peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

لم يكن العراق الحديث في أيّ وقت مضى أقرب إلى حرب أهلية مما هو عليه الآن. إن غياب دكتاتور عديم الرحمة قد جعل من الصعب حكم ثلاثة قطاعات متميّزة من السكان. لقد بدأ التوتّر في التكوّن، وإن وجود سبب مثير للنزاع فقط قد يكون نقطة التحوّل إلى صراع عنيف مع احتمال تخطيّه الحدود العراقية. إن إيران تشهد حالياً تفكّك عدوّ تاريخي قديم وتتحرك ببطء للاستفادة منه. ورغم ذلك، يبدو أن القوّة السياسية الإقليمية المتزايدة باستمرار لإيران قد أفلتت دون أن يتم اكتشافها.
عندما أطاح آية الله روح الله الخميني بشاه إيران في عام 1979 للانطلاق بجمهورية إيران الإسلامية، كان حلمه يتمثّل في توحيد العالم الإسلامي. ورغم ذلك، لم تكتسب هذه الفكرة زخماً لدى المسلمين في الاتجاه العام، وقد تلاشت في نهاية الأمر. وفي هذه الأيام، يجري إحياء هذا المفهوم، وقد تحسّنت فرص نجاحه.
لقد عمل تغيير النظام في العراق على إضعاف هوية القوميّين في الشرق الأوسط وعمل في الوقت ذاته على تعزيز الرابطة الدينية. لقد أصبح الآن لدى التحالفات الدينية القوة لاختراق الحدود السياسية. ومع غياب عراق قويّ، تحاول إيران أن تلعب الورقة الإسلامية على المستوى الإقليمي.
لقد قدّمت الانتخابات الأخيرة في كلّ من فلسطين ومصر والعراق بمجملها مظاهر مثيرة عن الحركات الإسلامية السياسيّة، وتقوم إيران حالياً بالاستفادة من ذلك لممارسة سلطة سياسية على العديد من الشعوب في الشرق الأوسط، وعلى الخصوص في الأماكن التي يكون فيها حجم السكان الشيعة كبيراً. ويبدو في الوقت الحاضر أن الأغلبية الشيعية في العراق هي على انسجام تام مع المسلمين في طهران. إنهم يقومون بسرعة بملء فراغ السلطة الذي تركه إقصاء صدام حسين وأتباعه السنّة. ويخشى البعض أن هيمنة الشيعة على السياسة العراقية في حقبة ما بعد الحرب يمكن أن تحوّل العراق الجديد إلى حكومة دينية إسلامية يتم تشكيلها وفقاً للنموذج الإيراني.
وبالنسبة للعرب، فقد كان يُنظر باستمرار إلى إيران بأنها بلاد فارس وأنها عدوّ تاريخي. لقد قاتل الجنود العراقيون، بمن فيهم الشيعة، بضراوة ضد إيران في الحرب الدامية التي استمرت من عام 1980 إلى عام 1988، حيث سقط عدد كبير من الضحايا على الجانبين. وقد تم اعتبارها كحرب قومية—العراق ضد إيران أو العرب ضد الفرس. وفي الوقت الحاضر، فقد تفتّتت الهوية القومية في العراق. إن معظم المواطنين العراقيين يربطون أنفسهم بإحدى المجموعات الرئيسية الثلاثة، وهي: السنّة، الأكراد، والشيعة. ومع وجود الشيعة حالياً في السلطة، تمارس إيران نفوذاً سياسياً جوهرياً في العراق.
وتقوم إيران أيضاً بتوسيع نفوذها ليمتد إلى ما وراء العراق نحو دول أخرى في الشرق الأوسط، فحزب الله، وهو المليشيا المسلّحة القويّة، والذي يوجد له تمثيل قويّ في البرلمان اللبناني، يتلقّى التوجيه السياسي من طهران. وفي الانتخابات اللبنانية التي جرت في شهر نيسان، أبعد حزب الله نفسه عن الاتجاه السياسي الذي كان يدعو القوات السورية إلى مغادرة لبنان، وقام بدلاً من ذلك بشنّ حملة دعائية لصالح الوجود السوري. إضافة إلى ذلك، فإن الروابط بين إيران وسوريا لم تكن في أيّ وقت مضى أفضل مما هي عليه حالياً. وقد كانت أوّل زيارة يقوم بها الرئيس أحمدي نجاد إلى الخارج كرئيس دولة إلى سوريا.
وبالنسبة لفلسطين، تلمّح إيران حالياً بأنها ستقوم بتعويض جزء كبير من الدعم المالي الذي قامت كل من الولايات المتحدة وأوروبا بإيقافه نتيجة للانتخابات الأخيرة التي جلبت حماس إلى السلطة. ولو حدث ذلك، فستكون هذه أوّل مرّة تتعاون فيها إيران الشيعية مع حماس السنيّة على مستوى رسمي—وبالتالي تتجاوز قاعدتها الشيعيّة الدينيّة التقليدية.
وفي منطقة الخليج العربي، حيث كان يتم معاملة الأقلية الشيعيّة تاريخياً كمواطنين من الدرجة الثانية، فإن صورة إيران تحقق غزواً واسعاً. ويتم حالياً إظهار الأعلام الإيرانية بشكل علني، كما أن العديد من البيوت تبرز صور الملاّت (الفقهاء). ويقوم بعض المواطنين بصفة متزايدة بالتعبير عن انتمائهم الشيعي، وأقل من ذلك عن هويتهم الوطنية.
وفي الوقت الحاضر، فإن العلاقة الأمريكية-الإيرانية تبلغ مستوى منخفضاً أكثر من أيّ وقت مضى. وبالتأكيد، فإن أحمدي نجاد هو أحد العوامل المساهمة في ذلك. وينشأ تفاؤل ضئيل من حقيقة أن فصيله الراديكالي مقيّد بالعناصر البراغماتية إلى حدّ ما الموجودة في النظام والتي تهيمن على البرلمان. ويشمل ذلك “المرشد الأعلى” آية الله خامينئي الذي يحتفظ بقوّة الفيتو (النقض) النهائي في الدولة.
ربما تكون الولايات المتحدة قد أضاعت فرصة ذهبيّة للوصول إلى إيران في وقت مبكّر في عهد إدارة بوش (الثالثة والأربعين)، عندما كان محمد خاتمي المعتدل يتولّى الرئاسة. إن غياب التعامل الديبلوماسي مقترناً بوضع إيران على قائمة محور الشرّ قد عزل إيران بشكل أكبر وسمح لسياساتها بالاستمرار دون ضبط.
يجب على الولايات المتحدة أن تعيد تقييم سياستها الخارجية. فهنالك حاجة إلى سياسات فاعلة لحماية المنطقة المتقلّبة. فإنه يجب أن يكون احتواء الرئيس الإيراني المتعصّب وجعل إيران خارج العراق ولبنان والخليج العربي والسلطة الفلسطينية هما السياسة الدافعة إلى الأمام. وكحدّ أدنى، يجب على الولايات المتحدة أن لا تسمح لإيران بأن تقوم بتصدير تفسيرها الثيوقراطي للحكومة الدينيّة خارج حدودها.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 6 نيسان 2006.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018