من جون لو إلى جون ماينارد كينيس

peshwazarabic10 نوفمبر، 20101

لقد أنتجت الأزمة  المالية – الاقتصادية لعام 2008 مادة دسمة للصحافة المالية، إن لم تنتج شيئا آخر. وتمثل قضية احتيال الخمسين مليار دولار المزعومة التي قام بها بيرنارد مادوف، ومسألة التأكيد بأننا نحتاج إلى رزمة محفزات كينيسية هائلة – كلما كَبرت كانت أفضل–، تمثلان اثنتين من أفضل المواضيع المحببة اليوم. فمن أجل أن يجعل الكتّاب تقاريرهم وآرائهم أكثر إثارة، كثيرا ما كانوا يحاولون الربط بين القصص التاريخية مع قصتي مادوف والحوافز المذكورتين.
كان ’جون لو‘ وشركة ’المسيسبي‘ التي أسسها عام 1717 وانهارت عام 1720، مرجعا معياريا مقترنا بمخطط ’بونزي‘ المزعوم الذي قام به مادوف – ويلخص مخطط بونزي بأنه عملية نصب تعتمد على دفع عائدات المستثمر الأول من الأموال التي يدفعها المستثمرون الآخرون. وفي الواقع، إن الرابط الواضح الوحيد بين شركة ’المسيسبي‘ لجون لو، وعمليات مادوف هو أن قيمتها  قد ارتفعت ومن ثم انخفضت. وعلى كل حال، فقد فشلت هذه الحقيقة في جذب الانتباه واستحقاق الإشارة.
ما يستحق الذكر هنا هو أن ’جون لو‘ كان اقتصاديا مرموقا، وهو خير سلفٍ لجون ماينراد كينيس، وطريقته الاقتصادية الكينيسية. والحق أن مقالي ’جون لو‘ الموسومين “مقال حول بنك الأراضي” (1704) و “المال والتجارة” (1705)، قد حازا الإعجاب والثناء الكبيرين من جوزيف شومبيتر، الذي كتب في كتابهتأريخ التحليل الاقتصادي: “كثيرا ما اعتقدت أن جون لو يشكل تصنيفا أو فئة بحد ذاته، فقد نفذ اقتصاديات مشاريعه ببراعة و عمق، نعم، وهو ما يضعه في الصفوف المتقدمة من منظّري السياسة المالية على مر العصور.”
إن ربط ’جون لو‘ بالاضطراب المالي والاقتصادي ليومنا هذا هو الربط بين ’لو‘ وكينيس. فمثل كينيس، اعتقد ’لو‘ أن الاقتصاد يمكن أن يحفّز، وأن معدلات النمو يمكن رفعها بشكل مستمر عبر السياسة النقدية الفاعلة، وسياسات معدلات التبادل والمال. وباختصار، أيد كلا هذين  الاقتصادييَن فكرة الحكومة الفعّالة التدخلية. بعد قول هذا، تجنب كينيس ذكر ’لو‘، عندما لاحظ أمثلة سابقة للأفكار الواردة في كتابه الموسوم النظرية العامة للتشغيل، والفائدة والمال (1936). ربما لم يشأ كينيس أن يقترن بنظام شركة ’المسيسبي‘ لجون لو—المشروع الضخم الذي انتهى به المطاف فاشلا.
ظهرت فرصة ’لو‘ في تنفيذ أفكاره بعد ما عرف أن صديقه المخلص دوك أورلينز قد أصبح وصيّا على عرش فرنسا. وفي عام 1710، هاجر هذا الاسكتلندي – أي ’لو‘—من لندن إلى باريس. كانت فرنسا حينها في مشكلة مالية. كانت تلك المشكلة المالية تعزى بشكل جزئي للتقصير في الالتزامات أو السندات، بين أسباب أخرى. وبالنتيجة، كان الوصي قابلا للتأثر بمقترحات جون لو.
وفي حزيران (يونيه) عام 1716، أطلق ’لو‘ أول مشاريعه الكبيرة. حينها كان البنك العام قد تأسس. فقام هذا البنك بإصدار عملة ورقية لم تكن مدعومة عينيا (بالذهب أو الفضة). بدلا عن ذلك، استخدمت سندات الحكومة لتدعم حوالي 50% من العملات  الورقية الصادرة عن البنك العام. وقد صادق العرش على هذا الوضع الاحتياطي الجزئي، ومنحت تلك العملة الورقية قوة الإبراء القانوني.
لقد شكّل هذا سبقا فكريا لجون لو لأن واحدة من أفكاره كانت تقول باستبدال الأنظمة البنكية المبنية على الغطاء العيني بأنظمة مبنية على الإئتمان. وبدلا من موازنة التزامات البنوك وتعهداتها (لكل الودائع والأموال) بأصول مكونة من الذهب والفضة، كانت الالتزامات والتعهدات توازن بالقروض. ويبين الجدول المرفق الفرق بين هذين النظامين.
