إعادة إعمار غزة: بين التجاذب السياسي والاحتياجات الإنسانية

peshwazarabic9 نوفمبر، 20100

رغم بعدها الإنساني الواضح، فان قضية إعمار قطاع غزة بعد التدمير الهائل الذي أحدثته الحرب الإسرائيلية على القطاع تعتبر صعبة و متشابكة، حيث يتقاطع عندها عناصر متعددة فالإنساني بالسياسي والاقتصادي، والمحلي بالإقليمي والدولي، هكذا بدت القضية منذ أن وضعت الحرب أوزارها وظهور حجم الدمار الهائل الذي لحق في جميع مناحي الحياة في قطاع غزة. إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قد جاءت بعد حصار شديد و خانق على قطاع غزة منذ يونيو من عام 2007 مما أوصل الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي إلي أسوأ حالاته، فالاقتصاد الفلسطيني منذ نهاية العام 2000، وهو ينتقل من سيء إلي أسوأ حتى وصل حجم الخسائر وحسب التقديرات الدولية إلي أكثر من 15 مليار دولار بنهاية العام 2005. سياسيا كذلك تأتي قضية الإعمار في ظل انقسام فلسطين حاد ألقى بظلاله علي كافة القضايا و العلاقات…فلسطينيا وعربيا. علي الصعيد الاجتماعي شهد قطاع غزة أعلي معدلات للفقر و البطالة وارتفاع الأسعار وعدم توفر السلع والخدمات الإنسانية وانتشار الأمراض وزيادة معدلات فقر الدم وغير ذلك من آثار.
من هنا فإن قضية إعمار قطاع غزة يجب التعامل معها كمشروع وطني تنموي يشمل ليس الترميم الإسكاني و الاقتصادي فقط بل يجب أن يتعداه ليشمل الترميم السياسي و الوطني لكل ما سببه الانقسام و الاقتتال الداخلي و الانفصال الجغرافي و الوجداني الذي حدث بسبب الانقسام الذي جعل حركة حماس التي تحكم قطاع غزة بشكل كامل منذ يونيو 2007 و السلطة الفلسطينية التي تحكم الضفة الغربية. إن إعادة إعمار ما دمرته الحرب يجب أن تأتي في إطار جديد وفلسفة جديدة شاملة، تجب معها كل ما خلفه العدوان و الحصار و الانقسام و تأتي بكل ما هو جديد على المستوى الوطني و الاجتماعي و السياسي و العلاقات الداخلية الفلسطينية. مستلهمة تجارب الإعمار السابقة والمهمات التي كان يجب أن تنفذ مسبقا ولم يتحقق ذلك، إضافة لمعالجة أوجه التشوه والخسائر التي مني بها الاقتصاد الفلسطيني خلال السنوات السابقة.
إن ضخامة المهمة يجب أن تكون دافعا للتعاون و خلق شراكة حقيقية و ليس سببا إضافيا للتنافس و الصراع.
المعيقات:
هناك العديد من المعيقات تعترض سبيل تنفيذ مهمة الإعمار بهذا الشكل التي تطرحه الورقة من هذه المعيقات:
1. معيقات تقنية (فنية)
•    ضخامة المهمة:
لقد شهدت مدن قطاع غزة دمارا كبيرا، فقد تم تدمير كافة مباني الوزارات والمؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية والشرطية، ومنازل خاصة، ومزارع ومصانع، وشوارع وسيارات ومرافق عامة وبني تحتية، كل ذلك في بقعة جغرافية محدودة نسبيا وفي مناطق ذات كثافة سكانية مرتفعة جدا (الأعلى في العالم ) وفقيرة جدا وتعاني من مشكلات عديدة أخري. قدرت الخسائر التي سببتها الحرب على قطاع غزة والي تواصلت ثلاثة أسابيع منذ 27 من ديسمبر 2008 وحتى 17 من يناير 2009 بثلاثة مليارات دولار.
•    تنسيق المسارات:
