عرض الاجتماع السنوي الثامن عشر لليوم العالمي للماء نفس المشاكل القديمة واستمر في رفضه للحلول العملية. و كالعادة، قضى مليار شخص يوم 22 آذار (مارس) دون ماء نظيف، بالإضافة إلى عدم حصول ثلث البشرية على مرافق صحية ملائمة كما سيموت حوالي ثلاثة ملايين ونصف مليون رجل وامرأة وطفل من الأمراض الناجمة عن ذلك. مع ذلك لا يزال كثير من الساسة و المنظمات غير الحكومية یفضلون الأيديولوجيا على الأفكار ویرفضون ما يقدمه القطاع الخاص إلى فقراء العالم. غالباً ما يدعي الناشطون أنهم يدافعون عن الفقراء ضد الشركات التي تريد تعظيم أرباحها. لكن هذه الفكرة أقرب إلى العقيدة الجامدة منها إلى الواقع. بالنظر إلى أن أقل من 10 بالمائة من إدارة الماء في العالم هي في أيدي القطاع الخاص فإن من الصعب أن نفکر كيف يمكن لوم الشركات علی العرض السيئ.
الواقع أن الحكومات هي التي تدير الماء بطريقة سيئة وتسيء تخصيصه وتعطيه لمحسوبيها لأغراض سياسية ولجماعات الضغط القوية النافذة مثل المزارعين. بينما يظل الفقراء في المناطق الريفية أو في الأحياء الفقيرة المعدمة غير قادرين على الحصول على الماء. لا تتوقف الجماعات المناهضة للخصخصة عن الترديد أن الماء يجب أن يتم تأمينه من قبل الحكومات، لكنها تتجاهل أن الحكومة هي أكبر أعداء الفقراء. من جانب آخر، تدعي حركة التنمية العالمية وجماعات مماثلة أخرى أن القطاع الخاص لم يفعل شيئاً يذكر للفقراء، وأنه لم يوصل الماء إلا إلى ثلاثة ملايين شخص في البلدان النامية على مدى السنوات الخمسة عشرة الماضية. لكن هذا الرقم لا يأخذ في الاعتبار أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، حيث حدثت طفرة في إدارة القطاع الخاص للماء وفي عدد الأشخاص الذين يحصلون على الماء منذ التسعينيات. ففي الأرجنتين على سبيل المثال انخفضت أسعار المياه في المناطق المدارة من قبل القطاع الخاص، وارتفع عدد الأشخاص المزودون بالماء، وانخفض عدد الإصابات بالأمراض المعدية وعدد الوفيات بين الأطفال.
كما أن الناشطين المناوئين للخصخصة أمعنوا في تشويه إدارة القطاع الخاص للمياه بالتركيز على الشركات متعددة الجنسيات مع تجاهلهم في الوقت نفسه لشركات توفیر الماء الصغيرة التي أوصلت المياه إلى أشخاص تخلت عنهم حكوماتهم. في كثير من المدن الإفريقية يباع الماء في قنينات بلاستيكية إلى عابري السبيل، في حين أن 500 شركة صغيرة من شركات تزويد المياه في باراغواي تؤمن الماء إلى نصف مليون شخص باستخدام الصهاريج أو عبر شبكة الأنابيب. تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن “أكثر من نصف السكان في معظم المدن في البلدان النامية يحصلون على خدمات المياه الأساسية من موردين خارج مصلحة المياه الحكومية القائمة. ”
منظمة الصحة العالمية، شأنها شأن الناشطين، تتجاهل هؤلاء المورِّدين “غير الرسميين” للماء. فهي ترفض اعتبارهم أطرافا تساهم في تحسين خدمات الحصول على الماء، على اعتبار أنهم غير خاضعين لجهاز تنظيمي ولا يمكن التنبؤ بتصرفاتهم، وتزعم أنهم عاجزين عن خدمة أعداد كبيرة من المستهلكين. عجز لا يقره مئات الملايين من الأفراد الذين يعتمدون على هذه شركات للتزود بالماء. بالنسبة للكثير، تمثل هذه الشركات الفرق بين الحياة والموت.
