إن أحد أهم مواضيع النقاش العام في العديد من البلدان الغربية اليوم (بما في ذلك الولايات المتحدة، وألمانيا والمملكة المتحدة) يتعلق بإدخال نظام الضريبة المقطوعة بدلاً من النظم الضرائبية شديدة التعقيد والتشويه. ويمكن النظر إلى ذلك النقاش القائم على أنه جزء من التوافق الذي تم في مرحلة ما بعد كينز حول إدارة السياسة الاقتصادية. ومن المفيد دراسة هذه القضية، في هذا الإطار الأوسع، مع إظهار الأسباب التي تجعل من هذه القضية أمراً مهماً له اتصال بالبلدان النامية مثل الهند. هنالك، على ما يبدو، إجماع واسع في دوائر اتخاذ القرار على أن انتهاج سياسة نقدية ناشطة، تستند إلى شكل من أشكال النظرية الكينزية، هو أمر له نتائج عكسية. هذا يعود إلى حد كبير إلى حقيقة أن نتائج تلك السياسة تكون خاضعة لفترة انتقالية طويلة لا يمكن التنبؤ بمداها، مع احتمالية إساءة استخدامها من قبل السياسيين من كل توجه، لدعم مصالحهم الخاصة، إبان دورة الاعمال المتزامنة مع السياسة. كما أن هنالك دلائل قوية على أن القطاع الخاص سوف يُطفئ أية تقلبات لا يمكن تفاديها في النشاط الاقتصادي، والعمل على استقرار الاقتصاد، ما لم تُشوِّشُ عليه تصرفات سياسية غير متوقعة. لذا، فإن هنالك اتفاق يتنامى بأن أفضل وسيلة لإدارة الشؤون النقدية هي تركها لبنك مركزي يتمتع باستقلالية، والذي يتبع قواعد بدلاً من التصرف باجتهاداته وأهوائه. قد تكون تلك القواعد أو الأحكام تأقلمية لا ثابتة محددة، وتستطيع التأقلم بوسيلة معروفة للتغيرات الدائمة التي تقع في النمو الحقيقي أو التدخل المالي. إن هذا الأسلوب يحرر السياسة النقدية من الاعتبارات السياسية. وعلى الرغم من أنه ليس مستقلاً من الناحية الرسمية، فإن البنك الاحتياطي الهندي، في تصرفاته الأخيرة، قد اتبع إلى حد كبير هذا التوجه. هذا يبقي جانباً السياسة المالية التي تنتهجها الدولة. لقد تم النيل من أتباع سياسة كينزية نشطة من قِبل الدولة قبل النيل من قرينتها—السياسة النقدية—بعد أن تبين بأنها قد تقود إلى أخطاء فادحة أكبر وأقل مرونة من السياسة النقدية. وقد أدى ذلك إلى إيلاء السياسة المالية معالجة الاقتصاد الجزئي وليس الاقتصاد الكلي. فحالات استخدام السياسة المالية (والتي تشكل سياسة التعرفة جزءا منها) لتقديم حوافز متنوعة “للصناعات الناشئة”، أو لتعديل إخفاقات سوقية مفترضة، قد تم النيل منه بسبب الأثمان السياسية للتدخل. وهنالك إدراك يتعاظم بأن الهدف الوحيد من وراء السياسة المالية يجب أن يقتصر على تقديم التمويل، لتحقيق الحد الأعلى من السلع العامة وبأقل كلفة ممكنة في مقاييس الرفاه الاقتصادي. أما الأهداف المنبثقة عن إعادة توزيع المداخيل، كهدف من أهداف السياسة المالية، فقد تم النيل منها بدرجة مساوية، بعد أن ثبت بوجه قاطع من التجارب التي تمت في مختلف أرجاء العالم بأن الضرائب الهادفة إلى إعادة توزيع المداخيل هي عبارة عن آلة ضخمة تُزبد وتتحرك بعنف، والذي تتم في النهاية إعادة التوزيع (على الأقل في البلدان الديمقراطية) ليس لصالح الجهات المتوخاة من إعادة التوزيع، ولكن لصالح الطبقات الوسطى، حيث أن جميع الأحزاب السياسية تنشد ودها وتسعى لكسب أصواتها. إن الجواب التكنوقراطي على موضوع تمويل النفقات العامة على السلع العامة وبأقل كلفة اقتصادية قد اُعطي من قبل مُنظري الاقتصاد العام. إنها نظام الضرائب الذي أوصى به فرانك رامزي (وهو زميل أصغر لكينز في جامعة كيمبردج). إنه نظام ينطوي على فرض الضرائب على البضائع الأقل استجابة لمقتضيات الطلب. أية ضريبة (ما عدا مبلغاً مقطوعاً، مثل ضريبة الرأس) تنطوي على خسارة يطلق عليها علماء