peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

الحقد الديني ليس كمثله شيء في كثافته وعمائه وتأثيره الرهيب على وعي المتدين. ليس كمثله شيء في حماقته وجنونه وتعصبه. فتخيلوا إذن ذلك حين يكون هذا الحقد قوام الشعور السياسي لسلطة دينية تحتكر في نفسها شرعية السماء! كيف لها أن تحترم اختلاف الآخرين عنها سياسياً ومعتقداً؟ كيف تُعامل الآخرين، أفراداً وجماعات، دون تمييز حين تكون الهويّة الدينية قاعدةً لتصنيف الناس لديها؟
إيران، الدولة والمجتمع، تمثل ترسانة هائلة من العقائد التاريخية والثقافات العرقية المتنوعة. وتاريخها مفعم بالتحولات الفكرية والسياسية والمذهبية. ولم يكن بوسعها يوماً أن تكون غير ذلك بسبب من مكانتها الحضارية والجغرافية. وحينما شرع الإيرانيون بالتخلص من طغيان الشاه (16- كانون الثاني 1979) قَدِم رجل ملتحي وطموح، من أصول هندية، وراح يفرض نظاماً فجّاً متغطرساً ولامعقولاً على الحياة. أخذت المدينة كلها تغرق في الظلام والكآبة. فقد امتطى عربة الدين التي تجرها خيول المتعصبين. وجعل الشعب الإيراني يفقد عقله، جعله يهذي، وقاده إلى الهلاك!!! كما كان المخلوع محمد رضا بهلوي يقول وهو في حيرة من أمره ومصيره.
شكّل الإرث الديني والمذهبي للفرق الإمامية خلاصة سياسية لخطاب الخمينية. إذ عمد روح الله المصطفى إلى استلهام التراث الفقهي والسياسي للفرق المهدوية- الإمامية بهدف التأسيس لشرعية سياسية جديدة، وسعى إلى التماه مع الرؤى الميثولوجية الخلاصية بغرض اكتساب القداسة التاريخية. ومن هذا المنطلق أقام بنى سياسية ومؤسسات كُرّست بشرعية دينية، هيمنت على كل مناح الحياة.
في المبدأ فإن التشيّع نسق ديني سياسي خالص، وهو متخم بالمطالب الأيديولوجية والدنيوية المباشرة، وإن تلبس بلبوس التصورات الأخرويّة. ولهذا لم يكن عسيراً على قائد الثورة الطموح تأسيس نظام كليّ القدرة والقداسة تحت وصايته المطلقة، ومتمركز حول إرادته الذاتية، التي عدّت إرادة متعالية ومقدسة لارادّ لها، باعتباره التشيّع خميرة أيديولوجية لخطابه الثوري.
وفي هذا السياق يعدّ مفهوم” ولاية الفقيه” الذي جاء به الخميني تعبيراً عن هذا الطموح السياسي الصرف، الذي لا لبس فيه، لاحتكار السلطة، وإن اتخذ صيغة دينية أراد بها الخميني  أن تكون ذا سند أو مصدر إلهي يتعدّى إرادة البشر والتاريخ.
فصّل الخميني في كتابه” الحكومة الإسلامية” رؤيته في” ولاية الفقيه” وقصد بها أن يتقلّد المجتهد أو مرجع التقليد، أو نائب الإمام، أو المرشد جميع سلطات المهدي وصلاحياته الدنيوية حتى يتجلّى الأخير للبشر في آخر الزمان. وتنطوي هذه العقيدة على نوعٍ من التفويض الإلهي للمهمة الكوزمولوجية المقدسة للإمام الغائب للكائن الإنسان الذي يباشر الإمامة باسم المهدي.
وعبر هذا التفويض يستحيل الفقيه إلى إمام معصوم وحاكم منزّه، لا تناقش أوامره ووصاياه، التي تغدو مقدسة كذلك بالنسب. إذ طالما أن الإمامة ليست بالاختيار أو الانتخاب، وإنما هي من عند الله، فهي لأجل ذلك معصومة بالنسب المتتابع، وعليه لم يكن اعتباطاً إدعاء الخميني أن روح الله حلّت فيه، وبالتالي فإن إرادته تمثل تجسيداً للإرادة الإلهية.