إن ضخامة المهمة واتساعها، يفرض تحديد الأولويات، وهو أمر مختلف عليه، نتيجة الأبعاد المتشابكة للقضية، إنسانيا يجب أن يسكن المواطنين الذين دمرت منازلهم فورا، وفنيا هناك العديد من الإجراءات والخطوات اللازمة. كذلك علي صعيد تنسيق المسارات هناك تباين الأرقام واختلافها في تقدير حجم الخسائر بسبب اختلاف مناهج التقييم المتبعة.
•    عدم كفاية التمويل واستمراره:
هناك تخوف كبير من قضية توفير التمويل اللازم والكافي وفي الوقت المناسب فالتجربة السابقة، للدول المانحة تشير دوما إلي فجوة كبيرة بين الالتزام والتنفيذ في التمويل ناهيك عن عدم وضوح حجم التمويل المطلوب للإعمار والذي سيتم رصده واعتماده من قبل المانحين والمجتمع الدولي والعربي.
•    تقدير الممتلكات غير التقليدية:
أشرنا في بند سابق إلي أن أحد أوجه القصور في تقدير قيمة الخسائر تركز علي المباني دون تقدير في الممتلكات الأخرى، الأوراق و الوثائق و السيارات والأثاث والمجوهرات والملابس والمقتنيات الثمينة وذات القيمة الإنسانية، بالإضافة إلي أجهزة الحاسوب والنظم والأرشيف والمعدات الفنية بالنسبة للمباني الخاصة بالمؤسسات الحكومية والمدنية والأهلية، وهو ما يجب أخذه في الحسبان.
2 المعيقات السياسية :
•    المعابر :
فرضت إسرائيل إغلاقا كاملا على المعابر الستة التي تربط قطاع غزة بالعالم الخارجي ومن بينها معبر رفح الذي يربط قطاع غزة بجمهورية مصر العربية والذي ينظمه اتفاق المعابر و الحركة AMA و الذي وقع في أكتوبر 2005 بين خمس جهات هي : السلطة الفلسطينية، إسرائيل، الولايات المتحدة، مصر، الاتحاد الأوروبي. يعتمد قطاع غزة بشكل كامل على إسرائيل في استيراد كل ما يلزم. لذا فإن فتح المعابر جميعها وبشكل كامل هو الشرط الثاني الضروري لعملية إعادة الإعمار التي تحتاج لمواد البناء وكل متطلبات الإعمار.
•    المصالحة والوضع السياسي :
بات واضحا أن المجتمع الدولي لن يغير من موقفه المعلن بعدم التعامل مع حكومة حماس في غزة. هذا الموقف اتخذه المجتمع الدولي بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير 2006 و تشكيلها حكومة. كذلك يدرك المجتمع الدولي أن السلطة الفلسطينية المتواجدة في الضفة الغربية فقط لن تتمكن من تنفيذ أي مشاريع إعمار في قطاع غزة بسب عدم وجودها هناك بعد هزيمتها على أيدي حركة حماس في الاقتتال الداخلي الذي شهده قطاع غزة خلال عامي 2006 -2007 و الذي انتهى بسيطرة حماس على مقاليد الأمور في قطاع غزة في 14 يونيو 2007. لذا فمن الصعب أن تبدأ عملية إعمار غزة في ظل هذا الانقسام الحاد في الوضع الفلسطيني، وعليه فان المصالحة الوطنية تمثل شرطا ضروريا لبدء عملية إعادة الإعمار التي ينتظرها على سبيل المثال و ليس الحصر أكثر من خمسة آلاف عائلة دون مأوى بعد دمرت منازلها كليا وخمسة عشر ألف عائلة دمرت بيوتها جزئيا و آلاف الأطفال الذين فقدوا معيليهم و مئات المزارعين الذين تضررت مزارعهم وحوالي 600 صاحب مصنع دمرت كليا…
هؤلاء بشكل خاص و الفلسطينيون بشكل عام ينظرون بكل أمل إلى جهود المصالحة التي تديرها مصر بيم حماس و السلطة الفلسطينية و ينتظرون بفارغ الصبر مؤتمر إعمار غزة المزمع عقده في القاهرة في الثاني من مارس القادم.
© منبر الحرية، 20 فبراير 2009

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018