الاقتصاد “فائض الاستهلاك”. هذه الخسارة تكون أعظم بالنسبة لأي سلم ضريبي كلما كان منحنى الطلب أكثر مرونة (كلما كان المستهلكون أكثر حساسية للسعر بالنسبة لكمية السلع التي يشترونها)، ذلك أن أي ارتفاع في السعر يواجهه المستهلك نتيجة الضريبة من شأنه أن يؤدي إلى تخفيض أكبر في كمية الشراء، مما لو كان الطلب أقل مرونة. ومن هنا جاء قانون رامزي حول الحد الضريبي الأمثل. ولكن هذا القانون يفترض بأن الحكومة ذات نوايا طيبة. ولكن، لنفترض بدلاً من ذلك، بأن توجهها غير ودي، وأنها لا تكتفي فقط بمجرد تحصيل مداخيل معينة، ولكنها تسعى إلى إيصالها إلى الحد الأقصى بأقل كلفة ممكنة. ما هي الضرائب التي تختارها؟ وكما بيَّن جيفري برينان وجيمس بيوكانن، فإنها سوف تختار ضرائب رامزي! وقد أدى ذلك إلى إجراء أبحاث من أجل التوصل إلى نظام ضريبي يحد من النزعات العدوانية الشائعة لدى الحكومات. الضريبة المقطوعة، والتي كان أول دعاتها روبرت هول وألفن رابوشكا، هو الجواب. في شكلها المجرد، فإن الضريبة المقطوعة تحل مكان نسب الضرائب المتعددة، بضريبة هامشية واحدة، وتلغي النظام المعقد للإعفاءات، التي تستخدمها الحكومة لأهداف الهندسة الاجتماعية أو لكسب الأصوات. إن سماحاً شخصياً عالياً من الضرائب يسمح بإخراج الفقير من شبكة الضرائب ويعطي تقدمية للنظام. جميع الضرائب—على المداخيل العليا للشركات، والضريبة الشخصية، والضرائب على السلع (كضريبة القيمة المضافة)—تحدَّد بنسب متساوية، تبلغ في الحقيقة إلى ضريبة الاستهلاك وتُلغي أي تعدد ضريبي مثل الضرائب على الأرباح. إن مزايا الضريبة المقطوعة تتمثل في بساطتها وشفافيتها (وكما لاحظ ستيف فوريز، فإن كل إنسان يحتاج إلى بطاقة بريدية لإرسال كشف بما يستحق عليه) مما يؤدي إلى نمو اقتصادي أسرع، بسبب الحوافز الأكبر للعمل، وإزالة مختلف العوائق المثبطة التي تتأتى عن التشوهات الضريبية الحالية، بما في ذلك خلق سوق سوداء واسعة من أجل الهروب من الضريبة وتجنبها. وقد تبينت مزايا مثل هذه الضريبة في العديد من بلدان أوروبا الشرقية (بما في ذلك روسيا وإستونيا ولاتفيا وأوكرانيا وجورجيا ورومانيا) وهي بلدان في غمرة انتقالها من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق. كما أن مثلهم شجع بلداناً أخرى على الأخذ بالضريبة المقطوعة (بولندا والتشيك وسلوفينيا). ولكن وخلافاً للنظم الضريبية الجديدة في أوروبا الشرقية والتي حلّت مكان أنظمة قديمة متداعية، ففي معظم البلدان المتقدمة، حيث توجد نظم ضرائب ناضجة، والتي كانت نتيجة للعبة إعادة توزيع المداخيل على امتداد أجيال متعاقبة، فإن الاحتمال الأقرب هو أن الخاسرين من الضريبة المقطوعة هم المستفيدون في الماضي—أي الطبقات الوسطى—والذين سوف يستخدمون الإجراءات الديمقراطية لمقاومتها. إن مراجعة ردود الفعل على اقتراح الضريبة المقطوعة، في الولايات المتحدة وألمانيا وربما في المملكة المتحدة، تشير إلى أن فرض ضريبة مقطوعة تامة لن يكون مقبولاً في نظم ضرائبية ناضجة. لذا، فإن مستقبل الضريبة المقطوعة قد يكون في بلدان مثل أوروبا الشرقية، التي انتقلت من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق. ويقال بأن الصينيين ربما ينظرون في إقراره. وإذا ما طُبقت توصيات لجنة كلكار للإصلاح الضريبي بالكامل في الهند، فإنها تصبح على مدى خطوة قريبة من الانتقال إلى نظام ضرائبي مقطوع كامل في الهند. ومن شأن ذلك وضع حد للتعدي المالي التقليدي الذي تنتهجه الدولة—ومرادفاتها في السوق السوداء—وإعطاء تأثير حميد على النمو الاقتصادي في البلاد. © معهد كيتو، منبر الحرية، 23 آب 2006. |