذ من المفارقات في تلك الأحداث أنها تفجرت في عهد رئيس يعد بمثابة المرشد الروحي للتيار الإصلاحي في إيران، الرئيس السابق محمد خاتمي الذي كان قد تم إنتخابه قبل سنتين من تلك الأحداث، وهو ما يفسر لنا حقيقة الأحداث الأخيرة في طهران.
و من مفارقات تلك الأحداث أيضا، أن الحركة الطلابية الشبابية التي فجرت الأحداث الأخيرة التي يحلو للبعض (إفتئاتاً) وصفها وكأنها إحتجاج على تزوير نتائج الانتخابات لصالح الرئيس المحافظ نجاد ضد خصمه الإصلاحي موسوى، مغفلين أنها قد تفجرت بدايتها في وجه رئيس إصلاحي بإمتياز، خذل هذه الحركة الطلابية حينها حينما وقف إلى جانب الحكومة في وجه مطالبهم.
ومما يعضد حقيقة ما نذهب إليه في تفسير أحداث الأزمة الأيرانية، في أنها محاولة لتوليد ثورة أخرى في وجه ثورة ملالي ولاية الفقية ومحاولة الخروج من تحت عبائتها وعمائمها، هو أن أحداث يوليو 1999م م كانت قد تفجرت مرة أخرى في الذكرى الرابعة لها في يوليو 2003م، في شكل أعمال شغب طلابية ومظاهرات قمعت بقوة وعنف بلا هوادة أو رحمة من قبل الحرس الثوري، فضلا عن أن جميعها تمت في حقبة رئيس إصلاحي.
فما جرى و يجري في إيران، هو صراع أجيال ورؤى وتوجهات متضاربة الأهداف، ومتداخلة الإتجاهات، لكن محركه الفاعل وعرابه الحقيقي، تظل هي إرادة جيل الثورة الثالث وشبابها الذين ضاقوا ذرعا بوصايا السرداب العبثية التي قيدت حريتهم وسفهت عقولهم و أفكارهم وحطمت طموحاتهم وأماني مستقبلهم الذي يحلمون به منذ ثلاثين عاما.
بل الأخطر هو أن هذه الثورة الخمينية حولت هذا الشعب الحضاري العظيم إلى مجرد أمة من الدراويش والخرافيين والدمى، طُلب منهم بل وأجبروا أن يعيشوا صراعا سياسيا دارت أحادث معاركه في القرن الهجري الأول بين يزيد بن معاوية الأموي والحسين بن على بن أبي طالب الهاشمي، وما يترتب على بعث جدلية هذا الصراع اليوم من فتح جبهات ومعارك، المسلمون في غنى عنها أصلا، لما وصلت إليه حالتهم من تخلف وتمزق لا يحسدون عليه.
فأي تفسير لما حدث إذن في إيران مؤخراً، بعيدا عن سياق تلك الأحداث المتتالية والأزمات المتفاقمة على أكثر من صعيد داخليا وخارجيا من أزمة الإقتصاد إلى أزمة العزلة الدولية التامه، المضروبة حول طهران، رغم تمدد نفوذها في المنطقة، فيه قفز فوق الكثير من الحقائق الواضحة التي لا يمكن تجاوزها.
© منبر الحرية، 27 يونيو/حزيران 2009

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018