إنه، على حدّ تعبيره في” كشف الأسرار”، ينوب مناب الإمام الغائب. فهو الحاكم والرئيس المطلق، له ما للإمام في الفصل في القضايا، والحكم بين الناس. والرادّ عليه كالرادّ على الإمام، والرادّ على الإمام كالرادّ على الله تعالى، وهو على حدّ الشرك بالله.
برغم هذا، يعتبر المستحكمون برقاب الشعوب الإيرانية كل التهريج السياسي والانتخابي القائم ديمقراطية من طراز خاص، ديمقراطية إسلامية مشفوعة ببركة السماء. ويتجاهل هؤلاء واقع أن فلسفة الديمقراطية تقوم على القول بالمصدر البشري الدنيوي للسلطة، وبأن القرار الإنساني الحرّ هو مبدأ كل قيمة سياسية أو أخلاقية. وأن لكل نظام اجتماعي أصلاً إنسانياً دنيوياً.
هذه الفلسفة تتعارض تماماً مع العقيدة الدينية الراسخة، التي تقول بالمصدر الإلهي للحكم والوصاية السماوية. و هي ترفض النظر، من هذا الموقع، إلى رعايا الدولة على قاعدة المساواة في المواطنة وفي الحقوق الطبيعية التي تفرضها صفتهم كبشر، والتي تكمن في طبيعة الإنسان بالذات. فحسب الكائن أن يكون إنساناً حتى تكون له تلك الحقوق وهي حقوق سابقة على أي انتماء أو وضع ديني أو قومي. وبما أنه لا يمكن لأي إنسان أن يكون إنساناً أكثر من سواه أو أقل، وبما أن صفته كإنسان لايمكن استعارتها أو التخلي عنها، مثلما أفادنا فلاسفة الحق الطبيعي، فإن كل فرد يحمل في ذاته حقه كإنسان وهذا الحق واحد لجميع الناس، بصرف النظر عن هويتهم الدينية أو القومية. هذه القناعة تتنافى مع النظرة الدينية السابقة لمصدر الحكم والغاية منه، بل وحتى مع التصور الديني للإنسان. فإذا كان النظام الديمقراطي هو شكل الحكم الذي يجسد المساواة في شعب من المواطنين، فإن الأيديولوجية والمؤسسة الدينيتين تقولان بالنظام القائم على شعب من المؤمنين وتفرضان نمطاً معيناً من الطاعة هي طاعة ” مافوق الدولة”. وكل من يتعارض في إيمانه أو رأيه مع النسق المعتقدي السائد ويختلف عنه يصبح كافراً ويغدو خارج نطاق الرعاية ويحكم عليه بالحجر.
لا ينبغي أن نتوهم بأي حال أن المساواة ممكنة في ظلّ سلطة دينية تتكئ على شرعية ماورائية ولاهوتية مجردة، وأن الديمقراطية ممكنة طالما أن هناك إرادة مطلقة تتعدى الإرادات جميعها، وإن المواطنة ممكنة في ظلّ تعريف الأفراد بموجب هوياتهم الدينية أو المذهبية أو عقائدهم. إذ لا تعود العلاقة السياسية المجردة بين المواطنين الأحرار والمتساوين ممكنة، وإنما تستحيل إلى علاقة بين رعايا قوامها الإيمان الشخصي والشعور اللاعقلاني، وتعدّ الريبة الدائمة والكراهية وغياب التسامح ناظماً لها. وتغذي السلطة الدينية هذه الانفعالات، وتميل عادة إلى توجيه الأفراد بهذا المنحى بعيداً عن مبادئ  العقل. بحيث تستحيل الاختلافات السياسية لديها إلى مجرد اختلاف في الإيمان الديني،  وتغدو المعارضة السياسية في نظرها مروقاً دينياً وهرطقة، تجابه عادة  بالقسوة والعنف الذي يغذيه الحقد الديني لدى السلطة. التي لا يعود لها من عمل سوى إرهاب المختلفين عنها سياسياً وردعهم وترويعهم دون رحمة.
© منبر الحرية، 04 يوليو/تموز 2009

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018