إن شركات توريد الماء غير الرسمية مختلفة الأشكال والأحجام لكن قاسمها المشترك هو تأمين الماء مقابل تحقيق الربح. يعتبر عملاء هذه الشركات من بين أفقر الناس، ومع ذلك فإنهم مستعدون لدفع المال في سبيل حماية عائلاتهم من الأمراض، وفي سبيل الاستفادة من وقتهم على نحو أجدى من البحث عن میاە نظيفة. إن نجاحات شركات الخدمة الخاصة في تأمين الماء في مختلف أنحاء أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا تدحض الزعم القائل إن الفقراء أفقر من أن يدفعوا المال مقابل الماء، وإن القطاع الخاص ليس لديه حافز لخدمتهم. الواقع أن الفقراء في الغالب يدفعون أموالاً في سبيل الحصول على الماء تفوق ما يدفعه أهل المناطق المزدهرة التي تتمتع بموارد مياه “رسمية”.
في دراسة للبنك الدولي لمدن أمريكا الجنوبية تبين أن المياه التي تنقلها الصهاريج تكلف في المتوسط ما بين أربع مرات إلى عشر مرات زيادة على أسعار الماء التي تتقاضاها الشبكات العامة. في منطقة كيبيرا، وهي من أفقر أحياء نيروبي ويعيش فيها حوالي مليون شخص، تباع كل صفيحة ماء سعة 20 لتراً تقريباً بأربعة أضعاف متوسط سعر الماء في كينيا. يجدر بالناشطيين الذين يكتفون باتهام القطاع الخاص بأنه يضع الأرباح قبل الأفراد أن يضعوا نصب أعينهم ثلاثة أمور: الأول هو أن شركات توريد الماء ستتوقف عن توريد الماء وتأمين الصحة إذا لم تحقق الربح. الثاني هو أن الحكومات هي الملومة بالدرجة الأولى عن الأسعار المرتفعة للماء لأنها تقيد عرض الماء من طرف القطاع الخاص أو تجعله مخالفاً للقانون. الثالث والأخير هو أن الأفراد يشترون الماء من الموردين طواعية، ويكون في الغالب أمامهم مجال الاختيار بين مجموعة من شركات التوريد. وواقع توريد الماء في العالم يدعوا إلى قراءة نقدية للمقاربة الكلاسيكية.
مصر
تحسن وضع الماء والصحة بصورة عجيبة في مصر منذ الثمانينيات، خصوصاً في المناطق الريفية. مع ذلك فإن الافتقار إلى مياه الشرب النظيفة والعوامل الصحية المناسبة يساهم في 17 ألف حالة وفاة بين الأطفال كل عام في مصر، وهذه النسبة تشكل 20 بالمائة من بين وفيات الأطفال.
الأردن
رغم أن الأردن هي واحدة من أكثر المناطق جفافاً على الكرة الأرضية، إلا أنها تستفيد من تغطية شبه شاملة للمياه والمرافق الصحية. لكن الأردن يواجه صراعاً في سبيل زيادة المحافظة على الماء وتحسين الكفاءة، خصوصاً في مجال تخفيض تسرب الماء والعدادات الرديئة و تسرب المياه في الخزانات.
الجزائر
يعتبر معدل الحصول على الماء الصالح للشرب مرتفعاً نسبياً في الجزائر، حيث تصل النسبة إلى 88 بالمائة من السكان في المدن و 82 بالمائة من السكان في المناطق الريفية. لكن معدلات التغطية في انخفاض مستمر منذ منتصف التسعينيات، حيث هبطت من التغطية شبه الكاملة في المدن و 88 بالمائة في المناطق الريفية في عام 2002. ألقي اللوم على نقص المياه على غياب الاستثمار في أنظمة الماء، وقِدم شبكات التوريد وسوء الإدارة.
المغرب
رغم أن جميع السكان تقريباً في المدن المغربية يتمتعون بالحصول على مياه الشرب المأمونة، إلا أنه لم يكن هناك تحسن يذكر بالنسبة لساکنة المناطق الريفية، حيث أن 59 بالمائة فقط من السكان في تلك المناطق كانوا يتمتعون بالحصول على الماء في عام 1987 وعام 2004.
موضوع اليوم العالمي للماء لهذه السنة هو الجودة، وبالتالي فإن السماح لشركات توريد الماء بالعمل ينبغي أن يكون من الأولويات. بعد ذلك تستطيع هذه الشركات امتلاك الموارد والأراضي والبنية التحتية ومن ثم توسيع نطاق أعمالها، بحيث تخدم عدداً أكبر من الناس بأسعار أدنى وماء أنظف. هذه المشاريع الصغيرة، وليس الوعود الفارغة من الحكومات، هي التي تستطيع تحسين توريد الماء للفقراء في أسرع وقت ممكن.
© منبر الحرية، 28 مارس/آذار 2010