ومن المثير للانتباه، أن النظام المالي الدولي اليوم يبدو وكأنه يشبه النظام المبني على الائتمان الذي تصوّره جون لو، إلى حد كبير. في الواقع، عام 1973 – بعد ثلاثمائة عام من ميلاد جون لو—غادر النظام المالي الدولي آخر آثار معيار الذهب.
وكانت مغامرة جون لو التالية هي تأسيس ’شركة المسيسبي‘  التي مُنحت حقوقا احتكارية للتجارة والتطوير في أراضي لويزيانا الفرنسية، وفي الأراضي الكندية. وعبر سلسلة من عمليات الشراء والاندماج، أصبحت شركة قابضة عملاقة سيطرت على إمبراطورية كبيرة من الشركات التجارية الفرنسية. بالإضافة إلى ذلك، سيطرت شركة المسيسبي على معظم المهام أو الوظائف المالية للعرش. وتضمنت هذه الوظائف الحق الحصري في سك العملة، وجباية كافة الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وإدارة ديون العرش. وعندما جاء الأمر إلى إدارة الديون، أظهر جون لو مهارته وبراعته  في الإبداع.
لقد تم تأسيس شركة المسيسبي، جزئيا، لأجل تسهيل مقايضة الدين بما يعادله، تم خلالها إصدار حصص الشركة مقابل ديون العرش. وبالتالي، تمكن العرش من تفريغ كامل ديونه الباهظة. ولأجل أن لا يتفوق الفرنسيون على البريطانيين، اتبع البريطانيون قيادة جون لو، فسمحوا لشركة ’ساوث سي‘ بتولي مهام مجمل ديون الحكومة.
وبوجود فرص عائدات مدهشة، انتفخت باريس بالمستثمرين القادمين من شتى أنحاء أوروبا. وكما يؤشر الرسم البياني للشركة، ارتفعت أسعار أسهم شركة المسيسبي. وكذلك ارتفعت حظوظ جون لو. فمن بين أشياء عديدة، تم تعيينه مستشارا عاما للمالية – وهو المنصب الذي جعله رئيس الوزراء الفعلي لفرنسا.
تمكن ريتشارد كانتيلون (1680 – 1734)—وهو منظّر اقتصادي كبير ومؤيد للمال المدعوم عينيا – من تحقيق ثروتين عبر نظام شركة المسيسبي. الأولى، عندما ارتفع سعر أسهم شركة المسيسبي في السوق. أما الثانية فهي أن كانتيلون لاحظ خطأ مميتا في إستراتيجية ’لو‘ وهو: أن الزيادة في إصدار العملات  النقدية غير المدعومة بالغطاء العيني المطلوب لتهيئة أرضية تقف عليها أسهم شركة المسيسبي بواقع 9,000 ليفرا  للسهم الواحد. بناءا عليه، استنتج كانتيلون أن تحويل أسهم المسيسبي إلى نقود ، أو إضفاء الصفة النقدية (monetization) عليها سينتج تدفقا في العرض النقدي، وتدهورا حادا في قيمة ’الليفر‘ مقابل قيمة الجنيه الإسترليني. ونتيجة لذلك، اتخذ كانتيلون وضعا مضاربا أو مشككا (speculative position) ضد العملة الفرنسية – وهو عمل جعله يجني ثروة، وتسبب بقيام ’لو‘ بنفيه خارج فرنسا.
يحيلنا كل هذا إلى الحاضر، وإلى  الرابط بين ’لو‘ و ’كينيس‘. فبينما يتم تأمل إستراتيجيات رزم الحوافز الكبيرة، والتدخل الحكومي، ربما يكون من الجدير بالملاحظة التفكير بمصير نظام شركة المسيسبي لجون لو.
© منبر الحرية،15 أبريل /نيسان 2010

One comment

  • محمدحماد

    8 أبريل، 2013 at 7:32 م

    النظام النقدي العالمي المتعامل به حاليا هو نفس نظام (جون لاو)حيث لايتعامل مع نقود حقيقيه(الدهب) وانما نقود اعتباريه الامرالمؤدي الي التضخم والازمات الماليه التي يشهدها العالم من وقت لاخر فالعلاج والحل هو العوده الي (قاعده الدهب)

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018